أهالي رأس الحكمة.. سنواجه بيع مدينتنا

من المزمع أن يتم إقامة مشروع سياحيّ ضخم في المدينة
زاوية ثالثة

في أغسطس 2018، وقّع موئل الأمم المتحدة (برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية)، والمؤسسة العامة للتخطيط العمراني والمجتمعات العمرانية الجديدة، اتفاقية المساهمة وأعلنوا إطلاق مشروع مدينة “رأس الحكمة” الجديدة في مصر. لم يكن المصريون يعلمون شيئًا عن الصفقة حتى مطلع فبراير الجاري، حين فوجئوا بتسريبات مجهولة المصدر تتحدث عن صفقة مُحتملّة لبيع المدينة بأكملها في مقابل 22 مليار دولار لتحالف من مستثمرين إماراتيين تقودهم جهات سيادية إماراتية، مع احتفاظ مصر بـ20% من المدينة.

أثارت التسريبات المتداولة بلبلة شديدة في الأوساط المصريّة الشعبيّة؛ خاصّة مع انعدام المعلومات من قبل السلطة التنفيذيّة، إذ لم تفصح عن بيانات رسميّة تنفي أو تؤكّد عمليّة البيع، سوى بعد يومين من تداول معلومات عن الصفقة. فخرجت بعض المصادر الرسميّة في مداخلات تليفزيونيّة وصحفيّة، تنفي نيّة القاهرة في بيع أراضٍ مصرية لأجانب؛ لكنها أيضًا ألمحت إلى أنه ربما تكون هناك استثمارات في المدينة الساحلية، دون ذكر تفاصيل أخرى.

ظل المصريون ما بين النفي والتأكيد، حتى صدر في يوم السابع من فبراير الجاري، أول تأكيد رسمي من حسام هيبة -(1) الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة- التي تديرها الدولة ، شارحًا أن حكومة القاهرة قررت بالفعل بدء خطة استثمارية موسعّة في المدينة، مبينًا أنهم تلقوا عروضًا من عدة تحالفات استثمارية دولية، واختير تحالف إماراتي لتنفيذ وتطوير وإدارة المشروع، مشيرًا إلى أن الاستثمارات المبدئية للمشروع قد تزيد عن 22 مليار دولار، تذهب إلى خزينة البنك المركزي المصري، ولن تُضخّ دفعة واحدة (ربما على سبع سنوات، حسبما أشارت مصادر حكومية متعددة لاحقًا).

ويبدو أن إعلان رئيس هيئة الاستثمار أثار غضبًا داخل الدوائر الحكومية؛ حيث أكّد رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، الخميس -عقب التصريح الأول بيوم واحد-، أن مجلس الوزراء فقط هو المنوط به الإعلان عن تفاصيل المشروعات الاستثمارية الكبرى، مضيفًا أن هذه المشروعات “ستُحقق نقلة نوعية، ومزايا مُتعددة للدولة المصرية”، دون تحديد تلك المشروعات أو ذكر أسماء مستثمرين بعينهم.

ما نعرفه عن مدينة رأس الحكمة 

“رأس الحكمة” قرية تابعة لمدينة مرسى مطروح في محافظة مطروح (يبلغ عدد سكان المحافظة وفق الجهاز المركزي للإحصاء في 2023، نحو 538 ألف و 546 مواطنًا؛ لكن التقارير الرسمية لا تشير إلى عدد سكان مدينة رأس الحكمة، وحسب مقابلاتنا في “زاوية ثالثة” معهم، فإنهم يقدّرون تعدادها بنحو 25 ألفًا من السكان الأصليين، إضافة إلى بضعة آلاف من أبناء المحافظات والقرى المجاورة في الإسكندرية ومطروح الذين يمارسون أعمالًا دائمة أو موسمية، زراعية أو سياحية).

 

تقع المدينة على الساحل الشمالي شرق مدينة مرسى مطروح، وتبعد عن المحافظة بنحو 85 كيلومترًا، ومن الشرق تبعد 138 كيلومتر عن مدينة العلمين الجديدة. يمتد خليج “رأس الحكمة” من منطقة الضبعة الواقعة في الكيلو 170 على طريق الساحل الغربي وصولًا إلى الكيلو 220 في مطروح. وتقع على بعد حوالي 350 كيلومترًا (217 ميلًا) شمال غرب العاصمة القاهرة. وتغطي مساحة تزيد عن 180 كيلومتر مربع.

