(أُنجز هذا التحقيق بدعم من مجتمع التحقق العربي (AFH))
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، حملة تحريضية ضد الحجاج والمعتمرين المصريين، بدأت على استحياء في يناير من العام الجاري، وبلغت ذروتها في شهر مارس المنقضي، تزامنًا مع عمرة شهر رمضان، قبل أن تنخفض حدتها بشكل واضح على مدار شهري أبريل ومايو الماضيين، وفي هذا التحقيق الذي أجرته زاوية ثالثة، بدعم من مجتمع التحقق العربي (AFH)، – ضمن برنامج دعم الأدوات الرقمية – ، نبحث ما إذا كانت الحملات التحريضية ضد المعتمرين المصريين على المنصات الرقمية ممنهجة أم عفوية؟ ومن هي الجهات أو الكيانات الفاعلة في توجيهها؟، وهل ترتبط هذه الحملات بتداعيات موسم الحج الماضي الذي شهد وفيات بين الحجاج المصريين؟، وكشف ما إذا كانت الحملات ممنهجة أم عفوية، بناءً على أنماط النشر والتوقيت والتنسيق، ومحاولة فهم البنية التنظيمية للحملات التحريضية.
وكان موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، قد شهد تداول وسوم متعلقة بالحج والعمرة، بشكل مُكثّف على مدار الأشهر الأربعة الماضية، كان أبرزها: #كارثة_الحج ، #الحج_1446هـ ، #الحج_ليس_امنا ، #الحجاج_يشكرون_السعوديه #الحج_آمن_بالله_ثم_بالدولة_السعودية، #لا_حج_بلا_تصريح ، #الحرم_المكي، #بيت_الله_الحرام ، #السعودية، #موسم_الحج ، #الحرم_المكي_الشريف ، #الحج_خط_أحمر، #حنا_خدام_الحرم ، #الطريق_الى_النسك ،#بشرى_الضيافة ، #الادلاء ، #حج_2025 ، #شركات_السياحة ، #غرفة_شركات_السياحة ، #مكة_المكرمة ، #امطار_مكة، #نجاح_موسم_الحج_١٤٤٥، #إهمالهم_قتل_الحجاج .
وبالتزامن صعد خطاب تحريضي ضد الحجاج والمعتمرين المصريين، وتداول مستخدمون على موقع “إكس” تغريدات تحمل وسوم مثل: #مصر ، #المصارية ، #المصري ، #المصرية ، #المصريين ، #كفاية #مصري ، #الكبسة_والطعمية_معاً_ابدا ، #الغزو_البشري ، #المجاني ، #ترحيل_المصرين_مطلب_السعودين ، بجانب وسوم مسيئة مثل: #النباح_المكرر ، #اخرجو_ال_سعود_من_جزيرة_العرب ، #بتحريضهم_اهلكوهم ، #تدويل_الحرمين .
وجاءت الحملة بعد مرور نحو 6 أشهر على موجة الوفيات التي حدثت خلال موسم الحج 2024 في الفترة من 14 إلى 19 يونيو 2024؛ إذ توفي نحو 1426 حاجًا من جنسيات مختلفة أثناء أداء فريضة الحج في مكة بسبب الحرارة الشديدة التي تجاوزت 50 درجة مئوية، وكان 85% منهم من حجاج الزيارة، طبقًا لتصريحات إعلامية سابقة لوزير الصحة السعودي، فيما وصل عدد الحجاج المصريين الذين توفوا خلال أدائهم للمناسك العام الماضي، إلى نحو 672 شخصًا.
في البداية بحثنا عن كلمات مفتاحية، مثل: معتمرون مصريون، المعتمرين المصريين، مصر والحج، وفيات الحجاج المصريين، مشاكل الحج في مصر، الإهمال في الحج، أزمة الحج، العمرة المصرية، وعثرنا على أكثر من 200 وسم مختلف، على موقع إكس (تويتر سابقًا) باعتباره المنصة الأكثر استخدامًا في الحملات السياسية والتنسيقات التحريضية، وكانت أكثر الوسوم تداولًا، في الفترة الزمنية من 1 يناير 2025 وحتى 30 مايو 2025، هي: #الجهات_المختصة، #الغزو_البشري ، #المجاني ، #المصار ، وجميعها وسوم مدمجة، أغلبها هجومي، وبلغ عدد مرات تداولها 235 مرة، ووسوم #العيد_عيدين، #المواطن_اولويه_القياده ، وقد تم تداولها 168 مرة، ثم وسوم #الحج_1446هـ ، #الحج_ليس_امنا ، #كارثة_الحج ، #لا_حج ، وهي وسوم تشكك في أمن الحج وتروج لأزمات، تم تداولها 137 مرة.
