يتصاعد الجدل بين الناشرين المصريين مع اقتراب الدورة الـ57 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي من المقرر أن تنعقد في يناير المقبل، وذلك إثر الإعلان عن زيادات كبيرة في أسعار إيجار الأجنحة بالمعرض، تراوحت بين 60% و250% مقارنة بالدورة السابقة، الأمر الذي يُحذر الناشرون من تداعياته على تكاليف صناعة الكتب، وبالتالي أسعار بيعها للجمهور، في وقتٍ تواجه فيه صناعة النشر في مصر تحديات كبيرة ترتبط بتكاليف الإنتاج والظروف الاقتصادية التي أثرت بدورها على نسب مبيعات الكتب وسببت خسائر لدور النشر.
وكانت أسعار الورق ومستلزمات الطباعة في مصر شهدت ارتفاعًا حادًا خلال الفترة من 2022 إلى 2025، متأثرة بتقلبات الأسواق العالمية، وارتفاع تكاليف الاستيراد والطاقة، والتوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، إلى جانب محدودية الإنتاج المحلي؛ إذ يصل حجم الإنتاج المحلي للورق في مصر إلى حوالي 200 ألف طن سنويًا، يُقدر حجم استهلاك السوق المصري من الورق بحوالي 500 ألف طن سنويًا، لذا تعتمد مصر على استيراد الجزء الأكبر من احتياجاتها من الورق، خاصة الورق الأبيض وورق الصحف.
وفي عام 2022، قفز سعر طن الورق المحلي من 10 آلاف إلى نحو 58 ألف جنيه، فيما ارتفع الورق المستورد من 600 إلى 1400 دولار للطن، بزيادة بلغت 250% خلال عامين. وفي عام 2023، واصل السعر ارتفاعه إلى نحو 45 ألف جنيه للطن، متأثرًا بنقص الإمدادات العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج. أما في عام 2024، فاستقر السعر المحلي عند 45 ألف جنيه، في حين تجاوز السعر العالمي ألف دولار للطن وسط توترات البحر الأحمر وارتفاع تكلفة المستلزمات المستوردة، وشهد عام 2025 قفزة جديدة بنسبة 40% في أسعار ورق الطباعة، حيث تراوح سعر الطن المحلي بين 27 و34 ألف جنيه، والمستورد فوق 40 ألف جنيه، ورغم تراجع الأسعار عالميًا بنسبة 20–25% في 2025، فإن السوق المحلية لم تشهد انخفاضًا مماثلًا، ما اعتبره ناشرون وموردون “استغلالًا تجاريًا”.
وأدى هذا الارتفاع إلى تفاقم أزمات قطاع النشر والطباعة، إذ واجهت بعض دور النشر صعوبات مالية دفعتها إلى تقليص الإنتاج أو الخروج من السوق أو الانتقال إلى أسواق عربية أخرى، ورغم تلك الأزمات حققت صادرات قطاع التغليف والطباعة في مصر نموًا ملحوظًا، إذ بلغت قيمة صادرات مصر من منتجاته 889 مليون دولار في عام 2024، وشهدت زيادة بنسبة 25% في أبريل 2025 مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، وبحسب المجلس التصديري فإن صادرات هذا القطاع شهدت نموًا بنسبة 8.6% لتسجل 464 مليون دولار في النصف الأول من عام 2024، وتستهدف مضاعفة هذه الصادرات إلى 1.7 مليار دولار بحلول عام 2027.
وفي السياق ذاته بلغت تكلفة الاشتراك لمساحة 9 أمتار مربعة في الدورة الـ57 من معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2026، 24,300 جنيه، فيما تصل إلى 52,650 جنيه لمساحة 18 مترًا مربعًا، و85,050 جنيهًا لمساحة 27 مترًا مربعًا، و121,500 جنيه لمساحة 36 مترًا مربعًا، كما تم تحديد سعر 162,000 جنيه لمساحة 45 مترًا مربعًا، و206,550 جنيهًا لمساحة 54 مترًا مربعًا، و255,150 جنيهًا لمساحة 63 مترًا مربعًا.
