كيف تحولت تجارة الأدوية منتهية الصلاحية إلى سوق مربحة؟

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وغياب الرقابة، تزدهر تجارة الأدوية منتهية الصلاحية في مصر، من مواقع التواصل إلى الصيدليات والأسواق الشعبية. تحقيق زاوية ثالثة يكشف تفاصيل شبكة سرية تبيع الوهم للمصريين وتعرض حياتهم للخطر.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

لم تكن رانيا (24 عامًا) تتوقع أن استعدادها لحفل زفافها سيحمل لها تجربة مريرة. بينما كانت تبحث عبر الإنترنت عن مستحضرات تجميل وأدوية للعناية بالبشرة والشعر، ظهر أمامها إعلان مغرٍ على فيسبوك: المنتجات التي تحتاجها بنصف السعر. لم تتردد كثيرًا، تواصلت مع البائع المجهول، الذي طمأنها بجودة المنتجات وفاعليتها. دفعت 1200 جنيه عبر محفظة إلكترونية، وانتظرت الطرد بفارغ الصبر.

خلال أسبوع من الاستخدام، بدأ القلق يتسلل إليها. شعرت بغثيان متكرر، وظهر طفح جلدي على بشرتها. حين فحصت التواريخ المطبوعة على العبوات، اكتشفت أن جميع المنتجات منتهية الصلاحية منذ أكثر من عام! سارعت إلى التواصل مع الصفحة التجارية، لكن الرد جاء بالمماطلة، ثم التجاهل، وأخيرًا الحظر. أدركت أنها وقعت ضحية احتيال إلكتروني، فلم تجد أمامها سوى كتابة تحذير في إحدى المجموعات النسائية، لتنبه الفتيات من الوقوع في الفخ نفسه.

لم تتوقع شيماء أن دواء “أركاليون”، الذي وصفه لها الطبيب للتخفيف من الإرهاق، سيقودها إلى مواجهة صادمة مع واقع بعض الصيدليات في مصر. قبل عام، اشترته من صيدلية في مركز المراغة بمحافظة سوهاج، كان سعره أقل قليلًا من المعتاد، لكنها لم تشكّ في الأمر. بعد أسبوع من تناوله، وبينما كانت تمد يدها إلى العلبة، لاحظت تاريخ انتهاء الصلاحية: مرّ أكثر من عام على انتهاء مفعوله! شعرت بالذعر، وعادت إلى الصيدلية تطالب بتفسير. حينها، اكتشفت أن البائع ليس صيدليًا، بل مجرد مساعد بلا ترخيص. حاول التهرب، لكنه اضطر للاتصال بالصيدلي بعد أن هددته بفضح الأمر. جاء الأخير مسرعًا، قدّم اعتذاره، وأكد لها أن الدواء فقد 10% فقط من فاعليته لكنه “غير ضار”، قبل أن يعيد لها المال. خرجت شيماء بعبرة واحدة: لن تثق مجددًا بأي دواء دون فحص تاريخ صلاحيته بنفسها.

لكن التجربة لم تكن مجرد حادثة عابرة. بعد شهور، حين مرض طفلها ذو السبعة أعوام بالتهاب الحلق، وصف له الطبيب مضادًا حيويًا. ذهب زوجها إلى صيدلية أخرى، وعاد به إلى المنزل. شيماء، التي أصبحت أكثر حذرًا، فحصت العلبة على الفور. المفاجأة: الدواء منتهي الصلاحية منذ ستة أشهر! تساءلت: ماذا لو لم تتأكد؟ ماذا لو تناول طفلها الدواء؟ أدركت أن المشكلة لم تكن في صيدلية واحدة، بل في منظومة أكبر تغيب عنها الرقابة، حيث تُباع الأدوية المنتهية دون رادع، بينما يدفع المرضى الثمن.

