اتحاد القبائل العربية.. انتقادات وتساؤلات

يرى أحد مؤسسي حركة كفاية والتيار الشعبي- في حديثه إلى زاوية ثالثة،أن تأسيس اتحاد قبائل سيناء يُمثّل “أول مسمار في تقسيم مصر
Picture of حيدر قنديل

حيدر قنديل

في الأول من مايو الجاري، فوجئ المصريون بالإعلان عن تدشين ما سمي بـ اتحاد القبائل العربية في محافظة شمال سيناء، يترأسه رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، إضافة إلى كل من أحمد رسلان – النائب البرلماني عن محافظة مطروح ورئيس لجنة الشئون العربية السابق، واللواء أحمد ضيف صقر -محافظ الغربية الأسبق-، في منصب نائب الرئيس، فيما أعلن عن البرلماني والصحفي مصطفى بكري كناطق رسمي باسم الاتحاد.

وكان الاتحاد قد أصدر عددًا من البيانات عَبر صفحة تحمل اسمه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أثارت جدلًا واسعًا حول ماهية الاتحاد الذي بات يخاطب الكيانات الدولية متجاوزًا دور الدولة الرسمي، إذ أطلق بيانًا يُحذّر فيه من تداعيات إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على اجتياح مدينة رفح الفلسطينية، مطالبًا بتدخل مجلس الأمن الدولي لمنع العدوان الإسرائيلي، فيما وجّه دعوة للجامعة العربية لعقد جلسة عاجلة، لبحث تداعيات الأحداث المتصاعدة.

 

انتقادات واسعة

أثار تشكيل الاتحاد انتقادات واسعة بين المصريين، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ عبروا عن غضبهم حول اقتطاع جزء من علم مصر و استبداله برمز الاتحاد، متسائلين حول الدلالات التي يحملها الخط الفاصل في العلم الذي ظهر وتداولته وسائل الإعلام في حفل تدشين الاتحاد. أيضًا- علقوا على اختيار إبراهيم العرجاني رئيسًا للاتحاد؛ خاصة بعد ما أثير خلال الشهور الماضية حول نشاطات شركته فيما يتعلق بمرور النازحين من غزة إلى مصر عبر معبر رفح البري، في مقابل مبالغ مالية كبيرة. وانتشرت أيضًا آراء تشبّه اتحاد القبائل بقوة “الدعم السريع” شبه العسكرية في السودان والتي تخوض حربًا ضد الجيش منذ أبريل الماضي. كما استبعد البعض تلك الأراء نظرا لقوة الدولة المصرية القائمة على مركزية السلطة.

وانعقد المؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد في مدينة السيسي قرب رفح (نشرنا عنها تقريرًا تحدثنا فيه عن دور العرجاني في بنائها، وكيف من المخطط لها أن تستكمل)، وهو ما أثار انتقادات أيضًا حول دور “العرجاني” بالتحديد، وعن الآلية التي حصد بها ثروته المتزايدة بشكل ملحوظ.

ووفق مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، فإن “العرجاني” أصبح أول مدني يهبط بطائرة في مطار الجورة العسكري منذ عام 1982، ويعد مقرًا للقوات متعددة الجنسيات، في جنوب الشيخ زويد في شمال سيناء. ونشرت المؤسسة مقطع فيديو يظهر وجود العرجاني رفقة نجله داخل معسكر الجورة، وفي الخلفية، الطائرة الحكومية من طراز (جولف ستريم 4) التي أقلته من قاعدة ألماظة الجوية في القاهرة إلى معسكر الجورة في سيناء.

الجدير بالذكر أن استقبال العرجاني بشكل رسمي داخل القاعدة العسكرية، لا يحدث إلا في حالات محددة مثل وصول ملحق عسكري لدولة أجنبية، ما يزيد من التساؤلات حول أهمية دور العرجاني الذي يلعبه.

 

ردود أفعال 

عقب الإعلان عن تشكيل الاتحاد، قالت الحركة المدنية الديمقراطية، في بيان عبر صفحتها على فيسبوك في 8 مايو الجاري، أنها ترفض دعم كيانات ذات طبيعية سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، ووجود ميليشيات في سيناء، مؤكدة أن أعضائها اتفقوا على اللجوء للقضاء ضد الكيانات الموازية للدولة أو البديلة عنها، مع تقديم عريضة لوزارة التضامن الاجتماعي، تتضمن المخاطر المحتملة من جراء إنشاء كيانات تحت أى مسمى.

