ناهيا تحت قضبان قطار التطوير.. تهجير وشيك وهدم مرتقب

قرية ناهيا تنتظر عمليات هدم لنحو 1200 منزل للإفساح لكوبري جديد يربط بين أحمد عرابي واللبيني
محمد الأنور

تخطط الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لهدم حوالي 1200 منزل في منطقة ناهيا التابعة لمدينة كرداسة بمصر لبناء كوبري يربط بين أحمد عرابي بمنطقة المهندسين مرورًا بعدد من القرى والمناطق الشعبية التي من بينها كفر برك الخيام وقرية ناهيا، والأخيرة ينتهي بها الكوبري في شارع اللبيني. حصلت زاوية ثالثة على خريطة -غير رسمية- كاملة للمشروع، من أحد المهندسين في القرية ناهيا، تظهر اختراق الكوبري لكتلة سكنية وتجارية، وهي ما تعرف بمنطقة “الشارع القبلي الذي سيمر الكوبري من فوقه، وهذه المنطقة معروفة بأنها شارع للمحلات التجارية.  ويُقدّر أن يخترق المشروع الكتلة السكنية بحوالي 600 متر طولًا بحسب تقديرات خرائط جوجل وعرض أكثر من 55 مترًا، مع هدم مرتقب للمنازل تحت الكوبري وعلى يمين ويسار الطريق.

جزء من التكتل السكاني الذي ستم إزالته إفساحًا للكوبري الجديد

منذ انتشار المعلومات عن بناء الكوبري بدأت العائلات المتضررة من عمليات الهدم المتوقعة والتي لم يتم اخطارها رسميًا  بعمليات الهدم حتى وقتنا الحالي بطلب اجتماعات مع مسؤولين من الهيئة الهندسية كما قدموا طلبًا للاجتماع بمحافظ الجيزة بالإضافة إلى جمع توقيعات رافضة لهدم المنازل وتقديمها لمجلس الوزراء إلا إن الأخير التزم عدم الرد.

يقول أحد المتحدثين باسم العائلات المتضررة “حاولنا الحصول على أي معلومات، وطلبنا الاجتماع مع المسؤولين سواء في الهيئة الهندسية أو محافظة الجيزة، وجمعنا التوقيعات، وشكلت العائلات المتضررة مجموعة لتمثيلها، بما في ذلك عضو مجلس الشعب عن الدائرة هند رشاد، وأحد المهندسين من أهالي القرية الذي تقدموا بأربعة طرق بديلة، وتقدمت العائلات بشكاوى لمجلس المدينة، والهيئة الهندسية، ورئاسة الجمهورية، لتقديم مقترحات لـ٤ طرق بديلة، اثنان منها على الأقل تحقق نفس الغرض دون المساس بأي من الكتلة السكانية، ومع ذلك التزمت الحكومة الصمت إلى حد كبير. استمرت استجابة جميع أجهزة الحكومة لتلك المناشدات غائبة، حتى موافقة الهيئة الهندسية أخيرًا في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على الاجتماع مع ممثلي الأهالي المتضررين وكان العقيد عصام عفيفي ممثلًا للهيئة الهندسية، كما حضر الاجتماع أيضًا الدكتور إبراهيم الشهابي، نائب محافظ الجيزة”.

صورة من خطاب أرسله أهالي قرية ناهيا إلى مجلس الوزراء

يقول راضي خالد -مهندس معماري-، أن “أهالي قرية ناهيا جرى تضليلهم، حيث أن الهيئة الهندسية بعدم المساس ببيوتهم بعد هذا الاجتماع، لكنها كانت مجرد تهدئة، وأن الهيئة تمضي قدما في المشروع” وتسائل خالد “كيف يمكن أن تعدنا بعدم المساس بمنازلنا ثم نجد منازلنا في مرحلة القياس وتحديد المناطق التي سيتم هدمها بإرسال موظفو المساحة الذين جاؤوا للقياس ووضعوا لافتات على المنازل لقياس مدى المساحات التي سيتم هدمها”.  حيث اكتشف السكان لاحقًا أن موظفو هيئة المساحة قاموا بتمييز المنازل المراد هدمها بطلاء رش ورموز بأرقام تصاعدية، بدءًا من S1 إلى S860، وهو ما أدى إلى تظاهرات شبه يومية في القرية كمحاولة للاعتراض على قرارات الهدم، وأرسل لنا خالد صورة من إعلان تم نشره في الجرائد المصرية الحكومية في 23 فبراير الماضي للبحث عن مقاولين لعلميات هدم المنازل استعدادًا لبناء الكوبري في منطقة ناهيا، وهو ما جعل أهالي القرية ينظمون مظاهرات في اليوم الثالي للاعتراض على الإصرار على الاستمرار في بناء الكوبري وهدم المنزل من دون النظر الى الطرق البديلة التي عرضها الأهالي على المسؤولين.