في حين تم تداول وسم #حنا_خدام_الحرم نحو 97 مرة، وتداول وسمي #السيسي_زعيم_بحجم_عالم ، #المصريين_كوكب_البهجه 55 مرة ، وتداول وسوم #الحج ، #الخطة_المتفق ، #المصريين ، #مصري لنحو 52 مرة،إضافة إلى وسوم توعوية وتنظيمية، مثل: #إثراء_الضيوف حوالي 35 مرة، وتداول وسمي #الجيش_المصري_قادر_وجاهز ، #الشعب_المصري_في_ضهر_جيشه لعدد 34 مرة، ووسم #مصر 24 مرة، ووسمي #المصريات ، #المصريين 18 مرة ، ووسم #سعودية 17 مرة، و #السعودية_العظمى 22 مرة، ووسمي #الحج_ليس_آمن، #الحج_ليس_آمنا 10 مرات، وتداول وسم #ترحيل_المصرين_مطلب_السعودين ، الذي يتضمن دعوة مباشرة ضد المعتمرين المصريين، 8 مرات ، بجانب وسوم مثل: #المصارية ، #المصري ، #المصريبن ، تضمنت أخطاءًا إملائية مكررة لنفس الكلمة/المعنى، تم تداولها 7 مرات فقط.

يظهر الإنفوجراف الكلمات المفتاحية (بالأزرق الغامق) مثل: “التوزيع”، “استغلال”، “المتسول”، “التسول”، والوسوم (بالأزرق الفاتح): مثل: #مصري ، #المصرية ، #المصري ، #المصريين ، #الغزو_البشري ، الأشخاص (باللون البنفسجي): “عارف”، “فوضوي”، “جوعان متسول”، وتظهر المواقع (بالبرتقالي): “مكة”، “المدينة المنورة”، “السعودية”، “مكة المكرمة”، “مصر”، ويشير اللون البني إلى الإيموجي (الرموز التعبيرية): “SA” ، وجوه ضاحكة، مكسورة القلب، إشارات “إكس”، إلخ.
وتعكس الكلمات المفتاحية التركيز الجغرافي والديني، من خلال تكرار واضح لكلمة “مكة” و”المدينة المنورة”، مع ربطها بالحج/العمرة، مثل: “الزائرين للحرمين” و”مكة المكرمة” و”السياحية للعمرة”، مع وضوح الطابع السلبي المرتبط بالجنسية المصرية، والذي يظهر في كثرة الهاشتاغات المرتبطة بـ “مصري” و”المصريين”، مثل: #المصري ، #المصرية ، #المصريين ، وتداول كلمات مرتبطة بشكل سلبي مثل: “استغلال”، “متسول”، “التسول”، “حاسرو”، “الغزو_البشري”، مع وجود كلمات توحي بوجود اتهامات أو استياء شعبي، مثل: “تابعة لأحد”، “المخصص للتوزيع”، “فوضوي”، “جوعان متسول”، “عدم المصرية”، واستخدام رموز تعبيرية سلبية (❌💔😒)، ويرتبط السياق المحتمل للتغريدات بسلوكيات بعض الزائرين المصريين في مكة وتوزيع الوجبات ومزاعم بالتسول أو الاستغلال الديني/ الاجتماعي.
نوصي للقراءة: زاوية ثالثة تجار المناسك: كيف تسببت تأشيرات مزيفة في وفاة حجاج مصريين؟

تفوق واضح للخطاب السلبي
يظهر تحليل بيانات 5179 تغريدة على موقع “إكس”، في الفترة الزمنية من 1 يناير 2025 وحتى 30 مايو 2025، عبر أداة Meltwater، – وهي منصة شاملة لـ “مراقبة الوسائط” و “التواصل الاجتماعي” و “ذكاء المستهلك” -، أن هناك 3133 تغريدة حملت طابعًا سلبيًا، و1810 تغريدة محايدة، و234 تغريدة إيجابية.
