مصادرة ومنع: كيف يعاني قطاع النشر في مصر من التضييق؟

كشف فريد زهران، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أن الهيئة العامة للكتاب، الجهة المنظمة لمعرض الكتاب، حرمت نحو 120 دار نشر من المشاركة في الدورة السابقة دون تقديم أسباب واضحة
Picture of آية ياسر

آية ياسر

مع اقتراب انطلاق الدورة الـ56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، التي تستمر في الفترة ما بين 24 يناير الجاري – 5 فبراير المقبل، تواجه الهيئة المصرية العامة للكتاب، بصفتها الجهة المنظمة للمعرض – الذي يضم أكثر من 1500 دار نشر مصرية وعربية وعالمية-، انتقادات داخل الأوساط الثقافية في مصر، وتخوفات لدى المجتمع الحقوقي، بسبب استمرار سياسية حرمان دور نشر بعينها من المشاركة في المعرض، ويُعتقد أن سببها يرجع إلى سياسات النشر الخاصة بتلك الدور، التي لا تتفق مع توجهات السلطة السياسية في مصر ورؤية أجهزتها الأمنية، لاسيما أن الهيئة اعتادت ألا تبدي أسبابًا للرفض الذي تكررت حالاته بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة.

تفاجئ الوسط الثقافي في مصر، بإعلان دار المرايا للثقافة والفنون، في 31 ديسمبر المنقضي 2024، منعها عن المشاركة في الدورة المقبلة لمعرض الكتاب، مشيرة إلى أنها تشارك في المعرض سنويًا وبشكل منتظم منذ عام 2017 حتى العام 2023، وحصلت إصداراتها خلال تلك السنوات مرتين على جوائز المعرض، كما أنها تقوم بسداد التزاماتها المالية تجاه المعرض بانتظام ولم تتخلف في أي سنة من السنين عن سداد جميع التزاماتها بشكل مسبق قبل بداية المعرض وخلال المواعيد التي تحددها الهيئة، وأن جميع الأوراق الإدارية التي تخص دار المرايا سليمة ومحدَّثة ومنضبطة تمامًا من جميع النواحي القانونية والمالية، ويوجَد نسخ لها مودعة لدى اتحاد الناشرين وهيئة الكتاب.

 وقالت الدار في بيان لها: “قررت الهيئة العامة للكتاب، دون إبداء أسباب، منع دار المرايا من المشاركة هذا العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب. ورغم أن المرايا قامت بتسجيل اشتراكها في المواعيد المقررة، إلا أننا لم نتلق إذن الدفع لسداد إيجار الجناح الخاص بنا كما هو الحال مع باقي دور النشر؛ بل وفوجئنا بإغلاق حساب الدار على موقع المعرض. وعلى مدار الأسابيع الماضية حاول اتحاد الناشرين والعديد من أصدقاء المرايا التدخل لمعرفة أسباب الرفض وتقديم حلول لها، إلا أن هيئة الكتاب أصرت على موقفها دون تقديم أي مبررات.”

ويوضح الناشر يحيى فكري – المدير التنفيذي لدار المرايا للثقافة والفنون-، إلى زاوية ثالثة، أن الدار تعرضت لضغوط متكررة من قِبل مباحث المصنفات الفنية على مدار السنوات الثماني الماضية، إذ داهمت مرتين مقر الدار وصادرت عدد من الكتب والأجهزة، مع حرير محاضر ضد الدار؛ المرة الأولى في عام 2022، التي تعرض “فكري” على إثرها للاحتجاز في قسم شرطة عابدين لأكثر من 24 ساعة، والثانية في يونيو عام 2024 واحتجز وقتئذٍ أحد المساعدين الإداريين المتدربين في الدار لنحو 72 ساعة.

يقول فكري: “معظم المخالفات التي يتم تسجيلها ضدنا في المحاضر تكون غير منطقية،كأن نُتهم بإصدار كتب دون أرقام إيداع أو دون تحرير عقود مع المؤلفين، أو نتهم ببيع كتب صادرة عن دور نشر أخرى، لمجرد وجود نسخة واحدة من بعض الكتب التي تصلنا كهدايا واحتفظ بها ضمن مكتبتي الشخصية، أو نتهم باستخدام برامج غير أصلية على أجهزة الكومبيوتر، كل هذا غير صحيح على الإطلاق.” 

