هل تبيع مصر محطة رياح جبل الزيت بأقل من التكلفة؟

مصر تبيع محطة رياح جبل الزيت بأقل من التكلفة وسط تساؤلات حول العائد الاقتصادي والمعايير المستخدمة.
Picture of إمام رمضان

إمام رمضان

قررت القاهرة في مارس من العام 2023، طرح حصص في أكثر من 40 شركة وبنك موزعة على 18 قطاعًا أمام المستثمرين، لتبدأ رحلة تخارُج الدولة من المشروعات وترك المساحة إلى القطاع الخاص، تنفيذًا لتوجيهات صندوق النقد الدولي، إذ تنتظر مصر مراجعة ثانية وثالثة في غضون الشهور المقبلة، وكان من المقرر أن تنتهي خطة التخارُج في مارس 2024 الماضي، ولكن امتدت حتى ديسمبر المقبل.

ضمن هذه الخطة تأتي طروحات محطات الرياح والطاقة المتجددة التي تنتشر بمناطق البحر الأحمر وأسوان، بداية من محطة خليج السويس، محطة كهرباء كوم أمبو، وصولًا إلى محطة رياح جبل الزيت الأكبر في مصر وإفريقيا.

 

 هل تحصل مصر على المقُابل المناسب لبيع أو طرح هذه المحطات بنظام حق الانتفاع؟ 

قال وزير المالية السابق، محمد معيط، إن الدولة تستهدف بطرح تلك الجهات والشركات التي ستخرج منها تحصيل عوائد تصل إلى نحو 6.5 مليار دولار مع نهاية البرنامج أواخر العام الجاري، من الخطة التي تستهدف تخارُج الدولة من سبع قطاعات رئيسية أبرزها: الصناعات الدوائية، التشييد والبناء وأيضًا الصناعات الكيماوية، فيما تستهدف خفض استثماراتها المباشرة في سبع قطاعات أخرى، وعلى رأسها محطات الكهرباء، فيما تستهدف إتاحة الفرصة للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي للاستثمار في أربعة قطاعات إضافية. 

 

السعودية وصفقات محطات الكهرباء

ثلاث صفقات قوية حصلت عليها السعودية – عبر شركة “أكوا باور”- من مشروعات محطات الكهرباء ومحطات الطاقة الشمسية، الصفقة الأولى أتممتها الشركة وتتشارك فيها مع شركاء أجانب آخرين وشريك واحد مصري. بدأت في أعمال التشييد في الربع الرابع من العام 2017، لتطوير وتمويل وبناء وتملك وتشغيل ثلاث محطات للطاقة الشمسية الكهروضوئية في مشروع بنبان، بمحافظة أسوان جنوب مصر، فيما بدأت التشغيل التجاري في العام 2019، عبر توليد الطاقة من المشاريع الفرعية الثلاثة (بنبان 1، بنبان 2، بنبان 3)، إذ تساهم المحطات الثلاث في توفير الكهرباء لنحو 80 ألف منزل وتقليل الانبعاثات الكربونية بمعدل 156 ألف طن سنويًا، بقدرة إنتاجية 120 ميجاواط، وإجمالي تكلفة مشروع مقدرة بـ 185 مليون دولار أمريكي.

في العام 2024 تمكنت الشركة ذاتها من الحصول على صفقتين آخرتين، أبرزهما إنجازها اتفاقية مدتها 25 عامًا بنظام حق الانتفاع، من أجل تطوير وإنشاء وتشغيل مشروع محطة رياح السويس للطاقة لإنتاج 1.1 جيجا واط، بقيمة استثمارية بلغت 1.5 مليار دولار، وستكون الشركة المصرية لنقل الكهرباء هي الجهة المستفيدة من المشروع، لتزويد نحو ما يزيد عن مليون وحدة سكنية بالطاقة، وتقليل 2.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا. 

