ارتفاع الأسعار يدفع المستهلكين إلى مغامرات خطيرة: بدائل رخيصة قد تُكلفهم حياتهم

منتجات رديئة بدأت تنتشر بالأسواق مؤخرًا، كبديل السلع ذات الأسعار المرتفعة
خالد الدخيل

بينما تستعد الأسر المصرية لاستقبال شهر رمضان الذي يتزامن هذا العام مع ارتفاع متزايد لأسعار السلع الغذائية، كان عليهم أيضًا أن يواجهوا عدم قدرتهم على تحمل نفقات توفير الحد الأدنى من غذائهم؛ خاصة خلال شهر رمضان. وقد تحايلوا على الوضع بالبحث عن بدائل أقل سعرًا، لكنهم صدموا بالمنتجات الرديئة والمغشوشة التي بدأت تنتشر بالأسواق مؤخرًا، كبديل السلع ذات الأسعار المرتفعة.

تجولت “زاوية ثالثة” ميدانيًا في بعض أحياء القاهرة، وتواصلت مع مواطنين إلكترونيًا، لرصد وكشف ومتابعة الأسواق، والتعرف على مدى صحة الشكاوى التي اجتذبتنا، وأحالتنا للبحث حول القضية، وكان علينا أن نتابع أسواقًا عديدة ومختلفة؛ فالمنتجات المعروضة بسعرها المنخفض، باتت تنتشر بشكل متسارع في الأسواق الشعبية والمناطق الريفية، مثلما تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال الباعة الجائلين الذين يجوبون المناطق السكنية لبيع منتجاتهم معتمدين على انخفاض أثمانها.

ووفق مؤسس المركز القومي للسموم محمود عمرو، فإن المنتجات  مجهولة المصدر، منتشرة بشكل واسع في السوق المصرية، ومعظم الضحايا والمتضررين يقعون ضمن فئتي الأطفال وكبار السن.

 

غش متواتر في المنتجات الغذائية

تحدثت ماجدة عبد الظاهر -مونتيرة من القاهرة- في مقابلة شخصية إلى “زاوية ثالثة”. تشرح: “قبل سنوات، عانينا الغش والتلاعب من التجار، لكن في حدود المعقول، مثلا. كان أقصى حدود الغش أن يحقنوا الدجاج بالمياه لزيادة الوزن، في المقابل تباع الآن نافقة. ويتم بيع كميات كبيرة من منتجات الدواجن دون معرفة صلاحيتها، بخلاف عيوب التخزين، حيث يكدسونها في ثلاجات لتتعرض للتجميد، لإخفاء فسادها؛ ما يمثل خطورة على الصحة”.

وتضيف: كانت مخاوفنا محدودة وقليلة. فقط نخشى الغش لزيادة السعر، ولكننا الآن صرنا نخاف على حياتنا وحياة أولادنا، خاصة عندما نجد منتجات بقيمة منخفضة تجاوز ثلثي ثمنها المعروض في المحال التجارية، ولدينا في الحي الذي أسكن فيه، متجر جديد اُفْتُتِح قبل أسابيع، يتميز بالازدحام الشديد، لأن أسعاره أقل من السوق بكثير، وقد ذهبت لأجد أنواع مجهولة المصدر، من “الجبن والصلصة والمايونيز”، تباع في عبوات كبيرة وبسعر أقل من نصف ثمنها، وحين قررت المجازفة وشراء بعض منها، اكتشفت أنها مصنوعة من الدقيق والألوان ومكسبات القوام والطعم.

تستطرد: “كذلك اللحم المفروم الآن يباع مخلوطًا بالصويا ومواد كيماوية ضارة، وهناك منتجات كثيرة صارت تملأ الأسواق مثل منتجات الألبان واللانشون والمكرونة والقهوة، وكلها تُباع بأسعار أقل من مثيلاتها الأصلية؛ ولهذا يكون عليها إقبال شديد”.

 

كلمة السر.. الأونلاين

سماح -ربة منزل تقيم بحي حلوان في القاهرة-، تحاول زيادة دخلها من خلال المتاجرة أونلاين، حيث تقوم ببيع منتجات غذائية مختلفة وأهمها منتجات الألبان. وتعلن عن ذلك من خلال حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ولديها عدد غير قليل من المتابعين وجزء كبير منهم يتواصلون معها بغرض الشراء.