وفقًا لتصريحات سابقة لرئيس شعبة الأدوية، علي عوف، تنتشر في مصر مصانع غير مرخصة تقوم بشراء الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، ثم تعيد تغليفها بتواريخ مزيفة وتطرحها مجددًا في الأسواق، مما يعرض حياة المستهلكين لخطر بالغ. وأضاف عوف أن جهاز حماية المستهلك ضبط خلال الفترة الماضية مصانع مخالفة تعيد تدوير بعض أدوية الأورام عبر إزالة تاريخ الصلاحية المنتهي وطباعة آخر جديد، قبل توزيعها عبر المخازن والصيدليات، مشيرًا إلى أن حجم هذه التجارة غير المشروعة يُقدَّر بنحو 3 مليارات جنيه.

ورغم خطورة الظاهرة، كشف عوف أن شركات الأدوية لم تسحب أدويتها منتهية الصلاحية من الأسواق منذ سبع سنوات، ما يفاقم الأزمة ويمنح السوق غير الرسمية مساحة أوسع. في محاولة للحد من انتشار هذه الظاهرة، أصدر الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان، قرارًا في فبراير الماضي يُلزم المنشآت الطبية بإعادة الأدوية والمستلزمات الطبية منتهية الصلاحية إلى الشركات الموردة، ومنع إعدامها إلا بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة وموافقة الجهات المختصة. ومع ذلك، لا يزال التساؤل قائمًا حول مدى قدرة القرار على ضبط السوق ومواجهة تلك التجارة التي تتسع باستمرار.

 

نوصي للقراءة: حقنة قاتلة.. كيف تحولت المضادات الحيوية إلى خطر يهدد حياة المصريين؟


أدوية في الأسواق الشعبية

خلال الأشهر الأخيرة، وجدت زينب نفسها في دوامة البحث عن أدوية ضغط الدم وداء السكري لوالدتها المسنة، دون جدوى. في كل مرة تذهب إلى التأمين الصحي، تعود بالإجابة نفسها: “العلاج غير متوفر”. في الصيدليات، ارتفع السعر إلى الضعف، وأحيانًا لم يكن الدواء متاحًا أصلًا. لم تكن تملك رفاهية شرائه من السوق السوداء، فمعاش زوجها الراحل بالكاد يكفي لتأمين الطعام وسداد فواتير الكهرباء والمياه.

لكن في أحد الأيام، بينما كانت تتجول في سوق وكالة البلح ببولاق أبو العلا، لفت انتباهها مشهد لم تألفه من قبل: امرأة تجلس على الرصيف، تفترش أمامها علبًا وأشرطة دواء من كل الأنواع، وتصيح في المارة: “أي شريط دواء بخمسة جنيهات، وأي علبة بعشرة”. توقفت للحظات، ترددت، لكنها تذكرت أن الأدوية نفسها تُباع في سوق الجمعة. لم تسأل عن المصدر، لم تفكر في الصلاحية، كل ما خطر ببالها هو والدتها التي تحتاج هذا الدواء بشدة. دفعت النقود، حملت العلب الموضوعة داخل كيس بلاستيكي أسود، وغادرت السوق، مطمئنةً إلى أنها وجدت حلًا، دون أن تدرك أنها ربما اشترت خطرًا جديدًا.

وفي الوقت الذي لم تكترث فيه زينب لتاريخ صلاحية الأدوية مجهولة المصدر التي اشترتها من السوق، كونها مثل قطاع واسع من الأسر الفقيرة في مصر، – التي أدت الأزمة الاقتصادية وخفض سعر صرف العملة المحلية لنحو 50.60 جنيه للدولار، وارتفاع نسبة التضخم التي سجلت في ديسمبر 2024، 23.3%، بحسب بيانات البنك المركزي، إلى تراجع قدرتها الشرائية، و اضطرارها إلى خفض النفقات على الصحة بنسبة 43٪، واللجوء لعلامات تجارية منخفضة الجودة بنسبة 70٪ – ؛ فإن شابًا التقط صورة لأدوية تباع بالشارع في سوق الأحد بوكالة البلح، دون رقابة، ونشر الصورة في 19 يناير الماضي، عبر منصة “ثريدز”، كاشفًا عن أنه لاحظ وجود عبوات دوائية منتهية الصلاحية.

