جمال عيد: بعض مؤيدي النظام يؤيدونه خوفًا.. لا يمكن استمرار الحكم بالقمع والإفقار (حوار)

جمال عيد:عندما تفقد الثقة في العدالة ستفقدا يسود قانون الغابة ويأخذ الناس حقوقهم بأيديهم
أحمد جمال زيادة

■ النظام ليس لديه إرادة سياسيّة للإصلاح واحترام سيادة القانون، ويسعى جاهدًا لاتّخاذ خطوات شكليّة تجمّل صورته بالحوار الوطنيّ.

■ حتّى الآن لم أرصد مؤشّرًا لانتخابات مختلفة عن المسرحيّات الانتخابيّة الرئاسيّة السابقة.

■ إذا كانت الانتخابات جادّة؛ أعتقد أنّ الفرصة الوحيدة ستكون لأحمد طنطاوي، وبالتّالي فيجب الالتفاف حوله.

■ عندما يفقد الناس الثقة بالعدالة سيفقدون الثقة بقدرة القانون على حمايتهم أو إعطائهم حقوقهم، فنتيجة لهذا يسود قانون الغابة، ويأخذ الناس حقوقهم بأيديهم.

■ الحكم الآن بالدبّابة. ولا يمكنك أن تحكم شعبًا فترة طويلة بالحديد والنار. الشيء الوحيد الّذي يمكن أن يطول حكم الحديد والنار هو عندما يكون النظام قادرًا على إطعام الناس.

■ يحاولون إيقافنا عن النقد رغم أنّ القانون يتيح ذلك، ونحن يجب أن نشجّع الناس على النقد ولا نعطي من يحاول أن يخلق الخوف في المجتمع الفرصة لارتكاب هذه الجريمة.

■ أخاف، الخوف شعور إنسانيّ رغم صعوبته. لكنّ الأصعب منه أن تكون متواطئًا.

في منتصف الثمانينات، كان عائدًا من جامعة عين شمس حيث يدرس القانون، ورأى واقعة مهينة لكرامة مواطن مصريّ، كان معاون مباحث قسم البساتين في القاهرة؛ قد أجبر مواطنًا على ارتداء ملابس سيّدات في الشارع، ويضربه بغرض الإذلال وإهانة كرامته، وجعله عبرة لمن في الشارع. هذا ما قاله لنا جمال عيد المحامي المصريّ الحقوقيّ، الّذي يعتبر أنّها كانت نقطة تحوّل في حياته، وأنّها بداية وجود ناشط حقوقيّ بارز سيدير فيما بعد إحدى أهمّ المنظّمات المصريّة للدفاع عن حرّيّة التعبير وهي الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان الّتي أغلقت العام الماضي. قال عيد “كنت حينها في كلّيّة حقوق، وعلّمونا أنّ القانون يعاقب المجرم، لكن لا ينبغي أن يهدر كرامة المواطن على أيدي من يفترض أنّهم ينفّذون القانون، لقد كان مشهدًا ساديًّا لا يمكنني نسيانه؛ والمؤلم أنّ البعض حولي كان يتعامل مع الأمر أنّه عاديّ، كان نظام مبارك يحاول أن يجعل الانتهاكات تبدو أنّها أشياء عاديّة.

كنت وما زلت مصرًّا على أنّ نظام مبارك هو الّذي قتله في السجن إرضاء للصهاينة، كطالب حقوق وجدت أنّ هناك مشكلتين؛ الأولى أنّ النظام يدّعي الوطنيّة، ويقتل جنديًّا إرضاء لمن هم أعداء الوطن؛ وادّعاء الوطنيّة هو الملاذ الأخير للأوغاد. والثانية أنّهم يوظّفون القانون لخدمة السياسة؛ والقانون يجب أن يكون محايدًا ومنصفًا، لا يمشي على سطر، ويترك الآخر ولا يكون في خدمة سلطة، أو يستخدم لقمع الناس.. جمال عيد