عندما تواصلت معها “زاوية ثالثة” عبر رسائل إلكترونية، وسألتها عن أسعار المنتجات، كانت المفاجأة أنها تبيع كيلو الزبدة البلدي بنحو 100 جنيه فقط، رغم أن سعره بالأسواق يصل إلى 300 جنيه، وتبيع الجبن بنحو 60 جنيهًا فقط، وعندما سألناها عن الفرق الكبير بين السعر لديها، وفي المتاجر قالت إنها تشتري من تاجر جملة يعطيها بسعر منخفض، مراعاة لظروف الناس ومحاربة للغلاء. ونفت أن تكون هذه المنتجات مغشوشة أو ضارة.

هكذا تعمل سماح ومثيلاتها من التجار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لا يوجد مقر أو منافذ للبيع أو التخزين أو أي عنوان ثابت يمكن الرجوع إليه في حال حدوث مشكلة ما.

يشرح محمد فتحي -فني حاسوب من الإسكندرية، وأحد عملاء سماح- في مقابلة هاتفية مع “زاوية ثالثة” أن البيع والشراء يتم إلكترونيًا، الترتيب والاتفاق التسليم يكون بمنزل المستهلك، وينتهي كل شيء بمجرد الدفع والاستلام، وإذا حاول أحدهم الاعتراض على سوء المنتج، يتم تجاهله أو حظره.

يضيف “صفحة المنتجات الفلاحي المشار إليها رائجة على منصات التواصل الاجتماعي، لذا وثقت بالتعامل معها، وأقدمت على شراء عروض الزبدة والجبن قبل أن يرتفع الثمن مثلما يحدث مع باقي المنتجات، واشتريت عددًا من الكيلوات. كاشفًا أنه حين بدأ في استخدام تلك المنتجات وتعريضها لنيران الموقد فوجئ وأسرته أنها لا تحتوي على الزبد في الحقيقة، وليست إلا دهناً نباتي مخلوطًا، كما أن مذاقها مختلف تمامًا، ولم يعرفوا ماهيته.

اضطر محمد أن يحتفظ بالزبدة المغشوشة، لأنه يبحث عن بديل أرخص لتأمين احتياجاته الغذائية وأسرته، حسب وصفه.

 

تحذيرات

تعليقًا على شهادة محمد، تضرب شيرين علي زكي -وكيل النقابة العامة للأطباء البيطريين- مثالًا باستخدام اللبن ومشتقاته في الصناعات، وتقول إن الشركات الكبيرة تستخدم دهون الحليب بنسبة معينة، خاصة أن هذه الشركات أدركت زيادة وعي المواطن وفهمه لأضرار الزيوت النباتية وفهمه لمعنى كلمة جبن بالزيت النباتي أو زبد بالزيت النباتي أو آيس كريم بالزيت النباتي، لذا بدأت بعض هذه الشركات في تعديل خطتها الإنتاجية، وأنتجت منتجات باللبن الطبيعي الدهن.

تضيف في حديثها مع “زاوية ثالثة” أن “أسعار منتجات الشركات الكبيرة ليست في متناول المواطن البسيط خاصة مع الاستهلاك المبالغ فيه، لذا ظهرت شركات أخرى غير معروفة تقدم المنتجات نفسها بسعر أقل بكثير، ما يسمح للمواطن بشراء الكميات التي يريدها”. محذرة مما يسمى “الأنالوج”، ويشبه الجبن، ويضاف إليه منتج غير لبني، وفي الغالب يكون زيت النخيل.

كاشفًا طرق غش الجبن، يقول خالد فتحي -تاجر بقالة وأجبان من الإسكندرية- في حديثه معنا، أن هناك ثلاثة أنواع من الجبن؛ الأول مصنوع بالكامل من الألبان وهو صحي ومفيد، وهناك الجبن المصنوع من الزيوت النباتية وهو الأكثر انتشارًا؛ لأن سعره أقل من الطبيعي يصل إلى نصف القيمة، ولا بد أن يذكر على العبوة أنه من الزيوت، وليس الألبان حسب تعليمات وزارة الصحة، وأخيرًا الجبن المغشوش الذي تضاف إليه “بودرة السيراميك”.

