أحمد الطنطاوي: مصر تحتاج بديل للسلطة والمعارضة (حوار)

نحن الطريق الثالث وهذا سر معاناتنا، المواطن المصري يقع بين بطش السلطة وبؤس المعارضة
حيدر قنديل
رباب عزام

تصوير: حيدر قنديل

تصدرت حرب الإبادة الجماعية التي يشهدها قطاع غزة، منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي 2023، المشهد العام في القاهرة، إذ تسببت في انحسار دائرة الضوء عن الخلافات الدائرة في الأوساط السياسية المصرية، لتحل ثالثة بعد انشغال المواطنين بمتابعة الصفقات  الاستثمارية والإصلاحات الاقتصادية المستمرة التي دومًا ما تعلن عنها السلطة، وآخرها صفقة رأس الحكمة، ثم قرار البنك المركزي بـ تحرير سعر العملة المحلية وفقًا لآليات السوق؛ بما سمح بانخفاض جديد لقدرة الجنيه المصري الشرائية.

 لكن المراقب للمشهد يجد أن رابطًا لا يزال قائمًا ما بين محاولات الصحفي والسياسي أحمد الطنطاوي  خوض الانتخابات الرئاسية الماضية، وما بين الاحتجاجات التي تصاعدت في الشارع المصري؛ دعمًا لغزة، إذ أن السجون المصرية ما زالت ممتلئة بمتظاهري دعم القضية الفلسطينية، كما تمتلئ بأعضاء جدد من حملة “الطنطاوي” الرئاسية. وما بين غزة ومصر، يغرد السياسي منفردًا في مواجهة السلطة في ظل انحسار أحزاب المعارضة عن دعمه. 

حاورت زاوية ثالثة أحمد الطنطاوي – الذي لم يٌمكّن من خوض انتخابات الرئاسة السابقة ووكيل مؤسسي حزب تيار الأمل تحت التأسيس-، لتحاول استكشاف رأيه في المشهد السياسي المصري عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية، مجيبًا على انتقادات واسعة طالته من بين صفوف المعارضة، إلى جانب رأيه فيما يخص دعم غزة وآخر تطورات الأحداث.

وإلى نص الحوار…

 

غزة.. صمود وبطولة

غادر القاهرة وفد من حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، الثلاثاء الماضي، مع وعد بالرد فيما يخص اتفاق الهدنة التي قدمتها القاهرة، ووفق المعلن فإن الهدنة المقترحة تتضمن وقف إطلاق النار مدة 40 يومًا، إضافة إلى الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة.

 

– بداية.. هل يمكن أن تنجح الهدنة المقترحة وتنتهي حالة الصراع الدائرة في غزة منذ أكتوبر الماضي؟

هناك اختلاف ما بين مصطلحي انتهاء الصراع وانتهاء الحرب، وأنا أرى أن هذه الجولة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني لابد وأن تنتهي قريبًا، بالطبع إذا كنا نتحدث عن قانون أو نظام دُوليّ، أو عن أبسط مبادئ الإنسانية كأقل تقدير.

وليس من الممكن أن تنتهي بانتصار الطرف الصهيوني الذي أفرط في المجازر والعدوان، لكن أيضًا بشكل عملي وموضوعي هذه ليست جولة للوصول إلى انتصار يُغيّر من الواقع؛ لكنها تقرب الشعب الفلسطيني من حقوقه كاملة أو لحد مقبول على الأقل.

  والحقيقة فإن واحدة من الدول القليلة التي تستطيع أن تمارس دورًا فاعلًا في ذلك، انطلاقًا من الحجم والبعد الجغرافي هي مصر؛ لكن مشكلتها تتمثل في إرادتها السياسية.