ومن المتوقع بحلول عام 2050 -وفقًا لاستراتيجية مصر 2050-، أن يتم تطوير ما يقرب من 143 كيلومتر من المنطقة. وقد خصصّت الدولّة جزءًا بطول 5.4 كيلومتر لمنطقة بناء متعددة الاستخدامات. وتخطط لبناء حوالي 10652 وحدة سكنية و 50 فندقًا سياحيًا. أيضًا- تم تخصيص 7.3 كيلومتر لتطوير المجتمعات الحضرية مع مجموعة متنوعة من الأنشطة التي يمكن خصخصتها.

وحسب موقع خريطة مشروعات مصر الرسمي، فإنه من المزمع أن يتم إقامة مشروع سياحيّ ضخم في المدينة، التي صدر قرار جمهوري عام 1975 بإخلائها من سُكّانها، وتبلغ مساحتها 55 ألف فدان -هي المساحة المقررة للمشروع الاستثماري الجديد-، ولم يتمكن المسؤولون وقتئذٍ تنفيذ القرار. كما أظهر الموقع أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو المسئول عن تنفيذ المشروع.

خريطة مشروعات مصر
خريطة مشروعات مصر

ووفقًا للموقع عاود المشروع السبعيني الظهور من جديد، وبدأت الجهات المعنية بمحاولة إجبار السكان على الخروج من منازلهم وإخلاء أراضيهم؛ ما أثار الكثير من الاستياء؛ خاصة وأن المسئولين لم يوفروا البدائل المناسبة.

ووقعت أراضي “رأس الحكمة” تحت ولاية هيئة التنمية السياحية بوزارة السياحة، إلى أن تم تخصيصها لصالح هيئة المجتمعات العمرانية والقوات المسلحة ووزارة النقل والمواصلات. حسب القرار الجمهوري رقم 226 لسنة 2023، وبموجبه: “يُنشأ مجتمع عمراني جديد يسمى مدينة رأس الحكمة الجديدة، على مساحة 40697.59 فدان من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة، ناحية مطروح، ويرمز لها بالرمز (أ)”، ويبين القرار أنه تم تخصيص المساحة للقوات المسلحة (أ)، نقلًا من الأراضي المخصصة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. فيما تخصص مساحة 1499089 فدان ويرمز لها بالرمز (ب) لصالح محافظة مطروح. وتخصص مساحة 20128.51 فدان ويرمز لها بالرمز (ج) لصالح القوات المسلحة، فيما تخصص مساحات 2421.85 فدان ويرمز لها بالحرف (د)، لاستخدامها في مسار القطار الكهربائي السريع، ومساحة 111.88 فدان، ويرمز لها بـ(ه)، لاستخدامها في إقامة محطة رأس الحكمة للقطار الكهربائي السريع. وأخيرًا مساحة 25.47 فدان، ويرمز لها بـ(و)، لإقامة محطة رأس الحكمة للقطار الديزل. وذلك كتخصيص لوزارة النقل والمواصلات.

 

 وحسب محافظ مطروح، فإنه سوف يتم تعويض الأهالي ببناء مدينة سكنية متكاملة، ويمنح كل متضرر منزلاً بديلاً، أو تعويضه بمبلغ مالي مناسب حسب رغبته، بالرغم من عدم أحقيتهم وعدم وجود أوراق تثبت ملكيتهم للأرض، حسب قول المحافظ.

حسب البيانات المتاحة من مواقع محلية ودولية، تجري الإمارات العربية المتحدة محادثات لشراء وتطوير قطعة أرض كبيرة على ساحل البحر المتوسط في مدينة رأس الحكمة، وبالفعل تم اختيار تحالف إماراتي للعمل مع شركاء مصريين لتطويرها، فيما يُشار إلى أن المستثمر الإماراتي محمد العبّار -مؤسس شركة إعمار-، سيكون ممثل الإمارات ويترأس التحالف. في صفقة تصفها الحكومة المصرية بأنها “من الممكن أن تُعزّز الاقتصاد المضطرب للدولة”. ويفوز التحالف الإماراتي بنحو 80% من المدينة، بينما يمتلك التحالف المصري/ الحكومة المصرية نحو 20% فقط منها، حسب تقرير لوكالة بلومبرج الأميركية.

