هيومان رايتس ووتش: حرمان معارضين في الخارج من الوثائق الثبوتية



أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش بيانًا اليوم 13 مارس / آذار 2023 أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء منع المصريين المعارضين في الخارج من الحصول على وثائق الهوية.

وأوضح البيان أنه بدون الوصول إلى هذه الوثائق ، لن يتمكن هؤلاء الأفراد من الحصول على الخدمات الأساسية أو حماية حقوقهم ومنع الاستغلال ، ناهيك عن السماح لهم بالسفر بحرية أو المشاركة في الانتخابات. هذا الحرمان من الحقوق ينتهك التزامات مصر الدولية بالاعتراف بالحقوق الأساسية لمواطنيها.

تستشهد هيومن رايتس ووتش بحالات عديدة لمواطنين مصريين حُرموا من الحصول على شهادات الميلاد أو تجديد البطاقات القومية وجوازات السفر. وقالت المنظمة ” إن السلطات المصرية ترفض منهجيا في السنوات الأخيرة إصدار الوثائق الثبوتية أو تجديدها لعشرات المعارضين، والصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان المقيمين في الخارج. يبدو أن الرفض يهدف إلى الضغط عليهم للعودة إلى مصر ليواجهوا الاضطهاد شبه المؤكد”.

وأضافت: “أدى تعذّر استصدار شهادات الميلاد أو تجديد الوثائق الأساسية كجوازات السفر والبطاقات الشخصية إلى عرقلة إحقاق الحقوق الأساسية للمعارضين في الخارج وأفراد أسرهم الذين يعولونهم. قوّض ذلك فعليا قدرتهم على السفر والعيش والعمل بشكل قانوني، وأحيانا هدد قدرتهم على الحصول على الرعاية الطبية الأساسية والخدمات التعليمية أو لمّ شملهم مع أفراد أسرهم الآخرين”.

قال أدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تشدد حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الخناق على المعارضين في الخارج بحرمانهم من الوثائق الثبوتية الأساسية. بعد إطلاق العنان لسحق المعارضة الداخلية والاعتراض العلني من خلال الاعتقالات الجماعية والمحاكمات الجائرة والتعذيب المتفشي أثناء الاحتجاز، تكثف الحكومة جهودها لمعاقبة الموجودين في الخارج وإسكاتهم”.

قابلت هيومن رايتس ووتش 26 معارضا، وصحفيا، ومحاميا مصريا يعيشون في تركيا، تركيا وألمانيا، وماليزيا ودولة أفريقية وقطر، ودولة خليجية أخرى من يونيو/حزيران إلى ديسمبر/كانون الأول 2022، وراجعت عشرات الوثائق كالمراسلات المكتوبة، وجوازات السفر، والوثائق الرسمية، ونماذج تتعلق بقضايا تسعة من الذين تمت مقابلتهم. 17 كانوا يمتلكون شكلا من أشكال تصاريح الإقامة المؤقتة أو الدائمة، وثلاثة قدموا طلبات لجوء، بينما يعيش 16 مع أزواجهم أو زوجاتهم وأطفالهم في الخارج، وحُرم أقرباء 10 أفراد من الوثائق.

قالت المنظمة  أن “المعارضون المصريون يواجهون في تركيا تحديات إضافية لأن القنصلية المصرية في إسطنبول أغلقت أبوابها فعليا أمام المصريين منذ العام 2018 تقريبا”. وقال الأشخاص الذين قابلتهم هيومان رايتس ووتس “إن السلطات لا تقبل طلبات التوثيق الرسمي إلا من خلال صفحتها على “فيسبوك”، بينما تلزم المتقدمين بجميع الطلبات تقريبا بملء نماذج غير رسمية خارج نطاق القانون، راجعتها هيومن رايتس ووتش. تتطلب هذه النماذج تفاصيل خاصة مثل سبب مغادرتهم مصر وروابط حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي”.

أبلغ مسؤولو القنصلية المتقدمين بشكل معتاد أن جميع الطلبات يجب أن تحظى بموافقة الأجهزة الأمنية في مصر قبل أن تقدم القنصلية طلباتهم إلى السلطات المختصة. منعت هذه الممارسة آلاف المصريين في تركيا من تقديم طلبات روتينية للحصول على وثائق رسمية، بما فيها جوازات السفر والبطاقات الشخصية.

وأوضحت  هيومان رايتس ووتش أنه “تسببت سياسة عدم التسامح مع أي شكل من المعارضة التي تنتهجها حكومة السيسي بإحدى أكبر موجات الهجرة إلى الخارج المنبثقة عن دوافع سياسية في تاريخ مصر الحديث. ووفقا للأرقام والتقديرات الحكومية الرسمية المنشورة في السنوات الأخيرة، يعيش ما بين 9 و14 مليون مصري في الخارج. ومن بين هؤلاء، يعيش عشرات الآلاف في المنفى لتجنب القمع في الداخل، وفقا لتقديرات تقارير إعلامية وحقوقية”.