حضرت قوة أمنية إلى جناح دار المرايا، في 30 يونيو 2021، بالتزامن مع أول أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب، تضم ضباط من مباحث المصنفات الفنية، وجهاز الأمن الوطني، إضافة لأمن المعرض، إلى منفذ بيع “المرايا”، وطلبوا نسخة من ديوان “كيرلي” للناشط السياسي أحمد دومة، – الذي كان مسجونًا في ذلك الوقت-، للإطلاع عليه وفحصه، وأعطوا أوامر شفهية للعاملين بالدار المتواجدين وقتها بعدم عرض الكتاب أو بيعه حتى يحددوا موقفهم منه، بحسب ما صرح مدير الدار وقتئذٍ.

وأعلنت دار المرايا للثقافة والفنون، في بيان لها، في 26 سبتمبر 2022، عن مثول يحيى فكري أمام نيابة عابدين بسبب محضر “مصنفات فنية”، بعد قضائه الليلة الماضية في قسم شرطة عابدين، مبينة أن قوة من مباحث المصنفات الفنية كانت قد داهمت مقر المرايا في وسط القاهرة مساء أمس الأحد 25 سبتمبر، وقضت نحو سبع ساعات في فحص تراخيص الدار وعقود الكتب وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بها. وفي السابعة مساءًا، حرزت القوة نسخ من بعض إصدارات المرايا وبعض العقود مع المؤلفين واقتادت “فكري” إلى قسم عابدين، بعد أن حررت المصنفات محضرًا تضمن ثلاث مخالفات: اختلاف عناوين بعض الكتب المنشورة عن العقود الموقعة مع كتاب تلك الكتب؛ وإصدار مجلة “مرايا” دون ترخيص من الهيئة الوطنية للإعلام؛ ووجود بعض الكتب من غير مطبوعات الدار محملة على أحد أجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصة بالدار في صيغة (بي دي إف)، مشيرة إلى أن المحامين نجاد البرعي وخالد علي وأنس سيد، قدموا ما يثبت عدم صحة المخالفات المدرجة بالمحضر وقررت النيابة إخلاء سبيله بضمان محل إقامته، وعاد في الرابعة مساءًا إلى قسم عابدين حتى تم إخلاء سبيله وغادر القسم في العاشرة مساءًا برفقة محاميه.

وفي 29 يوليو 2024 أعلن المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق، خالد علي، أنه بعد انتهاء ندوة عُقدت بدار المرايا للثقافة والفنون، في 27 يوليو، ومغادرة جميع الحاضرين، داهمت قوة من المباحث مقر الدار، واحتجزت إبراهيم مصطفى – أحد المساعدين الإداريين، طالب في كلية التجارة جامعة عين شمس-، الذي تم عرضه تاليًا على النيابة العامة التي قررت إخلاء سبيله على ذمة تحقيقات القضية 5142 لسنة 2024 جنح عابدين،كاشفًا في تدوينة أن القوة التي داهمت الدار من مباحث قسم عابدين ومباحث المصنفات الفنية ومباحث التهرب الضريبي، واستمرت في تفتيش المكان قرابة الخمس ساعات، وانتهت مباحث المصنفات إلى تحريز نحو 217 كتاب، وجهازي حاسب آلي، ولم تكتف القوة المداهمة بذلك؛ بل حرزّت مباحث التهرب الضريبي ملفات ومستندات مالية خاصة بالدار.

يضيف الناشر، في حديثه معنا: “مُنعنا من المشاركة في المعرض بقرار من الهيئة العامة للكتاب، التي يبدو أنها تشعر بعدم الرضا تجاه توجهاتنا في النشر، ونقل لنا اتحاد الناشرين رد الهيئة بأنه من حقها منع أي دار نشر دون إبداء أسباب، رغم أننا لم نتعرض على مدار السنوات الثمانية لتدخلات من الجهات الرقابية للحيلولة دون قيامنا بنشر إصداراتنا، باستثناء مرة واحدة مُنعنا فيها من الحصول على رقم إيداع لأحد الكتب، ولكن تكررت بعد ذلك حالات التوجيه الشفوية من المصنفات الفنية، بحجب بعض الإصدارات الأدبية أو التاريخية من العرض والامتناع عن توزيعها، دون إبداء أسباب أو صدور قرار إداري بشأن ذلك، ويبدو أن الجهات الرسمية المسؤولة عن الثقافة في مصر لديها ضيق بدور النشر التي تسعى لإنتاج محتوى ثقافي ومعرفي تقدمي وديمقراطي.”