فيما سجلت مساحة 72 مترًا مربعًا نحو 307,800 جنيه، و364,500 جنيه لمساحة 81 مترًا مربعًا، و425,250 جنيهًا لمساحة 90 مترًا مربعًا، و490,050 جنيهًا لمساحة 99 مترًا مربعًا، و558,900 جنيه لمساحة 108 مترًا مربعًا، و631,800 جنيه لمساحة 117 مترًا مربعًا.
ووفقًا للبيانات المعلنة، تُطبّق زيادة قدرها 100٪ على سعر المتر البالغ 5400 جنيه في حالة المساحات التي تتجاوز 117 مترًا مربعًا، كما حددت هيئة الكتاب سعر 6000 جنيه للمتر المربع في الأجنحة المميزة في المعرض المخصصة للناشرين المصريين أعضاء الاتحاد.

نوصي للقراءة: مصادرة ومنع: كيف يعاني قطاع النشر في مصر من التضييق؟

سوق نشر طارد لرؤوس الأموال
الزيادات الجديدة في أسعار إيجارات الأجنحة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ستؤثر على مشاركة العديد من الناشرين بالمعرض، إذ سيلجأ بعضهم إلى تقليص مساحة الأجنحة على الأقل لتقليل النفقات، دون تحقيق أي أرباح، ما سيؤدي إلى”تصفية السوق”، بحيث تصبح صناعة النشر حكرًا على عدد محدود من دور النشر التي تتلقى دعمًا مباشرًا، سواء عبر المشتريات الحكومية أو من خلال تعاملات خارجية تضمن لها نصيب الأسد من السوق، بحسب الناشر جمال عبد الرحيم، مدير المكتبة العربية للنشر والتوزيع.
يوضح الناشر أن الزيادة في إيجار جناحه الذي تبلغ مساحته 18 مترًا وصلت إلى نحو 67%، إذ كان يبلغ سعر إيجاره العام الماضي 32 ألف جنيه، بينما ارتفع هذا العام إلى 52 ألف جنيه، مشيرًا إلى إنه يفكر جديًا في عدم المشاركة في المعرض أو الانسحاب منه، لأن تقليل عدد المطبوعات أو مساحة الجناح سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض المبيعات، وهو ما قد يسبب له ديونًا لدى هيئة الكتاب لا يستطيع التخلص منها.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “أرباح الكتب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغطي تلك الزيادات الكبيرة في أسعار إيجارات الأجنحة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، إن الحديث عن وجود دعم للناشرين غير واقعي، الأسعار مبالغ فيها جدًا، وأن الأجنحة المميزة لا تتضمن أي مزايا حقيقية تبرر ارتفاع أسعارها، سوى موقعها في الصفوف الأمامية أو في بداية القاعات، وهو ما لا يستدعي زيادة تصل إلى 100%”.
ويؤكد عبد الرحيم أن سوق النشر المصري أصبح “طاردًا لرؤوس الأموال”، مشيرًا إلى أن العديد من دور النشر المصرية فتحت فروعًا في دول عربية أخرى مثل الإمارات، قطر، السعودية، العراق، عُمان، تونس، والمغرب، هربًا من الأوضاع الصعبة داخل مصر، وللمشاركة باسم تلك الدول في الفعاليات والحصول على جوائز تحت مظلتها.
ويضيف: “الوضع يشبه ما يحدث في مجالات أخرى حين يحصل اللاعبون الرياضيون على جنسيات أخرى هربًا من الواقع المحلي.. أرى أن ظاهرة انتقال دور النشر المصرية إلى الخارج أصبحت دليلًا واضحًا على أن السوق المصري لم يعد جاذبًا للاستثمار الثقافي”.
