العالقون وراء معبر رفح.. هل يبقى المصريون كرهائن في غزة لتمرير المفاوضات؟

نحو 30 مصريًا يحملون الجنسية الكندية، كانوا موجودين لزيارة الأراضي المقدسة، لمساعدتهم على الخروج من الأراضي الفلسطينية عقب تطور الأحداث الأخيرة. وقد أكدت الوزارة على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإخراجهم سالمين. في المقابل هناك آلاف مثل الطبيب سامي وعائلته المصرية يِستغيثون لكن دون أن يخرج مسؤول واحد للرد
تصميم: زاوية ثالثة
رباب عزام

على خلفية الحرب الدائرة بين عناصر المقاومة الفلسطينية حماس، وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي، ظل الطبيب المصري سامي حجازي محتجزًا وراء معبر رفح البري، هناك حيث غزة تقطر دمًا في كل لحظة. كونه طبيبًا جعله هدفًا في مرمى النيران من الأساس؛ لكنه يحاول الحفاظ على حياة عائلته الصغيرة والتي رافقته دومًا أينما حل منذ بدء هذه الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، في الوقت نفسه لم ينس مهمته كطبيب واشتبك مع كادر الأطباء في مستشفى ناصر بخان يونس، في معركة خاصة يسعون فيها لإنقاذ مئات الجرحى والمنكوبين بأياديهم العارية.

 

بعد انطلاق الحرب بثلاثة أيام، أعلنت وزارة الهجرة المصرية تلقيها استغاثة عاجلة من نحو 30 مصريًا يحملون الجنسية الكندية، كانوا موجودين لزيارة الأراضي المقدسة، لمساعدتهم على الخروج من الأراضي الفلسطينية عقب تطور الأحداث الأخيرة. وقد أكدت الوزارة على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإخراجهم سالمين. في المقابل هناك آلاف مثل الطبيب سامي وعائلته المصرية يستغيثون لكن دون أن يخرج مسؤول واحد للرد؛ رغم استشهاد عدد منهم وتعرض عدد غير معلوم لإصابات جراء عمليات القصف المستمرة في كل أحياء قطاع غزة، وذلك حسب المعلومات التي وردتنا من مقابلاتنا الشخصية مع عدد من العالقين المصريين خلف معبر رفح. التعليق الوحيد من الوزارة جاء مؤكدا أن المصريين بالقطاع “جميعهم بخير”. فيما وجه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة نداء للمصريين العالقين ويرغبون في العودة بالتواصل مع السفارة المصرية في رام الله بالضفة الغربية، والتي حسب شهادة المئات لم تتلقى اتصالاتهم ومناشدتهم من الأساس أو تؤكد إدراجهم على قوائم الخروج حتى اللحظة.

 

تخاذل رسمي

تقول سوسن عزيز والتي لديها ابنة عالقة في الداخل: “بعد أن رأيت استجابة وزارة الهجرة لاستغاثة المصريين الكنديين في اليوم الثالث للحرب، تشجعت وحاولت التواصل معهم لكني لم أتلقى ردًا منذ أسبوعين، فهل لا بد وأن تكون ابنتي حاملة لجنسية أخرى أجنبية حتى تخرج من الحصار والموت؟”. ولم تكن سوسن وحدها هي من حملت تساؤلات حول أداء النظام المصري تجاه ملف العالقين المصريين في غزة، فوفق مقابلات شخصية مع 400 شخص، ما بين أهالي عالقين موجودين في مصر، أو مصريين في الداخل الفلسطيني المشتعل، فقد طرحوا جميعًا تساؤلات مشروعة حول قابلية النظام المصري لتطبيق المادة (88) من الدستور والتي تقر بأحقيتهم في إلزام الدولة بحمايتهم ورعاية شؤونهم في الخارج، ومنها حسب وصفهم: “إجلاؤهم الفوري وقت الحروب والنزاعات”. لكن الأداء المعلن من السلطة المصرية يظهر عكس ذلك، حيث يتم خروج 100 مصري فقط في كل يوم يفتح فيه المعبر أمام حركة الإجلاء المحددة والمحدودة.



يقول مدحت الزاهد لزاوية ثالثة “النقطة الجوهرية فى موضوع غزة هى ضرورة تحرر مصر من أعباء كامب ديفيد وملحقاتها وعلى الأخص اتفاقية فيلادلفيا غام ٢٠٠٥ والتى تنظم العلاقة على المعبر وتمنح لإسرائيل حق الفيتو على كل ما يدخل أو يخرج من غزة ويلزم تعديل اتفاقية المعابر” ويضيف  رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أنه “يلزم استخدام السلطات المصرية الضغوط الدولية شاملة الشخصيات والنواب الأوربية والأمريكية ومن كل أنحاء العالم لتنظيم قوافل بشرية والاعتصام على المعبر تاكيدا على ضرورة فتحه بصورة دائمة”.


