مشروع الهوية البصرية يُحمّل المواطنين أعباءً اقتصادية جديدة

مالك عدلي: هناك قاعدة تنص على أنه لا ضريبة ولا رسم إلا بقانون.. أي أموال تُحصل من المواطنين دون قانون هو قرار غير دستوري
Photo by Osama Mohamed, graphics by Zawia3
Picture of آية ياسر

آية ياسر

قبل أشهر صُدم مصطفى هلال بتوقيف جاره في كمين شرطة وإلقاء القبض عليه، لصدور حكم غيابي ضده بالسجن سنة في قضية تبديد لا يعلم عنها شيء، ويكتشف أن عدم سداد رسوم التحسين التي تطالبهم بها محافظة الجيزة، كانت سببًا في القضية. 

حينها لجأ “هلال” إلى محاميه ليكتشف أن الحكم نفسه صدر بحقه؛ فكلف المحامي بعمل معارضة على الحكم وسداد نصيب شقته من رسوم التحسين، المقدرة بنحو ثلاثة آلاف جنيه، إضافة للرسوم الخاصة بقطعة الأرض الفضاء المملوكة له البالغة ٢٠ ألف جنيه؛ لكن لصدمته لم يتفهم القاضي وأيد الحكم لأنه لم يدفع كامل رسوم العمارة المقدرة بـ٣٦ ألف جنيه.

يقول مصطفى هلال – تاجر ومالك عقار بحي العمرانية، أحد أحياء محافظة الجيزة-، في حديثه إلى زاوية ثالثة: “اضطررت للحضور في جلسة الاستئناف على الحكم ووضعت الشرطة الأصفاد في يدي، احتجزوني طيلة النهار، وكان معي العديد من المحتجزين على ذمة قضايا تبديد مشابهة، وانتهى الأمر بحكم قضائي بإخلاء سبيلي وتكبدت أتعاب المحامي إلى جانب الرسوم”.

ويوضح: ” المحافظة كانت قد أرسلت إنذارات لملاك العقارات والشقق الواقعة على شارع ترسا الرئيسي وحتى التي تبعد مسافة 150 مترًا من الشارع، وكان مطلوبًا مني دفع ٢٠ ألف جنيه كرسوم تحسين عن قطعة الأرض الصغيرة المتبقية من عمارتي التي تعرضت للإزالة لتوسعة الشارع، إضافة إلى مبلغ 36 ألف جنيه كرسوم تحسين عن العقار المُباع والذي لا أمتلك به سوى الشقة المقيم بها”.

يأتي ذلك في إطار إعادة تحسين واجهات المباني في مصر، وكذلك مشروع الهوية البصرية التي تبنتها السلطة في عام 2018، إذ تبنّى الرئيس عبد الفتاح السيسي المشروع الذي اقترحته اثنتان من طالبات الجامعة الألمانية، في إحدى فعاليات المؤتمر السادس للشباب الذي استضافته جامعة القاهرة في نفس العام، وكان طلاب الجامعة الألمانية بالقاهرة قد شرعوا بالفعل في تنفيذ المشروع في عام 2016، ويهدف إلى تحسين الصورة العامة لشوارع مصر، عبر إعداد واختيار تصميمات تناسب كل محافظة، مع إبراز ما تتميز بها من معالم سياحية وحرف وصناعات.

“عاطف أحمد الذي يسكن مع أسرته في شقة مملوكة له ببرج سكني كبير يطل على شارع ترسا بحي الهرم في محافظة الجيزة، صُدم هو وجيرانه بإنذارات أرسلتها محافظة الجيزة إلى مالك العقار الذي يضم نحو 60 شقة سكنية ومحلات تجارية وجراج، تطالبه فيها بدفع رسوم تحسين الشارع تقارب الـ300 ألف جنيه مصري، وتم تهديدهم بالحجز على شققهم السكنية إن امتنعوا عن الدفع.