ويقترح عبد الرحيم مجموعة من الإجراءات العاجلة لإنقاذ صناعة النشر، من بينها إلغاء الحظر المفروض على دخول القراء للمعرض وجعل الدخول مجانيًا، وتخصيص كوبونات بقيمة 200 جنيه لطلاب المدارس يمكن استخدامها لشراء الكتب داخل المعرض، بحيث تسترد دور النشر قيمتها من إدارة المعرض لاحقًا، على غرار ما هو معمول به في معارض عربية أخرى، دعيًا إلى أن تكون هناك مشتريات حكومية عادلة من دور النشر، وتخفيض لا يقل عن 50% في قيمة إيجارات الأجنحة، وتنظيم دورات تثقيفية وتدريبية للناشرين مع توفير لقاءات دورية تجمعهم بالمسؤولين في الوزارات المختلفة.
بدوره يعتبر الكاتب والناشر رجائي موسى، مؤسس “دار هن” للنشر والتوزيع، أن الزيادات الأخيرة في أسعار إيجارات الأجنحة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب “تُدمّر صناعة الكتاب الحقيقية”، مشيرًا إلى أن ما يحدث لا يقتصر على رفع الأسعار فقط، بل يمتد إلى الإضرار المباشر بسوق النشر ككل.
ويرى الناشر أن رفع أسعار الإيجارات بهذا الشكل سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع أسعار الكتب، في ظل أزمة تضخم وغلاء معيشة، ما يجعل الإقبال على الشراء ضعيفًا للغاية، لاسيما أن “الزحام الذي يشهده المعرض ظاهري فقط”، كون أغلب الزائرين يأتون للتنزه أو تناول الطعام وليس لشراء الكتب، قائلًا: “منذ عامين لم نحقق مبيعات تُذكر داخل المعرض”.
ويُحذّر موسى من أن الناشرين الصغار هم الأكثر تضررًا من هذه الزيادات، لأن ميزانياتهم محدودة ولا يمكنهم تعويض الخسائر، بينما تظل الدور الكبرى قادرة على الصمود، كما أن تقليل عدد الإصدارات أو النسخ لن يغيّر من واقع الخسارة، لأن “المشاركة في المعرض باتت مغامرة خاسرة من البداية”.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “معرض الكتاب يجب أن يُدار بالتعاون مع اتحاد الناشرين، لا مع الهيئة العامة للكتاب، كون الاتحاد هو الممثل الشرعي للناشرين وأصحاب المصلحة الحقيقية. أرى أن الزيادات غير المبررة في الأسعار التي وصلت إلى نحو 68%، هو استغلال رأسمالي بائس وتحويل للمعرض من فعالية ثقافية إلى لعبة تجارية لا تمت بصلة إلى صناعة الكتاب”.
ويُبيّن موسى أن تقسيم الأجنحة إلى “مميزة” و”عادية” لم يكن مبررًا، لأن الفارق الحقيقي لا يتجاوز الموقع داخل القاعة، مشيرًا إلى أن جناح الـ9 أمتار الذي كان سعره ثابتًا في السنوات السابقة ارتفع بشكل غير منطقي هذا العام، مُعتبرًا أن “الدولة تتاجر بالناشرين بدلًا من دعمهم بينما صناعة الكتاب في مصر مُدمّرة بالفعل”، وأن القرارات الأخيرة ستؤدي إلى مزيد من التراجع في سوق النشر والقراءة.
ويدعو مؤسس دار “هن”، الدولة إلى أن تتحمل مسؤوليتها في دعم الكتاب وتقديم تسهيلات حقيقية لدور النشر، مثل خفض أسعار الورق وتوفير خدمات لوجستية بأسعار مناسبة، بجانب تبني سياسات تشجع حرية الإبداع وتدعم استمرار صناعة الكتاب باعتبارها جزءًا من القوة الناعمة لمصر، على أن يلعب اتحاد الناشرين في الوقت ذاته دورًا أكبر في حماية مصالح أعضائه من خلال التفاوض على أسعار عادلة وتقديم دعم فعلي للناشرين، مشددًا على ضرورة ألا تتجاوز زيادة الإيجارات 20% فقط، بشكل يتناسب مع واقع سوق النشر المصري”.
