بدأ الأمر همسًا، كظل يمر سريعًا دون أن يلاحظه أحد. بعض المستخدمين يواجهون صعوبة في الوصول إلى زاوية ثالثة. لم يكن الأمر واضحًا في البداية، فقد بدت الشكاوى متفرقة، بلا رابط يجمعها. لكن شيئًا فشيئًا، اتضح النمط: شبكة فودافون كانت أول من استجاب للحجب، ثم لحقت بها شبكات أخرى، بعضها أغلق الباب تمامًا، وبعضها تركه مواربًا، يسمح بالعبور أحيانًا ثم يمنعه في لحظات أخرى، كأن الأمر متروك للمصادفة، لكنه لم يكن كذلك.
لم يكن القلق مجرد افتراض. في ليلة 15 فبراير، بدأ الحجب. لكننا لم نقفز إلى استنتاجات متسرعة كعادتنا عند جمع المعلومات وتحليلها ثم تقديمها للجمهور مؤكدة. فحصنا الموقع، بحثنا عن أي خلل تقني، تواصلنا مع خبراء مستقلين. حتى ليلة 19 فبراير، حين جاءنا التأكيد القاطع: زاوية ثالثة حُجبت في مصر. لم يكن ذلك نتيجة خطأ تقني، بل قرارٌ اتُخذ في جهة ما، مجهولة لنا، قررت أن ما نقدمه لم يعد مرغوبًا فيه.
كيف يُحجب موقع؟ ولماذا ينجح الدخول أحيانًا؟
حين يُفرض الحظر، لا يكون دائمًا مطلقًا، ولا يكون بالوضوح ذاته على كل الشبكات. فالأمر لا يُنفذ بضغطة زر واحدة، بل بآليات متباينة، كما لو أن بعض الشبكات مترددة، أو تتلقى تعليمات غير مكتملة.
تم تنفيذ الحجب باستخدام تقنية “هجوم إعادة الضبط” (Reset Attack)، وهي طريقة لا تُغلق الموقع بوضوح، بل تقطع الاتصال به كلما حاول المستخدم الوصول إليه. كأن يدًا خفية تتدخل في كل محاولة دخول، تتركها تبدأ ثم تقطعها فجأة. هذه الآلية تجعل الوصول إلى الموقع أشبه بلعبة احتمالات: ينجح أحيانًا، ويفشل في أغلب الأحيان. تختلف فاعلية الحجب بين الشبكات، ولهذا قد يتمكن البعض من الولوج بينما يُمنع آخرون. لكنها ليست صدفة، بل هندسة مُصممة لتبدو كذلك.
من يختار للجمهور ماذا يقرأ؟
ما الذي يجعل جهة ما تقرر أن موقعًا صحفيًا لم يعد يجب أن يكون متاحًا؟ ما الخطر في أن تُتاح للناس أكثر من زاوية للرؤية؟ أي تهديد يمثله التحقق، والتدقيق، والمهنية؟
لسنا أول من يواجه هذا المصير، ولن نكون الأخيرين. قائمة المواقع المحجوبة طويلة، وبعضها لا يمتلك حتى موقفًا سياسيًا واضحًا. ما يجمع بينها هو أن هناك من اختار، نيابة عن الجمهور، أن هذه المساحات يجب ألا تُقرأ، ألا تصل، ألا تكون.
لكن الحجب ليس مجرد إجراء تقني، بل قرار فلسفي، موقف مما تعنيه المعرفة، وماذا تعني الحقيقة. فحين يُحظر موقع، فالمقصود ليس فقط منعه من الظهور، بل إعادة تشكيل ما هو ممكن أن يُقال، وما هو مسموح أن يُفكر فيه، وما هو متاح للناس أن يعرفوه.
نحن هنا، وسنبقى
نحن صحفيون. نؤمن أن الصحافة ليست امتيازًا تمنحه سلطة، ولا صوتًا يُسكت بإغلاق نافذة. عملنا قائم على الدقة، والتحقق، والاستقلالية، وهذه قيم لا يمكن حجبها. قد يُمنع موقعنا من الظهور في مصر، لكن الحقيقة لا تُمنع عن من يسعى إليها.
قراؤنا يستحقون صحافة ذات جودة، تستحق أن تُقرأ، وتُحترم. ولهذا، سنواصل العمل، وسنجد الطرق التي تضمن استمرارنا، سواء عبر نطاقات جديدة، أو منصات بديلة، أو أي وسيلة أخرى تتيح لنا القيام بعملنا كما ينبغي.
إذا كان هناك من يرى في الحجب نهاية، فنحن نراه بداية أوسع عنوانها الحق في المعرفة، حرية الصحافة، واستقلال الحقيقة عن أي محاولة احتكار.