سليمان خاطر الّذي قال عيد أنّ حادث مقتله قد أثّر فيه؛ هو جنديّ مصريّ أطلق النار في 1985 على متسلّلين إسرائليّين بمنطقة رأس برقّة جنوب سيناء؛ وقتل منهم 7 أشخاص. أحيل إلى المحاكمة العسكريّة الّتي أصدرت ضدّه حكمًا بالسجن المؤبّد 25 سنة، بعدها نقل إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا، وفي 7 يناير 1986 أعلنت الإذاعة، ونشرت الصحف خبر انتحاره، ولم يحقّق في الواقعة وأغلقت القضيّة”.

أوضح عيد أنّ الواقعتين السابقتين تركتا أثرًا في حياته، والنتيجة “أنا أعمل متطوّعًا في حقوق الإنسان من عام 1989 حتّى عام 1993، وكنت مديرًا في مجموعات العفو الدوليّة الّتي رفض الأمن المصريّ اعترافه بفرعها في مصر؛ منذ عام 1993 حتّى الآن احترفت حقوق الإنسان، ومررت بالعديد من المؤسّسات الحقوقيّة”؛ تابع عيد؛ “حقوق الإنسان ليست وظيفة يمكنك التخلّي عنها، إنّها مبادئ ندافع عنها، ويجب أن نستمرّ في الدفاع عن الحقوق، سواء كنّا في مؤسّسة أو أفراد” يقول عيد ردًّا على سؤال إذا كان سيتوقّف عن العمل الحقوقيّ في ظلّ المناخ العامّ المغلق.

وإلى نصّ الحوار..

لماذا لم تشارك في الحوار الوطنيّ؟ 

مع الإعلان عن بدء الحوار الوطنيّ، تشكّكت، ونتيجة لخبرتي وثقتي بأنّ النظام ليس لديه إرادة سياسيّة للإصلاح واحترام سيادة القانون، ويسعى جاهدًا لاتّخاذ خطوات شكليّة تجمّل صورته فقط دون تحسين فعليّ لحالة الحرّيّات مع غياب العدالة، وكنت أتمنّى أن أكون مخطئًا؛ لكن للأسف استمرّ هذا النظام في القمع وإهدار العدالة والحرّيّات للمصريّين، ولم يدرك أنّ هذا ليس ولن يكون الحلّ للمأزق الّذي أوقع نفسه فيه. عندما بدأ الحوار الوطنيّ أدركت أنّه مثله مثل خطوات شكليّة سابقة كالإستراتجيبة الوطنيّة لحقوق الإنسان، وإنهاء حالة الطوارئ وتشكيل لجنة عفو وتشكيل جديد للمجلس القوميّ لحقوق الإنسان، كلّها -بلا استثناء- خطوات للاستهلاك الإعلاميّ وتجميل الصورة، ليصدّق المثل، تمخّض الجبل فولد فأرًا! أصبح الحوار فرصة لالتقاط الصور وحشو الصحف والبرامج الإعلاميّة بكلمات طنّانة وجدل عقيم لم يستفد منه المواطن بأيّ شكل؛ ولا تحرّك الوضع الحقوقيّ المأزوم قيد أنملة للأمام. وقد تكون الخطوة الذكيّة الوحيدة، هي عدم دعوتي إلى هذا الحوار؛ ومن ثمّ لم أشارك به، ممّا فوّت الفرصة لأن أعلن رفضي للمشاركة في تجميل صورة وتزيين واقع مأساويّ وتضليل الناس.

