شروط الحركة المدنية للعودة إلى الحوار الوطني

الإفراج عن السجناء السياسيّين وتعديل قانون الحبس الاحتياطيّ وإقرار القائمة النسبيّة بدلًا من المغلقة في النظام الانتخابي
شيماء حمدي

اجتماعات ونقاشات جمعت بين أطراف الحركة المدنيّةا الديمقراطية خلال الأسبوعين الماضيين في أعقاب بدء الولاية الثالثة للرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي، في محاولة لرأب الصدع الّذي أصاب الحركة على خلفيّة الانتخابات الرئاسيّة، وذلك بعدما قرّر حزب (المصري الديمقراطي، والعدل) تجميد نشاطهما داخل الحركة، بينما أعلنت 9 أحزاب من الحركة المدنيّة في بيان لها عدم المشاركة في الانتخابات؛ بسبب ما شاهدته مرحلة جمع التوكيلات من انتهاكات جسيمة، فيما أصرّ فريد زهران -رئيس حزب المصريّ الديمقراطيّ- على الترشّح في الانتخابات الرئاسيّة بدعم من حزب العدل وحزب الإصلاح والتنمية.

إضافة إلى نقاش أطراف الحركة المدنيّة للأزمة الأخيرة، كان للحوار الوطنيّ ودعوة الرئيس السيسي لاستكمال جلساته مجدّدًا نصيب من نقاشات الحركة المدنيّة، ويبدو أنّ الأمر لم يعد كما كان قبل انتهاء جلسات الحوار في سبتمبر الماضي، فأغلب أطراف الحركة يعتبرون أنّ الحوار قد انتهى، وأنّ الحديث عن استكمال الجلسات يتطلّب اتّفاقًا جديدًا حتّى تعود الحركة المدنيّة المعارضة إلى طاولة الحوار، وفقًا لما ذكره خالد داوود، المتحدّث باسم الحركة المدنيّة الديمقراطيّة.

مطالب جديدة لاستكمال الحوار

في أوّل خطاب للرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي، بعد انتهاء السباق الانتخابيّ في النصف الثاني من ديسمبر الماضي، دعا السيسي إلى استكمال جلسات الحوار الوطنيّ الّتي توقّفت منذ سبتمبر الماضي وفقًا لقرار الأمانة العامّة لإدارة الحوار.

ونتيجة دعوة الرئيس للحديث عن استكمال الجلسات، عادت الحركة المدنيّة للمناقشة حول مشاركة أطرافها في الجولة الثانية من الحوار، في الوقت ذاته، لم تصل للحركة أيّ دعوة رسميّة حتّى اللحظة فيما يخصّ موعد استئناف الجلسات.

 

وحسب المتحدّث باسم الحركة المدنيّة خالد داوود في حديثه إلى “زاوية ثالثة”، فقد آلت المناقشات بين أعضاء الحركة إلى الاتّفاق على ثلاثة مطالب جديدة شريطة العودة إلى طاولة الحوار الوطنيّ في جولته الثانية، يضيف أنّها تتمثّل في “الإفراج عن السجناء السياسيّين وتعديل قانون الحبس الاحتياطيّ وإقرار القائمة النسبيّة بدلًا من المغلقة في النظام الانتخابيّ”.

ويكمل “أغلب أطراف الحركة يرون أنّ الحوار انتهى، وأنّ الأمر الآن لا يحتاج سوى إرادة سياسيّة لتنفيذ التوصيات الّتي خرجت من رحم الجولة الأولى”. مشيرًا إلى أنّ أغلب الأعضاء غير راضين عن طريقة إدارة الجلسات الّتي تحوّلت إلى جلسات استماع نصيب الفرد فيها لا يتجاوز أربع دقائق، إلى جانب قرار تعليق الجلسات الّذي اتّخذ بشكل منفرد من قبل الأمانة العامّة لإدارة الحوار وبشكل مفاجئ.

 وأكّد داوود أنّ الحركة لن تعود إلى طاولة الحوار إلّا بتنفيذ المطالب الثلاثة للحركة المدنيّة، بالإضافة إلى ضرورة تغيير طريقة إدارة الجلسات.

وكان مجلس أمناء الحوار الوطنيّ قد علّق الجلسات على نحو مفاجئ في 21 من سبتمبر من العام المنصرم، إلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسيّة، وبالتالي العودة بعده لاستكمال مناقشة القضايا والموضوعات الّتي سبق تحديدها من مجلس الأمناء بالتوافق مع مقرّري المحاور واللجان والمقرّرين المساعدين.

لا معنى لمرحلة جديدة من الحوار

“اشتبكت الحركة مع دعوة الحوار منذ البداية بشكل جيّد، وعملت لشهور طويلة على إنتاج أوراق كمبادرة من المعارضة للإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ، وتقدّمت بها خلال الجولة الأولى من الحوار، ومن ثم نعتبر أنّ الحوار انتهى والآن مرحلة تنفيذ التوصيات “، وفقًا لما قاله أكرم إسماعيل، ممثّل حزب العيش والحرّيّة بالحركة المدنيّة، في مقابلته مع “زاوية ثالثة“.