ويقول إن هذا النوع من السهل اكتشافه، فلا يذوب في الفم عند تناوله، كما يلتصق بأعلى الحلق، وتكون له نكهات مخالفة لنكهة الحليب، لأن نكهة الجبن المغشوش تشبه رائحة دواء الأطفال في الغالب. كما يستخدم معجون طلاء الجدران في الأجبان المجففة؛ كالجبن الرومي والجميد، لإعطائها مظهرًا مزيفًا.

يضيف “فتحي” أن هناك أنواعًا أخرى من الغش، فهناك الجبن المصنوع من حليب سُحبت منه الزبدة أو الكريمة، وهناك جبنة مصنوعة من الحليب المجفف، ويكون ملمسها خشنًا.

وتوضح ضحى حسن -اختصاصية علوم وتكنولوجيا الأغذية-، أن هناك الكثير من الطرق الرائجة حاليًا في غش المنتجات الغذائية، وعلى رأسها اللحوم والألبان والزبدة والجبن بمختلف أنواعه، حيث يُعْتَمَد على الزيوت المهدرجة الضارة في صنع الجبن أو خلطها مع الزبدة مع إضافة مكسبات طعم ورائحة، كذلك هناك أحدث وسائل غش الزبدة الفلاحي من خلال خلطها بالشمع الذي يصعب كشفه عند الشراء، لكن مع الاستخدام يظهر ملمس شمعي. كما يخلطون الزبدة بالدقيق أو النشا أو البطاطس المسلوقة، كذلك يقوم بعض باعة اللحوم بإضافة ألوان صناعية، ومواد مالئة عبارة عن فول صويا ودهون وألوان صناعية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وغير مطابقة للمواصفات القياسية، حيث يتعمدون زيادة المواد المالئة، وإضافة أملاح النترات والتوابل بزيادة على النسبة المحددة، في محاولة منهم لإخفاء عيوب اللحوم وعدم صلاحيتها.

 

تسبب السرطان والجلطة

 وحول تأثير هذه المنتجات على الصحة تقول رنا حامد -أخصائي الباطنة والتغذية العلاجية- إن اللحوم المصنعة تشمل البرجر واللانشون والسجق والسوسيس وأي منتج تدخل فيه مكونات أخرى غير الألوان الصناعية التي تُضَاف حتى اللحوم المصنعة المصرح بها. أثبت العلم أنها ضارة بالصحة، وتؤدي إلى سرطانات القولون حتى لو مسموح بها.

وتضيف: عندما يضيف التاجر المواد المسرطنة الممنوعة، يقلل نسبة اللحوم، ويزيد مكاسبه فيستعين بأجزاء من الدواجن والجلود والدهون والصويا والمواد المسرطنة التي تعطي اللون وهو ما يضاعف من خطر تلك المنتجات على المستهلكين. مشيرة إلى أن منتجات الألبان “لم تعد طبيعية، بل يكون جزء منها من الزيوت النباتية، ولا يعني ذلك أنهم يستخدمون الزيوت الصالحة التي نستهلكها في الطعام، لكن يستخدمون زيوتًا مهدرجة، وأغلب منتجات الألبان تصنع من زيوت نباتية مهدرجة.

وتؤكد أن المصانع الكبيرة المرخصة والمعترف بها تكتب على عبوة المنتج أنه مُصنّع من زيوت نباتية -وفق اشتراطات وزارة الصحة-، لكن ما يباع دون ترخيص أو رقابة في أماكن مجهولة غير معتمد، ولا يمكن أن تجد أنه دوّن تلك الإرشادات.

وتضيف: الدهون الحيوانية والزيوت الصحية مسموح بها إلى نسبة 10%، لكن المهدرجة غير مسموح بتناولها لأي إنسان؛ لأنها تسبب تصلب الشرايين وأمراض القلب، ولا تذوب في الجسم، ولا يستطيع الجسم التخلص منها وتُكوّن الجلطات.

