بيان التظاهر يُفرّق صفوف الحركة المدنية.. ودائرة الخلاف تتسع

خلافات سياسيّة بدأت عقب التصريحات الصحفيّة الّتي أدلى بها رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمّد أنور السادات، لجريدة يديعوت أحرنوت الإسرائيليّة
شيماء حمدي

تشهد الحركة المدنيّة الديمقراطيّة خلافًا جديدًا على  إثر البيان  الّذي أصدرته يوم الثلاثاء الماضي، بشأن مناهضتها استمرار الحرب الّتي تشنّها قوّات الاحتلال الإسرائيليّ على قطاع غزّة منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي، والتي تطوّرت إلى أن وصلت نيرانها إلى مدينة رفح الفلسطينيّة المتاخمة للحدود المصريّة، إذ دعت الحركة في بيانها السلطات المصريّة إلى السماح للجمهور بالتظاهر يوم الجمعة الماضي، في أماكن محددة للتعبير عن رفض الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري ورفض التواطؤ الأمريكي.

ويبدو أن البيان الذي انتقدت فيه الحركة الموقف المصري الرسمي من العدوان الغاشم على الفلسطينيين في قطاع غزة، لم يُتَوَافَق عليه داخل أطراف الحركة المدنيّة الّتي تضمّ 12 حزبًا سياسيًّا وعددًا من الشخصيّات العامّة، رغم أنّه نشر على الصفحة الرسميّة للحركة المدنيّة على موقع التواصل الاجتماعيّ فيسبوك، وهو ما تسبّب في اندلاع أزمة جديدة بين أطراف الحركة؛ تنذر بتفاقم حالة التفكّك الّتي تشهدها وبدأت ملامحها مع الانتخابات الرئاسيّة، ولم تنتهِ بعد.

أكد مصدر داخل الحركة المدنية -فضل عدم ذكر اسمه-، أنّ أحزاب المحافظين، والإصلاح والتنمية، والدستور، أبدوا اعتراضهم على إصدار البيان دون توافق. موضّحًا أنّ حزب الإصلاح والتنمية هو الأكثر تشدّدًا في موقفه من البيان، فيما يأتي موقف حزب المحافظين، ومن ثمّ الدستور اللّذان اعترضا على نشر البيان دون أخذ رأيهما أو موافقتهما.

اقرأ أيضًا: شروط الحركة المدنية للعودة إلى الحوار الوطني

أزمة تنظيميّة أم سياسيّة؟

يقول القياديّ بحزب العيش والحرّيّة وعضو الحركة المدنيّة أكرم إسماعيل، إنّ البيان قبل إصداره طرح على مجموعة تواصل عبر “الواتساب” تضمّ أعضاء الحركة المدنيّة لثماني ساعات، ولم يُرَدّ أو يُعتَرَض على البيان، وعلى هذا الأساس نُشِر البيان.

وأوضح “إسماعيل” في حديثه مع “زاوية ثالثة”، أن الأزمة الأخيرة تنظيمية، لكنها تعكس التباين السياسي والخلاف الذي أصبحت عليه الحركة المدنية، خلال الفترة الأخيرة، التي بدأت منذ الانتخابات الرئاسية ومستمرة حتى اللحظة.

ودَبّ الخلاف داخل الحركة المدنيّة خلال الانتخابات الرئاسيّة، بعد أن أصدرت تسعة أحزاب داخل الحركة بيانًا صحفيًّا أكّدت فيه عدم مشاركتها في الانتخابات، نافية أن يكون للحركة مرشّح رئاسيّ. في الوقت الّذي بدأ فيه فريد زهران -رئيس الحزب المصريّ الديمقراطيّ- جولاته الانتخابيّة، وما لبث أن تطوّرت الأوضاع، لينتهي الأمر بقرار تجميد حزبي العدل، والمصريّ الديمقراطيّ الاجتماعيّ، عضويّتهما في الحركة من نوفمبر الماضي وحتى الآن.