وأوضح “إسماعيل” أنّه في حال لم تتحقّق توصيات المرحلة الأولى، والدخول في مرحلة جديدة للحوار الوطنيّ ليس له معنى، فالحركة المدنيّة قبلت الحوار الوطنيّ من أجل تحسين شروط الحياة السياسيّة، الّذي يحتاج في الأساس لإرادة سياسيّة من السلطة.

الأمر نفسه أكّده النائب السابق طلعت خليل -أمين حزب المحافظين ومقرّر لجنة الدين العامّ بالحوار الوطنيّ-، مشيرًا إلى أنّ توصيات المرحلة الأولى حتّى الآن لم ينفذ منها شيء، وبخاصّة في مسألة الحبس الاحتياطيّ وخروج السجناء السياسيّين. ويرى أنّ مطالب الشعب المصريّ معروفة، ولا تحتاج إلى حوار وطنيّ يمتدّ لشهور طويلة، وإنّما تحتاج إلى إرادة سياسيّة للتنفيذ وبخاصّة في ملفّ حقوق الإنسان وقانون الانتخابات.

توصيات الحركة المدنيّة

طالبت الحركة المدنيّة منذ أبريل 2022، بضرورة الإفراج عن سجناء الرأي، وكانت الحركة قد تقدّمت بقائمة أوّليّة ضمّت أكثر من ألف معتقل، أفرج عن غالبيّتهم قبل إطلاق جلسات الحوار الوطنيّ، فيما توقّفت السلطات المصريّة عن إصدار قوائم العفو وخروج السجناء السياسيّين وهو ما أكّد المتحدّث باسم الحركة المدنيّة خالد داوود على رفضه. مشيرًا إلى قرار الإفراج عن السجناء السياسيّين لا ينقصه سوى الإرادة السياسيّة فقط، وأنّ الحركة لن تتنازل عن هذا المطلب.

وكانت الحركة المدنيّة الديمقراطيّة قد أصدرت كتابًا بعنوان (أفق الخروج) احتوى على رؤيتها للقضايا السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، الّتي تقدّم بها ممثّلوها في (الحوار الوطنيّ. وقد أوصت خلاله بـ”معالجة أزمة الحبس الاحتياطيّ والتعويض عنه، بتعديل قانون الإجراءات الجنائيّة والقوانين ذات الصلة، وتتضمّن قواعد إجرائيّة ملزمة، وحظر الحبس الاحتياطيّ في قضايا النشر والعلانية سواء في القضايا المتّهم فيها الصحافيّون أو غيرهم ممّن مارسوا حقّهم في التعبير السلميّ، وتخفيض مدد الحبس الاحتياطيّ المنصوص عليها في القانون ليكون الحدّ الأقصى للحبس الاحتياطيّ هو 6 أشهر فقط“.

كما تضمّنت التوصيات “إلزام النيابة العامّة بالردّ على بلاغات الاحتجاز غير القانونيّ خلال مدّة زمنيّة لا تتجاوز شهرًا من تقديم البلاغ أو الشكوى، وتنظيم التعويض عن الحبس الاحتياطيّ ليكون مستحقًّا لأيّ محبوس احتياطيّ في حالة صدور حكم بالبراءة أو بحفظ القضيّة، أو التقرير بألّا وجه لإقامة الدعوى”.

وفيما يخصّ لجنة مباشرة الحقوق السياسيّة، أوصت الحركة بتعديل قانون مجلس النوّاب بما يسمح بزيادة أعداد أعضاء مجلس النوّاب بما يتناسب مع الزيادة السكّانيّة ليصبح 660 عضوًا، وتعديل النظام الانتخابيّ ليصبح بالقائمة النسبيّة بدلًا من القائمة المغلقة، وتعديل قانون تقسيم الدوائر الانتخابيّة لتكون دوائر تتلاءم والتمثيل السكّانيّ والجغرافيّ مع اقتراح 46 دائرة انتخابيّة.

ويرى أكرم إسماعيل، أنه من المهم إتاحة مناخ ملائم لتنظيم الأحزاب السياسيّة، وأنّ هذا لن يحدث دون دعم التنظيمات الحزبيّة بقانون انتخابيّ ينصّ على القائمة النسبيّة، إذ إنّه النظام الوحيد الّذي سيسمح بمجال سياسيّ متعدّد. مشيرًا إلى أنّ الأحزاب في مصر ضعيفة، والقائمة النسبيّة تؤهّلها لأن تكبر وتشارك في الاستحقاقات الانتخابيّة مثل البرلمان والمحلّيّات.