أما عن الصفقة الثالثة فكانت حصة الشركة السعودية فيها 100% وفقًا لموقعها الرسمي، عبر اتفاقية تم توقيعها في العام 2018 بين الشركة والحكومة المصرية، بموجبها تقوم الشركة بتطوير وتمويل وبناء وتشغيل محطة كوم أمبو للطاقة الشمسية الكهروضوئية، لتوليد 200 ميجاواط، لتلبي المحطة احتياجات الطاقة لـ 130 ألف وحدة سكنية، وتُخفض 280 ألف طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا، بتكلفة 165 مليون دولار أمريكي، وهو ما أكدته الشركة مؤخرًا بتلقيها إشعارًا باستلام شهادة التشغيل التجاري للمشروع، مؤكدة أن الاتفاقية تمتد 25 عامًا مع الحكومة، حيث توقعت الشركة في بيانها أن يبدأ الأثر المالي لتشغيل المحطة في الظهور بداية من الربع الثالث من 2024.

 

فساد سماسرة الكهرباء

يقول محمد سيد حسن – الأستاذ المشارك بإحدى الجامعات اليابانية بتخصص هندسة الفضاء والنانو-، إن شركة أكوا باور السعودية تمتلك مشروعين ضخمين أحدهما في السعودية والآخر في مصر، وأن تكلفة إنتاج الكيلوواط/ ساعة من الكهرباء عبر محطات الشركة في المملكة يبلغ 1.6 سنتًا أمريكيًا ما يعادل “6 هلالات”، والقدر الإجمالية لمحطات الشركة في المملكة تصل إلى 5500 ميجاواط سنويًا. 

ينتقل “حسن” في حديثه إلى زاوية ثالثة عن مشروعات الشركة في مصر، مؤكدًا أن هناك ما وصفه بالفساد غير المسبوق، بسبب ما يخص الشراكات والمشروعات التي حصلت عليها السعودية بنظام حق الانتفاع في محطة كوم أمبو بأسوان بقدرة 200 ميجاوات، ومحطة “بنبان” بقدرة تصل لـ 1465 ميجاوات، والتي تتشارك الشركة مع شركاء أجانب آخرين في تشغيلها، وبحسب الاتفاق ستقوم الشركة السعودية ببناء وتشغيل مشروع محطة كوم أمبو، فيما ستُشارك باقي الشركات في المحطة الثانية، وفي المشروعين تلتزم مصر طوال 25 عامًا مدة العقد بشراء الطاقة من المحطات، ثم بعد مُضي تلك المدة تعود المحطات إلى مصر، مؤكدًا أن العمر الافتراضي للألواح الشمسية 25 عامًا، أي أن القاهرة ستتسلم المحطة والألواح مُنتهية الصلاحية، وهذا ليس الجانب الأكثر سوءًا في الأمر.

بكم ستشتري مصر الكيلوواط/ ساعة من الشركة؟ سؤال طرحه أستاذ هندسة الفضاء والنانو، مجيبًا عليه بأن قيادات سابقة من داخل وزارة الكهرباء المصرية، قالوا إن الدولة ستشتري الكيلوواط/ ساعة بسعر يتراوح ما بين 8.4 إلى 14.3 سنتًا أمريكيًا، مشيرًا إلى أن تكلفة إنتاج الشركة لكل كيلوواط/ ساعة ستكون 1.6 سنتًا والدولة ستشتريه بـ 14 سنتًا أي 8 أضعاف تكلفة الإنتاج، ما سيأتي بالطبع على عاتق المواطن المستهلك، والدولة مُلزمة بشراء الإنتاج كامل بهذا السعر لمدة 25 عامًا، مطالبًا بالبحث عن “السماسرة والفاسدين” الذين تدخلوا لإتمام هذه الصفقة بتلك الطريقة.

واتساقًا مع ذلك فإن معلومات قد كشف عنها مصادر في وزارة الكهرباء، في يناير من العام الجاري، أن المدفوعات الشهرية لشراء الطاقة الشمسية المنتجة من مشروعات محطات “بنبان” في أسوان، تزيد عن المليار جنيه، وذلك بعدما انخفض سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية وقتها لـ 30.90 جنيه للدولار.  وأوضحت المصادر أن شركة الكهرباء لديها التزامات مُسبقة، وفقًا للاتفاق بسداد قيمة الطاقة المشتراة بشكل منتظم دون تأخير، وسداد مستحقات مطوري مشروعات الطاقة في “بنبان”، بالعملة المحلية، ومن ثم يقوم البنك المركزي بتدبير الدولار لسداده إلى الشركات. 

