تصوير: أنچيل سامي
◾️مصير حزب الدستور يتوقف على قدرة جميلة إسماعيل على حل مشكلاته
◾️الحكومة ليست سوى سكرتارية للرئيس
◾️المواطنون يبالغون في تَصوُّر قدرات الحركة المدنية
◾️الطنطاوي يوجه لنا انتقادات ونحن أيضًا ننتقده
◾️نسعى لإخراج معتقلي التوكيلات الرئاسية لكن ليس لدينا القدرة على النجاح الكامل
◾️الصحافة الآن تمارس دور الحشد للدولة
◾️من غير المعقول أن يُرضي البلشي تياره على حساب باقي التيارات في النقابة
◾️يجب أن يكون هناك رد رسميّ حول نشاط شركة هلا والأموال التي تتلقاها
أثارت تصريحاته عقب خروجه من السجن، ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية المصرية، إذ أنه ينتمي إلى تيار المعارضة؛ لكنّ السلطة استخدمت تصريحاته في تعزيز ورسم صورة مغايرة لملف حقوق السجناء، حين صرح الكاتب الصحفي والسياسي خالد داوود، أنه تلقى معاملة حسنة أثناء حبسه احتياطيًا، كما كان قد ظهر في العام 2020 أثناء احتجازه وهو يجري اختبار كورونا؛ ما أسهم في تعزيز الرواية الرسمية التي تؤكد جودة السجون المصرية وتحسن معاملة السجناء؛ خاصة السياسيين منهم.
بين الحين والآخر، يخرج “داوود” بتصريحات قد تفاجئ البعض، وأحيانًا قرارات أكثر مفاجأة، كتقديمه استقالته من نشاطه كمتحدث رسمي باسم جبهة الإنقاذ الوطني، مرورًا بحزب الدستور الذي كان يترأسه، ثم مؤخرًا تقديم استقالته من كناطق رسمي باسم الحركة المدنية التي تضم 12 حزبًا من تيارات المعارضة، إضافة إلى شخصيات سياسية.
وكانت استقالته من منصبه في الحركة المدنية مثار جدل في الأوساط السياسية، إذ أكدت أن الحركة تعاني من هشاشة كبيرة قد تؤدي بها إلى التفتت.
اقرأ أيضًا: بيان التظاهر يُفرّق صفوف الحركة المدنية.. و دائرة الخلاف تتسع
حاورنا خالد داوود في زاوية ثالثة، لنكشف عن رأيه في أمور متعلقة بالوسط السياسي، وبعض القضايا التي تثير جدلًا في الشارع المصري.
وإلى نص الحوار..
الصحافة ليست جريمة
عمل “داوود” منذ تخرج في الجامعة الأمريكية في القاهرة، كمراسل و صحفي في عدد من المؤسسات الصحفية والإعلامية الدولية، بدأ رحلته في وكالة “أسوشيتد برس”، تلاها عدة تنقلات ما بين بي بي سي والجزيرة و رويترز مرورًا بـ الأهرام ويكلي، وعدد آخر من المؤسسات عبر تاريخه. |
– برأيك، ما الذي ينقص المشهد الصحفي المصري ليجاري الصحافة العالمية؟
الوضع في مصر دائمًا يربط ما بين الظرف السياسي وحرية الصحافة، فحين لا يسمح النظام بحرية الرأي والتعبير، تكون النتيجة انعدام وجود صحافة حرة ومتنوعة. ومن الممكن أن نقارن بين وضع الصحافة المصرية قبل وبعد ثورة يناير 2011، فقد تمتعت الصحافة منذ الثورة وفي العامين التاليين لها بحرية كبيرة لم نشهدها في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
وأؤكد أن الفارق الأساسي بين الصحافة الغربية والمصرية يتمثل في تعامل السلطة المصرية مع الصحافة على أنها أداة من أدوات الحشد التي تستخدمها الدولة لخلق رأي عام يخدم سياساتها ويقدم صورة إيجابية للشعب عن كافة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية (حتى وإن كانت عكس ذلك).
عملت سنوات طويلة مع الصحف القومية وأشعر أنها تعمل من أجل أن يقرأها المسؤولون وليس الشعب، ما أفقدها المصداقية؛ خاصة أن المواطنين يعلمون جيدًا ما آلت إليه الأحوال الاقتصادية والاجتماعية.