وفي السياق ذاته تشير الناشرة هبة بنداري، مديرة دار واو للنشر، لوجود اتفاق سابق على تثبيت أسعار إيجارات الأجنحة في معرض القاهرة الدولي للكتاب أو أن تكون الزيادات معقولة نسبيًا، وهو ما كان معمولًا به خلال الدورات السابقة، لكن الزيادة هذا العام جاءت “خرافية”، مشيرة إلى أن إيجار الجناح البالغة مساحته 9 أمتار ارتفع من 13,300 جنيه في الدورة الماضية إلى 24,300 جنيه في الدورة الحالية، أي بزيادة قدرها 11,000 جنيه، مشيرة إلى أن أسعار الأجنحة المميزة شهدت أيضًا زيادات كبيرة جدًا، إذ أصبح الجناح البالغة مساحته 9 أمتار يصل إيجاره إلى 54,000 جنيه.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “الزيادات في الأجنحة الكبيرة تصل أحيانًا إلى أكثر من 70%، وهو ما يشكّل عبئًا كبيرًا على الناشرين، إذ تُضاف هذه التكاليف في النهاية إلى سعر الكتاب، فتنعكس على القارئ والمستهلك، وهذه التطورات تأتي في ظل ارتفاعات متتالية في أسعار الورق والأحبار خلال السنوات الثلاث الماضية، ما دفع العديد من دور النشر إلى تقليل عدد الإصدارات والنسخ المطبوعة، وهو ما لا يصب في مصلحة صناعة النشر ولا القارئ”.
وتؤكد الناشرة على أن هذه الزيادة لا تغطيها المبيعات بأي شكل، إذ أن الناشرين لا يحققون أرباحًا من المشاركة في المعرض، بل يخرجون منه بخسائر متكررة منذ سنوات، متوقعة أن الخسائر هذا العام ستكون مضاعفة، كما ستؤثر الزيادات على عدد الناشرين المشاركين في المعرض، خاصة بعد قرار إدارة المعرض منذ أكثر من ثلاث سنوات بمنع المشاركة المشتركة في الأجنحة الصغيرة.
وتضيف: “الجناح بمساحة 9 أمتار أو 18 مترًا لا يُسمح إلا لدار نشر واحدة باستئجاره، بينما يُسمح بالمشاركة الجماعية فقط في الأجنحة التي تبدأ مساحتها من 36 مترًا، ما جعل الناشرين الصغار في وضع حرج، خصوصًا مع ارتفاع الأسعار الحالي، وأتوقع أن الوضع هذا العام سيكون “أسوأ”، لأن حتى من يستأجر جناحًا بمفرده بمساحة 9 أو 18 مترًا سيواجه زيادات كبيرة جدًا في التكاليف، ومع ذلك اتحاد الناشرين المصريين لن يتمكن من فعل المزيد في ظل الظروف الحالية”.
وتعتبر مديرة دار واو أن إنقاذ صناعة النشر في مصر يتطلب تطوير آليات التوزيع لضمان وصول الكتب إلى شرائح أوسع من القراء، وتنظيم فعاليات ومعارض للكتاب على مدار العام بأسعار مناسبة، إلى جانب التوسع في النشر الإلكتروني وإتاحة الكتب عبر المنصات الرقمية، والاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي في مجالات النشر والتحرير والتسويق لتحسين كفاءة الأداء في القطاع.