صورة من إعلان أرسله لنا مهندس متضرر من عمليات الهدم المرتقبة

  البدائل المطروحة من الأهالي

شكلت العائلات المتضررة مجموعة لتمثيلها، بما في ذلك عضو مجلس الشعب عن الدائرة هند رشاد، ومهندس استشاري تطوع بعرض طرق بديلة، وتقدم عائلات القرية بشكاوى لمجلس المدينة، والمحافظة، والهيئة الهندسية، ورئاسة الجمهورية، ومقترحات لـ٤ طرق بديلة، اثنان منها على الأقل تحقق نفس الغرض دون المساس بأي من الكتلة السكانية، ومع ذلك التزمت الحكومة الصمت.
مهندس من سكان الحي المتضررين، قال لنا “إن هناك طرقًا بديلة متاحة لا تتطلب هدم المنازل أو تشريد الناس. تشمل هذه الطرق البديلة المرور عبر الأراضي الزراعية أو استخدام الطرق القائمة التي يمكن تحسينها بالرصف والأسفلت”. مؤكدًا أن الطريق المقترح ليس طريقا رئيسيا بل فرعًا، وأن فوائده لا تفوق الضرر الذي سيلحقه بأهالي ناهيا.

عن جدوى تلك البدائل والسبب وراء تجاهل الهيئة الهندسية لها قال إن “البدائل تلك لن تطلب هدم المنازل وتهجير السكان، وهي أولًا، مقترح طريق ترعة عبد العال الذي يعتبر طريق موازي يربط المسار الحالي بالمريوطية بطريق اللبيني، والمقترح الآخر هو استكمال لردم الرشاح وصولاً للمريوطية واللبيني والمساحة العرضية للرشاح إلى اليمين واليسار مساحة تكفي الطريق المطلوب، دون المساس بأي من الممتلكات ودون نزع أي ملكية، ما يوفر المليارات على الدولة سواء بتكلفة الهدم والإزالة أو التعويض”.

وأضاف أن الهيئة الهندسية رفضت تلك البدائل رفضًا قاطعًا وأصرت على الاستمرار في المشروع دون تفسير منطقي، ما أثار تساؤلات حول الشفافية وشبه فساد واضحة، بتواطؤ وانتفاع المسؤول عن مناقصات الهدم من الهيئة الهندسية والمحافظة مع مقاولين الهدر، والتي جرى بالفعل الإعلان عنها في الجرائد الحكومية وحصلنا على نسخة منها، حيث إن العوائد من بيع هادر الردم من حديد وخردة، بالاتفاق مع المقاولين، تقدر عوائدها بملايين الجنيهات تنتهي إلى جيوبهم الخاصة، دون مراقبة باعتبارها “هادر هدد”، دون أي اعتبار لهدر موازنة الدولة في الهدم والتعويض لطريق له من البدائل 4، ودون اعتبار للأثر الاقتصادي والاجتماعي والأمني من تشريد آلاف الأسر المتضررة جراء تنفيذ المشروع على وضعه الحالي والذي يؤدي إلى كارثة حقيقية.

رفض التعويضات

باستقصائنا عن الأسباب التي تجعل الأهالي يرفضون التعويضات توصلنا إلى أن هذه ليس المرة الأولى التي وضعت فيها قرية ناهيا تحت قضبان قطار التطوير، حيث أن أهالي القرية الذي يملكون منازل على الطريق الأبيض الذي يبدأ من منطقة بولاق الدكرور إلى أبي رواش محافظة الجيزة، تعرضت منازلهم لحملات إزالة لتوسعة الطريق الأبيض منذ ما يقرب من عام ونصف، “لقد كانت آلية التعويض التي قدمتها الحكومة لمتضرري إزالة الطريق الأبيض غير كافية وغير عادلة” يقول أحد السكان. أن “بعض  العائلات حصلت على بدل سكن “تعويض احتماعي” لا يتجاوز 60 ألف جنيه مقابل إزالة منزل تزيد قيمته عن مليون جنيه وفي بعض الحالات قررت الحكومة أن تعطي الأهالي سعر الأرض الزراعية فقط، بسبب عدم تسجيل المنازل في الشهر العقاري”  وأنه”لم يحصل آخرون على أي تعويضات مالية حتى الآن، وآخرون لم يتقاضوا سوى 30 إلى 60 ألف جنيه على قسطين” بالإضافة إلى أنه “تم تحديد التعويض على أساس حد أقصى 25 ألف جنيه للغرفة، مخصومًا منه 5 آلاف جنيه لصندوق تحيا مصر، بغض النظر عن المساحة أو عدد السكان في الغرفة”. يعتقد الأهالي المتضررين أن آلية التعويض مشابهة لتلك المستخدمة في المشاريع السابقة، مثل الطريق الأبيض، الذي تسبب بالفعل في الإزالة في المنطقة المجاورة منذ أكثر من عام ونصف”.