ما يُشكل الأزمة، هو أن الاتفاق الذي تم توقيعه أن تُسدد الشركة المصرية لنقل الكهرباء 70% من تعريفة الكيلو واط بسعر الدولار وقت الاستحقاق بالسعر الرسمي للبنك المركزي، فيما تُسدد 30% وقت التعاقد على اتفاقية الشراء والتي كان حينها سعر صرف الدولار حوالي 7.40 لـ 8 جنيهات للدولار الواحد، أي أن الدولة مُلزمة بسداد 70% من سعر الطاقة المنتجة من المحطة بسعر الصرف الحالي الذي يزيد عن 48 جنيهًا، وباقي المبلغ بالسعر القديم وقت التعاقد. 

 

لماذا تبيع مصر بأقل من التكلفة؟ 

انتشرت أنباء في وسائل الإعلام المحلية والدولية، عن عرض مصر محطة رياح جبل الزيت للبيع، وهو ما دفع المركز الإعلامي لمجلس الوزراء إلى إصدار بيان توضيحي في أوائل مايو الماضي، يؤكد أن القاهرة لم تعرض المحطة الأكبر في مصر وإفريقيا، للبيع أمام المستثمرين، لكنها أجرت عملية طرح تنافسي للاستثمار في المحطة، وعبره يحصل المستثمر على حق انتفاع لأرض المشروع والمحطة لمدة 25 عامًا، على أن تعود بعدها المحطة وأرض المشروع للدولة.

وأكد المركز أن الشركة المستثمرة ستعمل على ضخ الاستثمارات اللازمة، لإعادة تأهيل التوربينات لإطالة عمر المحطة لمدة عشر سنوات إضافية، وتوليد الطاقة خلالها لصالح الدولة المصرية، إضافة إلى حصول الأخيرة على مبلغ مدفوع مقدمًا، و نسبة سنوية من إيرادات المحطة كـ مقابل حق الانتفاع، ولم تمر سوى أيام قليلة، ليخرج الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان في مقابلة مع CNBC عربية، بحديث على هامش مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، بأن الصندوق على بُعد خطوات قليلة من إتمام صفقة بيع محطة رياح جبل الزيت، بالرغم من النفي الرسمي الذي أكد أن العملية مجرد حق انتفاع لإحدى الشركات لمدة 25 عامًا فقط. 

ووفقًا للموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، منذ ست سنوات تم إنشاء محطة توليد كهرباء من طاقة الرياح بجبل الزيت، الواقعة بالكيلو 118 بمنطقة جبل الزيت جنوب رأس غارب، على مساحة 100 كيلومتر مربع، وبتكلفة 478 مليون يورو أي ما يُعادل حوالي 514 مليون دولار أمريكي، وهي ضمن قائمة أكبر محطات العالم في توليد الكهرباء من حيث المساحة وعدد التوربينات التي تصل لـ 290 توربينة، والقدرات المولدة بقدرة إجمالية تبلغ 580 ميجا وات، وتستهلك مصر إجماليًا من الكهرباء 163985 مليون كيلووات في الساعة، حسب إحصائيات وزارة الكهرباء لاستهلاك البلاد في عام 2022.

 

إهلاك القيمة الاستثمارية

تواصلت زاوية ثالثة مع مصدر مُطلع في الحكومة المصرية، أكد بدوره أنه سيتم بالفعل بيع محطة رياح جبل الزيت، في صفقة تصل إلى 339 مليون دولار، والصفقة ستتم لصالح شركة بريطانية وهي “أكتيس”، في صفقة استثمار مباشر تمت بالفعل مع صندوق مصر السيادي، وذلك بعدما رفعت الشركة عرضها من 300 مليون دولار إلى 339 مليون دولار.

ووفقًا لـ المصدر – الذي فضل عدم ذكر اسمه- فإن الصفقة لم تتم ولم يتغير سعرها إلا بعدما أتمت الشركة فحصها النافي للجهالة الذي ظل مدة شهرين، أتاحتها الهيئة العامة للطاقة الجديدة والمتجددة، للشركة للتأكد من صلاحية المحطة. 

وحول بيع الدولة للمحطة بسعر أقل من تكلفتها التي وصلت إلى ما يزيد عن 500 مليون دولار، يقول المصدر، إن الحكومة ترى أن مُضي ما يزيد عن ست سنوات على إنشاء المحطة سببًا مقبولًا لذلك، يستطرد: “ثلث عمر المحطة قد انقضى وبالتالي يتعين إهلاك التكلفة الاستثمارية المقابلة لهذه المدة” وهو ما تراه الحكومة مقابل مناسب لبيع المحطة. 