وخلال السنوات الماضية، شهدت أسعار إيجارات الأجنحة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، استقرارًا نسبيًا في الفترة من عام (2021–2022)، إذ استقر سعر إيجار المتر عند 1200 جنيه مصري، لكن في يناير عام 2023، تحولت هيئة الكتاب إلى التسعير بالدولار الأمريكي بالنسبة للمشاركات العربية والأجنبية، ليبلغ سعر الجناح بالنسبة إليها مساحة 9 أمتار نحو 1110 دولارًا، وتراوح السعر بالنسبة للمساحات الأكبر بين 131 و141 دولارًا للمتر، مع استمرار الدعم النسبي للناشرين المصريين، وفي دورة عام 2024، سجّل سعر الجناح للناشرين المصريين، البالغة مساحته 9 أمتار نحو 13500 جنيه مصري، أما الناشرون العرب والأجانب، فتراوحت الأسعار بالنسبة إليهم بين 1135 دولارًا للجناح مساحة 9 أمتار، و2340 دولارًا للجناح البالغة مساحته 18 مترًا، في حين صعدت أسعار إيجارات الأجنحة في دورة 2025 لتسجل 16605 جنيه لمساحة 9 أمتار و33210 لمساحة 18 متر، وفي دورة 2026 قفزت الأسعار مُسجلة 24300 جنيه للمتر الواحد.
وكانت أسعار إيجارات الوحدات المعروضة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، قد شهدت زيادة ملحوظة خلال عام 2025 مقارنة بعام 2024، بنسب تراوحت بين 13% و47%، بالإضافة إلى تطبيق زيادة أساسية بنسبة 9% تضاف إليها ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14%، ليصل متوسط الزيادة النهائية في الأسعار إلى نحو 26.7%.
وارتفع سعر المساحة 9 أمتار مربعة من 13,500 جنيه في عام 2024 إلى 17,442 جنيهًا في 2025، بنسبة زيادة تبلغ نحو 29.2%، أما المساحة 18 م² فارتفع سعرها من 27,000 إلى 45,144 جنيهًا، بنسبة زيادة بلغت 67.2%، وبالنسبة للمساحة 27 م²، زاد السعر من 39,600 إلى 67,716 جنيهًا، بنسبة مماثلة بلغت 67.2%، فيما شهدت المساحة 36 م² ارتفاعًا من 71,280 إلى 90,288 جنيهًا، بنسبة زيادة تقارب 26.7%.
كما ارتفع سعر المساحة 45 م² من 89,100 إلى 112,860 جنيهًا، بزيادة بلغت 26.7% أيضًا، وتواصلت الزيادة مع المساحات 54 و63 و72 م² لتصل أسعارها في 2025 إلى 135,432 جنيهًا، 158,004 جنيهًا، و180,576 جنيهًا على التوالي، مقابل 106,920 جنيهًا، 124,740 جنيهًا، و142,560 جنيهًا في العام السابق.
فيما بلغ سعر المساحة 81 م² نحو 203,148 جنيهًا في 2025، مقارنة بـ160,380 جنيهًا في 2024، بزيادة قدرها 26.7%، كما ارتفع سعر المساحة 90 م² من 178,200 إلى 225,720 جنيهًا.

نوصي للقراءة: معرض الرباط للكتاب يشهد غيابًا لافتًا لدور النشر المصرية

توقعات بارتفاع أسعار الكتب
الزيادات الأخيرة في أسعار إيجارات الأجنحة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب بلغت نحو 50% إلى 60%، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع أسعار الكتب بنسبة مماثلة؛ إذ أن الناشر بات مضطرًا لرفع الأسعار رغمًا عنه لتغطية الزيادة في الإيجارات إلى جانب أعباء التشغيل الأخرى مثل أجور الموظفين وتكاليف الطباعة والنقل، بحسب وليد مصطفى، رئيس لجنة المعارض في اتحاد الناشرين المصريين.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل يضع صناعة النشر في موقف صعب، كون كل زيادة في التكلفة يتحملها في النهاية القارئ، والوضع الحالي لا يشبه ما يحدث في دول أخرى تدعم معارض الكتب وتخفف الأعباء المالية عن الناشرين؛ ففي معارض مثل الكويت أو ليبيا، لا تتجاوز تكلفة المتر 100 دولار، ومع ذلك تقدم الحكومات دعمًا واضحًا للناشرين، بينما في مصر يتحمل الناشر التكلفة كاملة دون دعم حقيقي”.