كيف ترى انتخابات الرئاسة المصريّة المقبلة؟

حتّى الآن لم أرصد مؤشّرًا؛ لأنّها ستكون انتخابات مختلفة عن المسرحيّات الانتخابيّة السابقة، ليثبت النظام والسلطة أنّهما عند سوء ظنّنا بهما. لكنّي لا أعطي لنفسي الحقّ لأصادر على المستقبل، إذ إنّني ورغم تشكّكي في جدّيّة النظام، أتمنّى أن يفعلها ويعود إلى جادّة الصواب بإتاحة الفرصة للمصريّين لاختيار من يدير شؤون بلادهم بحرّيّة ونزاهة، وإذا حدث، فأعتقد أنّ الكرة ستكون في ملعب المعارضة الديمقراطيّة الّتي “إذا تمّت انتخابات حقيقيّة جادّة” يجب عليها ألّا تشتّت المواطنين، وتفتّت الأصوات بإعلان أكثر من معارض ترشّحه؛ حيث إنّ تعدّد المرشّحين المحسوبين على خندق المعارضة المدنيّة الديمقراطيّة سيكون بوّابة استمرار هذا النظام عبر تفتيت الأصوات.

هل تؤمن بوجود مرشّح محتمل جادّ؟

إذا كانت الانتخابات جادّة؛ أعتقد أنّ الفرصة الوحيدة ستكون لأحمد طنطاوي، وبالتّالي فيجب الالتفاف حوله، ولو بمنطق “الجبهة المتّحدة” أو التحالف المدنيّ لانتشال مصر من عثرتها. قد لا يكون أحمد الطنطاوي هو المرشّح المثاليّ، وأنا لديّ اختلافات معه في أمور كثيرة، لكن في الوقت نفسه، هو الأقرب لمواقفنا والأوفر حظًّا، وقد يكون المخرج الوحيد من الحكم العسكريّ الحاليّ. لكنّي أؤكّد مجدّدًا أنّها فقط أمنيّات، وأراها بعيدة للأسف، حيث تشير موجة الاعتقالات الجديدة المتعلّقة بالانتخابات الرئاسيّة وصدور قرار بمنح عدد من المؤسّسات الحقوقيّة لمتابعة ومراقبة الانتخابات سواء المحلّيّة أو الدوليّة، للأسف الكثير جدًّا منها متواطئ ويفتقد للمصداقيّة، يوضّح أنّها لن تكون انتخابات، بل أيّ شيء آخر غير الانتخابات.

ما تعليقك على البلاغ الّذي قدّمه كمال أبو عيطة ضدّ هشام قاسم، والّذي أدّى إلى حبسه 6 أشهر؟

 ما فعله كمال أبو عيطة يشير في حدّه الأدنى إلى تردّي وغياب الفهم والمصداقيّة للعمل السياسيّ، وفي تفسير آخر أنّه مدفوع من السلطة للانتقام من هشام قاسم. أي أنّ كمال أبو عيطة يتراوح بين التهافت السياسيّ والاستقواء بعدالة مختلّة وبين خدمة صريحة للنظام وتحوّله لأداة بيد السلطة. ما حدث هو سقوط لكمال أبو عيطة بشكل جليّ.

كمحام؛ ما تقييمك لمنظومة العدالة الحاليّة؟

تردّي وتدهور منظومة العدالة في مصر هو شيء محزن ومفزع، لقد تدهورت منظومة العدالة بشكل لم أره في حياتي وأنا محام أعمل منذ أكثر من 30 سنة، والحقيقة أنّي خائف؛ لأنّ الناس عندما يفقدون الثقة بالعدالة سيفقدون الثقة بقدرة القانون على حمايتهم أو إعطائهم حقوقهم


فنتيجة لهذا يسود قانون الغابة، ويأخذ الناس حقوقهم بأيديهم. وتقييمي لمنظومة العدالة قد يكون أوضح عندما أقول لك أنّه لو لديّ القدرة سوف أحاكم وزير الداخليّة بجنحة، لكنّي سأحاكم مسؤولي القضاء بما فيهم النائب العامّ كجناية.