يشير المدير التنفيذي لدار المرايا إلى أن سوق النشر في مصر يتعرض خلال السنوات الأخيرة لضغوط اقتصادية عنيفة بسبب تأثير ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، ما أدى لتضاعف تكاليف الإنتاج من أوراق ومستلزمات طباعة وانعكس على أسعار الكتب وانخفاض مبيعاتها، وأصبحت الكتب الأكثر خفة هي الأكثر مبيعًا لاسيما في ظل الأزمات المعيشية وتراجع الإحساس بالهوية، معتبرًا أن قرار منع دار المرايا عن المشاركة في المعرض بمثابة إقصاء لها من السوق، لكون المعرض هو الموسم السنوي للمبيعات، وكون 75% من إصدارات الدار تصدر قبيل المعرض. ورغم حرمانها من التواجد في المعرض وما يسببه ذلك من خسائر، تظل الدار ملتزمة بسداد الاستحقاقات المالية للكُتاب والعاملين على تجهيز الكتب. ورغم هذه الخسارة يؤكد “فكري” أن الدار ستواصل تقديم الأدب الأكثر رقيًا والدراسات الأكثر عمقًا، داعيًا السلطات إلى دعم صناعة النشر لتستوعب مؤلفات الأعداد الكبيرة من الأدباء والباحثين الموهوبين الذين تزخر بهم مصر.

 

نوصي للقراءة: منع ومصادرة وقضايا ضريبية.. كيف تستهدف السلطات المصرية دار نشر المرايا؟

 

الحرمان من معرض الكتاب

لا تعد أزمة دار المرايا الأولى من نوعها؛ فعلى مدار ثلاث سنوات تعرضت مكتبة ودار نشر تنمية، لرفض الهيئة المصرية العامة للكتاب منحها الموافقة على مشاركتها في المعرض، منذ إلقاء القبض على مؤسسها خالد لطفي وسجنه، في عام 2018، بعد نشره طبعة مصرية من كتاب “الملاك، الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل” عن أشرف مروان صهر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.

 واقتحمت قوة من المصنفات الفنية “دار تنمية”، في سبتمبر عام 2017، وألقت القبض على أحد العاملين بالدار بحجة مخالفة معايير النشر بنشرها وتوزيعها الكتاب المذكور، وأعدم مسؤولو تنمية ألفي نسخة، وهي مجمل المطبوع من الكتاب محل القضية، ولكن في ديسمبر 2017، أحيلت الواقعة إلى المحكمة العسكرية عوضًا عن الاقتصادية واستدعت النيابة العسكرية الناشر خالد لطفي للتحقيق في الواقعة وأمرت بحبسه احتياطيًّا على ذمة القضية، وصدر حكم من محكمة عسكرية ضده في القضية رقم 1298 لسنة 2018 جنح عسكرية شرق في أكتوبر 2019 بالحبس خمسة سنوات، وقد أيدته محكمة الاستئناف العسكرية في فبراير 2019، وفي ديسمبر 2019 أيدت محكمة النقض العسكرية الحكم بالحبس، وأُفرج عن الناشر في 20 نوفمبر 2022 بعد انقضاء مدة العقوبة.

وكان المعرض في نسخته لعام 2017، قد شهد توقيف موظف بدار نشر لبنانية بسبب وجود كتاب يتناول المذهب الشيعي، وأغلقت إدارة معرض الكتاب جناحي “دار القدس” و”آل ياسر”، بعد أن حرّرت شرطة المصنّفات بلاغًا ضدهم لبيعهم كتبًا شيعية، وأعلن أشرف مأمون – مدير إدارة مكافحة جرائم المطبوعات بالإدارة العامة لمباحث المصنفات-، وقتئذٍ، تحرير محضر لمصادرة خمسة كتب شيعية، وأن هذه الكتب تمت مصادرتها على الفور.

وفي 2018 أعلن هيثم الحاج علي – رئيس الهيئة العامة للكتاب وقتئذٍ-، أن عددًا من الكتب سيتم منعه من المشاركة في المعرض، وأن هيئة الرقابة ستصادر أي كتب تعبر عن فكر جماعة “الإخوان المسلمين” باعتبارها جماعة إرهابية بحكم القضاء المصري، وأن الهيئة خصصت مكانًا للرقابة في سور الأزبكية لمنع الكتب المزورة أو التي تحرض على العنف والإرهاب.

منذ عام 2020، تغيب الناشرة والأديبة الفلسطينية بيسان عدوان، المؤسس المشارك لدار نشر ابن رشد، عن المشاركة في المعرض، بعد تهجيرها قسرًا من مصر في مارس 2020، بـتهمة الإلحاد، وإدراجها على قوائم المنع من دخول البلاد، ويُعتقد أن سبب الترحيل يرجع لخصومتها السياسية مع السلطة الحالية. أيضًا- مُنعت دار نشر عصير الكتب من المشاركة في معرض الكتاب في 2022، للمرة الأولى، بسبب نشرها كتب للكاتب الإسلامي العراقي “أحمد خيري العمري”، المحسوب فكريًا على جماعة الإخوان المسلمين، وعلى خلفية إتهام الكاتب الصحفي سامح فايز، للدار بأنها إخوانية.

