الزاوج غير الرسمي في مصر.. طريقك إلى الاستعباد والعنف

تتعرض النساء في مصر لصور متعددة من العنف، والذي أصبح ظاهرة مزمنة وهو أحد أكثر انتهاكات حقوق المرأة شيوعًا، خاصة تلك التي تتم في داخل المنزل وهو المكان الذي تمارس فيه عادة التفرقة المستندة إلى النوع الاجتماعي،
رباب عزام

 

تتعرض النساء في مصر لصور متعددة من العنف[1]، والذي أصبح ظاهرة مزمنة وهو أحد أكثر انتهاكات حقوق المرأة شيوعًا، خاصة تلك التي تتم في داخل المنزل وهو المكان الذي تمارس فيه عادة التفرقة المستندة إلى النوع الاجتماعي، وتبدو الصورة أكثر خطورة إذا تعلق العنف بالفتيات من القاصرات في مراحل عمرهن المبكرة، ومن أبرز صور العنف الموجه ضد الإناث في مصر، الزواج المبكر أو ما يعرف بزواج القاصرات. وهو زواج غير رسمي (غالبًا ما يكون تحت مسمى زواج عرفي معلن أو غير معلن)، يخالف القوانين التي أقرتها مصر فيما يختص بتحديد سن الزواج.

وقبل العام 2008، كان سن الزواج الرسمي للفتاة هو 16 عام (القانون المصري يقر أن الطفل هو ما دون ال18 عام من عمره)، وكان القانون يبرر ذلك بأن “بنية الأنثى تستحكم وتقوى قبل بنية الصبي، كما أن ما يلزم لتأهيل الفتاة للمعيشة الزوجية يتم تداركه في زمن أقل مما يلزم الصبي”، وهو منظور قانوني مستند إلى الفتاوى الشرعية التي تجيز تزويج الفتيات في أعمار صغيرة، طالما انتظم لديهن الحيض وإن كن مازلن في سن 10 سنوات، ويقع في إطار الصورة النمطية المجتمعية للأنثى على أنها أداة لتفريغ الشهوات الجنسية ووعاء للحمل والولادة والخدمة المنزلية فقط، دون النظر لحقوقها الإنسانية، وعليه تفاقمت مشكلة زواج القاصرات إلى أن وصلت حد الظاهرة، حتى جاء العام 2008، حينما صدر القانون رقم 126 لسنة 2008 والمعدل عن القانون رقم 134 لسنة 1994، وأضاف المشرع المادة 31 مكرر والتي منعت توثيق عقد الزواج لكلا الجنسين ما لم يبلغ كلاهما 18 عام ميلادية كاملة، ليرتفع بذلك سن الزواج القانوني للفتاة من 16 عاما إلى 18 عام.

لكن هل تكفي التشريعات الموجودة للحد من ظاهرة الزواج المبكر (زواج القاصرات)؟

ثغرات قانونية

 

هناك تشريعات كثيرة أقرها المشرع المصري، لكن المشكلة تكمن في التطبيق العملي لها، خاصة وأن كون المشرع رجلًا فإن تأثيره على القانون يشكل عقبة كبيرة في سَنه القوانين الخاصة بالعنف ضد المرأة، فيبقى متأثرًا بالبيئة التي تحيط به، ومن ثم نجد أن هناك خللا في عدد من القوانين الخاصة بالعنف ضدها، خصوصا الجرائم التي تتم داخل الأسرة وتدور حول الزواج المبكر، فدائما ما يكون في ذهن المشرع “ذكوريته” ويرى أن المرأة لا تستحق تقرير المصير كونها “ناقصة عقل ودين” وبالتالي لابد من وجود ولي لأمورها يتحكم في حياتها بطريقة أو بأخرى.

