مصر: اعتقال والد الصحفي والمدافع الحقوقي أحمد جمال زيادة لإسكات ابنه

في العديد من الحالات، قامت السلطات المصرية بتوقيف واستجواب أقارب نشطاء وصحفيين يعيشون في الخارج. جمال عبد الحميد زيادة هو والد الصحفي والمدافع الحقوقي ، ورئيس تحرير منصة “زاوية ثالثة” المستقلة، أحمد جمال زيادة. قد انطلقت المنصة مؤخرًا بهدف خلق مساحة للصحافة الاستقصائية والتحليلية في مصر، ولتركيز الضوء على قضايا حقوق الإنسان والسياسة، كما أن المنصة كانت في حالة استعداد لتغطية الانتخابات الرئاسية تغطية عميقة وعلى أرض الواقع.
by artist Gianluca Costantini
by artist Gianluca Costantini

مصر: اعتقال جمال زيادة والد الصحفي والمدافع الحقوقي أحمد زيادة لإسكات ابنه


أطلقت مصر حوارا سياسيا وطنيا قالت السلطات إنه يهدف إلى وضع خطط لمستقبل البلاد. يهدف الحوار، الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل 2022 إلى الخروج بتوصيات إصلاحية سياسية واقتصادية واجتماعية. كما يُركز الحوار الوطني بشكل كبير على قضايا حقوق الإنسان لمواجهة الانتقادات الموجهة إلى سجل مصر السيء في هذا المجال. ويشمل الحوار الوطني لجانًا لحقوق الإنسان منها لجنة عفو رئاسية تدرس آلاف الطلبات للإفراج عن بعض المسجونين في ظل حكم السيسي.

وقال السيسي في رسالة مسجلة إلى الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني: “أحثكم على بذل جهد كبير لإنجاح تجربة الحوار الوطني” مضيفا أنه تابع الاستعدادات عن كثب وأن “الاختلاف في الرأي لا يفسد للحوار قضية”. 

 

 رغم أن البعض يرى في الحوار الوطني فرصة  كبيرة لفتح المجال العام والافراج عن سجناء الرأي، إلا إنه على الجانب الآخر يتم اعتقال عدد من النشطاء السياسين والمدافعين عن حقوق الانسان والصحفيين، كما يتم توقيف أهالي بعض من لهم تأثيرًا في الخارج في خطوة تبدو أنها ضربة استباقية للانتخابات الرئاسية المقبلة وتوجيه رسالة مفادها أن النظام المصري لن يقبل اي انتقادات لهذه الانتخابات.

 جمال عبد الحميد زيادة هو والد الصحفي والمدافع الحقوقي ورئيس تحرير منصة “زاوية ثالثة” المستقلة أحمد جمال زيادة. قد انطلقت المنصة مؤخرًا بهدف خلق مساحة للصحافة الاستقصائية والتحليلية في مصر، ولتركيز الضوء على قضايا حقوق الإنسان والسياسة، كما أن المنصة كانت في حالة استعداد لتغطية الانتخابات الرئاسية تغطية عميقة وعلى أرض الواقع. 

 

في 22 أغسطس 2023، أوقفت قوات الأمن على جمال عبد الحميد زيادة عقب نشر ابنه مواضيعًا تتعلق بحقوق الإنسان، وجدية الحوار الوطني، ومخاوف من الانتخابات الرئاسية القادمة. قامت قوات الأمن بالتحقق من بطاقة الهوية الوطنية لجمال زيادة واحتجزته في مكان غير معلن. سأله ضباط الأمن الوطني عن ابنه أحمد جمال زيادة، وعلاقته بمنظمات حقوق الإنسان، وأنشطته الصحفية. تحفظوا على بطاقة الهوية وهاتفه المحمول. في اليوم التالي، ظهر زيادة أمام نيابة أمن الدولة، متهمًا بنشر أخبار كاذبة، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والانتماء إلى جماعة إثارية. على الرغم من أن جمال زيادة لم يكن نشطًا بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يدير حسابًا على فيسبوك لأغراض ترويجية تتعلق بورشة عمله للملابس. وعلى الرغم من عدم مشاركته في أي أنشطة سياسية، تم احتجازه في القضية رقم 2064/2023 وأمر حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق، وترحيله إلى سجن العاشر من رمضان بالقاهرة.