ويوضح أن المعرض المصري يشهد حضورًا جماهيريًا كبيرًا، لكن حجم المبيعات لا يعكس هذا الإقبال، إذ يذهب كثير من الزوار للتنزه أو الترفيه أكثر من شراء الكتب، كون “القارئ اليوم لم يعد قادرًا على شراء أكثر من كتاب أو اثنين بسبب الأسعار المرتفعة وغلاء المعيشة الذي جعل ميزانية القراءة محدودة جدًا”.
وبشأن أسباب الزيادة المفاجئة التي تجاوزت توقعات الناشرين، يكشف مصطفى عن أن الهيئة العامة للكتاب كانت قد بررت القرار بارتفاع التكاليف التشغيلية، وزيادة أجور العمال والموردين، وارتفاع تكلفة إيجار أرض المعرض نفسها، وهو ما انعكس على الأسعار النهائية للأجنحة، مشيرًا إلى أنه في السنوات الماضية كانت هناك تسهيلات في الدفع أو نظام أقساط، لكن هذا العام ألغيت تلك الترتيبات، وأصبح على الناشر دفع نصف المبلغ مقدمًا قبل استلام الجناح، والنصف الآخر خلال المعرض، عبر البطاقة الائتمانية فقط.
ويرى رئيس اللجنة أن الأزمة لا تمس القارئ وحده، بل تمتد إلى الناشرين والمؤلفين أيضًا، كون ارتفاع الإيجارات وتكاليف الطباعة سيؤدي إلى تقليل عدد الإصدارات الجديدة لتقليل النفقات، وربما تراجع عدد المشاركين في المعرض، وهذا سيؤثر بدوره على المؤلفين وحركة النشر بشكل عام، كما أن بعض القراء قد يتجهون نحو البدائل الإلكترونية، لكن الخسارة الحقيقية ستقع على الناشرين والمبدعين الذين يعتمدون على المعارض في توزيع أعمالهم.
ويشير عضو اتحاد الناشرين إلى أن وزير الثقافة الحالي كان قد أكد في اجتماعات سابقة حرص الدولة على دعم الصناعة الثقافية، لكن ارتفاع الأسعار الحالي يفرض واقعًا جديدًا يتطلب تدخلًا مباشرًا لتقليل الأعباء، دعيًا إلى مشاركة مؤسسات الدولة في دعم القطاع الثقافي وتخفيف تكاليف الإيجارات على الناشرين.
ويضيف: “اتحاد الناشرين المصريين يعمل حاليًا من خلال لجانه المختلفة على دراسة مقترحات لتقليل التكاليف أو الحصول على دعم مباشر في الدورات المقبلة، لكن هذه الحلول مؤقتة وغير كافية لمعالجة الأزمة من جذورها، وهناك حاجة ماسة إلى رؤية واضحة وشراكة حقيقية بين الدولة والاتحاد لإنقاذ صناعة النشر من التراجع”.
من جهته يؤكد فريد زهران، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، لـ”زاوية ثالثة”، أن أي زيادة في أسعار إيجارات المعارض، مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، تؤثر بطبيعة الحال على حجم مشاركة الناشرين وأسعار الكتب، وبالتالي على رواد المعرض وحجم المبيعات، وبالتالي فإن كل ناشر متضرر من تلك الزيادات للأسباب الواضحة المرتبطة بتكاليف العرض والإنتاج والتوزيع.
ويشير زهران إلى أن اتحاد الناشرين المصريين ليس الجهة المنظمة للمعرض، ولا يملك صلاحية تحديد أسعار الأجنحة، كما أن الهيئة العامة للكتاب ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن تنظيم المعرض، بل هي جزء من منظومة أكبر تضم وزارة الثقافة وجهات حكومية أخرى تشارك في اتخاذ القرارات الخاصة بتنظيمه، بينما الاتحاد على تواصل دائم مع جميع الأطراف المعنية، وليس فقط مع هيئة المعارض للكتاب، لافتًا إلى أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين المدير التنفيذي للمعرض والوزارة والجهات المتعاقدة منذ سنوات، بهدف الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة.