أما النائبة عن الدائرة عن حزب مستقبل وطن، تهاني رشاد، وعدت الأهالي بأنها ستسعى لتعويضهم بشكل سريع، وهو ما يرفضه العائلات المهددة بالتهجير من مناطقهم، إلا أن الوحدات المقترحة من قبل نائبة مجلس الشعب كتعويض للعائلات، لم تتعدى سوى مقترح تقدمت به إلى مجلس الشعب، دون حتى إقراره أو الموافقة عليه سواء من الأهالي، أو بشكل رسمي، هي وحدات بمساحة 65 متر، أصغر من أن تتسع لعائلة مكونة من ٥ أفراد “ما يتركنا بلا مأوى ودون أي وسيلة لإعالة أنفسنا” يقول أحد السكان.  ويضيف “سننتقل من وضعنا الحالي كملاك لعقارات ومحال تجارية، إلى مشردين أو مستأجرين في مناطق المجاورة بسعر نستطيع تحمله، لا سيما بعد تضاعفت أسعار الإيجارات في جميع المناطق المحيطة بناهيا بعد الإعلان عن المشروع. قياسًا إلى ما حدث مع أقاربهم من الأهالي المتضررين من الإزالة الأقرب لهم زمانيًا جغرافيًا “الطريق الأبيض”.

وبحسب مبادرة تضامن المعنية بالسياسات العمرانية وربطها بالعدالة والاستدامة ” إن  قرية ناهيا التي تقع على الأطراف الغربية للقاهرة الكبرى لا تخدمها خطوط مواصلات عامة. فمن محطة الإسعاف بوسط القاهرة تقوم الميكروباصات بنقل الركاب إلى بولاق الدكرور، ومن هناك تعتبر الوسيلة المثلى للذهاب إلى ناهيا هي الميكروباص  أو “التوك توك”‘. ويعتبر الأخير وسيلة المواصلات الوحيدة المتاحة للتنقل داخل القرية نفسها. أما عند استخدام السيارة الخاصة، فالأفضل في هذه الحالة سلوك الطريق الدائرى حتى مَنزَل كرداسة، والاستمرار باتجاه كرداسة ثم عبور ترعة الزمر، ومن ثم الاتجاه من هناك يميناً إلى ناهيا”. وتضيف المبادرة أن “التركيبة الاجتماعية فيها ظلت محتفظة بالبنية العائلية المميزة لها؛ هذا الثبات المجتمعي ولّد لدى أهالي القرية حساً عالياً بالاعتزاز بالمكان. وكان لتأثير العائلات الكبيرة فيها، والذي يتبدى في العديد من المبادرات والجهود الذاتية بها، فاعليته في التخفيف من حدة بعض مشكلات ناهيا، مثل  مشروعهم لجمع القمامة، ومبادرتهم لبناء وحدتين لغسيل الكلى لمرضى القرية. ومن خلال جهودهم الفعالة لإشراك الإدارة المحلية والجهات الحكومية بالمحافظة فى مثل هذه المبادرات والمشروعات الذاتية، نجح الأهالى فى ناهيا فى دفع هذه الجهات لبذل مزيد من الجهد فى تقديم الخدمات التى يفتقر إليها مجتمعهم.

وعلى الرغم من تناقص مساحة الرقعة الزراعية، فإن الزراعة بقيت نشاطاً اقتصادياً هاماً كما كانت دائماً في ناهيا، خاصة مع تربتها الخصبة التي كانت عاملاً أساسياً وراء رغبة حكام مصر المتوالين في الاستحواذ عليها. هذا بالإضافة إلى عمل بعض الأهالي إما في صناعة السجاد، الذي تشتهر به قرية كرداسة القريبة، أو في صناعة المنسوجات. وثمة بالقرية تركز لعدد من مصانع الطوب الإسمنتي التي تبيع إنتاجها لسوق البناء في القاهرة الكبرى. كذلك ساعد القرب النسبى لناهيا من القاهرة على أن تكون مصدراً للعمالة اليومية وبعض فئات الموظفين. هؤلاء نجدهم يتنقلون يومياً جيئةً وذهاباً – رغم صعوبة المواصلات – بين ناهيا التي يسكنون بها والقاهرة والجيزة حيث يعملون”.

محمد الأنور
صحفي وكاتب وصانع أفلام

Search