أحمد جمال زيادة، البالغ من العمر 34 عامًا، باحث ومدافع عن حقوق الإنسان، تم اعتقاله سابقًا في عامي 2013 و2019، الأولى تتعلق بعمله الصحفي والثانية بسبب تقرير نشره حول سجون السجناء والمعتقلين مع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. لقد عمل مع منصات مثل “مدى مصر”، و”رصيف 22″، و”درج”، و”ميدل إيست آي”. عمل أيضًا كباحث في مجال حقوق الإنسان مع منظمات مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومركز النديم لضحايا العنف والتعذيب، ومركز عدالة للحقوق والحريات. في ديسمبر 2019، سافر زيادة إلى بلجيكا لمدة ثلاثة أشهر للمشاركة في برنامج زمالة مع “يوروميد رايتس” بهدف المناصرة الى حقوق الإنسان وحرية الصحافة، والتفاعل مع منظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان، في مطار القاهرة الدولي في طريقه إلى بلجيكا، تم إيقافه واستجوابه من قبل ضباط الأمن الوطني، وتم مصادرة ممتلكاته وكاد أن يواجه نفس المصير الذي واجهه في يناير 2019. لحسن الحظ، تم إعادة ممتلكاته إليه بعد ما يقرب من 90 دقيقة وتم الإفراج عنه. قرر البقاء لفترة أطول في بلجيكا لمتابعة دراسته الأكاديمية وحصل على ماجستير العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة بروكسل الحرة.


مطالبات دولية بالإفراج عن جمال زيادة

طالبت منظمات عديدة بالافراج عن زيادة الأب، واعتبرت احتجازه تنكيلًا وانتقامًا من عمل الابن، قالت شبكة مراسلون بلا حدود في بيان لها بالفرنسية، “ليس جمال زيادة بريئًا فحسب، بل ابنه أحمد زيادة أيضًا بريء.  و أضافت مراسلون بلا حدود”. إن اعتقال أحد أفراد أسرة أحد الصحفيين في المقيمين في الخارج لإسكاته هو عمل ظُلم غير مسبوق يهدف إلى تهديد جميع الصحفيين المصريين أينما كانوا في العالم”. وقالت المنظمة “هذا لا يمكن أن يستمر: مراسلون بلا حدود تطالب بالإفراج الفوري عن والد مؤسسة وسائل الإعلام الاستقصائية المستقلة زاوية ثالثة”.


قالت هيومان رايتس ووتش في بيان لها أن “في 22 أغسطس، اختطفت قوات الأمن المصرية والد أحمد جمال زيادة، وهو صحفي معتقل سابق ويعيش الآن في الخارج. استهدفت السلطات المصرية في السنوات الأخيرة بشكل متزايد أفراد عائلات المعارضين في الخارج لمعاقبتهم”. أما منظمة العفو الدولية فقالت أن “والد الصحفي والمدافع الحقوقي أحمد زيادة، تعسفًا على يد عناصر من قوى الأمن في ملابس مدنية في ناهيا البلد في الجيزة، لإسكات ابنه، واقتيد إلى موقع لم يُعلن عنه” وأحثت المنظمة الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ”الإفراج عنه الآن!”.


في سياق متصل طالبت لجنة حماية الصحفيين في بيان على موقعها السلطات المصرية بالافراج الفوري وغير المشروط عن جمال زيادة، وقالت ” إنه يجب على السلطات المصرية إطلاق سراح جمال عبد الحميد زيادة فورًا ودون قيد أو شرط وإسقاط جميع التهم الموجهة إليه”. وقال شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين في واشنطن العاصمة: “إن اعتقال السلطات المصرية لوالد الصحفي أحمد جمال زيادة هو شكل مقلق للغاية من أشكال الانتقام من أحد الصحفيين. ويجب على السلطات إطلاق سراح جمال فوراً ودون قيد أو شرط”. عبد الحميد زيادة، إسقاط جميع التهم الموجهة إليه، والتوقف عن مضايقة أفراد عائلات الصحفيين”.  وأرسلت لجنة حماية الصحفيين رسالة بالبريد الإلكتروني إلى وزارة الداخلية المصرية للتعليق، لكنها لم تتلق أي رد.


يوروميد رايتس، (شبكة تمثل 68 منظمة ومؤسسة وأفراد حقوق الإنسان في 30 دولة في المنطقة الأورومتوسطية).  قالت “بينما تتظاهر السلطات بالسماح بالانفتاح السياسي من خلال إطلاق سراح بعض المدافعين عن حقوق الإنسان، فإنها تواصل مضايقة الآخرين من خلال اعتقال أفراد الأسرة. أحمد صحفي ومدافع عن حقوق الإنسان وسجين سابق منفي في بلجيكا. يجب إطلاق سراح والده!”

أما على المستوى المحلي، فقد تفاعل عدد كبير من النشطاء والصحفيين والسياسين على مواقع التواصل الاجتماعي واعتبروا ما يحدث ظلمًا لا يمكن السكوت عليه، كما  نشرت 7 منظمات حقوقية هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان هي، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، مركز النديم، مبادرة الحرية، لجنة العدالة، المفوضية المصرية للحقوق والحريات ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان،  بيانًا جماعيا تطالب فيه بسرعة إطلاق سراحه والتوقف عن ملاحقة أقارب وعائلات الصحفيين والحقوقيين المعارضين المقيمين بالخارج. وتعتبر المنظمات أن هذه الواقعة تعكس منهج مكرر لدى السلطات المصرية في التنكيل بمعارضيها من خلال اعتقال ذويهم وأسرهم تعسفيًا. الأمر الذي يبرهن على غياب أي نية حقيقية لدى السلطات المصرية لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، والإفراج عن كل السجناء السياسيين، ويؤكد عدم جدوى الحوار الوطني الذي انطلق في مايو الماضي. كما تحمل المنظمات الموقعة السلطات المصرية المسئولية الكاملة عن صحة وسلامة جمال زيادة الذي يعاني عدة أمراض من بينها ارتفاع ضغط الدم واضطراب الغدة الدرقية؛ لا سيما في ضوء التقارير الحقوقية التي تؤكد تردي أوضاع الاحتجاز في السجون المصرية.

أدانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بشدة، التنكيل بأسرة الصحفي أحمد جمال زيادة والقبض على أبيه،الثلاثاء 22 أغسطس. وكان زيادة الابن قد أمضى أكثر من عام ونصف رهن الحبس الاحتياطي باتهامات تم تبرئته منها لاحقا، بينما كانت المشكلة الحقيقية هي عمله الصحفي وتوثيقه الأحداث بالكاميرا. 

أكد زيادة الابن أن ما يحدث مع أبيه هو استهداف على خلفية عمله الصحفي، خاصة وأن الأب يدير ورشة ملابس، وصفحته على الفيسبوك لا تنشر إلا كل ما هو متعلق بهذه الورشة كنوع من الترويج لعمله، وأن النيابة راجعت حسابه على فيسبوك و”أثبت المحامين خلو الصفحة من كل ما يتعلق بالسياسة”. كما أنه لم يشارك طوال حياته في أي عمل حزبي أو سياسي أو جماعي. وأرسلت أسرة زيادة برقيات لرئيس الجمهورية، والنائب العام، ووزير الداخلية؛ مطالبة بسرعة الإفراج عنه نظرًا لظروفه الصحية،خاصة وأنه لا يمارس أي نشاط سياسي.



واقعة زيادة لم تكن الأولى التي تستهدف فيها السلطات المصرية عائلات الحقوقيين والصحفين المعارضين المقيمين بالخارج، ففي وقت سابق استهدفت السلطات المصرية عائلة الحقوقي محمد سلطان مؤسس منظمة مبادرة الحرية بسبب عمله الحقوقي. وفي مايو الماضي استهدفت السلطات المصرية أقارب السياسي والمرشح المرتقب لرئاسة الجمهورية أحمد الطنطاوي عقب إعلان نيته الترشح لرئاسة الجمهورية. هذا بالإضافة إلى آخرين استهدفتهم السلطات المصرية كورقة ضغط وترهيب على ذويهم المقيمين بالخارج، لإجبارهم على وقف أنشطتهم المطالبة بالديمقراطية وتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر.

 

كما يأتي القبض على جمال زيادة، ضمن سلسلة إجراءات تعسفية خلال الأيام القليلة الماضية، تضمنت احتجاز الصحفي والناشر المعارض هشام قاسم رئيس مجلس أمناء التيار الحر، واحتجاز علاء الدين سعد العادلي- 59 عامًا، والد الناشطة السياسية فجر العادلي؛ لدى وصوله مطار القاهرة في 18 أغسطس الجاري، وحبسه على ذمة التحقيق في القضية رقم 716 لسنة 2023 حصر أمن دولة، بتهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، ونشر أخبار كاذبة. فضلاً عن استهداف منصة (متصدقش) الصحفية بعد نشر تحقيق صحفي حول واقعة طائرة زامبيا، والقبض على الصحفي كريم أسعد أحد أعضاء المنصة والذي تم الإفراج عنه بعد 48 ساعة من مداهمة منزله وخطفه وإخفائه.

 

سبق وتعرض زيادة الابن للحبس والمحاكمة على خلفية عمله الصحفي أكثر من مرة. حيث أمضى أكثر من عام ونصف محبوسًا احتياطيًا على ذمة القضية المعروفة بـ«أحداث الأزهر»، وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض عليه يوم 28 ديسمبر 2013 أثناء تغطيته الاشتباكات التي دارت بجامعة الأزهر، لينتقل بين عدة أماكن احتجاز، قبل أن تقضي  المحكمة ببراءته في أبريل 2015. 

ثم ألقي القبض عليه مرة أخرى من مطار القاهرة عقب عودته من تونس، في 2019، وظل زيادة وقتها بمعزل عن العالم الخارجي ولم يتم التحقيق معه إلا بعد مرور 15  يومًا من توقيفه، حيث ظهر أمام نيابة العمرانية التي اتهمته في ذلك الوقت ب “بنشر أخبار كاذبة” على ذمة  القضية رقم 67 لسنة 2019، ، قبل أن تقرر النيابة إخلاء سبيله بكفالة عشرة آلاف جنيه بعد مرور أكثر من شهرين من الاحتجاز. ليُسافر عقب ذلك إلى بلجيكا لدراسة «العلاقات الدولية والعلوم السياسية» في جامعة بروكسل الحرة.

Search