لكن مصدرًا من الحركة المدنية أكد لــ”زاوية ثالثة” أنّ الخلافات في داخلها ليست تنظيميّة فحسب؛ بل سياسيّة في أساسها. بدأت عقب التصريحات الصحفيّة الّتي أدلى بها رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمّد أنور السادات، لجريدة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيليّة؛ الأمر الّذي انتقدته أطراف في الحركة المدنيّة وتحديدًا الأحزاب الناصريّة واليساريّة.

وكان محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية قد تحدث إلى صحيفة يديعوت أحرنوت، في يناير الماضي، مشيرًا إلى تفهمه “الغضب الإسرائيلي”، بسبب ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، موضحًا أنه يثق بالدولة المصرية، وأن القاهرة وتل أبيب ليسا عدوين، فهناك اتفاقية سلام بين الجانبين. الأمر الذي أثار استياء وغضب بعض من قيادات الحركة المدنية.

وكانت الحركة قد شهدت خلافًا مشابهًا خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك في أعقاب اللقاء الذي جمع بين حمدين صباحي القيادي بالحركة المدنية في أغسطس الماضي، مع بشار الأسد رئيس سوريا والمتهم بارتكاب جرائم في حق شعبه على خلفية الثورة السورية التي اندلعت في عام 2011.

لا وقت للتظاهر

كشف مصدر داخل حزب المحافظين في حديثه مع “زاوية ثالثة”، أنّ الحزب يرفض البيان الّذي نشر على الصفحة الرسميّة للحركة المدنيّة، وليس الأمر تنظيميًّا وحسب، لكنّهم يرون أنّ المطالب الّتي تضمّنها البيان غير متوافق عليها داخل الحركة.

وأوضح أنّ الوضع الحاليّ لا يتطلّب التظاهر؛ وإنّما الاصطفاف خلف القيادة السياسيّة، بخاصّة أنّ مصر تمرّ بظروف حرجة، ومن الأولى أن يتقدّم من يريد بالاحتجاج والتظاهر إلى تصريح وفقًا لما ينصّ عليه قانون التظاهر.

من جهته، يقول نائب رئيس حزب الإصلاح التنمية علاء عبد النبيّ، في حديثه إلى “زاوية ثالثة”، أنّ البيان الّذي نشرته الحركة المدنيّة لم يعرض على الحزب. مشيرًا إلى أنّهم يرفضون ما جاء فيه من مطالب، كما يرفضون المطالبة بالتظاهر؛ لأنّ الظروف الحاليّة تتطلّب الوقوف خلف القيادة السياسية والجيش، وبالتالي “الوقت الحالي غير مناسب لا للتظاهر ولا لإصدار البيانات”.

وعن التظاهر الذي دعت له الحركة في أكتوبر الماضي أمام مسجد مصطفى محمود، قال نائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية: “الوقت والظروف اختلفت، إذ سمحت لنا القيادة السياسية حينها بالتظاهر، وبالفعل عبرنا عن رأينا، ونرى أن الأمر انتهى عند ذلك، هناك مسارات أخرى غير التظاهر من الممكن اتخاذها في الوقت الراهن من بينها تقديم المساعدات”. موضحًا أن المكتب التنفيذي للحزب سيجتمع خلال 15 يومًا، لمناقشة موقفنا من الحركة المدنية إما التجميد أو الاستمرار.

ويرفض النائب السابق طلعت خليل -القياديّ في حزب المحافظين-، الحديث عن الأزمة الحاليّة. مشيرًا إلى أنّ ما يحدث من خلافات أمر طبيعيّ نتيجة اختلاف الخلفيّة السياسيّة للأحزاب الموجودة في الحركة المدنيّة. موضّحًا أنّ لديها الكثير من الملفّات الّتي يجب أن تتفاعل معها خلال الفترة القادمة، وتأتي الأزمة الاقتصاديّة على رأسها.

في المقابل، يقول القياديّ بحزب العيش والحرّيّة أكرم إسماعيل، أنّ هدف البيان ليس التشكيك في دور مصر، وأنّ الحديث عن العجز الّذي جاء في البيان مرتبطًا بأداء الاحتلال الإسرائيليّ غير المكترث بأيّ دولة عربيّة أو غربيّة، حيث “نرى أنّ هناك استخفافًا بكلّ الأطراف في العالم من قبل نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال، ومجلس الحرب”.