محاولات رأب الصدع

الحركة المدنيّة لديها توجّه حاليًّا في عمل مجموعة من المشاورات والنقاشات بين أطرافها لتقييم تجربة الحوار والانتخابات الرئاسيّة، ومن المتوقّع أن تأخذ هذه النقاشات وقتًا لفهم ما حدث في مصر خلال هذه الفترة، وبناء عليه ستقرّر الحركة مسارها خلال الفترة القادمة، هذا ما أوضحه أكرم إسماعيل.

وأضاف أنّ الحركة تعمل على إعادة هيكلتها بما يساعد على إعادة تنظيم العمل السياسيّ داخلها، كما أنّها تعمل على إعداد لائحة جديدة تمنح الحقّ في حسم واتّخاذ القرار وفقًا للأغلبيّة بالتصويت بدلًا من التوافق، حتّى لا تتكرّر مواقف سابقة فشل فيها الجميع في التوافق حول قضايا محدّدة.

وعلمت “زاوية ثالثة” من مصادر موثوقة أنّ الحركة المدنيّة تستهدف توسيع قاعدة المشاركين داخلها عبر استقطاب أحزاب وشخصيّات عامّة أبدت رغبتها في الانضمام إليها، كما تستهدف الحركة تنقية العضويّة الحاليّة، وهذا سيحدّد وفقًا لحالة النقاش والمشاورات الّتي تقوم بها الحركة الآن.

في السياق نفسه، كشف مصدر داخل حزب المصريّ الديمقراطيّ فضل عدم ذكر اسمه عن مناقشات تتمّ بين أطراف الحركة والمصريّ الديمقراطيّ والعدل لعودتهما إلى الحركة بعد قرار تجميد مشاركتهما على خلفيّة الانتخابات الرئاسيّة.

وأوضح أنّ تلك المناقشات لم تسفر عن نتائج حتّى الآن، وإن قرار عودة المصريّ الديمقراطيّ إلى الحركة المدنيّة يعطّله نقاش الحركة لتغيير آليّة حسم واتّخاذ القرار داخلها من التوافق إلى التصويت وتنفيذ رأي الأغلبيّة وهو ما يخشاه المصريّ الديمقراطيّ وبخاصّة في ظلّ اقتراب الانتخابات البرلمانيّة. مشيرًا إلى أنّه في حال عدم تنفيذ السلطة لتوصية تغيّر النظام الانتخابيّ من القائمة المغلقة إلى النسبيّة، فهذا سيكون سببًا في عدم مشاركة الحركة المدنيّة في الانتخابات البرلمانيّة، ما سيفتح الباب لتكرار ما حدث في الانتخابات البرلمانيّ 2020، والّتي شارك فيها المصريّ الديمقراطيّ في قوائم مغلقة جمعته بحزب السلطة “مستقبل وطن”، وهو ما لا تريد الحركة المدنيّة تكراره.

المنسحبون.. ماذا عن المرحلة الثانية؟

خلال المرحلة الأولى من الحوار الوطنيّ، والّتي استمرّت من مايو وحتّى سبتمبر الماضي، أعلنت ثلاثة أحزاب من أطراف الحركة المدنيّة وهم (التحالف الشعبيّ، والعيش والحرّيّة، والمحافظين) عن انسحابهم بشكل منفرد من الحوار الوطنيّ، وذلك على خلفيّة عدّة أمور كان أبرزها تباطؤ السلطة في الإفراج عن السجناء السياسيّين بخلاف وعود السلطة إلى جانب استمرار عمليّات القبض والملاحقة الأمنيّة للنشطاء والسياسيّين.

ولا يعتقد زهدي الشامي -نائب رئيس حزب التحالف الشعبيّ الاشتراكي-، أنّ حزبه سيعاود التفكير في قرار انسحابه من الحوار. مؤكّدًا على أنّ قرار الحزب نهائيّ لا رجعة فيه، حتّى لو وافقت السلطة على المطالب الثلاثة الّتي طرحتها الحركة المدنيّة.

الأمر نفسه أكّده طلعت خليل -نائب رئيس حزب المحافظين-، الّذي يرى أنّ السلطة ليس لديها الرغبة في تحقيق أيّ مطالب للمعارضة أو توصيات المرحلة الأولى من الحوار. أمّا أكرم إسماعيل، فيرى أنّه إذا حقّقت السلطة المطالب الثلاثة الّتي طرحتها الحركة المدنيّة، قد يكون هناك مبرّر لفتح نقاش العودة إلى طاولة الحوار داخل حزب العيش والحرّيّة، والّذي قرّر الانسحاب بعد مشاركته في عدد من جلسات الحوار.

وعشيّة الجلسة الافتتاحيّة للحوار الوطنيّ، عقدت الحركة المدنيّة اجتماعًا لحسم قرار المشاركة، وشارك ممثّلون عن الأحزاب المصريّة وعددهم 12، إضافة إلى 10 من الشخصيّات العامّة في التصويت، وجاءت النتيجة 13 صوتًا لمصلحة المشاركة مقابل 9 أصوات رافضة.

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search