قال المعارضون والنشطاء الذين تمت مقابلتهم إنه يكاد يستحيل الطعن قانونا في رفض السلطات المصرية منح الوثائق الرسمية، لا سيما عندما ترفض السفارات والقنصليات التعامل مع طلبات التوكيل لتفويض محامين في مصر نيابةً عن الموجودين في الخارج. لم يتلق أي من الذين تمت مقابلتهم رفضا رسميا كتابيا. قال أولئك الذين تلقوا ردا شفهيا إن مسؤولي السفارة أو القنصلية أبلغوهم فقط أن الأجهزة الأمنية لم توافق على إصدار الوثائق. طلب المسؤولون من البعض صراحة العودة إلى مصر “لحل مشاكلهم” مع الأجهزة الأمنية. في حالات أخرى، لم يقدم المسؤولون أي رد أو قالوا فقط إن الطلبات معلقة منذ أشهر أو سنوات دون تفسير أو رفض رسمي.

قال الغالبية إنه ليس لديهم قضايا جنائية معلقة ضدهم في مصر. إلا أن ستة قالوا إن السلطات المصرية صنفتهم قانونا بأنهم “إرهابيون” بموجب قانون تعسفي وتشوبه عيوب في مصر، يمنع تلقائيا الأشخاص المعنيين من الحصول على جوازات سفر أو تجديدها. قال المصنفون كـ “إرهابيين” إن السلطات، بالإضافة إلى رفض تجديد جوازات سفرهم، رفضت منحهم وثائق أخرى كشهادات الميلاد والبطاقات الشخصية أو التوكيل القانوني الرسمي، وجميعها إجراءات تعسفية غير منصوص عليها حتى بموجب قوانين الإرهاب المصرية القاسية والتي تشوبها عيوب.

قال مهندس مصري يعيش في ألمانيا مع زوجته وأطفاله لـ هيومن رايتس ووتش إن إجراءات تجنيسه في ألمانيا توقفت بسبب انتهاء صلاحية جواز سفره، ما أدى أيضا إلى بطلان تصريح إقامته في ألمانيا. قال إن السلطات المصرية رفضت إصدار جواز سفر جديد له لأنه موضوع تعسفا على قائمة “الإرهاب” المصرية منذ 2018 مع مئات آخرين، بناء على قرار قضائي صادر دون جلسات استماع ودون تمكينهم من الطعن في الادعاءات في إجراءات عادلة.

بحرمان مواطنيها في الخارج تعسفا من جوازات سفر سارية وغيرها من الوثائق الثبوتية، تنتهك السلطات المصرية كُلا من الدستور المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان. بموجب القانون الدولي، يحق لكل فرد أن يُعتَرف به كشخص أمام القانون في كل مكان، بالإضافة إلى حقه في تسجيل المواليد.

ينبغي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن يأمرا الأجهزة الأمنية والبعثات الدبلوماسية فورا بإنهاء جميع المعوقات الخارجة عن القانون التي تقف بوجه إصدار وثائق ثبوتية وتسهيل مثل هذه الطلبات. كما ينبغي للدول التي تستضيف معارضين متأثرين ألا ترحّل أي شخص إلى مصر، إن كان عُرضة لخطر الاضطهاد أو التعذيب أو غيره من الأذى الجسيم عند عودته، وأن تسمح للأشخاص الذين يعبرون عن هذه المخاوف بتقديم طلب اللجوء. عند تقييم طلبات اللجوء هذه، ينبغي للحكومات و”المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” وغيرهم من محكّمي اللجوء أن يأخذوا بعين الاعتبار التقارير التي توثق القمع المستمر في مصر وكذلك عجز العديد من المعارضين في الخارج عن الحصول على وثائق ثبوتية.

قال كوغل: “تصدير الحكومة المصرية القمع عبر سفاراتها وقنصلياتها في الخارج يهدف إلى تدمير سبل عيش المصريين في المنفى وأصبح جانبا مهما من هجومها المستمر على جميع أشكال المعارضة”.

 وتقول هيومان رايتس ووتش أنه منذ أن أطاح الجيش بحكومة محمد مرسي المنتخبة ديمقراطيا في يوليو/تموز 2013، أشرفت حكومة الرئيس السيسي على حملة قمع واسعة ضد المنتقدين استهدفت في البداية أعضاء فعليين أو متصوَّرين في جماعة “الإخوان المسلمين”، التي حظرتها الحكومة آنذاك، قبل أن تتوسع بسرعة إلى خنق جميع أشكال المعارضة بوحشية.

وتضيف أنه “يؤثر الحرمان من جوازات السفر، والبطاقات الشخصية، وشهادات الميلاد، وغيرها من الوثائق المدنية بشكل كبير على الحقوق الأساسية الأخرى مثل الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، والعمل؛ والحق في الحياة الأسرية؛ وحرية التنقل؛ والحق في مغادرة الوطن. جميع البلدان مُلزمة بتسجيل مواليد الأطفال وضمان حقهم في الجنسية. بما أنه غالبا ما يتم التعامل مع جوازات السفر على أنها الدليل الرئيسي على الجنسية والهوية المعترف بها خارج البلد الأصلي، فإن الحرمان من جوازات السفر قد يضع الأشخاص في وضع يشبه انعدام الجنسية”.

Search