 

– رغم محاولات عديدة تبذلها القاهرة، يشعر الشعب المصري بتقصير كبير متهمًا إياها بالتخاذل، كيف ترد على ذلك؟

إذا وضعنا الجهود المبذولة على ميزان القانون الدُّولي والمعايير الإنسانية، سنجد أننا لم نقصر فقط في حق الشعب الفلسطيني، لكن أيضًا في حق أنفسنا، وليس لدي بخصوص تلك النقطة أكثر مما طالبت به في بداية الجولة الدائرة من الصراع في غزة. وكان على السلطة المصرية تنفيذها بشكل فوري باعتبارها الحد الأدنى لدعم وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني.

وفي رأيي الإنسانية تعني ممارسة كل الثقل الممكن في جُعبة مصر، من أجل وقف عدوان الاحتلال،  والانطلاق في مسار ينتهي باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.

 

كان “الطنطاوي” قد أصدر في 17 أكتوبر الماضي 2023، عبر صفحته على “فيسبوك” بيانًا، طالب فيه السلطة المصرية بخمسة مطالب، تتمثل في: ممارسة السيادة الكاملة على معبر رفح وفتحه بشكل دائم لإدخال المساعدات، والتصدي الحاسم لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي عليه، و دعم المقاومة والشعب الفلسطيني بكل ما يلزم، إضافةً إلى الرفض النهائي لتهجير الفلسطينيين من القطاع، والسماح للمصريين بالتعبير عن تضامنهم، وأخيرًا طرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير المصري من تل أبيب، والدعوة لاجتماع طارئ وفوري لجامعة الدول العربية على مستوى القمة.

 

–  تحدثت عن ضرورة فرض مصر سيادتها الكاملة على معبر رفح البري، لكننا في “زاوية ثالثة” كنا قد نشرنا تحقيقًا كشف عمليات التنسيق الجارية على المعبر مقابل مبالغ باهظة، تبعته تقارير صحفية تكشف مزيدًا من الانتهاكات، فما تعليقك على قضية التنسيقات؟

إن التقارير المنشورة لديكم وفي عدد من الصحف الكبرى خلال الشهور الماضية التي توثق شهادات من الجانبين المصري والفلسطيني حول معبر رفح، تشير إلى اتهامات خطيرة جدًا يقدمها أصحاب هذه التقارير نقلًا عن شهود العيان، وتُعدّ جرائم قانونية وسياسية وأخلاقية لا يجب أن يكون الرد عليها مجرد بيان أو تصريح من هنا أو هناك؛ لكن الواجب هو إجراء تحقيق عاجل وجاد وشامل، لأنه لا يصح علي أي ميزان أن تتم المتاجرة بالدماء التي يقدمها الشعب الفلسطيني، وطبعًا هو متصل بالدماء التي سبق وقدمها الشعب المصري في مواجهة نفس العدو في معارك طويلة وممتدة.

 لقد كنا فيما مضى نسمع مصطلح “تجار الحرب” ويُعبّر مجازًا عن التجاره في الدماء، وما نطالب به هو تحقيق يُعاقب كل من أجرم، ويرفع عن كاهل وضمير الدولة والشعب المصري تلك التهم المشينة. 

اقرأ أيضًا: من يحمل مفاتيح معبر رفح؟.. تجار الحروب ينشطون في استغلال العالقين في غزة 

 

– كيف يمكن أن يساعد الشعب المصري الغزيين لإنهاء الحرب؟

إن المساعدة الأكبر التي من الممكن أن يقدمها الشعب المصري لأشقائنا في فلسطين، إعادة دور ومكانة الدولة المصرية وهذا لن يتم إلا بإحداث تغيير أو إصلاح جذري في طبيعة السلطة الحالية.

 لن يُغني ذلك عن اتباع كل السُبل الممكنة لإيصال صوت الشعب المصري لـ أشقائهم تحت النار، لتدعيمهم والقول “لستم وحدكم”.  ولا يليق بنا أن يُحسب علينا تاريخيًا أن موقفنا كان ضئيلاً في ظل هذه الجولة الكبيرة من جولات الصراع مع العدو المشترك للشعب الفلسطيني والشعوب العربية جمعاء. 

