سيناء
“مدينة السيسي الجديدة ترحب بالسادة الزائرين”، عبارة حملتها لوحات معدنية ضخمة على الطريق الدولي الذي يبدأ من عاصمة شمال سيناء، مدينة العريش، إلى مدينة الشيخ زويد الواقعة على طريق القنطرة- رفح، بين رفح والعريش. وقد تم وضع تلك اللوحات المعدنية، الاثنين الماضي، قبيل المؤتمر الصحفي لمحافظ شمال سيناء محمد عبد الفضيل شوشة، الذي أعلن فيه عن طرح مساكن مدينة رفح الجديدة للمنتفعين.
وحسب المواطنين الذين تحدثنا معهم، فإن اللافتات كانت مفاجئة لهم؛ خاصةً أن المدينة المعلن عنها تحمل اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتعد أول مدينة مصرية تحمل هذا الاسم، والمفاجأة الثانية أنها ستقام على مقربة من الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة بمنطقة صحراوية خالية.
انتقلت زاوية ثالثة إلى موقع مدينة السيسي الجديدة، لمعاينة الإنشاءات التي بُدِئ العمل بها قبل نحو شهر تقريبًا، حسبما أفاد أحد مسؤولي الموقع في حديثه معنا، إذ يبدأ الطريق من وسط مدينة الشيخ زويد باتجاه منطقة الجنوب، وعلى مسافة تقدر بنحو 17 كيلومترًا من المدينة، ونحو ثمانية كيلومترات من قرية “الجورة” الواقعة جنوب الشيخ زويد (حسب المصادر التي تحدثت إلينا، فإن القرية تعد أقرب قرى الشيخ زويد لمدينة السيسي الجديدة بمسافة تقدر بنحو ثمانية كيلومترات). وأظهرت المعاينة أن حواجز رملية تفصل بين الطريق ومساحة كبيرة من الأرض تظهر بداخلها مجموعة من الإنشاءات الخرسانية الحديثة.
وتقع المدينة الجديدة على مساحة 15 كيلومترًا مربّعًا، تحتل فيها المنشآت وحدها مساحة تقدر بنحو عشرة آلاف فدان جنوب مدينة الشيخ زويد. وحسب مصادر متصلة، فإنها ستبنى في منطقة “مربعة البرث” – إحدى قرى مركز ومدينة رفح بشمال سيناء-، وستقام على أرض اشتراها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني – المنتمي لقبيلة الترابين ورئيس اتحاد قبائل سيناء.
يقول أحد أبناء عشيرة المراشدة، إحدى عشائر قبيلة السواركة التي تسكن بمركز ومدينة الشيخ زويد، في حديثه معنا: “قبل سنوات، وتحديدًا في العام 2016، اشترى العرجاني الأرض مقابل 30 مليون جنيه فقط، رغم أن قيمتها تقدر بما يزيد عن 250 مليونًا على أقل تقدير”، مؤكدًا أن المعلوم حتى اللحظة أن المدينة ملكية خاصة لمجموعة العرجاني.
أُجبروا على ترك أرضهم
يقول أحد أبناء عشيرة المراشدة (رفض ذكر اسمه خوفًا من الملاحقة)، في حديثه مع زاوية ثالثة إن الأرض التي تجري عليها إنشاءات مدينة السيسي تعود لعائلته وكانوا يسكنون بها، وتفاجئوا بطلب الموافقة على بيعها لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، مؤكدًا: “تم تخييرنا ما بين الموافقة على عملية البيع والحصول على حقوق مالية زهيدة، أو انتزاع الأرض منا وفق قانون المنفعة العامة دون أي مقابل”.
يضيف: اجتمعت العشيرة وتم الاتفاق على قبول بيع الأرض بالمبلغ الذي طرحه وسطاء من طرف العرجاني مقابل مبلغ 30 مليون جنيه فقط، وهو سعر بخس نظرًا لموقعها الاستراتيجي، إذ تقع على مقربة من خط الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة بنحو سبعة كيلومترات، إلى جانب قربها من مدينة الشيخ زويد بنحو 17 كيلومتر، وتمتاز بموقعها المرتفع عن سطح البحر.
من داخل الموقع
حسب ما رصدت زاوية ثالثة، يُجري العمل على قدم وساق حاليًا، لتجهيز الموقع والانتهاء من كافة التجهيزات، عشية وصول رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، على رأس وفد يصل ظهر غد الأربعاء إلى المنطقة، ويضم عددًا من الوزراء والفنانين وقائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع، رفقة عدد من مشايخ ورموز قبائل شمال سيناء ونواب المحافظة بمجلسي النواب والشيوخ، وعلى رأس الحضور رجل الأعمال إبراهيم العرجاني (ستقوم شركته العرجاني للتطوير بتنفيذ إنشاءات المدينة الجديدة).