نص الدستور المصري في المادة 80 على أنه يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ونصت المادة الخامسة من القانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن الأحوال المدنية والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 أنه “لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 عاما، ويعاقب تأديبيا كل من وثق زواجا بالمخالفة لأحكام هذه المادة”. وهذه المادة تفتح الباب أمام تحايل ولي الأمر الطبيعي تجاه القانون، حيث يشترط المشرع فقط عدم توثيق عقد الزواج إلا حين بلوغ الفتاة السن القانوني، لكنه ترك الأمر مباحًا حال الزواج قبل السن الرسمي تحت ما يسمى بالزواج العرفي، وبحضور شاهدين والموظف الشرعي الذي يأخذ على الزوج تعهدًا كتابيًا بإتمام الزواج متى تبلغ الفتاة الـ18 عام من عمرها.

و ينص قانون العقوبات في مادته 227 أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو غرامة لا تزيد عن 3 آلاف جنيه لكل من أبدى أمام السلطة العامة ببيانات بقصد بلوغ أحد الزوجين السن القانوني للزواج، كما يعاقب بالحبس أو غرامة لا تزيد عن 50 جنيها كل شخص حمله القانون سلطة إبرام عقد زواج وهو يعلم أن أحد الطرفين لم يبلغ السن المحدد في القانون”، وتشمل العقوبة كلا من الولي المسؤول والموظف الشرعي والشهود فقط. كما ينص قانون 64 لسنة 2010 أنه “يعتبر الزواج المبكر من بين حالات الاتجار بالبشر وعقوبته مؤبد وغرامة 100 ألف جنيه للوالي المسئول عن إتمام الزيجة”.

و يعاني المجتمع من ظاهرة تزويج القاصرات وعدم وجود عقوبة للرجل الذي يتزوج من فتاة صغيرة، ما يعد ثغرة في القانون، ففي مصر 117 ألف حالة زواج أطفال من سن 10 سنوات حتى 17 سنة، وذلك بحسب إحصائية حديثة لجهاز الإحصاء الرسمي.

وبالرغم من محاولات النظام الحاكم لضبط المسألة، لكن منظومته تعرضت للعديد من الانتهاكات، فضلا عن إساءة استخدام علاقة الزواج في ارتكاب أعمال منافية لحقوق النساء في مصر، فظهرت أشكال عديدة من الزواج غير الرسمي غير معترف بها قانونيًا، لكن الأعراف الاجتماعية تبيحها تحت مسمى الزواج العرفي وله أشكال عديدة، مثل: زواج المتعة أو المسيار، والزواج المؤقت، والزواج القبلي (يعرف أيضًا بزواج السُنة أو الهِبة)، وزواج الصفقة (يعرف أيضًا بالزواج السياحي) وكلها أشكال للزواج غير الموثق رسميًا، ظهرت كنوع من التجارة بالبشر وخاصة المرأة، من خلال استغلالهم جنسيا أو في أعمال قسرية.

القانون المصري رقم (1) لسنة 2000، المنظم لمسائل الأحوال الشخصية، يقرر في المادة (17/2) منه أنه “لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقود الزواج ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية”.

زواج الصفقة

 

يعتبر زواج الصفقة أو ما يعرف بالزواج السياحي، أحد أشكال الاتجار بالنساء في مصر، فأصبحت الفتيات في سن صغيرة، تعرض كسلعة تباع وتشترى في صفقة تتم من خلال ما يعرفون بـ سماسرة الزواج السياحي، ومحام أو مأذون يكتب عقد الزواج العرفي، وبين ولي أمر الفتاة القانوني وزوج أجنبي، عادة ما يكون من إحدى دول الخليج العربي، والذي غالبًا ما يكبرها بضعف عمرها على الأقل، ويضع الثري العربي مغريات مادية أو وعود بتوفير فرص عمل في الخارج لأقارب الفتاة من الذكور.