يُعبّر “الطنطاوي” عن مدى سعادته بانتفاضة الشعوب حول العالم، على إثر حرب غزة الجارية، إذ يقول إن الضمير الإنساني انتبه أخيرًا، وأن الأثر الأكبر جاء بتحرك دول على المستوى الرسمي خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، مؤكدًا أن هذه التحركات وإن كانت لا تؤثر بشكل سريع على الموقف الراهن، إلا أنها تزيح عن الشعوب شعورهم بالخزي.

 

– إذن، ما تعليقك على الاحتجاجات المشتعلة، دعمًا لغزة في جامعات بالولايات المتحدة الأمريكية؟

أرى أنها تذكير بالثورة الطلابية في الستينيات من القرن الماضي، وتمثل استعادة الروح تجاه القضية العادلة للشعب الفلسطيني، لكن أظن أنها تحمل معنى أبعد، إذ يحتّج الطلاب على الطريقة التي تدير بها السلطة ملفاتها في ميزان المصالح السياسية والانتخابية، وليس علي ميزان الحقوق القانونية أو المعايير الإنسانية، ولا نملك سوى أن نوجه التحية لمثل تلك التحركات.

 

 – البعض يرى ويعلق أن أدائك فيما يخص ملف غزة دون المستوى المطلوب، فما ردك؟

لا أعفي نفسي من شعوري بالتقصير، وقد أعلنت موقفًا سياسيًا مبكرًا، وطرحت رؤية للحل أشرت إليها مسبقًا، كما أعلنت عن الالتزام بـ المقاطعة كرسالة رمزية.

أيضًا- شاركت في أغلب الفعاليات والندوات الحزبية أو النقابية أو الجماهيرية، على سبيل المثال: وقفة سلم نقابة الصحفيين للمشاركة في استقبال العام الجديد بالشموع، والمشاركة في تبني فكرة إفطار كل يوم ثلاثاء في شهر رمضان بالعيش والماء، أو فعل سياسي أبعد كـ تقديم طلبات متكررة للسماح بمرافقة قوافل الإغاثة عند معبر رفح، لكن في النهاية لست في موقع سلطة وهذا جل ما أستطيع تقديمه.

وبالنسبة للفلسطيني غزة في الداخل، تعاملت معهم منذ اللحظة الأولى لوصولهم مصر، واستمعت للعديد من شكواهم فيما يخص سوء المعاملة في المستشفيات وغيرها، كما قابلت مجموعة من المصريين أو أهالي العالقين المصريين في غزة، وقد أثرتم قضيتهم في تقرير نُشر لديكم.

اقرأ أيضًا: العالقون وراء معبر رفح.. هل يبقى المصريون كرهائن في غزة لتمرير المفاوضات؟

ملاحقات أمنية وتهديدات مستمرة

وفق “الطنطاوي” فإنه يتعرض وأعضاء حملته الانتخابية وحزب تيار الأمل – تحت التأسيس- لملاحقات أمنية لا تزال مستمرة، رغم مرور ما يزيد عن ستة أشهر عن خروجه من السباق الانتخابي، بعد التضييق عليه وعدم استطاعته استكمال التوكيلات المطلوبة من المواطنين لتقديم أوراق ترشحه.

 

–  ماذا عن المضايقات الأمنية.. هل مازالت مستمرة؟

بالطبع، وبشكل مستمر.

لديّ تسجيلات ومقاطع مصورة، لأكثر من 26 فردًا من الأمن يلاحقونني مثل ظلي باستمرار، ومر عام وأنا أتعرض لمراقبة مشددة، حتى هاتفي الجوال الشخصي تم اختراقه منذ سبتمبر في  عام 2021، ما يكلف السلطة المصرية ملايين من الدولارات لاستمرار مراقبته.

وهناك بعض الشخصيات التي ادعت حينما أعلنت عن مراقبة السلطة لهاتفي أنها تحملت تكلفة الكشف على الهاتف في الخارج، ولكني أؤكد أن ذلك لم يحدث مطلقًا. أيضًا- تتردد شائعات بأني حاصل على جنسية أجنبية وهذا غير حقيقي، لكن كل هذا لا يعكس سوى الواقع المتردي لوسائل إعلام تشبه السلطة في أدائها.