بعد الثورة رأيت أن هناك أملًا في خلق صحافة مختلفة تسعى لتقديم محتوى متنوع للجماهير، الأهرام على سبيل المثال تحولت من توزيع 300 نسخة قبل الثورة إلى أكثر من مليون نسخة في السنوات القليلة التي تلتها بعد أن تمسكت بالمصداقية في نقل الأحداث (وهذا هو العنصر الذي ينقصنا ونحتاجه في صحافتنا المحلية)، لكن سرعان ما عدنا ثانية إلى نقطة الصفر منذ عام 2014، حين وجدنا أن النظام السياسي يسعى إلى استخدام الصحافة كجزء من الشئون المعنوية، إذ تمارس الحشد للدولة (يشير هنا إلى الشئون المعنوية في القوات المسلحة المصرية). بالطبع من الممكن أن يكون هذا مطلوبًا لفترة؛ لكنه لن يدوم طويلًا.
الآن، انتهى الأمر إلى أن هناك شركة واحدة تمتلك كافة المنصات الصحفية والإعلامية، وبالتالي أصبح هناك خطابًا موحدًا في كافة المنصات، لأن النظام الرسمي مازال متمسكًا بمفهوم ستيناتي للإعلام والصحافة يمثل في الحقيقة إهدار للمال العام.
– وماذا عن الصحفيين المصريين، هل ترى أن لديهم من الإمكانيات ما يؤهلهم من مجاراة نظرائهم في الخارج؟
أرى أن الثورة خلقت مساحة حرية جيدة، نتج عنها جيل من شباب الصحفيين الذين قدموا أعمالًا تضاهي الصحف العالمية، ولديهم إمكانيات كبيرة، لكن ينقصهم بعض الأدوات والتدريب وتعلم اللغات والتكنولوجيا.
– ما تعليقك على الخلافات الدائرة بين بعض أعضاء تيار الاستقلال في نقابة الصحفيين وبين مجلسها الحالي فيما يخص كيفية إدارة النقيب للفعاليات التي زامنت حرب غزة؟
مما لا شك فيه أن انتخاب خالد البلشي مثّل انجازًا كبيرًا لتيار الاستقلال داخل النقابة. كانت رسالة بأننا لا نقبل بأي مرشح يفرضه النظام رغم جهود الأجهزة الرسمية في تدعيم المرشح المنافس على مقعد نقيب الصحفيين وقتئذٍ.
في النهاية نقابة الصحفيين ينطبق عليها ما ينطبق على مختلف مؤسسات الدولة، وتقابل ضغوطًا كبيرة من أجل الانصياع لرغبات النظام وتحذيراته، وبالتالي كرسي النقيب ساخن للغاية، وهناك عدة اعتبارات لابد من وضعها في طريقة العمل داخل النقابة التي تحظى بدور تاريخي ومؤثر في المجال العام.
عمليًا، قد أغلقت أبواب النقابة وكُفنّت منذ وقفة القدس الرافضة لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للاحتلال الإسرائيلي في عام 2017، لكن تبدّل ذلك منذ فوز البلشي ومجلسه في انتخابات عام 2023، لذا يجب أن نعي جيدًا الضغوط التي يتعرض لها النقيب، والحفاظ على نقابة الصحفيين كقلعة تتشابك وتدافع عن الحريات العامة وحرية الصحفيين ومصالحهم الخاصة.
لذا أؤكد أنه من غير المعقول أن يُرضي “البلشي” تياره على حساب باقي التيارات لأنه نقيب لكل الصحفيين، فهناك تيارات مثل التيار المحافظ ترفض استغلال سلم النقابة في الأحداث السياسية، ويرون أن دور النقابة ينحصر في تقديم خدمات للأعضاء خارج نطاق العمل السياسي، لذا أتمنى من غير الصحفيين الذين يلجأون للنقابة كمنبر للدفاع عن الحريات والتعبير عن الرأي أن يتفهموا تلك الضغوط التي يتعرض لها النقيب.
– يصف بعض أعضاء الجمعية العمومية أداء المجلس الحالي بالمتخاذل في ملفات مثل الإسكان والمرأة، فما تعليقك؟
من المؤكد أن هناك بعض الملفات التي لا يزال يعمل عليها المجلس، لكنّ ما يجب أن نراه أن لدينا الآن مجلس يعمل لأجل الصحفيين، وقدّم أداءً جيدًا في ملفات مثل: التدريب والرعاية الصحية.