 وسرعان ما انتشرت تدوينته وصورة الأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أيام من الواقعة، أعلنت هيئة الدواء المصرية، في الـ27 من يناير المنقضي، أنها تمكنت بالاشتراك مع الأجهزة الأمنية المعنية من ضبط مجموعة من الأشخاص، بأحد الأسواق بنطاق محافظة القاهرة، وبحوزتهم كميات من الفيتامينات ومستحضرات التجميل منتهية الصلاحية، وذلك وفقًا لما تم رصده من شكاوى متعددة، وعدد من مواقع التواصل الاجتماعى والمواقع والمنصات الإخبارية التي تداولت معلومات وصور بوجود بيع أدوية خارج الصيدليات المرخصة من عدد من الأشخاص غير الصيادلة في أحد الأسواق العامة بالقاهرة، بالإضافة إلى ما تم تلقيه من الشكاوى بهيئة الدواء المصرية تفيد بتداول الأدوية ومستحضرات التجميل خارج المؤسسات الصيدلانية المرخصة.

وكشفت الهيئة عن شن حملات مشتركة على السوق الذي يعقد يوم واحد أسبوعيًا، وتم ضبط مجموعة من الأشخاص بنطاق محافظة القاهرة “محل البلاغ”، وهم من غير المختصين بمزاولة مهنة الصيدلة والقائمين على بيع تلك المستحضرات، حيث تم ضبط كميات من مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة وغيرها من المستحضرات الخاضعة للرقابة، كما ضبطت بحيازتهم كميات من الفيتامينات المختلفة بالإضافة إلى كميات ضئيلة من المستحضرات الدوائية، كما تم ضبط مستحضرات غير مسجلة ومكملات غذائية منتهية الصلاحية، ووصل إجمالي عدد العبوات المضبوطة إلى ما يقرب من 700 عبوة وأغلبها غير موضح عليه تاريخ الصلاحية، وأنه تم تحريز المضبوطات وتحرير ستة محاضر للعرض على النيابة المختصة لاتخاذ ما يلزم بشأنها.

 

نوصي للقراءة: من يتحكم في دواء المصريين؟ السوق السوداء تتصدر المشهد


تجارة الأدوية منتهية الصلاحية

رصدت زاوية ثالثة انتشار تجارة نشطة للأدوية منتهية الصلاحية عبر مجموعات على فيسبوك مخصصة لتداول هذه الأدوية، إلى جانب صفحات وحسابات تابعة لكيانات مجهولة تدّعي العمل في مجال الدواء، مثل لايف فارم، الحمد فارما، المصطفى، أوفرسيز لتبديل الإكسبير. ينشر مندوبو هذه الكيانات، إضافة إلى حسابات مجهولة، منشورات داخل مجموعات خاصة بالصيدلة وتجارة الأدوية في مصر، يعرضون فيها شراء عبوات ألبان الأطفال، والمكملات الغذائية، ومستحضرات التجميل، والأدوية التالفة التي ترفض شركات التوزيع استرجاعها. يتم ذلك مقابل استبدالها بمنتجات أخرى، مثل المنشطات الجنسية (الفياجرا، إريك، فايركتا، نابي فيت) أو مستلزمات صيدلية (سرنجات، فرش أسنان)، إضافة إلى أدوية شائعة مثل (بنادول، كتفلام، باي ألكوفان، ديكسا، زوركال، أوبلكس، فوار فواكه، أقراص استحلاب، فيتاسيد ج).

ورغم رفض بعض الصيادلة لهذه العروض وتحملهم الخسائر المادية الناجمة عن إعدام الأدوية منتهية الصلاحية، فإن آخرين يتجاوبون مع المندوبين، ويبرمون صفقات لبيع هذه الأدوية بخصومات تصل إلى 75% أو استبدالها بمنتجات أخرى. بعضهم يبحث داخل مجموعات الصيدلة عن مشترين لهذه الأدوية، إما مقابل مادي بعد تخفيض كبير، أو لاستبدالها بمنتجات تدر ربحًا للصيدلية.

