أثار قرار النيابة العامة الأخير بحبس مُعتدٍ جنسيًا على طفلة تبلغ من العمر 8 أعوام داخل حمام مسجد بمنطقة ابني بيتك في حي العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، بتهمة «هتك العرض» وليس «الاغتصاب»، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الحقوقيين والقانونيين. استند قرار النيابة إلى تقرير الطب الشرعي الذي أكد تعرض الطفلة للاعتداء الجنسي عبر الإيلاج الشرجي دون فقدان عذريتها، ما دفع حقوقيين للقول إن هذه التهمة تُخفف العقوبة، وقد تسمح بإفلات المعتدين من العقوبات المشددة في قضايا الاعتداء الجنسي ضد الأطفال والنساء، وهو ما يرجعه خبراء قانونيون إلى قصور تشريعي واضح في قانون العقوبات المصري الصادر عام 1937.
وبحسب تعديلات قانون العقوبات الصادرة عام 2011، تُعرف جريمة الاغتصاب تحديدًا بأنها «مواقعة أنثى بغير رضاها» عبر اتصال جنسي مهبلي كامل، بينما يُصنف القانون كل أشكال الاعتداء الجنسي الأخرى—مثل الإيلاج الشرجي، أو استخدام اليد، أو الأدوات، أو إجبار الضحية على ممارسة جنسية فموية، أو الاعتداء الجنسي على الذكور، أو إدخال إصبع أو جسم غريب في المهبل حتى لو أدى لفض غشاء البكارة—بأنها «هتك عرض». كما أن القانون المصري لا يعترف بجريمة الاغتصاب الزوجي.
وتنص المادة (267) من قانون العقوبات على معاقبة مرتكب الاغتصاب بالسجن المؤبد أو الإعدام إذا كانت الضحية دون 18 عامًا أو كان الجاني من أقاربها أو المسؤولين عن تربيتها أو رعايتها أو من العاملين لديها أو تعدد المعتدون. أما جريمة هتك العرض التي تنص عليها المادة (268)، فتتراوح عقوبتها بين السجن المشدد من ثلاث إلى سبع سنوات، مع إمكانية رفع العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة إذا كانت الضحية دون 16 عامًا أو توفرت ظروف مشددة، أو الأشغال الشاقة المؤبدة إذا اجتمع الشرطان. بينما تنص المادة (269) على عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو الحبس بحسب سن وظروف الضحية إذا وقع الاعتداء دون عنف مباشر.
نوصي للقراءة: تضاعف معدلات العنف ضد النساء والقاهرة الكبرى تتصدر خريطة العنف
أحكام مُخففة في قضايا هتك العرض
خلال السنوات الخمس الأخيرة (2020-2025)، نظرت المحاكم المصرية عددًا كبيرًا من قضايا الاعتداءات الجنسية التي تنوعت بين الاغتصاب وهتك العرض والتحرش، وصولًا إلى الشروع في هذه الجرائم، والتي اقترنت أحيانًا بالقتل أو السرقة أو الابتزاز. وبفحص عينة من الأحكام القضائية التي تناولتها الصحف المصرية خلال هذه الفترة، توصلت زاوية ثالثة إلى أن القضاء أصدر أحكامًا بالإعدام في خمس قضايا، جميعها كانت جرائم اغتصاب مشددة اقترنت بالخطف أو استخدام السلاح أو استهداف قاصر أو شخص من ذوي الإعاقة الذهنية. في المقابل، أُصدرت أحكام بالسجن المؤبد في أربع قضايا شملت اغتصاب قاصرات أو اعتداءات جنسية متكررة أو استخدام مواد مخدرة في الاعتداء. كما قضت المحاكم بالسجن المشدد لمدد تتراوح بين 10 إلى 25 عامًا في ثلاث قضايا تخللها خطف أو اغتصاب جماعي، بينما جاء الحكم الأخف (3 سنوات فقط) في قضية واحدة كانت الضحية فيها ربة منزل بمنطقة المعادي. وتبيّن من التحليل أن الأحكام الأكثر صرامة (الإعدام والمؤبد) ارتبطت عادةً بوجود أدلة على الخطف أو العنف الشديد، فيما صدرت الأحكام الأقل صرامة (من 3 إلى 10 سنوات) في القضايا التي خلت من العنف الشديد أو افتقرت إلى الأدلة الكافية على استخدام الإكراه.