وفي المجمل، الآن وبعد سنوات طويلة من الركود نستطيع أن نضغط على المجلس للاهتمام بتلك الملفات التي يصفها البعض بالمتخاذلة، وأرى أن الوقت لم يحن بعد لإصدار حكم قاطع.
شؤون خارجية
– لاقت حرب الإبادة الجماعية على غزة دعمًا إعلاميًا وشعبيًا وسياسيًا هائلًا، في المقابل لم تحظ حرب السودان بنفس الاهتمام، بم تفسر ذلك؟
لأن حجم الإبادة والانتهاكات التي تتعرض لها غزة يفوق الخيال، ما أدى لتراجع الاهتمام بما يحدث في أماكن النزاع والاشتباكات في ليبيا والسودان وسوريا وغيرها.
أيضًا- لتأثير تلك الحرب على مصر، إذ أننا الدولة الوحيدة التي لديها حدود مباشرة مع غزة، ونلقى تهديدات إسرائيلية بشأن مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء؛ ما يعني تصفية القضية الفلسطينية، والتهديد لأمن مصر القومي، كما أن ارتباطنا العاطفي التاريخي بفلسطين هو ما جعل الاهتمام بغزة متزايد على حساب قضايا أخرى مثل السودان وليبيا.
لم تعد مصر تمثَّل كلاعب محوري وحيد في المنطقة في حل المشكلات وفقدنا قدرتنا على تأدية الدور المفترض منا أن نلعبه، وتحديدًا فيما يتعلق بالملف السوداني، إذ دخلت أطراف إقليمية وخليجية كلاعب رئيسي يدعم أحد أطراف الصراع في مقابل الآخر. وللأسف ساهم في ذلك احتياجنا الدائم للمعونات الخليجية خاصة من السعودية والإمارات، ومن المؤسسات الدولية.
– وهل ترى أن من الممكن التوافق حول شروط هدنة القاهرة الأخيرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وتل أبيب، خاصة بعد إعلان نتنياهو بدء اجتياح غزة في الوقت الذي أعلنت فيه حماس موافقتها على الهدنة؟
أعتقد أن الطرف الأكثر اهتمامًا الآن بوقف الحرب هو الولايات المتحدة الأمريكية – رغم أنها شريكة في جريمة الإبادة الجماعية في غزة-، وربما تنجح الهدنة هذه المرة بضغط من واشنطن، نظرًا لأن الانتخابات الأمريكية على الأبواب، ولا يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن الدخول في المعركة الانتخابية في نوفمبر المقبل بينما الحرب لا تزال مستمرة. خاصةً مع تصاعد المظاهرات وحالة الغضب بين الأوساط الشبابية في داخل وخارج الجامعات الأمريكية بما يؤثر على فُرّصه في الانتخابات.
أيضًا – النزاعات الداخلية شديدة الحدة في داخل المستوطنات وتل أبيب، وصمود المقاومة الفلسطينية حتى الآن، ربما تسهم كل تلك المظاهر في التوصل إلى الهدنة أو إنهاء الحرب.
– وكيف ترى ربط بعض المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي بين توافد مئات آلاف من السودانيين جراء الحرب المشتعلة منذ أبريل الماضي وبين ارتفاع الإيجارات السكنية، خاصة بعد تمركزهم في أحياء شعبية؟
أرى أن دعم السودان وشعبها واجب قومي لا نستطيع التخلي عنه، وبالتالي هذا النوع من الخطاب ضار جدًا لمصالحنا الاستراتيجية على اعتبار أن السودان جارتنا الحدودية. وعلى هذا الأساس لن نمتنع عن مساعدة الشعب السوداني في ظل الظروف شديدة الصعوبة التي يمرون بها منذ عام.
والخبرة علّمتنا أن السوشيال ميديا خادعة وليست مقياس للمواقف التي يجب على السلطة أن تنحاز لها؛ خاصة مع وجود اللجان الإلكترونية التي تدعم مواقف بعينها.
لابد وألا ننسى أننا في الأساس دولة مُصدّرة للمهاجرين؛ إذ أن هناك أكثر من عشرة ملايين مصري في الخارج غالبيتهم يعملون في دول الخليج العربي، لذا أرى أن تصاعد الخطاب ضد السودانيين ضار جدًا، والمسألة كلها محض تهويل، يتخللها مظهر عنصري واستعلاء تجاه السودانيين على وجه الخصوص.