يقول، في تصريحات لـ”زاوية ثالثة”: ” تحديد الأسعار يخضع دائمًا لمعادلة تحسب وفق تكاليف التشغيل والإيجارات والخدمات، مثلما يحدث في المعارض الدولية والعربية الأخرى، وهيئة الكتاب تتحمل تكاليف تشغيل كبيرة تتعلق بالمكان والخدمات المقدمة، لكن جميع الأطراف يعملون على مناقشة سبل تقليل هذه التكاليف أو الحصول على دعم من رعاة لتخفيف الأعباء على الناشرين، والتسعير النهائي يعكس في النهاية حسابات التكلفة الفعلية للمعرض”.
وكان اتحاد الناشرين المصريين قد أصدر بيانًا، في 15 أكتوبر الجاري، أوضح خلاله أن النقاش حول أسعار إيجارات الأجنحة في الدورة القادمة من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026، بدأت منذ مطلع أغسطس الماضي، حين طرحت الهيئة المصرية العامة للكتاب ملامح الزيادة المقترحة، وقد أبدى مجلس إدارة الاتحاد اعتراضًـا على تلك الزيادات وعلى الأسس التي بُنيت عليها، وخاض المجلس عدة جولات تفاوضية مع رئيس الهيئة السابق وممثليها في مجلس إدارة الاتحاد، إلا أن تلك الجهود لم تحقق النتائج المرجوة، مؤكدًا أن رئيس الاتحاد طالب مرارًا، من خلال عضويته في اللجنة العليا للمعرض، بتخفيض الأسعار بما يسمح بمشاركة أوسع للناشرين، لكن الطلبات لم تلق استجابة في حينها.
وذكر البيان أنه بعد تولي الدكتور خالد أبو الليل منصب القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة للكتاب، استمر مجلس إدارة الاتحاد في التواصل معه، لكن المجلس اطّلع على التكلفة الكبيرة لإقامة المعرض وتبين أن تلك التكاليف ليست مسؤولية الإدارة الحالية، مشيرًا إلى أنه تم التوصل إلى استجابة جزئية، تمثلت في تخفيض سعر المتر في جناح مساحة 9 أمتار من 3800 إلى 2700 جنيه، مع تطبيق نفس التخفيض على بقية المساحات، وهي الأسعار التي أدرجت في كراسة الشروط الرسمية للهيئة.
وأوضح البيان أن الأسعار الجديدة تزيد بنسب تتراوح بين 60% و250% مقارنة بالدورة السابقة، وهي زيادات كبيرة، خصوصًـا في ظل التحسن النسبي في مؤشرات الاقتصاد المصري وتراجع معدلات التضخم وأسعار الصرف، محذرًا من أن هذه الزيادات قد تبعث برسائل سلبية إلى صناعة النشر وتؤثر على حجم المشاركة المصرية، مما قد يؤدي إلى عزوف بعض الناشرين أو تقليص مشاركاتهم.
نوصي للقراءة: منع ومصادرة وقضايا ضريبية.. كيف تستهدف السلطات المصرية دار نشر المرايا؟

إدارة المعرض: لسنا أصحاب القرار
في المقابل أوضح الدكتور أحمد مجاهد، المدير التنفيذي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لـ”زاوية ثالثة” أن تحديد أسعار الأجنحة وسعر المتر في المعرض، كان قد تم الاتفاق عليه مسبقًا بين الدكتور خالد أبو الليل، ممثل الهيئة العامة المصرية للكتاب، والمهندس فريد زهران، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أن الاتفاق بين الجانبين أسفر عن خفض سعر المتر من 3800 جنيه إلى 2700 جنيه، وكان ذلك قبل صدور قرار وزير الثقافة بتوليه مهام منصبه في إدارة المعرض، موضحًا أن الاجتماع الذي تم خلاله تحديد الأسعار لم يكن حاضرًا فيه، وأن القرار المالي الخاص بتسعير الأجنحة لا يدخل ضمن صلاحياته التنفيذية.