وفي 2023 كشف الكاتب الصحفي أنور الهواري، عن مصادرة كتابَيه “ترويض الاستبداد” و”الديكتاتورية الجديدة” من معرض الكتاب، واتهم الطبيب خالد عبد الرحمن، جهات أمنية – لم يسمها-، بالتدخل لمنع دار روافد للنشر من طباعة كتابه الجديد “42 شارع قصر النيل”، الذي كان من المفترض صدوره مع انطلاق المعرض، ويناقش تاريخ نقابة الأطباء منذ نشأتها وحتى الآن، متضمنًا الحراك النقابي القوي الذي شهدته النقابة في 2016 بعد اقتحام الأمن لمستشفى المطرية.

عقب ذلك أعلن مدير النشر في دار المنتدى للنشر، سيد صابر، أن جهات أمنية طالبت الدار برفع كتاب “تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها” لـ محمد مدحت مصطفى، ويؤرخ لتاريخ الجمعيات الصهيونية في مصر، وبدايتها وأدوارها في فترة ما قبل يوليو 1952، من جناحها في معرض الكتاب 2023، دون إبداء أسباب، فيما ذكر مؤلف الكتاب أنه تعرض للمصادرة.

وقالت مكتبة طرابلس العلمية العالمية إنها تفاجئت بمصادرة كتاب “شعرية تاريخ ليبيا” ومنع من المشاركة في معرض القاهرة للكتاب بدورته 54، متهمة نائبة مدير المعرض، وقتئذٍ، بسحب النسخة المعروضة في الجناح مع التهديد بإغلاق جناح اتحاد الناشريين الليبيين في حال وجدت نسخة أخرى معروضة.

صُدمت الأوساط الثقافية، بإعلان الناشرة كرم يوسف، مؤسّسة وصاحبة دار النشر المستقلة “الكتب خان”، في 23 يناير 2024، بمنع الدار من المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وقالت الناشرة، في تدوينة لها: “بعد استعداداتنا القصوى لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فوجئنا في اللحظة الأخيرة وقبل ساعات قليلة من استلام جناحنا بمنعنا تعسفيا من المشاركة في الدورة من قبل إدارة المعرض، دون إبداء أسباب واضحة أو إخطار رسمي مسبق، بل وبتسليم المساحة المتفق عليها لجناحنا التي تم سداد كافة المصروفات واستيفاء الأوراق المطلوبة للمشاركة في المعرض حسب الشروط المعلنة، إلى دار نشر أخرى. ما يعني تبديد مجهودات مجموعة متميزة من الكتاب والكاتبات كذلك العاملين بالدار لشهور عديدة تجهيزًا للمشاركة في الموسم الثقافي الأهم من كل عام.”

وجاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان دار تنوير للنشر والإعلام، من المشاركة هي الأخرى في معرض الكتاب لعام 2024، وقالت الدار في بيان لها: “تم حجب مشاركتنا في معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا العام -رفقة عدد من الزملاء الناشرين- وقد أخطرنا بذلك قبل يوم واحد فقط من تسلم جناحنا الذي ظل محجوزًا باسمنا حتى صباح اليوم، ولم ندخر جهدًا في محاولة فهم الأسباب والدوافع التي أدت إلى ذلك، وتواصلنا مع الجهات المعنية في اتحاد الناشرين المصريين وفي الهيئة العامة للكتاب، لكننا وصلنا إلى طريق مسدود، وإلى أن هذا الإلغاء ليس إلا قرارًا تعسفيًّا لا يصب في مصلحة الناشرين، ولا في مصلحة المناخ الثقافي المصري.”

 

نوصي للقراءة: أحمد دومة عن ديوانه “كيرلي”.. كتبته في السجن فرارًا من الهزيمة أو الانفجار

كتب ممنوعة من التداول

قبل نحو عام من الآن، سحبت الهيئة العامة للكتاب ديوان “في زحام أحمر” للشاعر المصري يونان سعد، من المكتبات وحظر بيعه، رغم مرور ما يزيد عن عام ونصف من صدور الكتاب الذي كان قد أجيز للنشر وظل يتداول في المكتبات طوال هذه المدة، ولم تصدر أي أحكام قضائية ضده.