وشهد شهر مارس 2025، انفجارًا غير طبيعي في الخطاب السلبي (2458 منشورًا سلبيًا من أصل 3133 أي 78% من الخطاب السلبي الكامل)، مقارنة بشهر يناير الذي سجل 22 منشورًا سلبيًا، وفبراير: 31 منشورًا، أبريل: 452 منشورًا، مايو: 170 منشورًا، ويُرجّح التصعيد المفاجئ في مارس 2025، وجود حملة منسّقة بدأت فجأة وبكثافة، ثم خفّ أثرها تدريجيًا في الشهرين التاليين، وتعد هذه سمة معتادة للحملات المدفوعة أو المنسقة (حملات botnet أو حملات تحفيزية Manual Coordinated Campaign).

ويتضح تفوق واضح للخطاب السلبي إذ أن مجموع المشاركات السلبية يبلغ 3133 منشورًا، بنسبة 60. 5 %، مقابل 234 فقط إيجابية بنسبة 4.5%، و1811 محايدة بنسبة 35%، هذه الفجوة الحادة توحي بحالة تعبئة أو توجيه غير عفوي في الخطاب العام، خاصة عند النظر إلى السياق والموضوعات، إضافة إلى وجود تركّز جغرافي غير متناسب رغم أن الخطاب السلبي صدر من 48 دولة، فإن النسب الأبرز جاءت من دول بعينها، مما يشير إلى نشاط منسق.
وتصدرت السعودية، الدول الأعلى من حيث التغريدات السلبية في هذا السياق، بفارق ضخم مسجلة 743 تغريدة سلبية من أصل 1.15 ألف تغريدة، وتلتها مصر بنحو 229 تغريدة من أصل 351 تغريدة، ثم تليها دول بعيدة وغير عربية مثل أمريكا وبريطانيا، ما يشير إلى انتشار الخطاب دوليًا أو تدخل من خارج السياق الإقليمي، إذ حلت الولايات المتحدة الأمريكية ثالثًة والتي سجلت 57 تغريدة سلبية من أصل 90 تغريدة، ثم في المرتبة الرابعة كانت بريطانيا بـ 25 تغريدة سلبية من أصل 35، ثم الكويت بـ 14 تغريدة سلبية من أصل 22، وتوزعت بقية التغريدات السلبية بين دول أخرى مثل: (الإمارات، البحرين، العراق، فلسطين، روسيا، قطر، أسبانيا، غانا، السويد، موريتانيا، ألمانيا، فرنسا، تركيا، الأردن، الأراضي الفلسطينية المحتلة، ماليزيا، لبنان، السودان، ليبيا، سوريا، المغرب، عمان).

وباستخدام لغة البايثون (Python) – وهي لغة برمجة متعددة الاستخدامات، تستخدم في مجالات متنوعة مثل تطوير الويب، علم البيانات، التعلم الآلي، أتمتة المهام، وكتابة البرامج -، وجدنا أن أكثر الكلمات تكرارًا في التغريدات السلبية، هي: المعتمرين والتي ذكرت (3252 مرة)، ثم المصريين، ترددت (2758 مرة)، وتلتها كلمات مثل: “الحرم”، “السياحة”، “العمرة”، “مكة”، “الطعام”، وتظهر أيضًا بكثرة كلمات مثل “هل”، “ما”، ما يشير إلى وجود تساؤلات أو تشكيك، ورصدنا مؤشرات على وجود خطاب تحريضي ممنهج، أبرزها: التكرار العالي لكلمات مثل “المعتمرين المصريين” و”الطعام” و”السياحة”.