“المهندسة المسؤولة عن التحسين، التي أرسلتها لنا المحافظة، قالت لنا إنهم يرسلون للسكان ثلاثة إنذارات بالدفع ثم ترفع ضدهم دعوى قضائية ويتم الحجز الإداري على شققهم، وربما يبيعون أثاثهم لسداد المديونية، وأخبرتنا أن الشقة بعد التحسين وتطوير الشارع والكباري والإسفلت ارتفع سعرها، وكأنها تشاركنا في ملكية الشقة!.. اضطررت لدفع أربعة آلاف جنيه رسوم عن شقتي، وكذلك جيراني، خوفًا من القضية”.. يحكي “عاطف”.

 

قانون قديم غير معمول به

وتعود أزمة رسوم التحسين إلى قرار كان قد أصدره محافظ الجيزة أحمد راشد، ونشرته الجريدة الرسمية في عددها الصادر في 18 ديسمبر 2019، ينص على فرض مقابل تحسين على العقارات والأراضي الفَضاء بالمنطقة المحيطة بشارع العروبة ابتداءً من شارع عثمان محرم حتى المريوطية بطول 3.1 كيلومتر، وعز الدين عمر من العروبة حتى شارع الهرم بطول 1.1 كيلومتر وعمق 150 متر طولي على جانبي الشارع، وفي المنطقة المحيطة بشارع ترسا ابتداء من ترعة الزمر شرقًا حتى ترعة المريوطية غربًا بطول 6150 متر طولى بعمق 150 م/ط على جانبي الشارع.

وخلال العامين الأخيرين، بدأت الحكومة في تطبيق قانون قديم لم يكن معمولًا به، لفرض ضرائب على العقارات المجاورة لمشاريع التنمية الحضرية العامة، وأي عقار يبعد عنها مسافة 150 مترًا، وهو القانون رقم 222 لسنة 1955 بشأن فرض مقابل تحسين على العقارات التي يطرأ عليها تحسين، بسبب أعمال المنفعة العامة، معللة ذلك بأن المشاريع سترفع قيمة العقارات المجاورة للمشروع، وأن الحكومة مستحِقة لنصف قيمة الزيادة الناتجة.

ووفق أستاذ الهندسة الإنشائية بكلية الهندسة جامعة طنطا، ورئيس لجنة مزاولة المهنة بنقابة الغربية، محمود أحمد عبد العزيز، فإن الحكومة تهدف من رسوم التحسين إلى تمويل مشروعات التطوير والبنية التحتية، وتعزيز الخدمات مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء والطرق، لكنها أثارت الجدل واعتبرها البعض ضريبة إضافية على الشعب الذي يعاني من ضغوط اقتصادية، معلقًا على الطريقة التي تجمع بها الحكومة هذه الرسوم كـ تعطيل الإجراءات أثناء استخراج التراخيص.

ويشرح “عبدالعزيز” في حديثه إلينا أن الحكومة يجب أن تراعي مدى قدرة المواطنين على تحمُل هذه الرسوم وعدم فرض أعباء إضافية عليهم، مع ضمان أن المشاريع التي تمول بها الرسوم تعود بالفائدة على المواطنين وتصبح جزءًا من استراتيجية أوسع للتنمية المستدامة.

 

تحسين الصورة البصرية

في حين تفاجأ عماد جعفر، ويسكن في حي الدقي، شمال محافظة الجيزة، بقدوم موظف تابع للحي ومعه مقاول، أبلغا حارس العمارة السكنية بمطالبة المحافظة لسٌكانها بدفع مبلغ 64 ألف جنيه نظير تجديد طلاء واجهة العقار.

يقول “عماد” إنه وكثير من السكان رفضوا سداد المبلغ، لكن أصحاب المحلات التجارية اضطروا لدفع مبالغ مالية للمشاركة في طلاء واجهات عقارهم والعقارات السكنية المجاورة، خوفًا من الصدام مع موظفي الحي وتضرر أعمالهم التجارية، متهمًا بعض مهندسي الأحياء بالتواطؤ مع مقاولين لوضع تقديرات مالية مُبالغ فيها لتحصيل أموال من السُكان.