وقد وصلت مجموعة من المهندسين والفنيين خصيصًا من محافظة مرسى مطروح، لبناء مجموعة من الخيام داخل موقع المدينة، وحسب مهندس بالموقع (فضّل عدم ذكر اسمه، حفاظًا على أمنه الشخصي)، فإن الخيام الذي يصل عددها إلى نحو 15 خيمة، وصلت على متن طائرة خاصة من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مطار العريش، ونُقِلَت محتوياتها عبر شاحنات إلى مدينة السيسي. مشيرًا إلى أن سعر الخيمة الواحدة ربما يصل إلى نحو 500 ألف جنيه، وتتفاوت أحجامها وأشكالها، إذ تتراوح مساحاتها التي تتسع لنحو 500 إلى 1500 شخص (حسب ذكر المصدر) ما بين 50 مترّا طولًا في عرض 30 مترًا، وتصل في بعضها إلى مساحة 100 متر طول في عرض 50 مترًّا، وحسب ما وصل إلينا من معلومات، فإنها معدة لاستقبال الوفود المشاركة في مؤتمر الغد، إضافة إلى رحلات مدرسية وسياحية من المرجح تنظيمها خلال الفترة المقبلة في داخل المدينة خلال فترة التأسيس.
لم تكن تلك الخيام الوحيدة المرصودة في محيط المدينة، إذ انتشرت خيام أخرى بين أشجار “الكازورينا” (نوع من الأشجار الصحراوية تنتشر في مسافات متقاربة بصحراء شمال سيناء في الشيخ زويد) تحيط بموقع مدينة السيسي من جهة الجنوب الشرقي، ويقيم بها عدد من الملثمين، التابعين لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني (يحملون أسلحة وأجهزة رؤيا عن بعد لتأمين موقع المدينة)، فيما انتشر داخل الموقع عدد آخر من المسلحين يتجولون على متن سيارات دفع رباعي من نوع “كروز”، وينتمون إلى اتحاد قبائل سيناء الذي يترأسه العرجاني.
وحسب حديث مهندس من المشرفين على إنشاءات المدينة الجديدة فإن المدينة مخطط لها أن تكون سكنية سياحية تضاهي المدن العالمية، موضحين أنها ستكون حسبما قيل لهم، باكورة المدن الجديدة في تلك المنطقة الحدودية. لافتًا إلى أنه سيكون هناك مركزًا للشرطة، وآخر للدفاع المدني ومحطة وقود وعدد من المولات والمحلات والكافيهات السياحية، إلى جانب مستشفى متكامل وعدد من المساجد والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، ومحطة مياه وأخرى للكهرباء، ومواقف سيارات داخلية ونقل سياحي ومناطق ترفيهية وسياحية، ومرافق الخدمات الحكومية المختلفة. كما ستشمل قرابة 900 منزلًا مميزًا، يستوعب قرابة 3500 نسمة.
يذكر أنه وبالقرب من المدينة تجمعات سكنية متفرقة تعود لمواطنين ينتمون لعشائر مختلفة تنتمي لقبيلة السواركة، تردد على لسان مهندسين بموقع الإنشاءات، أنه سيجري هدمها لإقامة طريق ومسطحات خضراء تليق بالمظهر المعماري الحضاري لمدينة السيسي الجديدة، فيما يتم تعويض أصحاب المساكن التي سيجري إزالتها بمبالغ مالية أو مساكن جاهزة للسكن بمواقع أخرى بعيدة عن موقع المدينة. فيما تم تخصيص شقق سكنية في مدينة رفح الجديدة التي افتتحت المرحلة الأولى منها، الأسبوع الماضي، وكان أهلها قد هجروا أيضًا عقب إعلان الحرب على الإرهاب منذ العام 2016، وقد خصصت في المدينة نسبة 10% لأسر الشهداء والمصابين من أهالى رفح حتى الدرجة الأولى، إضافة إلى 5% للأفراد من ذوي الهمم من أهالى رفح، و 5% كسكن إداري/جهات حكومية/هيئات حكومية، و 80% لعموم أهالى مدينة رفح والعاملين بها.
وقد وضع رئيس مجلس الوزراء خلال زيارته لمدينة الشيخ زويد نهاية نوفمبر 2023 حجر أساس التجمع التنموي الحضري ومزرعة بقرية العجراء (التي يشار في معلومات مغلوطة إلى كونها من مشروعات العرجاني أيضًا)، وشمل تنفيذ 200 وحدة سكنية بمركز رفح، كما وضع حجر أساس التجمع التنموي بقرية الجورة بمركز الشيخ زويد، ويتضمن تنفيذ 830 منزلًا بدويًا لاستيعاب 3317 نسمة. وحسب “مدبولي” فإنه من المخطط لتطوير شمال سيناء، تنفيذ مراحل جديدة من مدينتي رفح الجديدة وبئر العبد الجديدة، إضافة إلى الإسكان البديل، باستثمارات تصل إلى 114.6 مليار جنيه خلال الفترة من أكتوبر 2023 حتى يونيو 2030 وتشمل تنفيذ 35 ألف وحدة سكنية.
وتشمل المخططات التنموية الحضرية التي سيتم تنفيذها في شمال سيناء إقامة 21 تجمعًا تضم 17.4 ألف منزل بدوي، لاستيعاب 69 ألف مواطن، في مدن: رفح، والشيخ زويد، والعريش)، وأيضًا- تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من مدينة بئر العبد الجديدة على مساحة 2700 فدان؛ لاستيعاب 50 ألف نسمة، وتتضمن مناطق إسكان و خدمات، وحي الصيادين، وأنشطة استثمارية وترفيهية ومشروعات سياحية.
ورغم إعلان السلطات عن بدء تنفيذ مشروعات لعودة أهالي شمال سيناء إلى داخل المحافظة، إلا أنهم يتمسكون بالعودة إلى قراهم ومناطقهم الأصلية، متذمرين (حسب من تحدثوا معنا) على استغلال السلطة لأراضيهم في مشروعات استثمارية وعقارية لن يستفيدوا منها.