– إلى ماذا انتهت قضية التوكيلات الشعبية؟ 

بداية، يجب أن أنوه أن أعضاء الحملة لم يرتكبوا جرمًا سوى أنهم مارسوا حقهم في تأييدي كمرشح في الانتخابات الرئاسية، لذا يجب على من يقوم بتصفية حساباته مع مواطنين تمت دعوتهم لممارسة حقهم الدستوري، أن يقوم بتصفية حساباته معي أنا، وليس حبسهم هم احتياطيًا.

حتى الآن هناك 190 شخصًا من أعضاء الحملة الانتخابية تم حسبهم (بخلاف المئات الذين استدعوا لمقرات أمنية واحتجزوا لأسابيع)، منهم فقط 21 عضوًا على قيد قضية التوكيلات الشعبية، أما البقية يقبعون في غياهب السجون على ذمة الحبس الاحتياطي.

وقد حددت جلسة للنظر في طلبنا بالاستئناف على الحكم وحجزت لجلسة 27 مايو الجاري.

 

– لكن هناك من يلقي اللوم عليك ويتهمك بأنك المتسبب في مصير هؤلاء الشباب/ الشابات؟

من يقول إن التوكيلات الشعبية جريمة يفضحه الرأي القانوني وممارسات السلطة. نحن أوقفنا التوكيلات الشعبية الورقية بعد عدة ساعات من الإعلان، ثم حولناها إلى استمارات إلكترونية لرصد عدد المؤيدين في وقت مُنعوا فيه من تحرير التوكيلات عن طريق مقار الشهر العقاري. كان ذلك حفاظًا منا على سلامتهم؛ ورغم المنع وفي أول ليلة وصل عدد الاستمارات الإلكترونية الداعمة إلى نحو 117 ألف استمارة.

وأقر بأني مسؤول عن هذا الفعل، ويجب أن يعود الأعضاء المحبوسين إلى ذويهم فورًا، ولا بد للسلطة أن تتوقف عن التنكيل بالمواطنين الذين قرروا ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية. 

هناك بعض اللوم من شخصيات توجه لنا أصابع الاتهام بخصوص سجن المؤيدين، لكن أوجه لهم عددًا من التساؤلات: إذا كنا السبب فلماذا لا تتحدثون عن السلطة التي سجنتهم؟ وماذا تفعلون للإفراج عنهم؟، هل تواصلتم مع أي من أسر المعتقلين وعرضتم عليهم تطوع محامين للدفاع عنهم؟. طلبت من الجميع الوقوف بجانبي، ماذا فعلوا؟. الآن أطالب كل من يتهمني بالتقصير في التقدم واتخاذ ما يلزم، خاصة وإن كانوا في مواقع مسؤولية ولديهم أدوات يستطيعون من خلالها المساهمة في الإفراج عن المعتقلين، وإلا هم من سيقع عليهم التقصير واللوم وسيكون لديهم مشكلة أخلاقية.

 

 – وماذا عن آخر التطورات في تأسيس حزب تيار الأمل؟

بعد إعلاني تشكيل وبدء تأسيس حزب تيار الأمل، صدر كتاب دوري لموظفي الشهر العقاري، أطلق عليه موظفو الشهر العقاري (الكتاب الدوري لأحمد الطنطاوي) ويحدد مكتبين في كل محافظة لتحرير توكيلات تأسيس الأحزاب، خروجًا على المعمول به، إذ أن الاتجاه العام في الشهر العقاري افتتاح المقرات والتسهيل.

لكننا مُنعنا من توكيلات تأسيس الحزب مثلما منعنا من توكيلات الرئاسة بفعل ممارسات خارج إطار القانون تقوم بها السلطة، تم المنع أولًا والتقييد مرورًا بتهديد الراغبين ووصولًا لاعتقال بعضهم، لذا لجأنا لاستمارة رغبة في تأسيس الحزب إلكترونية، وفي عدة أيام تجاوزنا العدد المطلوب موزع على المحافظات (خمسة آلاف استمارة).