يحكي يونان سعد أنه ضحك حين فسر موظف بهيئةِ الكتاب أن “في زحام أحمر” تعني الزحام الشيوعي، وقلب هذا التفسير أمامي عدة مرات، وأعاد قراءة الكتاب الذي خطته يداه كي يفهم، ولم يعثر على كلمة قد توحي لأي إنسان تعلم القراءة والكتابة بهذا الأمر، فضحك حتى الثمالة، وظن أن الأمر بسيط، (زحامٍ أحمر) لأن الأحمر لون الحيوية والدم والاستسلام للرغبة، والجنون والحب، ولكن بعد ذلك سحبوا الكتاب من مكتبات هيئة الكتاب، لم يجرِ منع الكتاب من النشر، على العكس، أجيز للنشر من قبل لجنة قراءة، وتم نشره وظل يتداول في المكتبات لمدة عام ونصف تقريباً، وفجأة، انتبه أحدهم أن عليهم أن يسحبوا الكتاب من المكتبات، بحسب تعبيره إلى زاوية ثالثة.

وتساءل الشاعر عما إذا كان ورود عبارة “الشيوعي الطيب والتاجر الجشع يدبران رقعة الشطرنج، في مبعدةٍ عن قلبي وشفاه حبيبتي” في ديوانه قد جعل من القصيدة شيوعية؟، مضيفًا في تدوينة له عبر حسابه الشخصي: “أنه ليست هناك قصيدة سياسية أو قصيدة دينية أو قومية.. القصيدة قصيدة، إذا تحزبت فسدت، وذهب عنها الشعر، ربما يتأدلج الفنان ولا يتأدلج فنه، وإلا يتحول فنه لأي شيء غير الفن، وسيتحول بدوره لأي شيء باستثناء أن يكون فناناً.. قد أكون ماركسيًا، لكن شعري لا يمكن أن يكون ماركسيًا، أتمنى أن أرى كتابي على الرفوف في معرض الكتاب المقبل.”

أزمة ديوان “في زحام أحمر” ليست الأولى من نوعها، إذ أمر النائب العام المستشار محمد شوقي، في أكتوبر 2024، بالتحقيق في ديوان “كيرلي” للناشط السياسي أحمد دومة، بزعم ازدراءه للأديان، على خلفية مجموعة من البلاغات اللي تقدم بها عدد من الأشخاص ضده، وذكرت النيابة العامة في بيان لها، أنها طالعت ديوان الشعر محل البلاغ عبر شبكة الإنترنت، وتبين لها احتواءه على تلك العبارات، وأنها أمرت بطلب تحريات الشرطة حول الواقعة، وتكليف لجنة من المختصين بالأزهر الشريف بفحص عبارات ذلك الديوان.

 وكان الديوان الذي كتبه “دومة” خلال فترة سجنه، قد صُودِر بمجرد صدور طبعته الأولى في عام 2021، بعد ما توجهت قوة أمنية إلى معرض الكتاب، ومنعت المسؤولين عن دار نشر المرايا، عن عرض الديوان سواء في المكتبات التابعة لها، أو في معرض الكتاب أو توزيعه، وبعد خروج دومة من السجن مُنِع الديوان للمرة الثانية من النشر والتوزيع، كما ألغي حفل التوقيع الخاصة به، بموازاة حملة تكفير حاصرت دومة وتُوّجت بتحقيق النيابة العامة في الديوان تمهيدًا لمحاكمته.

 وكان الناقد الأدبي صبري ممدوح، قد كشف في نوفمبر 2023، عن رفض دار الكتب المصرية، استخراج رقم إيداع لكتاب “تلخيص وتحقيق لسيرة ابن هشام” للكاتب أشرف الخمايسي، وكان من المفترض صدوره عن دار “المحرر للنشر”، لذلك اعتقد المؤلف أن موضوع تحقيق وتلخيص التراث به مشكلات من نوع ما في السلطة، فقام الناشر بطلب رقم إيداع لرواية جديدة لنفس الكاتب، ولكن تم رفض إعطاء رقم الإيداع.

 وفي مارس 2022، أعلن الروائي علاء فرغلي، عن منع روايته “ممر بهلر” ، الصادرة عن دار ديوان للنشر في يناير 2021، من التداول في مصر، ما أثار الجدل والاستنكار في الوسط الثقافي، إذ كشف المؤلف عن مصادرتها قبل خروجها من المطبعة، لأن جهة رقابية ما وجدتها خادشة وجارحة وإباحية وتزدري الأديان وتهدد السلم الاجتماعي، قبل أن تنجح جهود المحامين في الإفراج عنها، لتشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022، وقال الكاتب في تدوينة له: “خبر سيء مضطر لإعلانه، روايتي ممنوعة من التداول في مصر، منذ صدورها في يوم 24 يناير وحتى الآن، لم أطلع على التقرير الذي أعد حولها، ولا الجهة التي منعتها.”