وانتشر مقطع صوتي مُسرّب في الثاني من فبراير الجاري، على تطبيق التواصل الاجتماعي “تيك توك”، يُنسب إلى الإعلامي المصري خيري رمضان، -لم نصل إلى تأكيد مدى صحة التسريب-، وهو يُدلي بمعلومات عن الصفقة. يقول وفقًا للمقطع: “كنا في اجتماع خاص مع الرجل الثاني من حيث الأهمية في مصر، وذكر لنا أنه يتم الإعداد لضخ 100 مليار دولار في مصر قريبًا، منها 42.5 مليار دولار، قيمة مشروع استثماري في مدينة رأس الحكمة، بواقع 20 مليار قيمة للأرض، ويرغب المستثمرون في تنفيذ المشروع على مدار عشر سنوات؛ لكن الرئيس السيسي أصر على تنفيذه في مدة أقصاها سبع سنوات فقط”. ذاكرًا أسماء الشركاء الذين سينفذّون المشروع وهم: مجموعة طلعت مصطفى، وشركة أوراسكوم المملوكة لعائلة ساويرس، إضافة إلى إشارات لرجل الأعمال المصري محمود الجمّال (والد خديجة الجمّال زوجة جمال مبارك)، ورجل الأعمال المصري حسن علّام، وشركتي جوجل وأمازون العالميتين. ذاكرًا أنه تواصل مع “الجمّال” وأكد صحة المعلومات.

 

لماذا الصفقة؟

تعاني مصر من أزمة في النقد الأجنبي متزايدة منذ عام 2016، بعد أن خضعت إلى عدة تخفيضات في قيمة العملة المحلية، نتيجة اشتراطات صندوق النقد الدولي، في مقابل قروض يمنحها الصندوق لحكومة القاهرة.

وترى الحكومة أن زيادة ضخ العملة الأجنبية في السوق المصري عن طريق مستثمرين أجانب/ استراتيجيين، من الممكن أن تمنح صورة إيجابية مُحسنّة أمام صندوق النقد الدولي؛ ما يؤهلها لعقد محادثات ناجحة بشأن قرض يضمن تمويلًا بقيمة تتراوح ما بين سبعة إلى عشرة مليارات دولار. ومن المقرر أن تسدد القاهرة حصّة من ديونها الخارجية هذا العام التي وصلت في مجملها -وفق بيانات البنك المركزي في نهاية يونيو الماضي- إلى نحو 165.3 مليار دولار، تعمل القاهرة على سداد نحو 29.2 مليار دولار ما يوازي نحو 17.6 في المئة من إجمالي التزامات الديون الخارجية في العام الجاري (ما يمثل خُمس إجمالي الدّين المستحق)، وفق تقديرات المركزي، الذي عاد في نهاية العام الماضي، لرفع تقديراته لقيمة الديون وفوائدها المستحقة للعام 2024 إلى 32.7 مليار دولار؛ تتضمن التقديرات الأخيرة سداد فوائد بقيمة 6.85 مليار دولار، و أقساط ديون بقيمة 25.86 مليار دولار. ومن المقرر سداد نحو 16.902 مليار دولار منها خلال النصف الأول من العام الجاري، على أن يتم سداد الـ15.89 مليار دولار المتبقية خلال النصف الثاني من العام.

وتشير تقديرات بنك “جولدمان ساكس” إلى أن القاهرة ستواجه فجوة تمويلية تُقدّر بنحو 11 مليار دولار خلال السنوات حتى عام 2028. ما يستدعي من حكومتها الاستمرار بجدية في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، لكسب مزيد من العُملة الأجنبية التي تُضخ داخل السوق المصري والبنك المركزي عن طريق بيع جزء أو كامل حِصصها في أصول مملوكة لها. خاصةً وأن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى تباطؤ معدل نمو الاقتصاد المصري خلال الربع الأول من العام المالي الجاري إلى 2.65% مقارنة مع 4.4% خلال الربع المماثل من العام السابق 2022-2023، بحسب بيانات لوزارة التخطيط المصرية. فيما تتوقع الحكومة أن يرتفع معدل النمو إلى 4.2% هذا العام. فيما أعلن البنك المركزي في فبراير الجاري، عن وصول المُعدّل السنوي للتضخم العام إلى نحو 29.8% في يناير الماضي، مقابل 33.7% في ديسمبر 2023. كما سجّل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 29.0% في يناير الماضي، مقابل 34.2% في ديسمبر 2023.

وكان رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، حدد 6 سنوات لانتهاء الأزمة التي تشهدها القاهرة، والمضي من أجل استعادة مسار نموها؛ وذلك بعد الاستمرار في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وبرنامج الطروحات الحكومية ضمن وثيقة سياسة ملكية الدولة الداعمة لتخارُجها من الاقتصاد المصري بنحو 65%.

في يناير 2023، تعهدّت حكومة القاهرة، بتقليص سيطرتها على الاقتصاد واستهدافها خصخصة حصص من الأصول العامة بقيمة ملياري دولار قبل نهاية يونيو 2023، وذلك لمنح البنك الدولي مزيدًأ من الطمأنينة؛ إلا أنها لم تُتَمِّم سوى جزء منها، بسبب تعثر المفاوضات مع المستثمرين الخليجيين، إثر خلافات على تقييم الأصول، وفقًا لما قاله مركز حلول للسياسات البديلة.