وفي الوقت الذي تصلنا فيه شهادات تؤكد عدم خروج أي من المصريين الذين حاولوا تسجيل أسمائهم لدى قوائم وزارة الخارجية أو السفارة المصرية في رام الله، جاء الرد الرسمي ثابتًا ووحيدًا؛ حيث واصل سامح شكري، وزير الخارجية، التأكيد على موقف القاهرة بعدم غلق معبر رفح، مؤكدًا أنه “مفتوح من الجانب المصري”، لكنه علق في بيان له أمس مشيرًا إلى أن مدى إمكانية إدخال المساعدات مرهون بالاتفاق القائم بين سلطة الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها الدولة القائمة بالاحتلال، وأجهزة الأمم المتحدة والإجراءات التي تتخذ في سبيل التحقق من الشحنات التي يتم نفاذها إلى قطاع غزة.

تعليقًا، يذكر خالد سليم أنه وبمتابعة القوائم اليومية التي تعلنها إدارة المعابر في كل مرة، فقد وجد أن معظم الأسماء المدرجة تشمل عائلات بعينها غالبيتها من المصريين مزدوجي الجنسية (جنسية مصرية فلسطينية) وليسوا من المصريين الأصليين. ويضيف: “من الممكن أن تقوموا بمراجعة القوائم، لا أتجنى على أحد، سترون بأنفسكم أن هناك ما بين خمس أو ست عائلات لا تخلو قائمة منها في كل مرة وجميعهم فلسطينيون الأصل، مثل عائلة زعرب والكحلوت على سبيل المثال”، متسائلًا عما يدور بالتحديد ولم تتقاعس الدولة في مسألة عودة المصريين إلى أراضيهم.

معبر رفح

يحيلنا هذا التساؤل إلى آخر هام، حيث عبّر يوسف عن غضبه الشديد مما يدور وراء الكواليس -حسب وصفه-، خاصة وأنه راقب بنفسه خلال الشهور القليلة التي سبقت الحرب أداء السلطة الفلسطينية في غزة والتي أصابته بحيرة كبيرة، مضيفًا: “منذ أشهر تعاملت حماس بشكل يدعو إلى الريبة قليلًا، حيث تعنتت في إخراج المصريين من قطاع غزة قبيل الحرب، وأخرجت أعداد صغيرة للغاية، كما أن هناك مصريين قدموا لمنحهم تصاريح العودة من الجانب المصري قبل الحرب لكنهم لم يتلقوا إجابات أو أجلت مواعيدهم لنهاية العام، حيث وجدوا صعوبة في مسألة إدراجهم على كشوف المعبر في أشهر الصيف المنتهية”. ليختتم متسائلًا: “هل من الممكن أن يكون عدم خروج المصريين قبل الحرب نوع من الاحتجاز الممنهج لاستخدامهم فيما بعد لتمرير صفقات أو مفاوضات بعينها؟.. نحن رأينا الموت بأعيننا، يمررون الأجانب ويتركوننا بأي وجه حق؟”.

ردًا على تساؤلاته، تجيب إلهام عيداروس وكيل حزب العيش والحرية تحت التأسيس، تقول: “عدم إجلاء الرعايا المصريين من قطاع غزة أمر كاشف للأزمة الكبيرة التي تعاني منها الإدارة المصرية؛ فأولا لدى السلطة المصرية أدوات فاعلة يجب أن تستخدمها لكسب مزيد من الوقت وتحقيق انتصارات لصالح القضية؛ لكنها لا تعرف كيف تستخدمها، بل وتسمح للبلطجة الإسرائيلية أن تستمر، حيث تمارس تل أبيب ضغوطات وعمليات ابتزاز ممنهجة على الجانب المصري والذي بدوره يخضع لها”. مؤكدة أن التحكم في إدارة معبر رفح هو شأن خاص بالسيادة المصرية الخالصة وأن أي تدخل فيه يعني المساس بتلك السيادة بشكل واضح، وأن احتجاز المصريين بالداخل ما هو إلا ابتزاز رخيص من الاحتلال.

وتضيف أن موقفها وحزبها يتمثل في الإقرار بضرورة فتح المعبر لإدخال المساعدات الدائمة وإجلاء طرفين بشكل فوري وعاجل ودون تنسيق؛ أولهما الجرحى والمسنين والأطفال من الغزيين، وثانيهما كل من يحمل الجنسية المصرية دون تمييز و “بالبطاقة”. مشيرة إلى أن تحكم سلطة الاحتلال في تحديد من يتم خروجه مسألة مهينة للغاية، ولابد من الضغط السياسي تجاه وقف إطلاق النار وإلا ستصبح كافة المجهودات وكأنها لم تكن. مؤكدة: “ضعف الموقف المصري مرتبط بضعف موقف الدول العربية والتي سارعت بالتطبيع مع الاحتلال خلال السنوات القليلة الماضية وهي تقف الآن موقف المتفرج، رغم قدرتها على استخدام أدوات شديدة الفاعلية وأبرزها سلاح النفط، أعتقد أن الوقت قد حان لاختبار دورهم الحقيقي، خاصة الدول خارج سياج دول المواجهة مع الاحتلال والمتمثلة في مصر وسوريا ولبنان والأردن، واللاتي تعاني الأمرين من الأساس”.

 

 

رباب عزام
صحفية استقصائية مصرية، مهتمة بالصحافة الحقوقية والعمالية، ومقدمة برامج إذاعية، وباحثة في دراسات شرق إفريقيا الناطقة بالسواحيلية.

Search