تقول الصيدلانية هناء محمد لـزاوية ثالثة إن شركات توزيع الأدوية تسترجع فقط 1% من قيمة المسحوبات الشهرية للصيدليات، مع اشتراط أن تكون العبوة كاملة، مما يدفع الصيادلة إلى تقليل مشترياتهم تجنبًا للخسائر. كما يحاول بعضهم بيع الأدوية القريبة من انتهاء الصلاحية كبدائل لأدوية مطلوبة بشدة. أما الأدوية التي لا يمكن تصريفها، فيتم التخلص منها بإلقائها في القمامة، أو بيعها لمندوبين يعرضون شراءها بخصومات كبيرة أو استبدالها بمنتجات أخرى.

وتحذر هناء من أن هذه الأدوية، بمجرد خروجها من الصيدليات، غالبًا ما يتم تداولها بطرق غير قانونية، حيث تباع مباشرة إلى المرضى عبر وسطاء، بعيدًا عن القنوات الرسمية. فالمفترض أن تحصل الصيدليات على الأدوية من مصادر مرخصة، مثل شركات التوزيع، لكن بعض الصيادلة غير الملتزمين قد يلجؤون إلى شراء الأدوية من مخازن غير قانونية تُعرف باسم مصانع بير السلم.

 

وتحتوي سوق الدواء المصرية على نحو 17 ألف مستحضر دوائي ينتجه حوالي 170 مصنعًا للدواء، ورغم ارتفاع أسعار ما يقارب الـ 400 صنف من الأدوية، بنسبة تتراوح بين 20 و30% للأدوية المعالجة للأمراض المزمنة، ونسبة تتراوح بين 30 و50% للأدوية غير الأساسية والموسمية؛ فإنها سجلت مبيعات في مصر، تقدر بنحو 215 مليار جنيه خلال عام 2024، مقابل 154.7 مليار جنيه في 2023، بزيادة قدرها حوالي 40%، وفقًا تقديرات رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر، علي عوف، والذي توقع في تصريحات صحفية سابقة أن ترفع هيئة الدواء المصرية أسعار نحو 1000 مستحضر فقط في عام 2025 بالكامل.

وتقدر أعداد الصيادلة في مصر 213 ألف صيدلي يعملون في 80 ألف صيدلية، وحسب منظمة الصحة العالمية فإن معدل أعداد الصيادلة بالنسبة للمواطنين فى مصر هو: صيدلى لكل 438 مواطناً، بينما يصل المعدل العالمي إلى صيدلي لكل 1100-1600 فرد أو 23 صيدلياً لكل 10000 مواطن، وأن المعدل العالمي من 6-9 صيادلة لكل 10000 فرد، وبالنسبة للصيدليات فالمعدل فى مصر صيدلية لكل 1261 مواطناً بينما يصل المعدل العالمي صيدلية لكل 3500 – 5000 فرد.

 

 نوصي للقراءة: الحكومة تُقيد الحق في الصحة: لائحةٌ جديدة تُعيدنا إلى الوراء

تحركات هيئة الدواء

يؤكد محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري لحماية الحق في الدواء، لـزاوية ثالثة أن أزمة الأدوية منتهية الصلاحية ليست جديدة، إذ تواجهها دول العالم منذ السبعينيات. لكن في حين تضع معظم الدول لوائح صارمة للتخلص الآمن من هذه الأدوية، تظل المشكلة قائمة في مصر بسبب نفوذ شركات الأدوية، التي ترفض استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، متذرعةً بنقص بعض الشرائط من العلب أو غياب الفواتير الرسمية.

ويفاقم المشكلة أن العديد من الصيدليات الصغيرة تعتمد على شراء الأدوية من مخازن غير رسمية دون الحصول على فواتير، مما يحرمها من التعامل المباشر مع شركات التوزيع الكبرى. كما أن بعض شركات الأدوية التجارية، التي لا تنتمي لغرفة صناعة الدواء أو اتحاد الصناعات، تلجأ إلى إغلاق سجلاتها التجارية وتجميد نشاطها للتهرب الضريبي، مما يجعل من المستحيل على الصيادلة التواصل معها لاسترجاع الأدوية التالفة. في المقابل، تلتزم الشركات الأجنبية ومتعددة الجنسيات باسترجاع أدويتها بعد انتهاء صلاحيتها. وقدّر المركز في عام 2019 حجم الأدوية منتهية الصلاحية في السوق المصري بنحو 500 مليون جنيه.