الأخطر والأسوأ هو التردّي الّذي اقترب إلى الانهيار في منظومة العدالة، وغياب العدالة هو أخطر شيء على أيّ مجتمع، يمكننك أن تصلح جهات تنفيذيّة، حكومة، وزارة داخليّة، صحّة، تعليم، وإعلام في عام أو عامين كحدّ أقصى، وذلك حسب حجم الفساد المستشري في هذه الجهات؛ أمّا العدالة تحتاج على الأقلّ إلى 10 أعوام من أجل إصلاحها؛ لأنّ القضاة لا يمكن فصلهم من العمل، يمكن إقالة وزير واستبداله، لكنّ القاضي ستحتاج إلى أن تضغط عليه حتّى يرحل وتضع مكانه جيل جديدًا من القضاة. 

ما الفرق قبل يناير 2011 والآن؟

قد يظهر أنّ قبل ثورة يناير أفضل؛ وفي بعض الأمور كان بالفعل أفضل، لكن عندما تبحث وتدقّق ستكتشف أنّ الآن زيادة وعي الناس بالمظالم أشدّ. قبل يناير الفساد والقمع كانا عنيفين، لكن لم يكن الجمهور واعيًا بذلك، الآن الجمهور لديه نقلة في الوعي جعلته يرى المظالم بحجمها الطبيعيّ، ولم يعد يقلّل من حجم المظالم كما كان يحدث في عهد مبارك. أيّام مبارك كان التعذيب منهجيًّا، لكنّ الناس لا تراه فلا تصدّق. الآن الوعي زاد فحتّى لو التعذيب بالحجم نفسه أيّام مبارك، إلّا أنّهم يشعرون به أكثر بسبب وعيهم، وهكذا الشعور بالعدالة وانتهاكات الداخليّة. لكن إذا تقصد المقارنة بين الأنظمة، 

فالنظام الحاليّ أكثر توحّشًا من نظام مبارك. مبارك حكم 30 سنة، وكان كلّ 10 سنوات يحكم بشيء مختلف، مرّة بالإعلام، مرّة بالخطاب الوطنيّ، مرّة بالقمع. أمّا النظام الحاليّ، فقد فعل كلّ هذا، وبدأ حكمه بالحديد والنار لدرجة أنّه قضى على كلّ أسلحته، لا يوجد إعلام والاتّهامات المكرّرة بأنّ كلّ من يعارض هو إخوان لا يصدّقها أحد، لذا الحكم الآن بكلّ وضوح هو حكم بالدبّابة. شعبيّة النظام الحاليّ كانت أكثر من شعبيّة مبارك، لكنّه فقدها بسرعة كبيرة جدًّا، لقد خسر في 10 أعوام ما خسره مبارك في 30 سنة.

ولا يمكنك أن تحكم شعبًا فترة طويلة بالحديد والنار؛ الشيء الوحيد الّذي يمكن أن يطول من حكم الحديد والنار هو عندما يكون النظام لديه القدرة على إطعام الناس وإنقاذهم من الفقر لا إغراقهم فيه، القذّافي مثلًا كان يحكم؛ لأنّ لديه نفطًا، وكانت الناس قادرة على العيش في رخاء وقادرة على وجود الطعام، فيحكم بالحديد والنار لكن يطعمهم، هذا صعب أن يستمرّ. نهاية، أحبّ أن أؤكّد لك أنّ هناك عددًا كبيرًا من مؤيّدي النظام الحاليّ يؤيّدونه خوفًا وليس دعمًا. 


لماذا قرّرت إغلاق الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان؟

أوّلًا: قانون العمل الأهليّ الجديد جائر، ورغم أنّي استمعت إلى آراء بعض زملائي الشبكة بأن نحاول العمل في ظلّ القانون الجديد؛ إلّا أنّني وجدت رفضًا صريحًا لوجودنا. أحد شروط تواجدنا أن نكون متواطئين، ولا يجب بأيّ حال من الأحوال أن نتحوّل من مؤسّسة تدافع عن حرّيّة التعبير إلى مؤسّسة متواطئة مع من يقمعون حرّيّة التعبير.