ومن خلال تحليل الكميات والانفجار الزمني وجدنا أن إجمالي التغريدات السلبية بلغ 3133 من أصل 5179 تغريدة (أكثر من 60%)، وهي نسبة مرتفعة، وأنها شهدت ذروة مفاجئة في شهر مارس 2025؛ إذ أن 2458 تغريدة سلبية ظهرت في مارس وحده، ما يمثل 78.5٪ من كل التغريدات السلبية، أما في يناير وفبراير فكان المجموع فقط 53 تغريدة، مما يشير إلى حملة إعلامية مركزة ومفاجئة، منسقة زمنيًا، على الأرجح مرتبطة بحدث معين، ولاحظنا أيضًا وجود عدد كبير من إعادة التغريد Retweet، للتغريدات السلبية، بلغ عددها (1825) مشكلةً نسبة 61% من تلك التغريدات، ما قد يشير إلى إعادة نشر موجه.
وأظهر تحليل الاتجاه الزمني للمشاعر السلبية، أن عدد التغريدات السلبية في شهر يناير 2025 بلغ 22، وفي فبراير 31، لكنه قفز إلى 2458 تغريدة في مارس، وانخفض إلى 452 في أبريل، ووصل إلى 170 تغريدة سلبية في شهر مايو المنقضي، وكانت أبرز الحسابات من حيث النشاط السلبي، هي: @_900_900 الذي نشر 22 تغريدة سلبية، @111104427l1ahnl الذي غرد بـ17 تغريدة سلبية، يليه @cookingarba1 بـ12 تغريدة ، ثم @abdullah1383_ بنحو 11 تغريدة، ويليه حساب @hamdamhamd3 مغردًا بـ 10 تغريدات سلبية، ونستنتج من ذلك أن هناك مجموعة محددة من الحسابات كانت مسؤولة عن الجزء الأكبر من المحتوى السلبي، وبعضها لم ينشر أي محتوى إيجابي، ومعظم هذه الحسابات نشطة جدًا في التعبير عن الرأي السلبي، مما يشير إلى احتمال وجود تعبئة أو تنسيق في النشر، حسابات “ناشطة” بشكل مبالغ فيه، قد تكون أفرادًا غاضبين أو “موجهة” (bot أو شبه bot).

نوصي للقراءة: قرار يصف مصريات بـ«الفئات الدنيا» ويشترط تصريحًا للسفر إلى السعودية
مرات ذكر أعلى ووصول أقل
من خلال تحليل اتجاهات الذكر (Mentions Trend)، وجدنا أن إجمالي عدد الذكر في الفترة من 1 يناير 2025 وحتى 26 مايو المنقضي، بلغ 5.18 ألف، بزيادة 553% عن الفترة السابقة (793)، وأن المتوسط اليومي كان 34، بزيادة 553% عن الفترة السابقة (5)، وأن هناك ارتفاع حاد في عدد الذكر في الفترة بين منتصف إلى أواخر مارس، مع ذروة تقارب 800–900 ذكر في اليوم، مع ظهور ارتفاع آخر في الفترة من 21 وحتى 26 مايو 2025، وأن بقية الفترات (من بداية يناير حتى أوائل مارس، ومن منتصف أبريل حتى منتصف مايو) كانت شبه مستقرة.
ومن المحتمل أن يكون هناك حدث، مثل: (عمرة شهر رمضان) أو حملة ترويجية أدت إلى هذا الارتفاع الكبير في أواخر مارس، بينما الارتفاع في نهاية شهر مايو قد يكون نتيجة لحملة متابعة أو إعلان جديد أو جدل، وعلى الأرجح تزامنًا مع بداية مناسك الحج.

بينما يشير تحليل اتجاه الوصول (Reach Trend) أن إجمالي عدد مرات الوصول في الفترة من 1 يناير 2025 وحتى 26 مايو المنقضي، بلغ 60 مليون، مسجلًا انخفاضًا بنسبة 17% عن الفترة السابقة (72.5 مليون)، وأن متوسط الوصول اليومي كان 403 ألف — انخفاض بنسبة 17% عن الفترة السابقة (487 ألف).