في تقرير لجهاز الإحصاء الرسمي في العام 2008، ظهر أن عدد زيجات الصفقة من أزواج عرب، 2812 حالة زواج، منها 742 فلسطيني، و 223 سعودي، و19 كويتي، و139 أردني، و966 زوج مجهول الجنسية.
ويقصد بزواج الصفقة تزويج فتيات أو نساء مقابل أغراض مادية، بشكل مؤقت، ما يجعله باطلا من الناحية الدينية، ويعد زواجا قسريا ويصنف كأحد أنواع الاتجار بالبشر، ونوع من التمييز على أساس النوع وإجبار الفتاة على الزواج والتضحية من أجل مستوى معيشي أفضل لعائلتها، ووفقًا لتقارير ودراسات عديدة فإن محافظات الجيزة والقاهرة والشرقية والفيوم، هي الأكثر جذبًا للزواج السياحي، وأوضحت دراسة  للجنة مكافحة ومنع الهجرة الشرعية والاتجار بالبشر بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة في العام 2011  أن العرب من دول الخليج هم الأكثر إقبالا على هذا النوع من الزواج من مصريات. وأشارت الدراسة إلى أن منطقتي البدرشين والحوامدية الواقعتين بمحافظة الجيزة هما الأعلى نسبة في تسجيل هذا النوع من الصفقات، حيث سجلت قرية (منى الأمير) بمركز الحوامدية، النسبة الأعلى، إذ وصلت إلى 14.9 في المئة، تليها قرية (العزيزية) بمركز البدرشين بنسبة 10 في المئة، ثم قرية (أبو لاشين) بنسبة 8 في المئة، وقرية (السهران) بنسبة 7 في المئة، وهما تابعتان لمركز الحوامدية بالجيزة. وهو أيضًا ما أكدته دراسة[2] للباحثة عزة كامل، في العام 2015، حين رصدت أن أغلب المشاركين في زواج الصفقة في مدينة الحوامدية وقراها، رجال من دول الخليج العربي، وفي مقدمتهم السعودية، تليها الإمارات، والمملكة الأردنية ثم الكويـت.

وتنتشر ظاهرة زواج الصفقة أيضًا في بعض قرى محافظة الغربية مثل: مركز بسيون (قرية كوم النجار)، مركز سمنود (قرية ميت بدر حلاوة)، مركز المحلة الكبرى (قرى الهياتم، العامرية، دنوشر، السجاعية).

ويشهد المجتمع في السنوات الأخيرة صعودا في أعـداد الأزواج المنتمين لدولة الإمارات، وربما يتأثر ذلك بصعود العلاقات السياسية أيضًا بين حكومتي القاهرة وأبو ظبي، وتؤرخ الدراسات لبداية الظاهرة في نهاية فترة السبعينات، مع استقرار معدلاتها إلى أن تزايدت في التسع سنوات الأخيرة، كما أنهـا انحرفت عن الإطار القانوني للـزواج الرسمي الـذي بـدأت بـه، وذلك بـزواج الرجال المسنين والمعاقين مـن صغيرات وبعقود وهمية.

وفي دراسة حديثة ظهر أن 74 في المئة من زواج القاصرات تم بأحد الأشكال الممنوعة قانونًا، وتم ضبط 9531 مخالفة توثيق زيجات دون السن القانوني، واحتلت العاصمة القاهرة المرتبة الأولى بعدد 4102 حالة، يليها المنصورة في محافظة الدقهلية شمال القاهرة بعدد 3383 حالة، ثم مدينة طنطا بمحافظة الغربية في دلتا مصر بعدد 934 حالة. كما أن أغلب الحالات لا تستطيع الجهات الرسمية حصرها لأنها تتم في شكل عقد عرفي غير موثق لدى مأذون شرعي.

الزواج القبلي

ينتشر مفهوم القبيلة في مصر لدى السكان في مناطق سيناء ومطروح و الواحات في الصحراء غرب العاصمة وبعض محافظات صعيد مصر، ويعتبر زواج الأقارب ركيزة أساسية في المجتمع القبلي، دون النظر إلى الكفاءة بين الزوجين أو أعمارهما، حيث يعتبرون أن من يعول عليه حماية الفتاة يجب أن يكون زوجًا يقربها، ولا يحق للفتاة الصغيرة اختيار شريكها، ويعود القرار لولي أمرها مباشرة.