ثانيًا: استمرار استهداف الشبكة باعتقال موظّفيها وباحثيها والضغط عليهم من الأمن بأن يتركوا العمل معنا أو أن يجنّدوا لصالح الأمن، كان موقفًا صعبًا جدًّا بالنسبة لي، أنا يمكنني أن أتحمّل نتيجة مواقفي لكنّي لا ينبغي أن يدفع غيري ثمن مواقفي من السلطة.

ثالثًا: هناك كم من الملاحقات والانتهاكات والتشويه الإعلاميّ ضدّنا؛ أنا نفسي فوجئت بعددها عندما كنّا نرصد عدد الانتهاكات ضدّنا في آخر بيان أصدرناه، فكان الأفضل أن نغلق ونحن محافظون على اسمنا ومصداقيّتنا.

رابعًا: باعتبار أنّي ما زلت متّهمًا في قضيّة 173، المعروفة إعلاميًّا بقضيّة منظّمات المجتمع المدنيّ، فأنا ممنوع من التوقيع على أوراق، ولا يمكننا فتح حسابات بنكيّة، كما أنّني ممنوع من السفر.


لماذا ترى أنّ قانون منظّمات المجتمع المدنيّ جائر؟

القانون، مثله مثل استراتيجيّة تعامل النظام المصريّ مع حقوق الإنسان، يحاولون جعله جيّدًا، لكنّه ليس كذلك، يصعب على من هو ليس مرتبطًا بالعمل الحقوقيّ أو المجتمع المدنيّ أو حتّى الأجانب أن يلاحظوا مساوئه. القانون في الحقيقة ليس أن تبلغ أنّك أنشأت جمعيّة فقط، لكنّ الإجراءات المتعلّقة بإنشاء جميعة تحتاج إلى موافقات أمنيّة، مثل إنشاء حساب بنكيّ، اختيار اسم الجمعيّة وغيرها من الخطوات. بالإضافة إلى أنّه في القانون الجديد يمكن للسلطات أن تتدخّل في الإدارة، وأن توقف نشاطات معيّنة بناء على تقييمها، حتّى إنّ لديهم القدرة على إقالة مجلس الإدارة. الأمن في ظلّ القانون الجديد يتحكّم في كلّ شيء، المصارف تحتاج إلى موافقة أمنية لفتح حساب بنكيّ، حتّى لو كانت كلّ أوراقك كاملة، اختيار اسم الجمعيّة يحتاج إلى موافقة إلى أمنية؛ كما يمكنهم وقف نشاط معيّن في العمل بزعم أنّه عمل سياسيّ، والحقيقة أنّ حقوق الإنسان متّصلة جدًّا بالسياسيّة، لكنّها ليست حزبيّة. كما أنّ هناك خطرًا واضحًا للأمور المتعلّقة بحقوق الإنسان في دولة معروفة بانتهاكاتها للحقوق، وأتحدّث هنا عن أمور متعلّقة بحرّيّة التعبير كقضايا السجناء السياسيّين، واستقلال القضاء، وسوء المعاملة. هذا القانون في كلمة واحدة قانون شرّير. فأنت لو نجحت في تنظيم حملة لحرّيّة التعبير يمكنهم إيقافها، ويفرضون عليك غرامات، ويستولون على الإدارة، هذا قانون يليق بنظام بوليسيّ.

هل وصلتك تهديدات أمنيّة؟

تلقّيت تهديدات قبل الاعتداء على، بعد الاعتداءات أيضًا كانت تأتيني رسائل بشكل غير مباشر عن طريق استدعاء بعض من يعملون معي، ويؤكّد عليهم ألّا يبلغوني، لكنّهم متأكّدون أنّ البعض سيحكي لي ما حدث، “احنًا هنفضل وراه لحدّ ما نكسره”.