وسبق أن مُنعت رواية “جمهورية كأن”، للأديب علاء الأسواني، الصادرة عن دار الآداب اللبنانية، عن التداول، وكان قد أعلن مؤلفها في 2019، عن كونه مدعوًا للمثول أمام القضاء العسكري بسببها، وتدور أحداث الرواية حول ثورة 25 يناير، عبر ألسنة أبطال الرواية، شاركوا في الثورة أو قاوموها وخططوا لوأدها، أو رفضوها خوفًا كالبقية، ثم أيدوها حينما نجحت في الإطاحة بحسني مبارك، وما إن بدأت تترنح حتى ناصبوها العداء مجددًا.

وفي أكتوبر 2018 أعلن الخبير الاقتصادي، عبد الخالق فاروق، أن الأمن الوطني صادر كتابه “هل مصر بلد فقير حقًا؟”، من المطبعة في دار السلام، وإلقاء القبض على صاحب المطبعة إبراهيم الخطيب، رغم كون الكتاب حاصل على التصاريح الرسمية، وعقب ذلك أمرت النيابة العامة في مصر بحبس عبد الخالق فاروق، أربعة أيام على ذمة التحقيقات التي تجريها معه بتهمة نشر أخبار كاذبة بعد أيام من حظر ومصادر كتابه، كما أمرت النيابة بحبس صاحب المطبعة التي طبع بها الكتاب المدة نفسها.

وكان الروائي المصري أحمد ناجي، قد تعرض للسجن في عام 2016، بتهمة “خدش الحياء العام”، بسبب الألفاظ الصريحة التي جاءت في روايته “استخدام الحياة”، ونشرت صحيفة “أخبار الأدب” الحكومية فصلاً منها، وإثر تضامن واسع مع ناجي، قررت محكمة النقض المصرية إلغاء حكم حبسه، وقبلت الطعن المقدّم منه، ليُطلق سراحه في ديسمبر عام 2017، بعدما قضى في السجن نحو عام. وجاء سجنه بالمخالفة للمادة 67 من الدستور المصري، التي تمنع الحبس في قضايا النشر الأدبي، وتكتفي بالغرامة، وتنص المادة على أن “تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي ، والإبداع الأدبي ، والفني، والثقافي، وتنهض بالعلوم، والفنون، والآداب، وترعى المبدعين، والمخترعين، وتحمي إبداعاتهم، وابتكاراتهم، وتعمل على تطبيقها لمصلحة المجتمع.”

 

نوصي للقراءة: هل أصبحت دُور النشر في مصر تُقيّم الكُتّاب بناءً على عدد متابعيهم؟

أزمة أرقام الإيداع

يكشف فريد زهران – رئيس اتحاد الناشرين المصريين والمرشح الرئاسي السابق ورئيس الحزب الديموقراطي الاجتماعي-، إلى زاوية ثالثة، أنه خلال الدورة الماضية من معرض الكتاب تعرضت نحو 120 دار نشر للحرمان من المشاركة في المعرض، من قبل الجهة المنظمة للمعرض وهي الهيئة العامة للكتاب، التي من حقها عدم إبداء أسباب لرفض مشاركة أي دار نشر، وهو  إجراء يحدث عادة مع الناشرين في معارض الكتاب العربية والدولية، إلاّ أن الهيئة عزت الرفض لارتكاب بعض تلك الدور لمخالفات تتعلق بعد سداد الرسوم أو اتهامها ببيع أرقام إيداع أو عدم توريدها للكتب التي حصلت على أرقام إيداع لها منذ سنوات أو عرض كُتب ناشرين آخرين في أجنحتها دون توكيل رسمي وسداد رسومه، في حين تردد أن منع البقية جاء لأسباب أمنية.

 ويضيف أنه تم السماح لنحو 100 دار نشر من تلك الدور، بالمشاركة في الدورة الجديدة من المعرض، بينما تم حرمان 20 دار أخرى وأن الهيئة بينت لاتحاد الناشرين أن سبب المنع يرجع للأسباب التي سبق أن أعلنت عنها العام الماضي، ولأسباب أخرى ستكشف عنها في وقتٍ لاحق، موضحًا أن الدوائر الإعلامية مهتمة بمنع دار المرايا من المشاركة للمرة الأولى، في حين أن هناك دور نشر كانت محرومة من المشاركة منذ سنوات، من بينها مكتبة “تنمية”، ولكن سمح لها بالمشاركة هذا العام، لافتًا إلى أن بعض تحركات المصنفات الفنية غير منضبطة وبها تعسف ولا تتم وفقًا للقانون، وهو ما يضر بدور النشر والمكتبات، كما حدث مع مكتبة البلد، التي يمتلكها “زهران”، والتي تعرضت للإغلاق لسنتين، دون وجود حكم قضائي. 