وفي المجتمع القبلي السيناوي يتم الاتفاق على تزويج الفتاة من قريب لها قبل بلوغها في نوع من الهبة، وحين تبلغ الفتاة تجتمع القبيلة في احتفال قبلي ويمنح الأب ابنته إلى زوجها دون عقد رسمي لكن وسط حضور كافة رجال القبيلة. وكان يكتفى أن يقدم والد العريس نبتة خضراء تسمى “قصلة” لوالد العروس وبهذا يعقد الزواج، وحديثًا بدأت القبائل في تسجيل عقود الزواج متى بلغت الفتاة السن القانوني للزواج. ونجد أنه من العسير الحصول على إحصاءات دقيقة بشأن الزواج القبلي في سيناء أو غيرها من المناطق التي ما زالت تتمتع بنظام القبيلة.

وتعود ظاهرة زواج الأقارب إلى عوامل ثقافية واجتماعية. ففي بعض الثقافات، تشكل الظاهرة وسيلة للحفاظ على النسب؛ وفي ثقافات أخرى، تعتبر وسيلة للمحافظة على ملكية الأسرة من التوزع والتشتت وخروج الثروة عن محيط الأسرة خاصة ملكية الأراضي الزراعية. ويظهر ذلك جليًا في الزواج القبلي  بمحافظات صعيد مصر مثل سوهاج وقنا والأقصر وأسيوط، وفي قبائل مثل: الهوارة والجعافرة والأشراف والعبابدة.

حسب التعداد السكاني لمصر في العام 2017، فإن عدد المواطنين المتزوجين تحت السن الرسمي بلغ 18.3 مليون ‏مواطن، تُمثل حالات زواج القاصرات المسجلة نسبة 14 في المئة منها، بينما يحتل صعيد مصر وحده 40 في ‏المئة من تلك الزيجات والتي تتم وفقًا لمنظومة الزواج القبلي.‏

الزواج المؤقت وزواج المتعة والمسيار

شاع في المجتمعات الخليجية زواج غير رسمي عرف بزواج المسيار أو زواج الزيارة، وانتقل إلى مصر مع مطلع الألفية الجديدة بعد فتوى رسمية اعتمدها شيخ الأزهر وقتئذ محمد سيد طنطاوي في العام 1999 تبيحه، حيث يزور الزوج زوجته في منزلها أو منزل أهلها، وهو الذي أصبح ذريعة لانتشار مثل تلك الحالات بين مصريين وسوريات تعشن على أرض مصر، كما أن هناك ما عرف بزواج “المسفار” وفيه يقصد طالب العلم من دول الخليج في إحدى الجامعات المصرية الزواج من فتاة مصرية خلال فترة الدراسة فقط، ويطلقها قبيل عودته إلى وطنه. وإلى جانب سماسرة الزواج والمكاتب المختصة، ظهر حديثًا مواقع متخصصة على تطبيقات التواصل الاجتماعي الالكترونية، لتسهيل هذا النوع من الزواج.

 وتتنازل فيه المرأة تحت وطأة الحاجة الاقتصادية ورغبتها في الاقتران بشريك، عن شروط مهمة؛ كشرط المبيت المنتظم، والسكن، والنفقة، وربما عدم الإنجاب، وليس من المستبعد أن يكون ضمن عوامل ظهور هذا النمط من الزيجات، الفقر المتزايد داخل المجتمع المصري. وبالرغم من انتشاره في مصر خلال السنوات الماضية إلا أنه لا توجد أية مؤشرات إحصائية تدل على حجمه وتوضح الظروف والأوضاع التي يظهر فيها.