وكان الدكتور أحمد فؤاد هانو، وزير الثقافة، قد أصدر في 22 سبتمبر المنقضي، قررًا بتكليف الدكتور أحمد مصطفى مجاهد، الأستاذ المتفرغ بقسم الدراما وقدي المسرحي بكلية الآداب في عين شمس، مديرًا تنفيذيًا لعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابعة والخمسين، وسبق أن أصدر الوزير في الـ3 من يونيو المنقضي قرارًا بندب الدكتور خالد عبد الحليم محمد أبو الليل، الأستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، جامعة القاهرة، للعمل نائبًا لرئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وأكد المدير التنفيذي أن إدارة المعرض لا تتحكم في تحديد الأسعار، لأن هذه العملية تقع ضمن اختصاص الهيئة العامة المصرية للكتاب، التي تتولى الإشراف الكامل على الجوانب المالية والتنظيمية، موضحًا أن دور الإدارة التنفيذية يقتصر على تنظيم المعرض ميدانيًا هذا العام فقط، ضمن تجربة جديدة في أسلوب الإدارة.
وأشار مجاهد إلى أن الناشرين يقومون بحجز الأجنحة وفق الأسعار المعتمدة مسبقًا، وأن عملية الحجز تتم بناءً على التكلفة المعلنة للمواقع والمساحات المختلفة، مضيفًا أن أي تغييرات أو تعديلات في الأسعار لا تكون من اختصاص الإدارة التنفيذية، وإنما من صلاحيات الهيئة المسؤولة عن التنظيم والإشراف المالي.
من جهته أكد الدكتور خالد أبو الليل، رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب، على احترام الهيئة ودعمها الكامل لاتحاد الناشرين المصريين واتحاد الناشرين العرب، وسعي جميع الأطراف المعنية إلى تيسير مشاركة الناشرين وتقديم أفضل صورة ممكنة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بوصفه حدثًا ثقافيًا يمثل مصر أمام العالم، مُبينًا لـ”زاوية ثالثة” أن تحديد أسعار الأجنحة في معرض القاهرة الدولي للكتاب تمت وفق دراسات مالية دقيقة، تراعي تنوع المساحات والفئات المختلفة للناشرين، وقد نوقشت في اجتماعات رسمية بين الهيئة واتحاد الناشرين المصريين، برئاسة المهندس فريد زهران، وهذه المناقشات انتهت إلى تفاهمات مشتركة تحقق التوازن بين التكلفة الفعلية والدعم المقدم للناشرين.
ختامًا يمكن القول إن أن الأزمة الراهنة بين الناشرين والهيئة العامة للكتاب بشأن الزيادات الكبيرة في أسعار إيجارات الأجنحة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تعكس مأزقًا أعمق تعانيه صناعة النشر في مصر، حيث تتقاطع الأعباء الاقتصادية مع غياب الدعم المؤسسي وضعف السياسات الثقافية؛ فبينما تؤكد الجهات المنظمة أن الزيادة جاءت نتيجة ارتفاع التكاليف التشغيلية، يرى الناشرون أن القرارات المتتالية تُفاقم من تراجع سوق النشر المحلي وتُهدد مستقبل الكتاب المصري، في ظل استمرار ارتفاع أسعار الورق والطباعة وتراجع القوة الشرائية للقارئ.
غير أن الأزمة تمثل فرصة حقيقية لإعادة النظر في سياسات تنظيم المعارض ودعم صناعة النشر، من خلال شراكة حقيقية بين وزارة الثقافة واتحاد الناشرين المصريين، توازن بين متطلبات التشغيل واحتياجات الناشرين، وتضمن استمرار معرض القاهرة الدولي للكتاب كأكبر تظاهرة ثقافية في المنطقة العربية، تعبر عن التنوع والإبداع لا عن أزمات السوق وضغوطها.