وأضاف أنّ دور المعارضة المصريّة -كما نفهمه- هو رفع سقف المطالب وعمل أشكال من الضغوط والتعبير عن الرأي العامّ والغضب الكبير الّذي يشعر به الشعب المصريّ من الإبادة الّتي يتعرّض لها أهل غزّة، المستمرّة منذ أكتوبر الماضي، وأنّ هذا من المفترض أن يفسح المجال أمام النظام المصريّ، للمناورة بأن يكون لديه معارضة تطالب بإلغاء اتّفاقيّة كامب ديفيد وطرد سفير الاحتلال الإسرائيليّ. وإن لم تقم المعارضة بهذا، فمعناه أنّها لم تقم بدورها.

كان البيان الّذي نشر على صفحة الحركة المدنيّة، وتسبّب في الأزمة الحاليّة، قد دعا إلى إلغاء اتّفاقيّة كامب ديفيد وطرد السفير الإسرائيليّ من مصر.

اقرأ أيضًا: اتفقنا أن لا نتفق… كواليس انشقاقات المعارضة المصرية

تصفية للحركة المدنيّة

معلّقًا، يقول رئيس حزب التحالف الشعبيّ الاشتراكيّ مدحت الزاهد، إنّ الحركة المدنيّة لم تدع إلى التظاهر في بيانها الأخير، وإنّما دعت الدولة للسماح بالتعبير عن الغضب الشعبيّ وتحديد أماكن للتظاهر يوم الجمعة، وبالتالي هذا البيان لم يكن يستهدف الدولة، ولا ينطوي على شيء ضدّها على عكس ما أشيع، في الوقت ذاته هوجم البيان من أطراف متعدّدة، باعتباره يدعو للسماح بممارسة المواطنين حقّهم الطبيعيّ في التظاهر، وهو ما يحدث يوميًّا في كافّة أنحاء العالم.

وتابع “الزاهد” في حديثه إلى “زاوية ثالثة” أنّ “حزب التحالف الشعبيّ أصدر بيانًا،، على إثر اللغط الّذي تسبّب به بيان الحركة المدنيّة المشار إليه، ودعا في بيانه إلى تأدية صلاة الغائب في المساجد، لتهدئة الموقف، والتركيز حول الغرض الأساسيّ من البيان الأوّل، وهو إدانة العدوان الإسرائيليّ على غزّة ورفح، فالصلاة تحدث في المساجد وليس الشوارع، والبيان داعمًا للموقف المصريّ الرسميّ المعلن برفض التهجير والعدوان عن الشعب الفلسطينيّ ورفض هيمنة الاحتلال على محور صلاح الدين، ومن ثمّ البيان كان واضحًا في نصّه أنّه موجّه حصريًّا ضدّ العدوان”.

ويضيف رئيس حزب التحالف الشعبيّ، أنّ مطلب إلغاء اتّفاقيّة كامب ديفيد أو تعليقها هو مطلب طبيعيّ ووارد جدًّا في ظلّ ما يفعله الاحتلال من تجاوزات على الحدود المصريّة بمدينة رفح، ما يتناقض مع نصوص الاتّفاقيّة الّتي تنصّ على أنّ هذه المنطقة لا يتصرّف فيها بشكل أحاديّ، وأنّ حجم القوّات والجنود محدّد سلفًا، ومن ثمّ “إذا اعتدت تلّ أبيب على هذا الحقّ، ينبغي حتمًا إلغاء أو تعليق الاتّفاقيّة،  وهذا أمر يتعلّق بمكانة مصر”.

ويؤكّد “الزاهد” أنّ هذه المطالب ليست ضغطًا على الدولة، وإنّما ضغط مع الدولة، مضيفًا: “إذا افترضنا أنّها ضغط على الدولة، فكلّ المجتمعات الديمقراطيّة تقوم على فكرة جماعات الضغط، من أجل تحقيق مصالح معيّنة، ومن الأساس المعارضة تعتبر جزءًا من الدولة وفقًا للمادّة 5 من الدستور الّتي تنصّ على أنّ النظام السياسيّ يقوم على تعدّد الأحزاب؛ وبالتالي نحن نعتبر أطرافًا في الدولة نناقش معًا الوسيلة الأفضل لتقدّم شعبنا وحماية أمنه القوميّ”.