الآثار المترتبة

أظهر تعداد مصر للعام 2017 أن زواج الأطفال لا زال يمثل مشكلة؛ إذ إن واحدة تقريبا من بين كل عشرين فتاة 4 في المئة في الفئة العمرية من  15 إلى 17 عاما متزوجة أو سبق لها الزواج، وبالنسبة للفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين  15 و19 سنة يرتفع المعدل إلى واحد من بين كل عشرة، مع وجود فروق كبيرة بين المناطق الريفية والحضرية.

وتمثل عواقب زواج الأطفال في مصر مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتسرب من المدارس، وارتفاع خطر الإصابة بالأمراض، وارتفاع معدلات الخصوبة بما يساهم في الزيادة السكانية وزيادة الأطفال غير المقيدين بالسجلات الحكومية، مشكلة كبيرة لدى النظام المصري، فما بين القوانين التي تحاول الدولة وضعها للحفاظ على الأطفال دون زواج قسري، وما بين الثغرات الممثلة داخل القانون والتي يتحايل عليها ولي الأمر والمختص بتسجيل عقود الزواج، وأيضًا رجال الدين الذين يؤيدون أن زواج الفتاة نوع من العفة والسترة، وبعض الفتاوى أيضًا التي تسمح بزواج الصغيرات متى بلغن، تبقى النساء في مصر معرضات لخطر الانتهاكات المتكررة من قبل أصحاب السلطة من الرجال، وربما من النساء أنفسهن.

المخاطر والآثار التي تنتج عن زواج القاصرات، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، وفي كلتا الحالتين لا يمكن تجاهل تأثيرها على الفتاة ومستقبلها، ويتمثل تأثيره على الفتاة الصغيرة من جوانب عدة، نفسية، واجتماعية وصحية وحتى اقتصادية..

صحيًا، تتعرض النساء لمشكلات صحية جسدية ونفسية متعددة، فقد كشفت دراسة حديثة للباحثة عزة الجزار تحت عنوان “العبودية الحديثة”، عن ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الجنسية بين الفتيات في مركز الحوامدية، ومنها الزهري وفيروس الالتهاب الكبدي “بى” والإيدز، بسبب ما يسمى بـ”الزواج السياحي” بين أثرياء عرب وفتيات من المدينة الملاصقة لغرب النيل جنوب العاصمة القاهرة. كما أكدت دراسة للجمعية المصرية للخصوبة أن معدل الإجهاض المتعمد في مصر يصل إلى  15 في المئة لكل 100 مولود. وأن 8 حالات فقط من بين 1000 سيدة متزوجة بصورة رسمية يقمن بإجهاض أنفسهن، ولغير المتزوجات تصل نسبة الإجهاض لنحو 75 حالة فى الألف. كما يتم إجبار كثير من الفتيات اللاتي يتعرضن للزواج القسري على الخدمة والعمل بالدعارة، إذ تصف معظم الفتيات المتزوجات قبل سن 18 تجربتهن الجنسية الأولى بالاغتصاب أو الإجبار. ويشكل الزواج المبكر خطرًا كبيرًا على صحة الفتيات، فيكن عرضة للإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة وأعراض الاكتئاب.

قانونيا، تتعرض النساء نتيجة علاقات الزواج غير الرسمي، لمصاعب قانونية، بدءًا من محاولة إثبات عقود الزواج العرفية، إلى محاولة إثبات نسب الأطفال الناتجين عن مثل تلك الزيجات، ومحاولة الحصول على حقوقهم المشروعة من الإرث أو النفقة وغيرها، وفى إحصائية أخيرة لمحاكم الأسرة المصرية أثبت أن عدد دعاوى “نفي النسب” الناتج عن الزواج العرفي في مصر، قد وصل لـ5 آلاف قضية في العام 2016 فقط، بينما أقيمت 12 ألف دعوى إنكار نسب.