– هل تتحكم أموال الاتحاد الأوروبي في قرارات السلطة في مصر، خاصة مع زيادة التدفقات المالية المقررة إلى القاهرة؟
البرلمان الأوروبي عمومًا يتبنى موقف سلبي تجاه السلطة في مصر منذ عام 2019، ويصدر قرارات ضدها بين الحين والآخر؛ لكنها لم تطبق.
وهناك تراجع في إثارة ملف حقوق الإنسان من الدول الأوروبية والولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، نتيجة لاحتياجهم دور مصر في إنهاء أزمة حرب غزة ثم إعادة إعمارها. ولا أعتقد على المستوى الرسمي أن هذا سيؤثر على العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي على مستوى المعونات والاتفاقيات الاقتصادية (يشير هنا إلى استمرار الاتفاقيات رغم الانتهاكات التي يعرفها الاتحاد الأوروبي تنفيذًا لمصالح استراتيجية وإقليمية تلعب فيها مصر دورًا فاعلًا).
اقرأ أيضًا: البرلمان الأوروبي: هل تغير حقوق الإنسان مسارات الشراكة المصرية الأوروبية؟
سيناء في قبضة العرجاني
تتصاعد الانتقادات حول تعيين رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني رئيسًا لاتحاد القبائل العربية، الذي تشكّل مؤخرًا. وقد برز اسم العرجاني خاصة منذ انطلاق حرب غزة، بعد أن رصدت وسائل صحفية وإعلامية دور مجموعته في السيطرة على معبر رفح البري، وحركة الشاحنات فيه، إضافة إلى تفجر قضية التنسيقات والتي أشرنا لها في تحقيق صحفي في نوفمبر الماضي. |
– ما تعليقك على تحكم شركتي (أبناء سينا وهلا) في حركة مرور الشاحنات والأشخاص بمعبر رفح، وكيف تسمح السلطة بمنح صلاحيات واسعة لـ كيانات غير حكومية في وقت نشوب حرب مجاورة؟
ليس لدي معلومة عن تحكم الشركة في حركة مرور الشاحنات، لأن تلك الحركة تتدخل فيها دول مختلفة تقدم معونات للقطاع، والحديث الدائر أغلبه عن مرور الفلسطينيين وقضية التنسيقات، وهو نشاط ممارس من قبل الحرب الجارية، وإن كان تعاظم بسبب ظروف الحرب.
نقرأ تقاريرًا صحفية عن فرض مبالغ مالية ضخمة تصل إلى عشرة آلاف دولار للفرد من أجل العبور إلى مصر، المزعج بالنسبة لي أن رغم وجود مثل هذه التقارير في الشهور الماضية؛ لكننا لم نسمع رد مصري تفصيلي حول المسألة.
وقد التقيت عددًا من الصحفيين الفلسطينيين في إفطار نقابة الصحفيين المصرية في رمضان الماضي، وتحدثوا عن أن وزارة الخارجية المصرية قد طرحت رابطًا لتسجيل الراغبين في مغادرة غزة؛ لكن وفقًا لهم فإن الرد قد يتطلب وقتًا قد يصل إلى أربعة أشهر؛ ما فرض ضرورة التنسيق عبر (شركة هلا) للخروج من ذلك الجحيم؛ بالتالي هذا ملف يجب أن نسمع فيه رد رسمي حول دور هذه الشركة والخدمات التي تقدمها كي تتلقى هذا القدر الكبير من الأموال.
اقرأ أيضًا: من يحمل مفاتيح معبر رفح؟.. تجار الحروب ينشطون في استغلال العالقين في غزة
– وما تعليقك على مدينة السيسي الجديدة التي وضع حجر أساسها منذ أيام ويمتلكها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، بالقرب من الحدود المصرية الفلسطينية؟
إعادة تعمير سيناء وإنفاق عشرات المليارات من الجنيهات من أجل إقامة مشروعات تنموية في المنطقة كان من الواضح أنه أحد أولويات السلطة. والمشكلة تكمن في غياب الشفافية في كل ما يتعلق بالنشاطات الرسمية الاقتصادية، مثلًا فيما يتعلق بصفقة رأس الحكمة التي من المفترض أنها ساهمت مؤقتًا في حل الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها، فلا نملك كل التفاصيل الكاملة حول شكل الملكية أو كيف ستوزع الأرباح أو لماذا تقدم الإمارات هذا المبلغ الضخم من المال.