وتُنفّذ محافظات مصر تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسى، الصادرة في عام 2019، بطلاء موحد لجميع واجهات المباني بدلًا من الطوب الأحمر، بحيث يتم الانتهاء من طلاء الواجهات الأربع لهذه المبانى في مهلة محددة، أو سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها.

وكانت صحف محلية قد نقلت عن مصدر مسؤول بمحافظة الجيزة أنه تم إبلاغ رؤساء الأحياء والمراكز والمدن التابعة للمحافظة بحظر توصيل المرافق للعقارات التي تم بنائها حديثًا أو جار بناءها، ويمتنع أصحابها عن طلاء واجهات منازلهم وفقًا قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008.

يأتي ذلك في الوقت الذي يواصل فيه الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، تنفيذ مشروعات تطوير وإحلال وتجديد، أبرزها تحسين الصورة البصرية على محور الطريق الدائري والطرق المؤدية إلى المتحف المصري الجديد، استعدادًا لافتتاحه. 

ويعتبر سيف الدين فرج – أستاذ التخطيط العمراني-، أن تحسين وتطوير الطرق المحيطة بالمتحف المصرى الكبير و هضبة الأهرامات، وبناء الكباري الجديدة، لا ينفصل عن مشروع تحسين الصورة البصرية لكون استراتيجية التنمية العمرانية تعتمد على البنية الأساسية من طرق وكباري ومرافق المياه والكهرباء والصرف الصحي، بجانب الخطوط العامة للمواصلات كـ إنشاء خطوط جديدة لمترو الأنفاق والأتوبيس الترددي، إضافة إلى خلق متتابعة بصرية لمصر وإعادة ترتيب الصورة الذهنية لتحقيق المتعة البصرية، مستشهدًا بطلاء واجهات عمارات ميدان التحرير وتطوير شارع المعز وما يجري الآن من  طلاء للعمارات السكنية المطلة على الطريق الدائري.

ويرى “فرج” أن ملاك العقارات يجب أن يشاركوا في دفع تكاليف طلاء واجهاتها لكون ذلك يزيد من القيمة السوقية لها، ليشعروا بالإنتماء ويحرصون على صيانتها، مبينًا أن عمليات الطلاء تتم بإشراف لجنة من جهاز التنسيق الحضاري، تضم أساتذة من كليتي الفنون الجميلة والفنون التطبيقية.

 

لا رسوم إلّا بقانون

مالك عدلي – المحامي البارز في مجال حقوق الإنسان ومدير شبكة المحامين في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، يوضّح في حديثه معنا، أن هناك قاعدة تنص على أنه لا ضريبة ولا رسم إلا بقانون؛ وبالتالي فإن أي أموال تُحصل من المواطنين دون قانون يقره مجلس النواب، بهدف سد عجز الموازنة وتنمية موارد المحافظات، يصبح غير دستوري ويمكن وصفه بالـ”جباية”، مبينًا أن فرض رسوم دون قوانين أصبحت ممارسة متبعة في العديد من المؤسسات الحكومية وليس المحافظات فقط، لافتًا لكون المركز المصري حصل على أحكام ببطلان حصول هيئات قضائية على رسوم من المواطنين دون قانون.

ويشير “عدلي” إلى أن الدولة تتخذ عددًا من الإجراءات حين تفرض رسومًا أو يكون لها أموال لدى المواطنين لم تسدد، إذ تقوم بالحجز الإداري المكتبي على ممتلكات المواطنين وتعيين حارسًا عليها وتقيم دعوى تبديد تتحول إلى جنحة في القانون، ويصدر بحق المتهم بها حكمًا بالحبس، لكنه يرى أن مصدر المديونية في حال رسوم التحسين غير قانوني، مبينًا أن حالة تراجع محافظ الغربية عن تطبيق هذه الرسوم، يعد دليلاً على عدم قانونيتها.