(يقصد عيد بالاعتداء عليه، الاعتداء الّذي وقع في ديسمبر 2019، والّذي وجّه خلال في خلال التحقيقات اتّهامًا رسميًّا لوزير الداخليّة اللواء محمود توفيق، بالمسؤوليّة عن الاعتداء الّذي وقع عليه، وذلك “بوصفه مسؤولًا عن أفعال العاملين في الوزارة”، وفقًا لما ذكره المحامي طارق خاطر الّذي حضر التحقيقات).

ألا تخاف بعد التهديدات أو الاعتداءات المتكرّرة؟

طبعًا أخاف، الخوف شعور إنسانيّ رغم صعوبته. لكنّ الأصعب منه أن تكون متواطئًا، وإذا أنا أمامي خيار التواطؤ أو الخوف سأختار الأخير، أن تعيش بحذر وبعض الخوف، أفضل من أن تعيش منافقًا ومتواطئًا.

أريد أن أقول لك أنّه حتّى التواطؤ هذه السلطة لا تقبله، لا يمكنك أن تكون في المنتصف إمّا أن تكون أحمد موسى، أو لا تكون. ورغم أنّي مرتاح لقرار الإغلاق، لأنّي تخلّصت من الضغط والعبء المتعلّق بالخوف على فريق العمل، إلّا أنّي توقّفت عن العمل كمؤسّسة، لكنّي لم أتوقّف عن العمل، وما زلت محاميًا حقوقيًّا، يمكنني الآن أن أكون فردًا أدافع عن العدالة بالطبع أنا أقلّ من حيث الإمكانيّات، لكنّي أكثر قدرة على الحركة.

كيف ترى الجيل الصغير من المدافعين عن حقوق الإنسان؟

الجيل الصغير من الحقوقيّين، أنا بدعيّ لهم يكفيهم أمراض الجيل الّذي أنا منه والجيل الّذي قبلي؛ لأنّ هذا الجيل يواجه صعوبات أكثر بكثير، لكن لديه القدرة على الابتكار أفضل منّا. لقد حصلت طعنات في جيلنا في ظلّ المنافسة والتواطئ. الجيل الجديد مشاكله أقلّ، لكنّ ظروفه أصعب، وأنا متفائل به بسبب ابتكاراته. بعد يناير عملوا حركة وليدة مضغوطة تحت الحصار، لكنّها حركة رغم ضعفها. منى سيف، رشا عزب وماهينور، هذا الجيل يحارب حربًا أكثر توحّشًا من الحرب الّتي كان يحاربها جيلي لكنّها أنجح؛ وبسبب هذا الجيل الشديد أنا غير قلق على مستقبل المدافعين الحقوقين، لكنّي حقًّا أتمنّى أن يزيد هذا العدد.

هل هناك جديد بشأن القضيّة 173 الّتي تمنعك من السفر؟

هذه القضيّة بها تزييف، القضيّة معمولة لسببين الأوّل معاندة الأمريكان؛ لقد رفعوا شعارًا لن نركع أمام الأمريكان، فزحفوا أمامهم وتركوا الأمريكان أحرارًا، وحبسونا نحن في بلدنا. السبب الثاني، هو استمرار حصار الحقوقيين المستقلّين الّذين ليسوا كثيرًا. يريدون أن نكون عبرة لكلّ من يعمل في المجتمع المدنيّ بشكل غير متواطئ. أريد أن أقول إنّه رغم أنّي مرهق من هذا وممنوع من السفر، لكنّي فخور أنّي في هذه القضيّة الّتي تضمّ عددًا من الحقوقيّين الجادّين؛ لأنّ هذا معناه أنّ عملنا مؤثّر. وأريد أن أضيف تعليقًا أيضًا بخصوص هذا الموضوع “هناك بالفعل منظّمات فاسدة؛ كان يجب أن تكون مشكلة النظام معهم فقط، لكنّ الغريب أنّ العاملين في هذه المؤسّسات الفاسدة يوظّف العديد منهم في المجلس القوميّ لحقوق الإنسان.