ويشير فؤاد إلى أن مصر تضم نحو 80 ألف صيدلية، من بينها 15 ألفًا مملوكة لأشخاص لا ينتمون إلى المهنة أو ينتحلون صفة صيادلة، وهؤلاء يسعون لتحقيق الربح بأي وسيلة، مما يدفعهم للتعامل مع عصابات متخصصة في شراء الأدوية منتهية الصلاحية بأسعار مخفضة. هذه الأدوية تُنقل إلى ورش غير قانونية، حيث يعاد تعبئتها بطبعات تواريخ إنتاج جديدة، ثم تُباع مجددًا إلى الصيدليات، ما يؤدي إلى خداع الصيادلة والمستهلكين على حد سواء.

وتؤكد التقارير الأمنية أن وزارة الداخلية تنفذ حملات دورية لمداهمة هذه الورش وضبط المتورطين. ويعزو فؤاد وفاة 13 مواطنًا عام 2022 إلى استخدام أدوية منتهية الصلاحية أو مغشوشة، مشيرًا إلى أن المركز تلقى شكوى من سيدة أرسلت صورًا لأدوية تُباع في أحد الأسواق الشعبية. وبتحقيق مشترك بين هيئة الدواء والأجهزة الأمنية، كُشف عن شبكة منظمة لتجارة الأدوية منتهية الصلاحية، يديرها عدة باعة داخل السوق، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لصحة المواطنين.

في هذا السياق، أعلنت هيئة الدواء المصرية عن مبادرة جديدة لسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، ويُفترض تطبيقها خلال الفترة المقبلة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.

وكانت قد أطلقت هيئة الدواء المصرية مبادرة في 25 سبتمبر 2024، تهدف إلى التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية، وتنظيم عملية سحب المنتجات الدوائية من الأسواق بشكل آمن وفعال، مع التركيز على حماية المستهلكين من الأضرار الصحية المحتملة نتيجة استخدام الأدوية والمستحضرات منتهية الصلاحية، وتحذير للمواطنين من شراء الأدوية من مصادر غير موثوقة أو بأسعار تختلف عن السعر الجبري المقرر، حيث أن الأدوية منتهية الصلاحية لا تفقد فعاليتها فقط، بل قد تؤدي إلى تسمم أو تفاعلات دوائية خطيرة تعرض حياة للمستهلكين للخطر.

وفي 28 فبراير 2025 كشفت هيئة الدواء المصرية عن تفاصيل القرار رقم 47 لسنة 2025 بشأن سحب المستحضرات حال انتهاء صلاحيتها من سوق الدواء المصري، مبينة أن المادة الثانية نصت على إلزام الشركات بقبول مرتجعات المستحضرات منتهية الصلاحية التي أنتجتها أو استوردتها، وبأصغر وحدات الإنتاج ، من الصيدليات أو المخازن أو المستودعات رجوعًا في سلسلة التوريد حتى بدايتها ، وذلك خلال 90 يومًا، اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القرار، على أن يتم فرزها خلال 30 يومًا اعتبارًا من تاريخ استلامها، وأن يسوى التعويض عن المستحضرات المرتجعة خلال موعد أقصاه 180 يومًا اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القرار، في حين تلزم المادة الرابعة، المصانع بإعدام المستحضرات المرتجعة خلال 40 يومًا تحسب من تاريخ استلامها للمستحضرات، كما تلتزم الشركات المستوردة وشركات التصنيع لدى الغير بإعدام مستحضراتها المرتجعة خلال 40 يوماً تحسب من تاريخ إخطار المخزن أو المستودع للشركة باستلام المستحضرات منتهية الصلاحية.