يضيف أبوبكر الديب -الخبير الاقتصادي- أن الكثير من الأسر تلجأ إلى شراء المنتجات الرخيصة حتى وإن كانت تشك في جودتها، من خلال التجول في الأسواق الشعبية العشوائية، أو من الباعة الجائلين أو المجهولين الذين يبيعون عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، مؤكدًا أن أغلب هذه المنتجات تكون مجهولة الهوية أو ذات علامات تجارية مقلدة تؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة. ويساعد على ذلك تزايد أعداد مصانع بئر السلم والمعامل المجهولة التي تنتج هذه الكميات من السلع الرديئة، وتلقي بها إلى الأسواق، وخاصة المنتجات الغذائية أو المواد التي تدخل في صناعة الطعام بشكل أو بآخر، وقد يقوم البعض بترويج تلك السلع الرديئة عبر سيارات تجوب المناطق السكنية الشعبية.

 ويرى “الديب” أن مواجهة هذا الخطر تبدأ بنشر التوعية الصحية بين المواطنين وطلاب المدارس في المناطق الشعبية، وفي الوقت نفسه تجريم الترويج والبيع دون ترخيص، ويجب على مؤسسات المجتمع المدني أن تقوم بدورها في التوعية داخل القرى والمناطق الشعبية. كما نحتاج إلى تشديد العقوبات الخاصة بتلك الممارسات، كي تصبح السجن المشدد لتعمد ترويج وبيع منتجات تؤدي إلى الإضرار بصحة المواطن.

 

 بيع الوهم

يروي مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي حول تعرضهم للخداع والنصب عند شراء منتجات صيدلية ومستحضرات تجميل أونلاين، مثل المكملات الغذائية وأدوية التخسيس وغيرها. ومن هذه المنتجات التي أصبحت شائعة ومنتشرة في الآونة الأخيرة مبيضات الأسنان التي تباع بعدة أشكال وأسعار، حيث تتزاحم الإعلانات عن بيع أقلام أو فرشاة لتبييض الأسنان، وتؤكد الإعلانات سلامة المنتج وفاعليته الطويلة.

تواصلت “زاوية ثالثة” مع أكثر من معلن عن هذه المنتجات وبالسؤال عن طريقة لاستلامها سواء من منفذ أو مركز توزيع لم نجد إلا ردًا واحدًا: “البيع فقط أونلاين”، ولا يوجد طبيب مختص أو صيدلي، لمناقشة الأمر معه.

توجهنا في جولة بين عدة صيدليات في عدد من أحياء جنوب القاهرة (التبين- حلوان- حدائق حلوان)، بحثًا عن المنتجات الخاصة بتبييض الأسنان المعلن عنها إلكترونيًا؛ لكن لم نعثر لها على أثر.

يقول الدكتور نادر مشرقي -مدير صيدلية بالقاهرة- إن كافة المنتجات التي يعلن عن قدرتها على تبييض الأسنان هي محض وهم، وعلى حد علمي لم يتوافر بالصيدليات في مصر منتج كهذا نهائيًا، ولهذا “فإن كل من يقوم ببيع هذه المنتجات المزيفة يحرص على أن يكون البيع أونلاين بحيث ينتهي كل شيء بعد تسليم المطلوب والحصول على الثمن”.

يضيف: هناك منتجات تبييض الأسنان لم تصل إلى السوق المصرية، لكنها لا تشبه المعلن عنها، ويبيعونها للناس حاليًا، غالبا يكون هذا المنتج عبارة عن عدة أغراض منها قلم أو فرشاة التبييض، إضافة إلى جهاز الأشعة الذي تتعرض له الأسنان لفترة من الوقت كي يبقي على اللون الجديد لفترة من الوقت، إلا أنهم يبيعون في مصر قلم أو فرشاة فقط على أساس أنها ستقوم بمهمة التبييض وحدها، وهذا نص صريح.

 

عقوبة الغش التجاري

تعد جريمة الغش التجاري، جنحة في القانون المصري، إذ يقضي قانون الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941، المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994، بمعاقبة مرتكب جريمة الغش التجاري بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خدع أو شرع في أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق. وتكون العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تتجاوز ثلاثين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا ارتكبت أو شرع في ارتكابها باستعمال موازين أو مقاييس أو مكاييل أو طوابع أو آلات فحص أخرى مزيفة أو مختلفة أو باستعمال طرق أو وسائل أو مستندات من شأنها جعل عملية وزن البضاعة أو قياسها أو كيلها أو فحصها غير صحيحة.

خالد الدخيل
صحفي متخصص في تغطية قضايا الاقتصاد المصري

Search