ويُظهر تحليل البيانات أن ضحايا الاغتصاب كنّ من القاصرات في 5 قضايا تشمل حالات اغتصاب من قبل أقارب، مدرسين، أو غرباء، في حين كانت نساء بالغات ضحايا للاغتصاب في 5 قضايا، بما في ذلك حالات اغتصاب جماعي أو باستخدام التهديد، وتم رصد قضية واحدة لاغتصاب فتاة معاقة ذهنياً، خلال تلك الفترة الزمنية، وشملت حالات الاعتداء الجنسي داخل الأسرة، حالتين، إحداهما لاعتداء أب على ابنته، والأخرى حادثة صادمة لاغتصاب وقتل أم على يد ابنها، وتم تسجيل الاغتصاب الجماعي في أكثر من 3 قضايا، وأحكامه تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد، وكان استخدام التهديد بالسلاح، حاضراً في معظم القضايا، مما يشير إلى أن العنف المصاحب للاغتصاب يزيد من شدة العقوبة، وأدى استغلال القاصرات والسلطة، إلى صدور أحكامًا بالسجن المؤبد ضد الجناة.
بينما أظهر فحص وتحليل عينة من الأخبار المنشورة في الصحف المصرية حول الأحكام القضائية الصادرة في قضايا هتك العرض، خلال الفترة من (2020 – 2025)، صدور أحكامًا قضائية ضد مُرتكبي الاعتداءات الجنسية المتهمين بهتك العرض بالسجن لأكثر من 10 سنوات في 5 قضايا فقط، إذ حكم القضاة على المتهمين بهتك العرض، بالسجن لمدة 15 سنة في 4 حالات، السجن مدة 16 سنة في حالة واحدة، والسجن المؤبد في حالة واحدة، والسجن من 5 إلى 10 سنوات، في 8 حالات، تضمنت: الحكم بالسجن لمدة 6 سنوات في حالتين، والسجن لـ 7 سنوات في ثلاث حالات، والسجن لمدة 8 سنوات في حالة واحدة، والحبس لمدة 10 سنوات في 4 حالات، والسجن أقل من سنة في حالتين إذ حكم القاضي بالسجن على المتهم مدة 6 أشهر في واحدة من القضايا، وقضى بسجن المتهم لسنة واحدة في قضية أخرى، وقضت المحكمة بسجن المتهمين من سنة إلى أقل من 5 سنوات في 6 حالات، هي: الحبس لسنتان في اثنتين من القضايا، والسجن لمدة ثلاث سنوات في 3 حالات، والسجن لأربع سنوات في قضية واحدة، ويٌلاحظ أنه كلما كانت الضحية أصغر سنًا، كانت العقوبة أشد، إذا كان المتهم في موقع سلطة (مدرس، مشرف، إمام مسجد، طبيب)، كانت الأحكام غالبًا أشد، وتكون العقوبات أعلى عندما يكون هناك عنف جسدي أو تهديد للضحايا وفي حالة التكرار أو تعدد الضحايا، كانت الأحكام أكثر صرامة.
وأدين المتهمون بملامسة الأجزاء الحميمة لأجساد الضحايا دون إيلاج للعضو الذكري في غالبية الحالات، بينما كانت حالات الاعتداء الجنسي الكامل أو الشروع فيه أقل، لكنها نالت عقوبات أشد، وشكّل الضحايا من الأطفال (ذكور وإناث) دون الـ 18 عامًا، الغالبية العظمى من القضايا، ومثلت الفتيات البالغات نسبة أقل من الحالات في عينة أخبار الأحكام القضائية الصادرة في قضايا هتك العرض، بينما كانت هناك حالة واحدة لطفل ذوو إعاقة، وتنوعت الأساليب المستخدمة في الجرائم، بين التحايل والاستدراج في 7 قضايا، واستخدام القوة أو التهديد في 6 حالات، وتنوعت أماكن وقوع جرائم هتك العرض بين أماكن خاصة أو مغلقة، مثل: المنازل، الورش، دور الأيتام، محلات تجارية، غرف داخل المساجد، وأماكن عامة، مثل: الطرق، وسائل النقل، الشوارع، أمام المدارس.