المشكلة الرئيسية تكمن في انعدام الشفافية و عدم رقابة برلمانية. وعلى مدار السنوات العشرة الماضية تقريبًا كل الأجهزة الرقابية التي كان من المفترض أن تلعب دورًا مستقلًا ليس لها وجود؛ لا البرلمان قادر على تقديم أي استجوابات أو غيره من الأجهزة، هناك العديد من التساؤلات حول المشروعات التي تتبناها السلطة ولا توجد أجوبة، إلى جانب أن تفضيل وتقديم خدمات لشخص بعينه لا يخدم في رأيي مجتمع الاستثمار والاقتصاد المصري.
– وفيما يخص تشكيل اتحاد القبائل العربية مؤخرًا، هل من الممكن أن تسمح السلطة بوجود كيانات شبه عسكرية قد تصل إلى حد الميليشيات المسلحة؟
ليس لدي معلومات كافية بشأن الأمر.
أرى أنه وفي إطار دور الدولة المركزية في مصر، فلن تسمح بتشكيل كيانات شبه عسكرية أو ميليشيات مسلحة مستقلة خارج نطاق سيطرة الأجهزة الأمنية الرسمية.
صحيح أنني معارض للنظام، ولكن يجب التفريق بين معارضي النظام وكارهيه الذين تأثروا بخروج الرئيس السابق محمد مرسي من الحكم؛ بينما المعارض للسيسي – مثلي- يمارس ذلك في إطار الدستور والقانون، ومهما اختلفنا مع النظام سيكون داخل إطار وطني، ورغم كل الانتهاكات ضدي وحبسي لكني أفكر في مصلحة مصر والمصريين وليس التنديد بشخص بشكل شخصي.
اقرأ أيضًا: يملكها العرجاني.. ما نعرفه عن مدينة “السيسي” الجديدة قرب الحدود مع غزة
تقاطعات السياسة والسلطة
– اُعتقلت في عام 2019، وكنت مناهضًا لحكومة السيسي، ثم خرجت وقبلت المشاركة في إفطار الأسرة المصرية ثم جلسات الحوار الوطني، ما عرّضك لانتقادات واسعة ووُصفت بأنك تهادن السلطة، ما تعليقك؟
بعد تجربة سجني الصعبة، كان همي الرئيسي كيف نُسهم في الإفراج عن كافة المعتقلين والسجناء، وبعد خروجي، كانت السلطة قد أظهرت لي، إضافة إلى شخصيات من المعارضة أنها ترغب في تغيير سياساتها خاصة في ملف السجناء السياسيين، و أفرجوا عن نحو 45 من السجناء الذين طالبنا بالإفراج عنهم، قبل أن نحضر إفطار الأسرة المصرية مباشرة، إذ أنه كان شرطًا لبيان حسن النية والتعاون؛ لذا وافقت وحضرت صحبة عدد من الشخصيات العامة.
وعلى نفس الأساس، شاركت تاليًا في جلسات الحوار الوطني، وهذا ليس موقفي وحدي بل موقف أطياف المعارضة مثل حمدين صباحي وفريد زهران وغيرهم ممن حضروا.
في النهاية نقول إننا معارضة وطنية لم تغادر مصر، ولا أدين هنا المعارضين من الخارج، بل على العكس كان من ضمن اهتماماتي التوجيه بضرورة حل مشكلة المعارضين المصريين في الخارج وعودتهم وألا يبقوا في المنفى.
اعتبرت أن لدي مهمة لابد من إنجازها لأنني اطلعت جيدًا على ظروف السجن وقساوته؛ وبالتالي فأي جهة ستدعوني للحوار من أجل حل مشكلة السجناء السياسيين سأقبل. والمطلوب ليس فقط أن نطلق سراح السجناء، وهذا ما تناقشت فيه مع أجهزة الدولة؛ ولكن أيضًا تغيير سياسة القبض على المواطنين المدافعين عن قضايا سياسية.
– هل حققت المشاركة في الحوار الوطني أية مكاسب حقيقية؟
تقديري أن نسبة النجاح وصلت إلى نحو 60% تقريبًا في ملف إطلاق سراح السجناء.