وبكل وضوح، أؤمن أنه إذا تأسس الحزب واحترمت السلطة رغبة المواطنين، فسيكون أكبر حزب في مصر من حيث عدد العضوية والكوادر المدربة، إذ نعمل على إعداد الأعضاء وتدريبهم من خلال برامج إعداد الكوادر السياسية.

وفي النهاية، سنعمل تحت التأسيس، ومن سوء حظ السلطة أن هناك أحزابًا مر عليها عشر سنوات تحت التأسيس ولا تزال موجودة في الوسط السياسي والحزبي في مصر. 

 

– أنت تطلب تحرير الاستمارات الإلكترونية، ألا ترى في ذلك خطورة على مؤيديك؟

هل من يدّعي ذلك يستطيع أن يؤكد أنها مخالفة قانونية، أو ضمان سلامة المواطنين في منازلهم؟، ومن ينتقد، ماذا يفعل لرفع الظلم عن المواطنين وممارسات السلطة التي درجت على اعتقال وسجن المسيس وغير المسيس خلال العشر سنوات الماضية؟، هل يستسلم المواطنون ويقبلون مصيرهم؟.

منذ بداية إعلاني عن خوض الانتخابات تعرض مقربون لـ اعتقالات واسعة، ومنذ اليوم الأول في مقر الحملة ألقي القبض على العديد منهم، ورغم ذلك لم يتراجعوا، بل أقسموا جميعًا على استكمال الطريق، لذا أرى أن من يستحق الشفقة من يلومنا بدلًا من توجيه اللوم للسلطة التي تمارس القمع. ولدينا برنامج واضح ومعلن قدمناه وفق رؤيتنا، لكن ماذا قدمتم أنتم؟

 

– وبالنسبة للحزب، هل من الممكن أن تتنازل عن رئاسته لأحد المؤسسين في حال تأييد حكم ضدك في القضية؟

يجب أن أصحح معلومة أولًا وهي أني لست رئيسًا للحزب؛ لكني وكيل مؤسسيه الآن، وحين يتم استكمال أوراقه (حينما تتغير هذه السلطة أو تحترم القانون)، ستجرى انتخابات وفق القواعد التي يقرها الحزب، وقتها ربما أترشح لرئاسته أو لا، أما في حال صدر ضدي حكم نهائي في القضية وسجنت وكنت حينها رئيسًا للحزب بالفعل، فهذا لا يمنعني من ممارسة مهامي الحزبية، إذ أن الحكم يعرقلني عن الترشح لانتخابات البرلمان والرئاسة فقط.

أشرف أن أكون عضوًا في حزب ترأسه أي زميلة أو زميل من أعضاء الهيئة التأسيسية، ولم أذكر مطلقًا أنني سأكون رئيسًا للحزب. ما يهمني الآن هو الحفاظ على هذه النوعية عالية القيمة من الزملاء التي تشكلت في حملة الانتخابات ومن بعدها.

 

– ولم لا يوجد مقر رسمي حتى اللحظة معلن للحزب؟

كل المحاولات الماضية لاستئجار مقر فشلت، ومن تعاون ووافق على التعاقد معنا تعرض لتهديدات وتراجع، لذا أطالب أي مواطن مصري يرغب في مشاركتنا هذا النضال السياسي تحت سقف الدستور والقانون ولديه مقر  يريد أن يؤجره بمقابل أن يشاركنا.

 

المعارضة في مواجهة السلطة أم الطنطاوي

في الفترة الأخيرة، طفت الخلافات إلى السطح مجددًا داخل بعض أحزاب المعارضة، ومنها ما صدر من أحزاب أو شخصيات في داخل الحركة المدنية نفسها التي تضم أحزابًا مختلفة الأيديولوجيات تعبر عن حال المعارضة المصرية. طغت تلك الخلافات على المشهد ويتساءل المواطنون في الشارع: لصالح من تعمل المعارضة بالتحديد؟ هل لصالح نفسها أم السلطة؟، لكنهم استبعدوا كونها تعمل لصالح المواطنين.