يستطرد: “متى نقول ليس وقت المعارضة إذا كانت مصر تتعرّض لغزو مباشر، في هذه الحالة يتوجّب على المعارضة إعادة صياغة مطالبها بشكل مناسب، لكن في المرحلة الحاليّة مساندة الدولة هو التأكيد على المطالب المتعلّقة بسيادة مصر على جميع حدودها برًّا وبحرًا وجوًّا، وهذا الموقف المنضبط واللائق بالمعارضة المصريّة”. مؤكّدًا أنّ الشعوب عندما تتعرّض لحصار بموجب القوانين الدوليّة، فإنّ الدول الجارّة لها أن تغيثها، وغزّة الآن لم تتعرّض لحصار وحسب؛ وإنّما لإبادة وتصفية عرقيّة، وبالتّالي لابدّ من المطالبة بسحب اتّفاقيّة كامب ديفيد، كوسيلة ضغط على الدولة”.

وأوضح، أنّ أيّ عدوان على مدينة رفح هو بمثابة إعلان حرب على مصر يتوجّب معه اتّخاذ خطوات فعليّة، وفي كلّ الأحوال يجب تنفيذ قرارات محكمة العدل الدوليّة، الّتي تحدّثت عن إجراءات احترازيّة لمنع الاحتلال من الإبادة، وتطرح فورًا فتح المعبر والدفاع عن ضرورة وصول المساعدات إلى الأراضي الفلسطينيّة، وتعني أيضًا عدم الارتباط بكيان يقوم بتصفية ممنهجة للشعب الفلسطينيّ في أيّ علاقات سياسيّة أو اقتصاديّة. “لكنّ البيان الأخير استخدم لتصفية الحركة المدنيّة ومصادرة أيّ تحرّك مستقلّ”.

إعادة هيكلة على أنقاض الخلافات

في محاولة لجمع شتات الحركة المدنيّة الّتي بدأت قويّة مع عودتها إلى الساحة السياسيّة عقب إفطار الأسرة المصريّة في عام 2022، ونتج عنها إعادة تشكيل لجنة العفو والدعوة إلى الحوار الوطنيّ الّذي لم تنته جلساته بعد، طرحت الحركة مبادرة تدعو لإعادة هيكلتها، لتجاوز الأزمات وعودة تماسكها مجدّدًا.

ووفقًا لما حصلت عليه “زاوية ثالثة” من معلومات، فإنّ الحركة حتّى الآن لم تنتهِ من وضع التصوّر النهائيّ للهيكلة، فيما لم تضح بعد مستقبل المبادرة، بخاصّة أنّ محمّد أنور السادات -رئيس حزب الإصلاح والتنمية والقياديّ البارز في الحركة المدنيّة الديمقراطيّة- كان ضمن الفريق الّذي يعمل على إعادة الهيكلة قبل أن تعرف الأزمة الأخيرة طريقها إلى الحركة.

في هذا يقول مدحت الزاهد، إنّ “الحركة تحتاج إلى طرح معالجة أمور معيّنة؛ وإلّا سينتهي الأمر بها إلى الانقسام والتحلّل؛ من ضمنها طبيعة خطاب الحركة في المرحلة القادمة، إضافة إلى طبيعة شعاراتها؛ لأنّ الحركة بها تيّاران؛ الأوّل يرى الالتحاق بالنظام السياسيّ، ولو حتّى عن طريق التذييل والتشارك مع أحزاب الموالاة في الانتخابات البرلمانيّة القادمة -كما حدث في انتخابات البرلمان 2018-، أمّا التيّار الثاني يرى أنّه لا بدّ أن يكون مستقلًّا، وأنّ المشاركة في الانتخابات أو المجال السياسيّ عمومًا يجب ألّا يكون مرهونًا بالتعاون مع أحزاب الموالاة الّتي عمدت خلال السنوات الماضية إلى سنّ تشريعات تقيّد الحياة السياسيّة، وتضرّ بالشعب والاقتصاد”.

اقرأ أيضًا: مصر لن تحتمل فترة رئاسية ثالثة للسيسي.. الحركة المدنية تنادي بالتغيير

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search