كنت أركز على إعداد قوائم للإفراج عن سجناء التيار المدني الذين عملوا في ظل الدستور والقانون وليس من تلطخت أيديهم بالدماء. وخرجت من السجن بقائمة تشمل 100 مسجون سياسي، وأستطيع التأكيد أن 90 شخصًا منهم أفرج عنه بالفعل (من لم يخرج مثل علاء عبد الفتاح، ومحمد أكسجين، ومروة عرفة، ونرمين حسين، ومحمد عادل) وكان أحمد دومة على رأس الأسماء التي نجحنا في إطلاق سراحها.
هناك اتهامات بأننا نهتم فقط بالمطالبة بالإفراج عن مشاهير السياسيين؛ لكن في الحقيقة أرى أن هؤلاء هم من دفعوا الثمن، كما أن التفاوض حول خروجهم من السجن شديد الصعوبة، وبالنسبة للمجهولين فيتم الإفراج عنهم بشكل دوري.
الآن أيضًا أصبحت هناك قنوات مفتوحة مع الأجهزة فيما يخص ملف السجناء، مثلا حينما ألقي القبض على متظاهرات وقفة الأمم المتحدة في المعادي، شكلنا دائرة ضغط نجحت في إطلاق سراحهم بعد التفاوض بيوم واحد. لكننا لسنا قادرين دائمًا على ممارسة مثل تلك الضغوط والنجاح في الإفراج عن سجناء أو موقوفين؛ لكن وجود القناة المفتوحة في التواصل مع الأجهزة الأمنية ربما يمنحنا مزيد من الفرص.
– اتهم أحمد الطنطاوي المعارضة في حوار معنا بأنها تعمل في مساحات آمنة تحددها السلطة، وأنكم لم توافقوا على مقترحاته بشأن إعادة هيكلة الحركة المدنية ودفع المعارضة إلى الأمام، فماذا حدث؟
كنت من أكثر الداعمين لحق الطنطاوي في الترشح لانتخابات الرئاسة وحررت له توكيلًا في الشهر العقاري؛ رغم أن صوتي كان لـ فريد زهران، لإيماني بأحقيتنا كمصريين في أن نخوض انتخابات تعددية مفتوحة. وكنت أتمنى أن ينهي أوراق ترشحه ويخوض التجربة دون أن يتعرض لكل حجم المعوقات التي واجهته والمؤيدين له.
مقابل الانتقادات التي يوجهها الطنطاوي للمعارضة وأحزاب الحركة المدنية، هناك انتقادات مضادة توجه له؛ أبرزها أنه يتخذ قراراته بشكل منفرد ثم يسعى لإقناع الأطراف الأخرى بها دون التشاور معها بشكل مسبق، بما في ذلك قراره بالترشح لانتخابات الرئاسة والتمسك بالترشح بغض النظر عن باقي موقف وقرارات أحزاب الحركة المدنية، وهذا ما خلق بعض التباعد بين أحزاب الحركة المدنية وبعضها البعض.
لا أستطيع أن أعمم أن الخلافات سادت بين كافة أحزاب الحركة، لأن هناك أحزاب تنتمي للتيار الناصري أو متفقة مع الطنطاوي (الكرامة، العربي الناصري، الوفاق القومي الناصري، التحالف الشعبي الاشتراكي، العيش والحرية..)، فكان هناك سبع أو ثماني أحزاب مؤيدة له، لكن كان هناك أحزاب أخرى تريد تقديم مرشح مختلف مثل فريد زهران من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وجميلة إسماعيل من حزب الدستور، لذا كنت أتمنى أن يكون لدى الطنطاوي بعض المرونة في النقاش مع الأطراف المعارضة الأخرى قبل اتخاذه أية قرارات.
– أيضًا- اتهم الطنطاوي المعارضة بأنها لا تسهم في محاولات الإفراج عن معتقلي حملته وحزبه تحت التأسيس، فأين المعارضة من هؤلاء؟
لا يمكن إنكار أن هناك تعمد في التوسع في إلقاء القبض على مؤيدي الطنطاوي، وبالتأكيد لدينا مطلب دائم في كل اتصالاتنا مع الأجهزة أن يتم إطلاق سراح أعضاء حملته، ودعمه في قضية التوكيلات الرئاسية، وسنستمر في المطالبات؛ لكننا لا نملك القدرة على إخراج كافة السجناء.