وكانت منظمات حقوقية نسائية مصرية قد أطلقت حملات تشير فيها إلى الكوارث الناتجة عن الزواج المبكر والقسري، وفي تقرير لها كشفت أن المحاكم المصرية في الفترة من نهاية العام 2004 وحتى العام 2005، نظرت ما يقرب من 558 قضية إثبات نسب أقامتها مصريات ضد أزواجهن العرب. واحتل رجال كويتيون رأس القائمة بواقع 252 قضية، وجاء السعوديون تاليًا بواقع 122 قضية، في حين جاء الإماراتيون والعمانيون والبحرينيون في المركز الثالث بواقع 184 قضية.

أظهرت أحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، أن بلغ عقود الزواج العرفي الموثقة خلال عام 2018 حوالى 139.1 ألف عقد، مسجلة انخفاضًا بنسبة 6.7 في المئة عن العام 2017، الذى شهد توثيق 149.2 ألف عقد.

اجتماعيًا، تتعرض الفتيات ممن سبق لهن الزواج لكثير من الوصم الاجتماعي، خاصة في حالات الزواج السياحي، حتى أنه من الصعوبة أن تتزوج الفتاة بشكل طبيعي، وتلجأ كثير من الفتيات مجبرة إلى تكرار تجربة الزواج السياحي لأكثر من مرة، حتى أن بعضهن قد يتزوج من رجال آخرين قبل انقضاء شهور العدة الشرعية، وقد تلجأ بعضهن للعمل في الدعارة، خاصة وأن المجتمع المحيط ينظر لمثلهن نظرة تحقير وازدراء، ويصفهن بتشبيهات سيئة وعدائية. وتنظر الفتيات ممن خضن غمار تجربة الزواج المبكر، لأنفسهن، على اعتبار أنهن سلعة يجب استثمارها، فيعاملها ذويها على أنها مصدرًا للمال الذي يساعدهم على بناء منازل وشراء أراض والتوسع في مشروعات تجارية.

وأشارت معظم الدراسات إلى أن الزواج المبكر یعد من الأسباب الرئیسیة لفقر المرأة ” تأنيث الفقر” وذلك نتیجة الأثر المباشر للزواج المبكر والفقر من خلال أن معظم الفتيات المتزوجات في سن مبكرة لا يحصلن على قدر كاف من التعليم أو ما يؤهلهن لدخول سوق العمل، وتكون المرأة بذلك أكثر عرضة للفقر حیث لا یكون لدیھا خبرات أو مھارات تدّر مردود مالي یساعدھا على النھوض بالأسرة أو نفسها من دائرة الفقر.

تعليميا، حسب الجهاز الرسمي للإحصاء، فهناك ارتفاع نسبة الأمية بين من سبق لهم الزواج في الفئة العمرية أقل من 18 عام، فتبلغ حوالى 40 في المئة، كما أن نسبة التسرب من التعليم بينهم مرتفعة أيضًا وتقدر بـ36 في المئة، وأيضًا مثلت الإناث غير الحاصلات على أي مؤهلات علمية ممن خضن تجربة الزواج العرفي في العام 2018، 67.8 ألف عقد، تليها الحاصلات على شهادة متوسطة بـ26.7 ألف عقد، بينما لم يتعد عدد الحاصلات على مؤهل جامعي 516 عقدًا.

ورغم محاولات النظام المصري للحد من ظاهرة الزواج المبكر وأنماطه المختلفة، إلا أن الأعراف المجتمعية سواء القديمة (القبلية) أو الوافدة نتيجة الفقر، تظل هي صاحبة الكلمة العليا.


[1] تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري: https://idsc.gov.eg/Newsletter/View/5715

[2] عرضت الدراسة في ندوة إقليمية أقيمت في بيروت في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، بعنوان “التزويج المبكر للفتيات في ظل الانتقال الديمقراطي والنزاعات المسلحة).

رباب عزام
صحفية استقصائية مصرية، مهتمة بالصحافة الحقوقية والعمالية، ومقدمة برامج إذاعية، وباحثة في دراسات شرق إفريقيا الناطقة بالسواحيلية.

Search