وأضاف البيان: “نحذر وزارة التضامن الاجتماعي من منح الاتحاد المعلن عنه تصاريح رسمية، بما في ذلك من انتهاك للدستور الذي يمنع قيام كيانات على أساس عرقي أو ديني أو طائفي، والموافقة على هذا الكيان تعد تراجعًا للخلف عن مقومات الدولة المدنية الحديثة، وبخاصة أن الإعلان عن تأسيس الكيان صاحبه مظاهر استعراضية تشير إلى أن لديه قوة ومساحة موازية لمؤسسات الدولة الرسمية”. وقد أعلنت الحركة المدنية عن إطلاق مبادرة للدفاع عن الدستور باعتباره الحصن الأخير للدفاع عن مدنية الدولة وحمايتها من الانزلاق نحو هاوية الفوضى والتفتت – حسبما جاء في بيانها-، إضافة إلى تشكيل لجنة من أطراف الحركة المدنية تعلن انعقادها الدائم لمتابعة الموقف لحظة بلحظة والتصدي لأى ممارسات يقوم بها “اتحاد القبائل العربية” أو أي كيان يخالف ضوابط تشكيل الكيانات فى الدستور والقانون. 

ورفض حزب العيش والحرية – تحت التأسيس- تدشين اتحاد القبائل العربية بتنسيق كامل ورعاية من السلطة، وحسب بيان له، ألمح الحزب عن رفضه قيادة العرجاني للاتحاد الجديد، مشيرًا إلى أنه “تحوم كثير من الشبهات حول تضاعُف ثروته بشكل لافت، وتوطد علاقته بالأجهزة الأمنية بعد تاريخ من التوتر بين الطرفين، و بروز دور الشركات التابعة له في عملية “التنسيق” للدخول من غزة إلى مصر مقابل أموال طائلة”.

 وحذر الحزب من خطورة تلك التشكيلات التي وصفها بأنها “تغذي النعرات القبلية على حساب المواطنة والمساواة، خصوصًا مع تطور تسليحها وارتكازها على شبكة مصالح لا تعبر عن تمثيل عضوي حقيقي لهذه المجتمعات الحدودية المهمشة وقضاياها ومشكلاتها التاريخية”. متسائلا عن دور الاتحاد والهدف من تدشينه، وتحديدا إذا ما كان لهذا الاتحاد دورا في ترتيبات ما بعد حرب غزة.

معلقًا على تشكيل الاتحاد؛ خاصة مع ما يتم تداوله من أن رئيسه قد اتهم سابقًا بمهاجمة قوات الأمن في عام 2008.

كان قد أُطلق سراح العرجاني، المنحدر من مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، في عام 2010 بعد احتجازه نحو عامين على خلفية اشتباكات بين الشرطة وأبناء القبائل في سيناء، واتُهم بدو سيناء حينها باحتجاز العشرات من رجال الأمن. وكانت انتشرت أخبارًا حينها أن بدو شمال سيناء بمصر  أطلقوا سراح 25 مجندًا من الشرطة المصرية بينهم ضابط كبير بعد اختطافهم لعدة ساعات احتجاجا على مقتل أحدهم برصاص الشرطة.  وبات اسم العرجاني مرتبطًا بالمال والنفوذ الواسع في مصر. وتولت شركة “أبناء سيناء” إدخال المواد اللازمة لإعادة إعمار قطاع غزة بعد تعرضه لهجوم إسرائيلي واسع النطاق في عام 2014.

يقول محمد بدر – من مؤسسي حركة كفاية والتيار الشعبي- في حديثه إلى زاوية ثالثة، إنه يرى أن الدعوة لتأسيس اتحاد قبائل سيناء يُمثّل “أول مسمار في تقسيم مصر للمرة الأولى منذ نحو ستة آلاف عام، مبررًا أن الفكرة تتمحور حول التفرقة العنصرية بين أطياف الشعب إلى عرب وغير عرب، مضيفًا: “دومًا تندمج أي فئات وافدة داخل المجتمع المصري، وتصبح جزءًا من نسيجه؛ مثلا بعد دخول الأكراد مع صلاح الدين الأيوبي إلى مصر، اندمجوا وصاروا جزء من الشعب المصري، بينما اليوم وأنت تردد القبائل العربية وقد وفدت إلى مصر مع دخول الإسلام، تفرق بين عناصر الشعب، ماذا يفعل أقباط مصر مثلاً”.

يصف وحدة الشعب المصري على مدار تاريخه، معربًا عن دهشته مما يحدث، ويستكمل: “أرى أن ذلك يمثل دعوة لكل عنصر من عناصر مصر أن تقوم بتكوين خاص به، ثم يخرج من كونه تكوين إنساني أو اجتماعي أو سياسي ليتصارع مع غيره، ويضطر كل عنصر لحماية نفسه؛ ما يمثل خطورة شديدة على الوطن”. مقدرًا تشكيل اتحاد القبائل العربية بأنه مؤشر بالغ الخطورة -بصرف النظر عن العرجاني وتاريخه-، حسب وصفه.