ووفقًا للمادة الخامسة من القرار، يحسب تعويض المستحضرات المرتجعة والمقبولة على أساس ما تم الاتفاق عليه بالوثيقة المشتركة لسحب المستحضرات حال انتهاء صلاحيتها المشار إليها، فيما نصت المادة السادسة على أن  يحال أمر الشركات الممتنعة عن تطبيق أحكام هذا القرار على وجه السرعة إلى رئيس الإدارة المركزية للعمليات، بموجب تقريرًا مسبب من الموزعين مبينا به أسباب الامتناع ومبررات الشركة (إن وجدت) حتى يتسنى اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، وتلزم المادة السابعة المؤسسات الصيدلية بإعدام المستحضرات منتهية الصلاحية المتواجدة لديهم ، على وفق أحكام القانون ولائحته التنفيذية وقواعد وإجراءات إعدام المستحضرات المعمول بها في هذا الخصوص ، تحت إشراف مفتشي هيئة الدواء المصرية، على نفقة المؤسسة الصيدلية، وطبقًا للمادة الثامنة  تلتزم الشركات ، فور انتهاء المهلة المحددة بالمادة الثانية من هذا القرار بقبول المرتجعات منتهية الصلاحية الخاصة بالمؤسسة الصيدلية، شريطة تقديم الفاتورة الخاصة بالمستحضرات محل طلب الإرجاع وأن يكون المتبقي من فترة صلاحية للمستحضر مدة (6 أشهر) ستة أشهر اعتبارًا من تاريخ تقديم طلب الاسترجاع . 

 

نوصي للقراءة: نزيف الأدوية.. نقص الدولار يُهدّد صحة المصريين

التخلص الآمن من الأدوية

يرى د. إسلام عنان، الرئيس التنفيذي لشركة أكسيت لأبحاث الدواء والصحة، وأستاذ اقتصاديات الدواء وعلم انتشار الأوبئة بكلية الصيدلة في جامعتي عين شمس ومصر، أن سلامة حفظ الأدوية، أكثر أهمية من تاريخ صلاحيتها، إذ يمكن أن تفسد رغم استمرار الصلاحية بسبب درجات الحرارة وسوء التخزين، محذرًا من استخدام الأدوية منتهي الصلاحية والتي تتحول المادة الفعالة داخل بعضها، لمادة مختلفة، قد تتحول إلى سم، مثل: المضادات الحيوية، في حين تفقد أدوية أخرى جزءًا من فعاليتها في العلاج، ناصحًا المستهلكين بالتخلص منها في القمامة، بعد إتلافها، فور انتهاء تاريخ الصلاحية أو بعد مرور أسبوع أو اثنين على فتح العبوة، حال كان ذلك مدونًا في روشتة الدواء، لاسيما القطرات والمضادات الحيوية، التي يتركها غالبية المواطنين في ثلاجاتهم لشهور أو سنوات، والرجوع للصيدلي للتخلص من الحقن الجاهزة.

ويلفت عنان، في حديثه إلى زاوية ثالثة، إلى وجود فترة جفاف في تخزين الأدوية في 2024 بسبب نقص الأدوية، لكن هذا لا يعني عدم وجود أدوية منتهية الصلاحية، وفي حين تسترجع بعض الشركات أدويتها التي انتهت صلاحيتها، فإن هناك جمعيات خيرية اتجهت مؤخرًا إلى أخذ الأدوية منتهية الصلاحية، من المستهلكين، وإعادتها للشركات المنتجة لها للتخلص منها، كي لا تقع في أيدي مندوبين يعملون بشكل غير قانوني، وتصل في النهاية إلى مصانع غش الأدوية، مؤكدًا ضرورة عدم شراء أي دواء من على الإنترنت أو منفذ غير رسمي لبيع الدواء.

وفي وقتٍ أعلنت فيه هيئة الدواء المصرية عن مبادرتها لسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، بالتزامن من الحملات الأمنية والرقابية للتفتيش على الصيدليات وضبط مخازن ومصانع الأدوية غير المرخصة التي تعيد تدوير تلك الأدوية وبيعها للجمهور؛ فإن الخبراء يرون ضرورة حل المشكلة من جذورها عبر إيجاد تشريعات ولوائح ملزمة لشركات الأدوية باسترجاعها والتخلص الآمن منها، إضافة إلى رفع الوعي لدى المواطنين تجاه مخاطر الأدوية منتهية الصلاحية وشراء المستلزمات الدوائية عبر الإنترنت، ومن الأسواق الشعبية، والتي يلجأ إليها البعض في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الدواء.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search