– تتعرض لكثير من النقد من قِبل المعارضة، ما موقفها منك الآن وكيف دعمتك في قضية التوكيلات؟

أولًا يجب التنويه أن مشكلتي ليست مع المعارضة وإنما مع السلطة. ومنذ اللحظة الأولى أفرق بين الحركات الاحتجاجية والمعارضة السياسية، النقد والاحتجاج حق لكل مواطن، 

لكن على من ينتقد أن يقدم حلولًا للشعب، ومن خلال تجربتي تأكدت أن هناك محطات فاصلة أظهرت أن الحل الوحيد هو خروج السلطة ووجود بديل آمن من خلال صناديق الاقتراع.

وما كان مطلوبًا من المعارضة والحركة المدنية أن يقدموا تلك الحلول والبدائل وليس أن يخرجوا ببيان تضامن، يدفع الكثير من المخلصين من أعمارهم في السجون جراء إيمانهم بقضيتهم وفي المقابل ماذا تقدم المعارضة؟.

 يتحدثون عن جلسات الحوار الوطني ودوره في الإفراج عن معتقلين، لكن ألا يرون أن من خرج أقل من ثُلث من المعتقلين الجدد، ورغم ذلك يصممون على التفاوض.

أؤمن بأن المعتقلين من أجل حلم التغيير هم أبطال، وعلى من يريد منحهم حقهم أن يعمل على ضمان عدم تكرار حالات الاعتقال لأمثالهم ثانية، وأيضًا محاسبة السلطة التي استباحت المواطنين لأنها لا ترى أمامها معارضة جادة.

 

– وما تقييمك لآداء المعارضة في مصر الآن؟

كما ذكرت، المطلوب أن يكون هناك بديل قوي تُقّدره السُلطة وتخشاه، وقد عرضت على الحركة المدنية تشكيل هيكل تنظيمي وأمانة عامة لها دور واختصاصات، وليس كما تدور الأمور بتعطيل أحدهم قرارًا لأنه يجب أن يتخذ بإجماع الآراء، لذا بكل وضوح أرى أن مصر حاليًا تحتاج بشكل جذري إلى بديل للاثنين السلطة في شكلها الحالي والمعارضة بأدائها الحالي.

وأشير إلى بؤس المعارضة، إذ لم تتضامن معي بعض الأحزاب وقت الانتخابات إلا بعد تأكدها من منعي من الترشح. وكنت الوحيد الذي حضر في اجتماع الحركة المدنية حينها وصممت على التوافق حول مرشح واحد للمعارضة.

رأيي في المعارضة أنها تقول كلام إنشائي ومُعدّ سلفًا. أقبل النقد من المشاركين الذين اختاروا دفع ضريبة عملهم، لكن لا أقبله ممن تغاضى عن نضالنا وحينما ذهبنا إليهم قالوا نصًا: “هذه معركة كبيرة ودعونا نعمل في مساحات صغيرة آمنة”. 

صممنا برنامجًا ومشروعًا للتغيير، وعرضناه على الجميع، لكن من غير المقبول أن يكون هناك نقد دون تقديم بديل، تجربتي مع المعارضة في المسائل الخاصة بالتشاور في تقديم بديل للسلطة في محطات عديدة على مدار ثمان سنوات لا تدعو للإعجاب بأداء المعارضة إجمالًا مع احترامي لبعض من الشخصيات والأحزاب، لكن إجمالا ما زلنا نمد يدنا للتعاون. وفي النهاية أنا أتجاوز عن الكلام الهامشي والموجه قولًا وفعلًا، حتى يكون هناك معارضة حقيقية تمثل الشعب.

– أحاديث تدور حول دور السلطة في إعادة رسم الخريطة السياسية عبر السماح بظهور تشكيلات معارضة جديدة، بالتنسيق معها.. ما تعليقك؟

كل اسم يجيب عن نفسه، ويحاسب أمام جمهوره. السلطة الآن قادرة بالعصا، وبـ المنح والمنع، استمالة أو تحييد كيانات وأشخاص، وذلك يُبقى المعارضة جميعها في حالة ضعف.