وسجّل الوصول ارتفاعات تزامنت مع الفترة من 22 مارس حتى 6 أبريل، مع ظهور قمم صعود متفرقة في الفترة ما بين 28 أبريل وحتى 1 مايو، وأخرى كبيرة في الفترة من 6 مايو إلى 11 مايو، تلاها انخفاض ثم صعود محدود في الفترة من 21 إلى 26 مايو، إجمالًا، كان الوصول أكثر تقلبًا مقارنة بعدد مرات الذكر، ورغم زيادة عدد الذكر، إلاّ أن معدل الوصول انخفض، مما يشير إلى أن معظم الذكر قد جاء من حسابات صغيرة أو جمهور محدود، وربما انتشرت الحملة بشكل فيروسي ضمن فئة محددة وليس على نطاق واسع، وأن تأثير الحسابات الكبرى أو المؤثرين كان أقوى في الفترة السابقة.

نوصي للقراءة: كيف استغلّت “لجان إلكترونية” غزّة وذكرى 25 يناير في حملة دعائية مُنظّمة؟

تحريض ممنهج عبر تكرار نمطي لعبارات وجمل
التحليل الأولي للخطاب في التغريدات السلبية، استنادًا إلى أكثر الكلمات تكرارًا، أظهر أن السمات العامة للخطاب كان نقدي / استنكاري، يشير إلى طابع استجوابي أو هجومي، وكان مركزًا حول الجنسية المصرية، إذ أن الكلمات “المصريين”، “المعتمرين المصريين”، “مصر”، “المصرية” ظهرت كثيرًا، مما يدل على خطاب يركز على هوية محددة ويضعها في بؤرة الاتهام أو المعاناة، مع حالة من الشحن العاطفي، عبر كلمات مثل: “الطعام”، “الحرم”، “مكة”، مع شكاوى ضمنية تشير إلى التلاعب بالعواطف الدينية والوطنية.
وعبر تحليل الكلمات المفتاحية في الخطاب السلبي، وجدنا أن أكثر الكلمات تكرارًا، هي: (المعتمرين، المصريين، السياحة، الطعام، الافتراش، التسول، السرقات)، إضافة إلى كلمات أخرى تعبّر عن الفقر، سوء التنظيم، الإهانة، المعاناة، وفقدان الكرامة، ووجود ألفاظ مثل: “استغلال”، “أموال” تضمنت توجيه اتهامات ضمنية، كما وجدنا مؤشرات على تحريض ممنهج عبر تكرار نمطي لعبارات وجمل، كما ظهر في تحليل الكلمات، مع تركيز عالٍ على جنسية معينة وهي (المصرية)، ما قد يشير إلى محاولة تأليب أو توجيه الرأي العام، مع تضمين سياقات دينية وشحن وجداني لتأطير الشكوى في قالب حساس.
ويظهر تحليل الخطاب أن هناك بناء لغوي ممنهج يعزز خطابًا عامًا من ثلاثة أركان، هي: شخصنة المسؤولية (السياحة، الوزير، الدولة)، تصوير مأساوي (افتراش، تسول، مؤسفة، السرقات)، استدعاء الهوية المصرية والدينية (مصر، المعتمرين، الحرم، مكة)، وشملت الجهات المستهدفة في الخطاب، كل من: السلطات السعودية من خلال الإشارة إلى مشكلات في الحرم أو العمرة، والحكومة المصرية أو وزارة السياحة المصرية، باستخدام كلمات مثل “السياحة”، و”مصري”، بشكل يربطها بالتقصير أو التورط، وشركات تنظيم العمرة كانت ضمن الجهات الملامة في نصوص التغريدات.
مؤشرات على هندسة المحتوى
رصدنا مؤشرات على هندسة المحتوى، من خلال: إعادة التغريد وإعادة نشر الروابط بكثافة، والذي يشير إلى نقل وتكرار المحتوى نفسه عبر حسابات متعددة، وتكرار نفس البنية اللغوية والمصطلحات مثل “المعتمرين المصريين”، “الافتراش”، “التسول”، “السرقة” في مئات التغريدات يوحي باستخدام قوالب جاهزة للنشر المتكرر (bot-like behavior)، كما تكرر اسم حساب alnaif_969@ ، والذي ظهر 481 مرة، مما يشير إلى أنه قد يكون أحد الحسابات المحورية أو التي تم استهدافها بالربط مع الحملة.