ومثّل بيع الأصول أحد مبررات القاهرة، حيث قالت إنها تعمل على ذلك لاستخدام عوائد تلك الأصول في سد الفجوة الدولارية المتزايدة، إلا أن الصفقات التي حُسِمت بالفعل تمت بالجنيه المصري، كشركة باكين والتي بيعت حصة تقدر بـ 80% منها بـ 770.5 مليون جنيه، تلتها صفقة طرح 9.5% من المصرية للاتصالات، مقابل 3.7 مليارات جنيه. وقضي برنامج الطروحات الحكومية في مرحلته الأولى، طرح 25% من 33 شركة مملوكة للقطاع العام في قطاعات رابحة تشمل الفنادق، الإستثمار الزراعي، التأمين، الكهرباء والطاقة المتجددة، البنوك، التعدين، البترول، والبتروكيماويات والأسمدة. إما للبيع لمستثمر استراتيجي أو لاكتتاب عام في البورصة المصرية، وتتضمن قائمة الشركات/ الكيانات التي أُعلن طرحها، العام الماضي؛ بنك القاهرة، وشركة مصر لتأمينات الحياة، وشركة الحفر المصرية، وشركة إيلاب، ومصر للتأمين، وبنك الإسكندرية، و أسيوط لتكرير البترول، والشرق الأوسط لتكرير البترول ميدور، والوادي للصناعات الفوسفاتية، و المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته ايثيدكو، والشركة المصرية ميثانكس لإنتاج الميثانول. وقال رئيس الوزراء في منتصف العام الماضي، بعد بدء البرنامج إن  الدولة حققت عقودًا مع القطاع الخاص بإجمالي 1.9 مليار دولار، عن طريق تخارج الحكومة من عدد من الشركات، حتى يوليو الماضي. أيضًا- أعلن مؤخرًا عن طرح شركة بورسعيد لتداول الحاويات والبضائع وقيدها مؤقتًا في البورصة، وهي أول شركة حكومية يتم قيدها منذ شهر أكتوبر من العام الماضي. وطرح حصة المال العام في ثلاثة بنوك: البنك القاهرة، المصرف المتحد، والبنك العربي الإفريقي في البورصة أو لمستثمر أجنبي.

 

رأس الحكمة.. نحو احتراق ذاتي

أدرجت الحكومة مدينة “رأس الحكمة” في مشروع التنمية الحضرية للساحل الشمالي الغربي، الذي من المقرر أن يكتمل بحلول عام 2050. ولا ترى حكومة القاهرة ضررًا من بيع المنطقة لمستثمر خليجي، في إطار صفقات مبرمة بينها وبين حكومات عربية خليجية منذ العام 2014، في مقابل سداد جزء من مديونياتها لهم أو إدخالهم كشريك فيما تصفه بخطة تنمية مستقبلية.

وتسببت تقارير بيع السلطة المدينة إلى تحالف أبو ظبي، مقابل 22 مليار دولار، في رد فعل عنيف بين المصريين، خاصة أن خبراء بيئيين أفادوا بأن استثمارات الإماراتيين تسببت في أضرار بيئية كبيرة للسواحل المصرية. وفق تحقيق استقصائي نشرته “زاوية ثالثة” بالتعاون مع مؤسسة أريج، بعنوان: كيف تسببت شركة “إعمار” الإماراتية في تآكل الشواطئ المصرية؟

قابل موقع “زاوية ثالثة” عشرات من أهالي المدينة، الذين قالوا إنهم يرفضون التهجير، وقرروا الوقوف في مواجهة انتزاع مدينتهم بشكل كامل.

مجموعة من أبناء قبيلة الزعيري -أحد أكبر القبائل في المدينة-، حدثتنا (يجب الإشارة إلى أننا لا نذكر أسماء أصحاب الشهادات، حفظًا لأمنهم الشخصي)، يقولون: “حكاية المدينة بدأت منذ حادثة أديس أبابا في إثيوبيا، حين جريت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. حينها عاد مبارك رأسًا إلى الاستراحة الرئاسية في رأس الحكمة، ومن يومها توجهت أنظاره وحكومته إلى المدينة التي لم يعرف عنها أحد شئ حتى تلك الحادثة”. وتقع أملاك القبيلة في المساحة التي تُعرف محليًا بما بين الاستراحتين، في إشارة إلى استراحة الرئاسة واستراحة الملك فاروق. 