 وحينما توجهنا مباشرة إلى الشعب أثبتنا أن لديهم رغبة حقيقية في التغيير وكان رد السلطة المنع، ومن رأيي فإن المواطن المصري يقع بين بطش السلطة وبؤس المعارضة، واليوم السلطة أشد بطشًا والمعارضة أكثر بؤسًا. ومنذ اللحظة الأولى تشاورت مع المعارضة في تأسيس جبهة تعمل كبديل للسلطة وليس من يرتضي بالعمل كتابع أو شريك لها، وقد خضنا نقاشات خلال الشهور الماضية لم ترتقي للجدية لتنفيذها، أما عن عرقلتها فليست بسببي، يسألون عنها.

 

– طرحت نفسك في البداية كمواطن من الشارع خرج بظهير شعبي، فهل لديك الآن تواصل مع المواطنين؟

أدين بالفضل والولاء لرجل الشارع العادي، لكن حينما ننظر إلى جوهر مشروعي الذي أتبناه وعنوانه: “البديل المدني الديمقراطي” وآليته المعتمدة هي التغيير عبر الأطر الدستورية والقانونية ومن خلال صناديق الاقتراع، فنحن نحتاج لأدوات تنظيمية فاعلة.

لدي تجربة حزبية سابقة بدأت فيها كعضو مؤسس في عام 2005، وخرجت منها وأنا رئيس للحزب عام 2021 (يشير إلى حزب الكرامة)، حينها كان هدفي الأول ضخ دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية تتسلح بالعلم والعزم، واليوم ونحن نعمل على تجربة تأسيس الحزب الجديد أتحرك بنفس الولاء للمواطنين والمشروع.

 في حملتي الانتخابية كان لدينا عشرات الآلاف من الشجعان المقاتلين من أجل حلم التغيير الديمقراطي، ولم يزدهم الثمن المدفوع إلا تمسكًا بحلمهم، دفاعًا عن حق زملائهم في السجون. ومن هنا جاءت الفكرة لتأسيس حزب بمفهوم التيار، ينطلق من منطلقات موضوعية وليست أيديولوجية، وبالفعل لدينا فريق تكون بعد معركة الانتخابات متمسكًا بالحلم وهو من كافة أطياف الشعب في محافظات عدة (يشرح أن لديه ظهيرًا شعبيًا، ويتواصل دوريًا مع المواطنين في كافة المحافظات رغم المنع والمراقبة).

 

– هل ترى أن لديك فرصة ثانية لتكرار المعركة الانتخابية؟

بالطبع، إذا أعلن غدًا عن انتخابات رئاسية تلتزم بالحد الأدنى من النزاهة، أكون فيه مرشحًا في مقابل رئيس الجمهورية الحالي بالتأكيد سأفوز بنسبة كبيرة تظهر أن المواطنين لا يريدون تلك السلطة ولا هذه المعارضة التي تعمل فقط في المساحات الآمنة، لذا أؤكد أن معاناتنا أننا نمثل الطريق الثالث بين الاستسلام لهذا الواقع المرير أو التكيف معه والعمل في المساحات المسموح بها.

 

 

– هل هناك تصفية حسابات داخل المعارضة للشباب الذين سبق وأن انضموا لحملتك الانتخابية؟

ما ننكره على السلطة لا يصح أخلاقيًا أن نقبله من المعارضة، إذا كنا نطالب السلطة باحترام الدستور والقانون والانصياع لإرادة الأغلبية وإقرار مبدأ التداول فلا بد من المعارضة أن تقدم المِثل.

إذا لم يكن هناك أحزاب ديمقراطية تقبل تطبيق الديمقراطية الداخلية فما الذي ستفعله بنا السلطة؟

وأنا لست طرفًا في كل الصراعات الداخلية في الأحزاب، يشهد بذلك من حدثني من أي حزب ونصحته بالتفريق ما بين معارضته لإدارة كيانات بطبيعتها مؤقتة، وبين هدم تلك الكيانات.