وأردف المصدر في حديثه عن سبب اتجاه الحكومة إلى بيع المحطة بهذا الثمن رغم تكلُفتها التي تفوقه، أن الدولة سوف تتمكن من تحقيق مكسب آخر وهو توفير جزء كبير فيما يخص سعر توليد الطاقة بأقل سعر للشراء، حسبما اتفقت الجهات المعنية مع أي من المستثمرين الدوليين الذين يستحوذون على المحطات سواء بحق الانتفاع أو بالبيع، وبينهم الشركة البريطانية.

 

 الديون وخدعة صندوق النقد

وعن بداية الأزمة التي أقحمت الدولة نفسها فيها منذ العام 2016، يقول عبد النبي عبد المطلب – الخبير الاقتصادي-، إنه لم يكن هناك ضرورة مُلحة أن تقوم مصر بالاقتراض بهذه الصورة، فقد “أطلقنا في العام ذاته عندما بدأت محادثات مصر مع صندوق النقد الدولي، عدة نصائح ومبادرات لمُتخذ القرار بأن لا يفتح الباب على مصراعيه للاستدانة من الجهات الدولية سواء الصندوق أو الجهات الأخرى، حتى لا تتفاقم الأمور، ولكن لم يستمع أحد”. 

تحدث الخبير الاقتصادي إلى زاوية ثالثة عن سياسة اتبعها صندوق النقد الدولي منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، استطاع بها السيطرة الكاملة على سياسات الاقتصاد العالمي، عبر فرض نظريات غريبة – كانت تُدرس في الجامعات- بأنه عندما يكون لدى اقتصاد دولة ما القدرة على الاستدانة من الجهات الدولية ذات الثقل، كلما كان هذا دليل على قوة هذا الاقتصاد، وهو ما كان يتطلبه الأمر حينما بدأت المفاوضات لأول مرة مع الصندوق، فكان هناك شرطًا بأن تستطيع مصر توفير ما يزيد عن 10 مليارات دولار عبر بوابة الشركاء الدوليين، وقتها لجأت مصر إلى الدول العربية لتوفير تلك الأمور، وبالفعل حصلت مصر عليها في شكل ودائع. 

وتابع: مع زيادة اقتناع صناع القرار بأن زيادة القدرة على الاقتراض هو ثقة يكتسبها الاقتصاد المصري بالنسبة للعالم أجمع، حينها تمكنوا من تنفيذ الشروط المطلوبة للحصول على أول قرض من صندوق النقد، ومنذ حينها لم تتوقف مرات طلب مصر الاقتراض، مؤكدًا أن النقطة الفاصلة في الأمر والتي أوصلتنا إلى هذا الحد مؤخرًا هي أزمة فيروس كورونا في 2020، إذ أن هذا التاريخ كان وقتًا فارقًا في تاريخ مصر، حيث هربت حينها الأموال الساخنة لتعويض خسائر الجهات التي كانت تستثمر في أدوات الدين المصرية، والتي وصلت إلى 30 مليار دولار، لم تستطع مصر تعويضهم حتى من الدول العربية. 

بمرور الوقت، وجهت قروض صندوق النقد الدولي لتغطية الاحتياجات الأساسية من سلع استراتيجية وغيرها، والجزء الآخر كان يتم توجيهه إلى الميزانية العامة للدولة للتغلب على عجز ميزان المدفوعات، فتلك الأموال لم تفيد الدولة بشيء لأنها غير مُنتجة، حتى الجزء المتبقي كان يتم توجيهه إلى مجالات البنية التحتية التي لم ولن تستطيع وحدها أن تُدر الأموال على الدولة، ولن تكون مصدرًا للنقد الأجنبي، بل كانت تُزيد من العجز، هكذا يضيف الدكتور عبد النبي مؤكدًا أن الدولة حاليًا باتت رهينة تلك الديون والقروض وأخر أزماتها هي عدم توفير حصيلة من الدولارات لسداد الالتزامات، أو الديون المتراكمة لشركات التنقيب عن الغاز والبترول. 

إمام رمضان
صحفي مصري

Search