الأجهزة الأمنية لديها موقف محدد من الطنطاوي وأعضاء حملته؛ ويمكن أن يكون هذا السبب الذي يدفعه إلى الاعتقاد أن الجهود المبذولة لإخراجهم غير كافية. لكن في النهاية هناك البعض الذي يعتقد أننا الآن نعمل في وزارة الداخلية وهذا أمر غير حقيقي نحن فقط نحاول استغلال أجواء من الثقة التي استطعنا أن نبنيها في الفترة الماضية من أجل التعاون في هذا الملف.
اقرأ أيضًا: أحمد الطنطاوي: مصر تحتاج بديل للسلطة والمعارضة (حوار)
– وكيف تقيم أداء الحركة المدنية وأين هي من الشارع؟
الحركة المدنية ائتلاف سياسي وليست حزب سياسي مستقل، فبالتالي لا يمكن فرض رؤية طرف واحد على كافة أحزاب الحركة، وهي مسألة لا تخضع لقواعد الأغلبية والأقلية.
حينما كنت متحدثًا باسم الحركة كان يوجه لي دومًا اللوم والتساؤل حول قرارات وأفعال الحركة، فكنت أجيب ماذا تفعل الحركة كي نتحدث عنها إعلاميًا؟؛ وبالتالي استبدل البعض دور الأحزاب بدور الحركة المدنية، هي ليست كيانًا مستقلًا، فقط عبارة عن ائتلاف يجتمع فيه ال12 حزب وبعض الشخصيات العامة، وهناك قضايا كثيرة لم نتفق عليها، لكننا نجتمع حول القضايا المتفق عليها فقط.
المواطنون يبالغون في تصوُر قدرات الحركة المدنية ويتجاهلون أن عجز الحركة المدنية وضعفها هو جزء من ضعف الأحزاب السياسية وعجزها.
منذ انتخابات الرئاسة لم تجتمع الحركة سوى مرتين في خمسة أشهر، وأصبح هناك شبه إدراك أن الحركة لن تعود بنفس التنوع والقوة التي كانت عليه؛ بل تتفتت في المقابل، ومؤخرًا أعلن عن بدء تشكيل تحالف جديد للأحزاب الناصرية واليسارية، ومجموعة الأحزاب الليبرالية سابقًا كانوا قد كونوا التيار الحر والذي تجمد وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية لاستقالتي مسبقًا من حزب الدستور.
– قدمت استقالتك من منصب الناطق الرسمي للحركة المدنية، ما الأسباب؟
لأنني لم أعد أشعر بأننا قادرون على العمل بشكل جماعي وبالصورة التي كانت في مخيلتي.
داخل الحركة المدنية أصبحت هناك أطراف معينة ترغب في استخدام الحركة المدنية كواجهة للتعبير عن مواقف سياسية وفق رؤيتها، وتفرض على المعارضة المصرية تبنيها، وبالتالي لي مواقفي وآرائي كأحد الشخصيات المؤسسة في الحركة المدنية، والمتحدث دوره توافقي يصدر بيانات تعبر عن كل أحزاب وشخصيات الحركة، ولأن هناك خلافات حول مستقبل الحركة وما كان يسمى بمشروع إعادة هيكلة الحركة المدنية، فلم أعد قادرًا على أداء هذا الدور.
العامل الحاسم لتقديم استقالتي كان الحديث حول تغيير طريقة اتخاذ القرارات داخل الحركة وأن تكون بالتصويت بدلًا من الإجماع؛ ما يعني أن كل القرارات ستكون معروف نتائجها سلفًا، فلدينا 12 حزب منهم ثمانية محسوبين على التيار الناصري واليساري وهناك أربعة أحزاب ينتمون لتيار الليبرالية وغيرها. وهذا ينافي فكرة الديمقراطية والتعددية الحزبية.
– أصبحت عضوًا في الحزب المصري الديمقراطي، فما آخر تطورات الحزب في داخل الحركة المدنية؟
كنت معارضًا لفكرة إما أن نختار مرشح رئاسي بعينه كممثل المعارضة أو نصبح غير معارضين، وتجريد فريد زهران من صفته كمعارض ووصفه أنه يتعاون مع النظام، رغم أن كافة أطراف الحركة كانت تشارك في نفس الاجتماعات التي شارك بها زهران مع الأجهزة المعنية. ومثلًا في إفطار الأسرة المصرية، تعامل حمدين صباحي مع الرئيس السيسي وهو من تولى الدفع للإفراج عن حسام مؤنس وأحمد دومة، وبالتالي اتهام زهران بأنه الوحيد الذي يتعاون مع النظام مرفوض.