ويبين رئيس اتحاد الناشرين أن حرمان بعض دور النشر من الحصول على أرقام إيداع لإصداراتها الجديدة قبيل المعرض، يرجع إلى وجود ضوابط مشددة تتحكم في إصدار أرقام الإيداع، من بينها إلزام الناشر بتوريد نسخ الكتب التي حصل على أرقام إيداع لها، إلى الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، التابعة لوزارة الثقافة، لكن العديد من دور النشر، خالفت القانون حين أصدرت كتبًا، خلال السنوات الـ15 السابقة دون توريد نسخ منها، ونفذت لديها النسخ وتعذر عليها إرسال النسخ، وبعضها لم يصدر كتبًا حصل على أرقام إيداع لها بالفعل منذ سنوات، وهو أمر مجرم في القانون ويعرض الناشر للغرامة وقد وتصل العقوبة للحبس، وحين أرادت وزارة الثقافة تطبيق القانون اشتكى العديد من الناشرين من عدم قدرتهم على  الحصول على أرقام إيداع لإصداراتهم الجديدة للمشاركة في معرض الكتاب، لافتًا إلى نجاح اتحاد الكتاب في إيجاد حل مؤقت للأزمة، إذ وافق وزارة الثقافة على تأجيل توريدات أرقام الإيداع المتأخرة لبعد انتهاء معرض الكتاب، ومد المهلة لعام آخر، على أن يتعهد الناشرون بتوريدها بعد المعرض، مشيرًا لوجود مشكلة أخرى تتمثل في الضغط الكبير على موظفي دار الكتب قبيل المعرض والذي يجعلهم ينجزون عددًا محدودًا من أرقام الإيداع، ويتوقع حل المشكلة بعد تفعيل نظام الرقمنة الذي بدأ تجريبه منذ شهرين.

ويؤكد أن دار الكتب والوثائق القومية ليست جهة رقابية، ولا يحق لها رفض منح رقم الإيداع لمؤلف أو ناشر لأسباب تتعلق بمضمون الكتاب، وأنها تؤكد دومًا أنه ليست لديها موافقات أمنية، وأن سبب الرفض يرجع لارتكاب مخالفات، لكنه لا يستبعد أن يكون ما يتم على أرض الواقع مختلفًا عن ما هو معلن؛ إذ أنه لا توجد جهة رسمية للرقابة على الكتب منذ الستينات، لكن توجد رقابة للمصنفات الفنية على الكتب الآتية من الخارج، ولا توجد رقابة على الكتب من جهة سوى الأزهر الشريف لضمان عدم تحريف المصحف.

ويرى أن أهم التحديات التي تواجه قطاع النشر في مصر هي أن التعامل مع الناشرين وفقًا للقانون كتجار، ما يحرمهم من مميزات العاملين في مجالات الصناعة مثل: الإعفاءات المتعلقة بالاستيراد والتصدير، كما هو الحال مثلًا مع صناعة السينما، المعترف بها في غرف الصناعة، إضافة لكون قانون اتحاد الناشرين صدر في ستينات القرن الماضي، في ظل تجريم التعددية السياسية والحريات النقابية في ذلك الوقت، وينص القانون على أن الاشتراك السنوي 20 جنيه، و”لا نستطيع زيادته بسبب القانون، ونضطر لفرض رسوم بدلًا من ذلك.”

 ووفقًا لهذا القانون لا يمكن لأي مؤسسة الحصول على رقم إيداع لأي من مطبوعاتها دون أن تكون عضوًا في اتحاد الناشرين، ما أدى لمنح مؤسسات غير عاملة بصناعة النشر لعضويات بالاتحاد، مثل: الأزهر، والكاتدرائية، ومؤسسات حكومية لها مندوبين في الاتحاد كوزارة التربية والتعليم، ورئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب بصفته، في حين أنه من تعريف الناشر أنه صاحب سجل تجاري وبطاقة ضريبية ولديه مؤسسة تسعى للربح، وهذا الأمر لا ينطبق على تلك المؤسسات لها أجندات وأهداف تختلف عن أهداف وهموم الناشرين، مما قد يخلق مشكلات في الاتحاد.