لماذا لم نعد نراك في الإعلام المصريّ؟

هناك قائمة سوداء أرسلها الأمن لوسائل الإعلام، ولا يسمح لي بالظهور إعلاميًّا، والحقيقة أنّ هذا الإعلام ليس الّذي أتمنّى الوجود فيه، الإعلام الّذي له قيمة ستجد أخبارنا فيه طول الوقت.

كما أنّ الإعلام الأهمّ الآن هو إعلام الشبكات الاجتماعيّة الّتي أنت فيها صانع الإعلام والمؤثّر، وبوضوح عندما أكتب (بوست) ويراه آلاف على تويتر وأنا عندي مليون وشويّة؛ هذا أفضل وأشرف من الظهور في برنامج محمّد الغيطي، ويراه نحو 30 شخصًا هم غالبًا العاملين في القناة، أريد أن أقول لك أنّي توقّفت عن الردّ على بعض الإعلاميّين لأنّي كنت أشهرهم بالردّ.

لماذا يهاجمك الإعلام؟

بسبب عملي المتعلّق بحرّيّة التعبير وقدرتي على توظيف النقد وحرّيّة التعبير عند أعلى سقف ممكن، دون أن أخرق القانون، فأنا لا أشتم ولا أسبّ لكنّي قادر على النقد بشكل موجع؛ وهذا يزعجهم؛ فكان ينبغي على الإعلام الرسميّ والإعلام التابع أن يعمل على التشهير بي وتشويه صورتي كردّ فعل على ما أكتبه. كما أنّهم يفعلون هذا لتشويه سمعتي، فمثلًا يلعبون على محرّكات البحث، بحيث عندما تبحث عن جمال عيد أو حسام بهجت ستجد عشرات الأخبار الّتي تسبّ فينا، ولا تنشر المعلومة الّتي أنت مصدرها. إذا بحثت عن حسام بهجت مثلًا؛ بدلا من أن ترى تصريحًا له أو دراسة؛ أو تقرير لجمال عيد أو بيان أو مقال ستجد عشرات الشتائم؛ إنّها محاولة طمس لعملنا والإساءة إلينا.

لكنّ هناك جانبًا إيجابيًّا؛ أنّ أكثر هؤلاء الصحفيّين اتّرموا في المزابل، أكتر من شتمني في التاريخ هم محمّد الغيطي وتامر عبد المنعم وليلى عمارة. عندما تبحث عنهم الآن لن تجد لهم أيّ تأثير أو وجود، الغيطيّ مثلًا صاحب أكبر أكذوبة وهي أكذوبة قائد الأسطول السادس، فعندما ترى من يهاجمك ويشوّه صورتك تشعر بالفخر أنّك لست في صفوفهم، فأحيانًا غباء وتدنّي ورخص الإعلاميّين الّذين يعملون ضدّك يكون في صالحك.

وأريد أن أقول إنّهم يحاولون إيقافنا عن النقد، رغم أنّ القانون يتيح ذلك، ونحن يجب أن نشجّع الناس على النقد، ولا نعطي من يحاول أن يخلق الخوف في المجتمع الفرصة لارتكاب هذه الجريمة.

أحمد جمال زيادة
صحفيّ استقصائي مصريّ؛ رئيس تحرير زاوية ثالثة، حاصل على ماجستير علوم سياسيّة وعلاقات دوليّة من جامعة بروكسل الحرّة، وعلى ليسانس تاريخ وحضارة من جامعة الأزهر بالقاهرة، عضو نقابة الصحفيّين المصريّين. يكتب في ملفّات السياسة والحقوق والاقتصاد.

Search