وبرصد الحسابات الأكثر نشاطًا في نشر الخطاب السلبي، لاحظنا أن هناك حسابات نشرت من 10 إلى 22 منشورًا سلبيًا لكل منها، دون أي محتوى إيجابي تقريبًا، كان أبرزها: @_900_900، @111104427l1ahnl ، @cookingarba1، @hamdamhamd3، كما وجدنا أن سلوك بعض الحسابات متطابق من حيث عدد المشاركات، نسبة الخطاب السلبي، وتكرار المفردات، ما يرجّح أنها إما bots (حسابات آلية) أو حسابات مدفوعة أو موجهة ضمن شبكة تأثيرية محددة، إضافة إلى كون بعض الحسابات سعودية، وبعضها من مصر أو غير معروف الجنسية، ما يُحتمل معه وجود تنسيق عبر حدود الدول.
وتبدو غالبية الحسابات النشطة في الخطاب السلبي، متمركزة في السعودية، وكان معظم الهجوم موجه ضد مصريين معتمرين في مكة، وهناك شبهات حول كون بعض هذه الحسابات تابعة لـ”شبكة سعودية منسقة” تستخدم لاستهداف أطراف محددة عبر حملات فجائية، وتبدو الحملة موجهة لتشويه صورة المصريين في مكة، والتركيز على سلوكيات سلبية مزعومة، مثل: التسول، السرقة، الطعام الرديء، الفوضى، مع تكرار لمفردات سلبية للغاية، مما يشير إلى تضخيم أو تأطير مقصود لصورة نمطية.
ومن خلال تحليل التشابه النصي (semantic similarity) بين منشورات الحسابات، باستخدام لغة برمجة البايثون، وجدنا أن حسابات الكترونية على موقع “إكس” مثل: @_900_900 و@ezalklam وغيرها، تسجل تشابهًا نصيًا مرتفعًا نسبيًا (average similarity حتى 0.32)، مع انحراف معياري مرتفع أيضًا، ويعني ارتفاع التشابه النصي أن المحتوى معاد تدويره أو منسوخ أو يُدار من جهة واحدة، بينما يدل وجود نطاق واسع في الانحراف المعياري، على استخدام نماذج مختلفة من الصياغة لنفس المعنى، أي أن هناك محاولة لتجاوز خوارزميات الكشف عن التكرار.
ولتحليل البيانات الدلالية للحسابات المؤثرة وعلاقتها بالدول التي تنطلق منها، استخدمنا لغة البايثون في حساب متوسط التشابه (similarity avg)، ودرجة الانحراف المعياري، وأعلى تشابه، وجدنا أن أعلى درجة تشابه كانت لدى الحساب السعودي @_900_900 ، مُسجلًا نسبة 0.947، وبلغت درجة الانحراف المعياري لديه 0.256، وكان متوسط التشابه 0.327، أما الحساب @ezalklam ، وهو غير مذكور الدولة، فقد حل ثانيًًا في أعلى درجة تشابه، بنسبة 1.000، وكانت الانحراف المعياري 0.365، وبلغ متوسط التشابه 0.268 ، وجاء ثالثًا الحساب المصري @shaheey، من حيث درجة الانحراف المعياري بنسبة 0.183، ودرجة انحراف معياري 0.049، ومتوسط تشابه 0.093، أما في المرتبة الرابعة فكان الحساب السعودي @abdullah1383_، عبر درجة تشابه قدرها 0.133، ودرجة انحراف معياري 0.032، ومتوسط تشابه 0.052، وكان في المركز الخامس الحساب البحريني @alkhayariamor، والذي سجل درجة تشابه قدرها 0.581، وانحراف معياري بدرجة 0.095، ومتوسط تشابه بدرجة 0.065.
وأوضحت النتائج أن الحساب السعودي @_900_900 هو الأكثر سلبية والأعلى في التشابه مع المحتوى العام المرتبط، وأن معظم الحسابات ذات التأثير السلبي البارز قادمة من مصر والسعودية وبعض الدول الخليجية كالبحرين، مما قد يشير إلى انتشار النقاش في نطاق إقليمي وليس محلي فقط، أما الحسابات ذات متوسط تشابه منخفض (مثل @shaheey من مصر) تميل لكتابة محتوى أقل تطابقًا مع باقي الموجة، مما قد يعكس آراء مستقلة أو شخصية أكثر، ويظهر السعودية ومصر هما المصدران الأكثر ظهورًا للحسابات ذات التأثير، ما قد يعكس جغرافية النقاش، مع وجود مستوى التشابه بين التغريدات المرتفعة لبعض المستخدمين يشير إلى إمكانية وجود حملات موجهة أو إعادة تغريد لمحتوى شائع.