قد لا تنفصل وقائع الحرمان من المشاركة في معرض الكتاب المرتبطة بسياسات النشر لبعض دور النشر وليس بارتكابها مخالفات للوائح والقوانين، وحالات مصادرة وسحب كتب وأعمال أدبية منشورة من المكتبات، عن إغلاق عدد من المكتبات الشهيرة ودور نشر مصرية، خلال السنوات الأخيرة، إذ اقتحمت قوات الأمن، في ديسمبر 2016، الفروع الستة لمكتبات “الكرامة”، المملوكة للمحامي الحقوقي جمال عيد، وتم إغلاقها بالشمع الأحمر، وفي سبتمبر 2017، أعلن السياسي فريد زهران، بصفته رئيس مجلس إدارة مؤسسة “المحروسة” للنشر ومالك مركز “البلد الثقافي”، وقتئذٍ، أن قوة أمنية اقتحمت مكتبة البلد بوسط القاهرة، وأغلقت المكتبة، وصادرت بعض الكراسي والمنقولات والكتب.

وأصدر القضاء في 2019، قرارًا بالتحفظ على الشركة العربية الدولية للتوكيلات التجارية، المالكة لسلسلة مكتبات “ألف”، وهي الأشهر في مصر، والتي كان لها 37 فرعاً في مصر، وفي العام نفسه داهمت قوات الأمن مكتبة تنمية بوسط القاهرة، وصادرت الطبعة العربية من كتاب “الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل”، للكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزيف، والذي حولته شبكة نتفليكس إلى فيلم، وأُغلقت المكتبة وقتئذٍ قبل أن تعود للعمل من جديد، وفي يناير 2022، أعلنت الشبكة العربية للأبحاث والنشر، عن إغلاق مكتبتيها في القاهرة والإسكندرية، بسبب ما تعرضت له من تضييق أمني وتحريض ضدها، ثم قيام إدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب بإقفال جناحها، متهمة إياها بالتزييف والتحايل لتشترك في المعرض.

من ناحيتها، تبين الباحثة في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، سارة رمضان، أن حالة معرض القاهرة، حالة خاصة تتعلق بلائحته التي تمنح الجهة المنظمة الحق في منع المشاركة دون إبداء سنوات، ما فتح الباب للعديد من الانتهاكات خلال السنوات الماضية، تتمثل في إلغاء التعاقدات أو رفضها منذ البداية أو المنع رغم سداد الرسوم، مبينة أن “مكتبة تنمية” كانت أكثر المتضررين، وأن منع “دار المرايا” من المشاركة هذا العام ليس بمعزل عن أزمتها الأمنية بسبب إصدارها لديوان “كيرلي” للناشط أحمد دومة، وأن ذلك المنع يحرم الدور غير المرضي عنها، من فرص المكاسب المادية وبناء العلاقات مع الجمهور ودور النشر الأخرى، مبينة أن هناك حالات محدودة لكتب تم رفض إعطاءها رقم إيداع، وهناك كتب تم سحبها من الأسواق.

وتوضح سارة أن قطاع النشر في مصر، تحكمه الرقابة اللاحقة التي تأتي بعد النشر، إلا أن بعض المطابع أو الناشرين يخشون من مضامين بعض الكتب بسبب الأجواء المقيدة للحريات، ما يجعلهم يرسلونها للأجهزة الأمنية لأخذ الموافقة عليه كي لا يتعرضون لمشكلة، كما يمارس الكُتاب الرقابة الذاتية على أنفسهم أثناء الكتابة، لتبدأ الرقابة من المنبع، نظرًا لوجود الحبس في جرائم النشر في القانون المصري، والذي يتعارض مع الدستور، مشيرة إلى أن دور النشر غير المرضي عنها تتعرض لمضايقات من مباحث المصنفات الفنية ومصلحة الضرائب، في وقت يتداعى فيه قطاع النشر نتيجة الخسائر لأسباب اقتصادية. 

وفي الوقت الذي سُمح فيه لنحو 100 دار نشر مصرية بالمشاركة في معرض الكتاب 2025، فإن هناك 20 دار أخرى بينها دار المرايا للثقافة والفنون، محرومة من المشاركة لأسباب غامضة، وبينما يستعد العديد من المؤلفين لعرض كتبهم في المعرض والتواصل مع جمهورهم؛ فإن كُتّاب آخرين يشعرون بالأسى لحرمان مؤلفاتهم ومن بينها: ديوان “في زحام أحمر” للشاعر يونان سعد، من العرض في المكتبات والمشاركة في المعارض، دون صدور حكم قضائي بمصادرها ومنعها من التداول، ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه المطالبات بفتح المجال العام في مصر، ورفع سقف حرية التعبير.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search