وكان الأمر يتطلب تنازلات ومرونة أكثر من أطراف الحركة بدلا من اتخاذها كعلامة تجارية بمقتضاها الأحزاب التي تمثل أغلبية توزع على أحزاب الأقلية صفة ما إن كنت معارضًا أم لا. وللأسف وصلنا لنقطة في الحركة بسبب الانتخابات وزادت الانقسامات إلى الحد الذي لم يعد يسمح لنا بالاستمرار. وبناء عليه لا يزال الحزب متخذًا قرار تجميد نشاطه داخل الحركة.
– تتردد الأنباء حول تأسيس شباب حركة 6 أبريل حزب جديد، إضافة إلى شخصيات سياسية من تيارات مختلفة، في حين يزعم البعض أن ذلك بتوافق تام من السلطة لتحسين صورتها وإبرازها في صورة أكثر ديمقراطية، ما تعليقك؟
يتم التفاوض حول تشكيلات على حد علمي وليس أحزاب، وهدفها الاستعداد للانتخابات البرلمانية.
المجال العام بشكل مطلق يعاني الكثير من القيود التي لا ينكرها النظام، مبررًا أنها لدواعي الأمن القومي، إذ يتبنى سياسة متشددة في التعامل مع المعارضة الداخلية. وما نفعله كمعارضة أننا ننبه النظام أننا لا نمثل الخطورة التي يتخيلونها، بالعكس نُمثّل صمام أمان، كي يعبر المواطنين عن آرائهم بدلا عن الانفجار.
وإذا كنا متفقين مع النظام في رفض الدولة الدينية أو الإرهاب يجب أن يكون هناك فرصة لبديل ثالث عن الدولة الشمولية الموجودة منذ عام 1952 أو الدولة الدينية الفاشية، وهو ما تقدمه المعارضة المدنية، لذا من مصلحة النظام أن يكون هناك معارضة تمارس عملها في إطار القانون والدستور؛ لكن للأسف النظام دائما ما يتحجج بالظروف الاقتصادية الصعبة داخليًا أو الإقليمية الخارجية.
وليس لدى معلومات حول اتفاق السلطة مع وجوه من المعارضة لتشكيل كيانات جديدة. لكن إذا ظهرت مجموعات جديدة تعمل في نفس المشهد السياسي وإطاره فإنها ستدور في نفس الدائرة، إذا لم يتبدل المشهد وتقدم السلطة مظاهر توحي بأنها جادة في إحداث إصلاحات سياسية.
– بصفتك كنت رئيسًا لحزب الدستور، هل ترى أنه يتهاوى الآن؟
حزب الدستور تاريخيًا وأنا أحد مؤسسيه تنطبق عليه نفس مشكلة الأحزاب التي تأسست بعد ثورة يناير وهي أنه حزب يقوم حول شخص محمد البرادعي، وقد نشأ يضم العديد من التيارات والأيديولوجيات المختلفة؛ وبالتالي هذا يجعل مسألة إدارته مسألة شديدة الصعوبة. وأرى أن وصف يتهاوى هو مبالغة بعض الشئ، لكن هناك مشاكل هي نفسها القائمة منذ سنوات طويلة وأتمنى سرعة تداركها.
كنت رئيسًا لحزب الدستور في 2018 لحوالي سنتين وكان هناك زميلًا آخر يدعي أنه كان رئيسا للحزب في نفس الفترة، أعطي هنا مثالًا على ما مررنا به من أوقات عاصفة، فالمسألة ليست جديدة على الحزب والمشكلات موجودة طوال الوقت، لكن الأمور الآن تتعلق بقدرة جميلة إسماعيل على حل هذه المشكلات.
– أخيرًا، ما تعليقك على تأخر تشكيل الحكومة التي ينتظرها الشارع المصري والسياسي؟
الحكومة لدينا مجرد سكرتارية للرئيس، لا يعلم الأغلبية أسماء 80% من الوزراء الحاليين لأنهم شخصيات تنفيذية لا نعلم ماذا تفعل، ونعلم جيدًا أن مركز صناعة القرار ليس في الحكومة وإنما في الرئاسة.
يبدو أن كل الترجيحات توحي ببقاء مصطفى مدبولي في منصبه وتغيير عدد قليل من الوزراء وفي النهاية ليس تغيير الحكومة هو ما يشعر المواطنين بتغيير السياسات لأن السياسات لا تتخذ داخل الحكومة الحالية.