وكان محافظ الغربية قد سحب قراره بفرض رسوم التحسين على العقارات، في ديسمبر 2021، بناءًا على طلب من النائب أحمد بلال البرلسي، الذي أوضح أنه تلقى شكوى من مواطنة بعدم قدرتها على سداد رسوم التحسين على ترميم بيتها، والتي بلغت 25 ألف جنيه.

بدوره يؤكد عادل عامر – مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية-، أنه لا يجوز إصدار قرار إداري من السلطة المختصة أيًا كانت درجتها بفرض رسوم دون قانون يصدر عن مجلس النواب يحدد الفئات الخاضعة لها، ثم تنظر المحكمة الدستورية العليا في مدى دستوريته، مضيفًا أن المرافق وتحسينها وصيانتها والإنفاق عليها من الحقوق الدستورية للمواطن على الحكومة ولا يفترض بالسكان تحمل تكلفتها التي تأتي بالأساس من الموازنة العامة للدولة وأموال دافعي الضرائب، مشيرًا لكون قضايا التبديد المفروضة على بعض المواطنين بسبب الرسوم ينبغي التأكد من كونها تمت بعد تقديم إنذارات لهم ثم قيام لجنة لديها ضبطية قضائية بالحجز الإداري على المنقولات وتعيين صاحبها حارسًا عليها.

فيما يُبين أن تحميل أصحاب العقارات تكلفة طلاء واجهاتها يخضع إلى قانون الإدارة المحلية الذي أعطى المحافظة حق فرض رسوم تحسين خدمات، وهو الأمر المنوط بالمجالس المحلية، ونظرًا لعدم وجودها يقوم مجلس المحافظين بذلك ويعتمد قراراته من مجلس الوزراء.

 

إثقال الوعاء الضريبي

وفقًا التقرير الشهري لوزارة المالية في الحكومة المصرية؛ فقد ارتفعت حصيلة الإيرادات الضريبية لتسجل نحو 405.6 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر من العام المالي 2023/2024، بزيادة بلغت قيمتها 111.4 مليار جنيه بنسبة نمو 37.9%، وساهمت الإيرادات الضريبية بنسبة 85.6% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة، التي ارتفعت إلى 474 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو وحتى أكتوبر من العام المالي الحالي 2023/2024، زيادة بلغت 31.4% مقارنة مع العام الماضي.

ويرى “عامر” أن الرسوم تعد عبئًا إضافيًا يستنزف الموارد المالية المحدودة للمواطن الذي تحمل الكثير من الضغوطات الاقتصادية بسبب وعود القيادة السياسية، لافتًا لكون الضرائب تمثل نسبة تقارب الـ 75% من الموازنة العامة، وهي نسبة مرتفعة للغاية؛ حيث يفترض أن تكون النسبة الأكبر معتمدة على الإنتاج؛ ما يؤدي لخلل في الاقتصاد المصري يضطر الحكومة إلى الاقتراض.

بينما يوضح الخبير الاقتصادي أحمد شوقي – عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء-، أن تعدد أنواع الضرائب المفروضة داخل الدولة ومنها الضرائب العقارية، يثقل الوعاء الضريبي للمتعاملين، مبينًا أن الرسوم تختلف عن الضرائب التي تعد أبرز موارد الإنفاق على الموازنة العامة بمصر، ويجب أن يكون هناك خدمة مباشرة يتم تقديمها نظير دفع الرسم.  

وفي حين اضطر العديد من أصحاب الشقق السكنية لسداد الرسوم التي تطالبهم بها السلطات المحلية؛ فإن كثيرين غيرهم تعثروا ويواجهون احتمالية السجن بسببها، في وقت يتحملون فيه كغيرهم من أبناء الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل في مصر أعباءً و ضغوطات مادية في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، تجعل من الضروري أن تعيد الحكومة النظر بشأن أي أعباء قد يتحملها المواطنون جراء فاتورة التطوير العمراني وتحسين الصورة البصرية.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search