ويشير “بدر” إلى أن إبراهيم العرجاني بحاجة إلى وقفة، مضيفًا: “الاستعانة بالبلطجية حتى يصبحوا جزء من نسيج أو واجهة المجتمع بحاجة إلى المراجعة” وفق تعبيره. أيضًا يعلق على الإفراج بعفو صحي على صبري نخنوخ والذي حسب وصفه حكم عليه سابقًا في قضايا سلاح ومخدرات بأحكام تصل إلى 20 عامًا، متعجبًا من منحه قيادة أكبر شركة أمن محلية بالمخالفة للقانون، إذ أن القانون – حسب إشارته- يقر بأن من يترأس شركة أمن لا بد وأن ينحصر ما بين ضابط شرطة أو جيش أو أحد الأجهزة الأمنية الأخرى ويكونوا متقاعدين، واصفًا تلك الإجراءات بأنها ربما تذهب بالوطن إلى التقسيم.

ويبدي “بدر” ضيقه من تصدر “العرجاني” وتوجيهه بيانات ودعوته مجلس الأمن للتصرف بشأن غزة، متسائلًا: “هل هو بديل للدولة؟”، وبصفته عقيد سابق في القوات المسلحة يقول: “متى أصبح هؤلاء من الجيش المصري؟، هذا مؤشر خطر، تحضير كيان مدني واعتباره جزء من الجيش، يمنحه الحق في أن يتسلح ويمارس القوة؛ وبالتالي تعد حميدتي جديد، مثلما فعل عمر البشير الرئيس السوداني السابق، ما أدى إلى تدهور الحال في السودان الآن”.

بينما تقول كريمة الحفناوي – ممثل الحزب الإشتراكي المصري داخل الحركة المدنية الديمقراطية-، إن مصر دولة مركزية موحدة، لم يعرف شعبها أي طائفية أو تقسيم على أساس جغرافي أو عرقي أو قبائلي أو ديني، لذا فإن تشكيل مجلس القبائل العربية أمر غاية في الخطورة، وبداية لتفتيت مصر؛ ما يمثل ضررًا على أمنها القومي.

وتضيف: “أعلننا رفضنا لهذا التقسيم، وسنقدم قضية للقضاء وفق الدستور أمام مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا، لرفض تشكيل ذلك الاتحاد”، مؤكدة أن ما يحدث الآن على معبر رفح البري خرق لاتفاقية كامب ديفيد التي نطالب بإلغائها، وأيضًا خرق لمعاهدة فيلادلفيا التي تنظم حركة المعابر وشؤونها”، معبرة عن استيائها من تصريحات للرئيس الأمريكي جون بايدن يقول فيها إن من سيدير المعبر شركة أمن أمريكية، ما يمثل خطرًا على الأمن القومي المصري.

ويرى سيد الطوخي – رئيس حزب الكرامة-، أن هذا التشكيل ومن قبله عدد من التشكيلات التي رصدوها وهي تعمل في مواجهة المتظاهرين، من القضايا الشائكة والمتشابكة، مضيفًا: “يوحي ذلك أن المواجهة تتحول داخليًا لصد أي تحركات تنادي بالحد الأدنى من حرية المصريين في التعاطي مع القضايا الوطنية والسيادية، وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث لمصر في المرة الأولى عبر تاريخها، خاصة وأن هذا التشكيل في سيناء التي تعد منطقة شديدة الحساسية؛ ما يمنحنا إشارة إلى أننا أمام تفكيك وحدة المجتمع المصري، وهوية وتماسك الوطن”.

ويشدد “الطوخي” على أهمية معبر رفح البري كرمز سيادي ووطني، مضيفًا: “كونه يتم التحكم به من شخص ليس لديه صفة وليس من الجيش المصري، فهذا يدل على أننا أمام كارثة، خاصة وأن المعبر مسألة أمن قومي لمصر، ولا تستطيع جماعة أو ميليشيات مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية كون ذلك من وظيفة الجيش”.

أما خالد داوود، الكاتب الصحفي والسياسي، سألناه في حوار سابق عن رأيه فيما يشاع عن اتحاد قبائل سيناء، فقال “أرى أنه وفي إطار دور الدولة المركزية في مصر، فلن تسمح بتشكيل كيانات شبه عسكرية أو ميليشيات مسلحة مستقلة خارج نطاق سيطرة الأجهزة الأمنية الرسمية”.

حيدر قنديل
صحفي مصري

Search