يضيفون: “في وقت سابق لعام 2018، قررت الحكومة أن تنزع عنا الأراضي الواقعة في تلك المنطقة، وتُهجرنّا. تفاوضنا معهم حينها، واعتمدوا لنا قرابة 147-150 ألف جنيه كقيمة تعويضية للفدان الواحد، ورغم أن القيمة كانت زهيدة للغاية مقارنة بسعر الأرض وقتئذٍ؛ إلا أننا ارتضينا ذلك، حقنًا للدماء، ورغبة منا في المشاركة في تنمية الدولة، حسبما أخبرونا؛ بعدها، نزحنا إلى منطقة مجاورة و استقرينا، اشترى كل منا قطعة أرض جديدة وقام ببناء منزله، ولمدة أعوام نحاول التأقلم في منطقتنا الجديدة”. إلا أن المرحلة الثانية من المشروع، طاردتهم؛ فحسب ما أخبرتهم به قيادة عسكرية رفيعة المستوى -تعد حسب وصفهم سمسار الرئيس في الصفقة-، فإن أراضيهم الجديدة تقع ضمن مساحة الاثنين كيلومتر الجديدة التي تعتزم الدولة انتزاعها، لاستكمال المشروع؛ ما يعني تهجيرًا جديدًا.

يستطرد أحدهم: مع بداية المفاوضات مطلع فبراير الجاري، تفاجئنا بأن المسئولين يرفضون منحنا تعويضات عن أرضنا ومنازلنا الجديدة، مبررين ذلك بأننا تلقينا بالفعل منذ سنوات تعويضات عن التهجير الأول. متسائلًا: “الآن، أنفقنا كل ما نملك في شراء الأراضي وبناء المنازل وهي قيمة التعويضات السابقة، إن هُجرّنا الآن، إلى أين سنذهب وكيف سنعيش؟”.

حدثتنا مجموعة أخرى من الأهالي المُهجرين من مدينة الضبعة النووية، إلى رأس الحكمة، وأكدوا أنهم لا يوافقون على تهجير ثانٍ، متسائلين: إلى متى سيظل التهجير مستمرًا؟.

فيما يقول بعض أبناء قبيلة الصنقري، إن اجتماعًا طارئًا عقده كافة أبناء القبائل يوم الجمعة الماضية، وقرر الجميع أنهم يرفضون التهجير بشكل كامل، وغير موافقين عن التعويضات المطروحة؛ خاصة وأن مستثمرين مصريين وإماراتيين شرعوا في عمليات شراء لأراضٍ منذ فترة، بقيمة تقديرية بأكثر من مليون جنيه للفدان الواحد، وهي قيمته الحقيقية. متسائلين عن الفارق الكبير بين سعر الحكومة (150 ألف للفدان) وسعر المستثمر (مليون جنيه أو يزيد للفدان).

ويشرح الأهالي أنه في العام 2018، جرت أولى مراحل المشروع، حين نزعت ملكية نحو اثنين كيلومتر بطول الشاطئ في عمق 25 كيلو متر، وعُوض الأهالي منذ تلك اللحظة على دفعات بقيمة 150 ألف للفدان، لكنّ الحكومة لم تضع تعويضات أو تسلّمها للأهالي فيما يخص المنازل. ثم بدأ الحديث حول المرحلة الثانية هذا العام، التي ستنزع خلالها مساحة مماثلة من المدينة؛ ما يعني وضع الحكومة يدها على كاملها في نهاية الأمر.

ويروي الأهالي الذي قابلناهم كيف رصدوا مطلع فبراير الجاري، طائرة إماراتية تحمل رجل أعمال يظنون أنه مؤسس مجموعة إعمار، محمد العبّار، التي هبطت في الاستراحة الرئاسية، وتجول رفقة مسؤول رفيع في الدولة المصرية، لاستكشاف أرض المدينة، خاصةً منطقة الشاطئ. مطالبين بضرورة تعاضد المصريين معهم، خاصة وأنهم قرروا اللجوء للقضاء وتشكيل جبهة تحالف قانوني، مكونة من محامين من محافظات عدة. راغبين في حصولهم على حقوقهم التي باتت منهوبة ومدينتهم التي فقدت مصريتها، حسب وصفهم.
________________


(1) يعد حسام هيبة أحد رجال الاقتصاد المصري الفاعلين في ملفات الاستثمار، وتدرج في عدد من المناصب القيادية في شركات استثمارية؛ أبرزها الشركة القابضة المصرية الكويتية، لمعرفة المزيد حوله، يرجى الإطلاع على الرابط التالي:
من هو حسام هيبة؟ | ملف الشخصية | من هم؟ (manhom.com).

 

Search