 

– السياسات الاقتصادية أيضًا ترتبط بالرؤى السياسية، فما تعليقك على أداء السلطة الحالية بالنسبة للملف الاقتصادي؟

أستطيع أن أقول إن من ضمن النجاحات القليلة التي حققناها أثناء تواجدنا في البرلمان، أننا أوقفنا توجه السلطة الخاص بدخول القطاع الخاص لتشغيل وإدارة المستشفيات الحكومية؛ لكني أرى أن كل قرار كان مؤجلًا أو تم عرقلته عادت السلطة لفرضه مرة أخرى، ولأن المواطنين لم يجدوا من يدافع عنهم فالسلطة لا ترى أحدًا منهم؛ خاصة أن المعارضة فشلت في القيام بدورها في ردع السلطة.

وأرى أن هناك توجه عام للدولة لتتحلل من واجباتها الاجتماعية تجاه المواطنين في كل القطاعات، إذ استبدلت ذلك بأن تطرح نفسها كجهة استثمارية، ولكن من المفترض أنها ليست كذلك فلديها واجبات في مساعدة المواطنين في توفير الغذاء والدواء والتعليم وغيرها.

أتذكر أن أول معركة لي في الجلسة الأولى لبرلمان 2015، كانت بخصوص محاولة إيقاف مشروع قرار يقضي بمنع المواطنين من الطعن على عقود الدولة، لكنه أقر بالفعل، وكان لهذا أهداف بعيدة تحققت الآن، فمثلًا هل يوجد أي مواطن اتطلع على عقد صفقة رأس الحكمة أو غيرها، أو مارس البرلمان رقابة حقيقية عليه؟، لماذا منحت السلطة لنفسها الحق أن تتصرف دون احترام الدستور والقانون؟ وهل من مصلحة الدولة أن تقوي مؤسساتها وتعمق النظام الفردي والسلطة الأبوية؟.

 

– في الختام، هناك من يتهمك بالغطرسة.. فهل ينتقد الطنطاوي نفسه وتجربته؟

طالما لم أحقق الهدف بالفوز في الانتخابات الرئاسية الماضية، فأنا أؤمن بأن لدي أخطاء بالتأكيد ويجب التعلم منها وإلا أصبح مُهملًا في حق كل من أيدني وآمن بالمشروع، خاصة الشابات والشباب ممن يدفعون الآن ضريبة ذلك في السجون.

وقد أعلنت عند طرحي مسألة خوض الانتخابات أنني أخوض نضالًا سياسيًا، يحمل أثمان غالية ومراحل متعددة؛ لكن المؤكد أننا خرجنا من تجربة الانتخابات بنتائج هامة وأبرزها؛ القدرة على إشراك المواطنين مجددًا في المعركة الأهم لصناعة مستقبلهم ودولتهم (انتخابات الرئاسة)، عبر حملة الأمل التي خاضها كثيرون في الداخل والخارج. 

ومجددًا أقول إن الشعب يحتاج إلى معارضة حقيقية تواجه السلطة و تردعها، وهذا هو الحل الأمثل.

 


  1. بناء على محام تحدث مع زاوية ثالثة أثناء الإعداد لنشر الحوار اليوم، فقد ألقت قوات الأمن في الواحدة من صباح اليوم، القبض على هيثم دبور أحد أعضاء الحملة الانتخابية للطنطاوي، من منزله في محافظة الإسكندرية.
  2. أُجري هذا الحوار على جزئين، الأول مصور بالفيديو، واستكملنا الحوار في جزء آخر باتصال هاتفي وفي يوم مختلف.

 

حيدر قنديل
صحفي مصري
رباب عزام
صحفية استقصائية مصرية، مهتمة بالصحافة الحقوقية والعمالية، ومقدمة برامج إذاعية، وباحثة في دراسات شرق إفريقيا الناطقة بالسواحيلية.

Search