مؤشرات على تحريض ممنهج
استخدمت الحملة مدخلًا إنسانيًا ودينيًا لكسب التعاطف، لكنها تنقلب سريعًا إلى خطاب اتهامي سياسي أو تشهيري، يستهدف السلطات المصرية (وتحميلها مسؤولية فشل تنظيم العمرة)، والسلطات السعودية (لسوء التنظيم أو المعاملة)، وشركات السياحة والوسطاء (كأداة استغلال)، وتشير هذه المؤشرات إلى احتمال وجود حملة إلكترونية ممنهجة تهدف إلى: تشويه صورة معينة (جهة أو بلد)، صناعة رأي عام غاضب باستخدام أدوات تضخيم إلكتروني مثل الحسابات الوهمية أو المعاد تدويرها، الاستفادة من عاطفية الموضوع في تأجيج التفاعل والضغط الإعلامي.
وبالبحث عن وجود مؤشرات على تحريض ممنهج، تبيّن تكرار مفردات هجومية/اتهامية بشكل واضح (استغلال، أموال)، وكلمات مفتاحية مكررة توحي بسردية موحدة وحدوث تزامن زمني في الذروة، مثل: “المعتمرين المصريين”، “الافتراش”، “التسول”؛ حيث شهد شهر مارس انفجارًا مفاجئًا، وكانت نسبة إعادة تغريد مرتفعة بشكل غير طبيعي، شكلت نحو 58% تقريبًا من التغريدات السلبية، ونظرًا لكون الغالبية العظمى من التغريدات السلبية انطلقت من دولة بعينها، فإن هناك مؤشرات قوية على وجود خطاب سلبي ممنهج ومنسق، سواء كان ناتجًا عن حملة تلقائية مدفوعة بموقف أو حدث، أو موجهًا عمدًا من كيانات أو مجموعات للتأثير على الرأي العام، خصوصًا عبر تكرار الرسائل، استدعاء الهوية الوطنية، وبناء سردية مؤسفة تؤجج الغضب.
وتكشف نتائج هذا التحقيق عن ملامح حملة رقمية تحريضية ممنهجة، استهدفت الحجاج والمعتمرين المصريين، مستغلةً السياقات الدينية والعاطفية، ومحمّلةً بخطاب سلبي مكثف وموجه. التوقيت المنظم، التكرار النمطي للوسوم والمفردات، وتركّز النشاط في حسابات محددة، جميعها مؤشرات قوية على وجود تنسيق واضح، يتجاوز التفاعلات العفوية أو الآراء الفردية.
ورغم تراجع حدة الخطاب في الأشهر الأخيرة، فإن أثره ما زال حاضرًا في بنية النقاشات الرقمية المرتبطة بالحج، مع استمرار بعض الرموز والمصطلحات في التداول. ومن خلال تتبع البيانات وتحليل الأنماط، يتضح أن الحملة لم تكن مجرد حالة غضب عابرة، بل جزء من خطاب أوسع يُعاد إنتاجه كلما اقترب موسم الحج أو تفجّرت أزمة متعلقة به.
تطرح هذه الحملة أسئلة أكبر حول دور المنصات الرقمية في تسهيل نشر خطاب الكراهية، وآليات التدخل الرقمي لتأجيج الرأي العام عبر الهوية الدينية والوطنية. وبينما تبقى هوية الجهات الفاعلة في الظل، فإن التحقيق يسلط الضوء على الحاجة المُلّحة لفهم البنية الخفية وراء هذه الحملات، والعمل على تطوير أدوات الرصد والمساءلة الرقمية، لحماية المستخدمين من الاستقطاب والتأليب الممنهج، لا سيما في قضايا ترتبط بالشعائر والمقدسات.