فيما أبرز تحليل البيانات الواردة في عينة أخبار الصحف حول الأحكام القضائية الصادرة في قضايا الشروع في هتك العرض ومحاولة الاغتصاب، خلال الفترة من (2020 – 2025)، أن العقوبات الصادرة بحق المتهمين تنوعت بين السجن المؤبد أو السجن المشدد، وتظهر البيانات أن الجرائم التي تستهدف الأطفال تحصل على عقوبات أشد، إذ تم الحكم بالسجن المؤبد في قضية قنا، التي شرع خلالها عامل فى مطعم، يبلغ من العمر 28 عامًا، فى هتك عرض طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، بعدما استدرجها داخل محل بمدينة الألومنيوم محاولًا اغتصابها، مع تغريم المتهم 100 ألف جنيه، بينما أدى استخدام فيها الجناة للسلاح الأبيض، لتهديد قاصر، أثناء سيرها بالطريق العام، بغرض الكشف عن أجزاءها الحميمية، في قضية دار السلام، إلى الحكم عليهم بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات.
وعبر تحليل البيانات والمقارنة بين مدد الأحكام القضائية في قضايا الاغتصاب وهتك العرض، استنادًا إلى عينة الأخبار المنشورة في الصحف، خلال الفترة من (2020 – 2025)، فإن الأحكام القضائية في قضايا الاغتصاب تراوحت بين الإعدام والسجن لـ 3 سنوات، وفقًا لعدة عوامل مثل العنف، القاصرون، واستخدام السلاح؛ إذ قُضي بالإعدام في 5 قضايا، ترافقت مع ظروف مشددة مثل: الاغتصاب المصحوب بالخطف، التهديد بالسلاح، وقوع الجريمة ضد قاصر أو شخص من ذوي الإعاقة الذهنية، بينما حُكم بالسجن المؤبد في 4 قضايا، تضمنت: اغتصاب قاصرات، الاعتداء المتكرر، استخدام المخدرات في الاعتداء، وصدرت أحكامًا بالسجن المشدد (10 – 25 سنة) في 3 قضايا، شملت حالات: الخطف، الاغتصاب الجماعي، في حين صدر حُكمًا بالسجن المخفف لمدة (3 سنوات فقط) في قضية اغتصاب ربة منزل في المعادي، قام خلالها المتهمين بخطف المجني عليها بطريق التحاليل، بأن أوهمها المتهم الأول بعزمه إقراضها مبالغ نقدية، وتوجه بها إلى المكان الذي يتواجد فيه المتهم الثاني وقاما بممارسة الجنس معها بالإكراه، متعدين عليها بالضرب.
وبالمقارنة مع أحكام قضايا الاغتصاب، جاءت العقوبات الصادرة في قضايا هتك العرض أقل شدة بشكل عام، لكن هناك استثناءات لبعض الحالات المشددة؛ إذ صدرت أحكامًا بالسجن لمدة 15 – 16 سنة في 5 قضايا، منها حالة واحدة بالسجن المؤبد، تضمنت حالات فيها عنف شديد أو تكرار الجريمة، وتكون العقوبة أشد إذا كانت الضحية قاصرًا، وإذا كان الجاني في موقع سلطة عليها، مثل: (مدرس، طبيب، إمام مسجد)، كما أدى وجود عنف جسدي أو تهديد للضحايا إلى صدور أحكام أشد.
وبشكل عام يتلقى المتهمون في قضايا الاغتصاب أحكامًا أشد مقارنة من المتهمون بهتك العرض، إذ تضمنت العقوبات الإعدام في بعض حالات الاغتصاب، بينما لم تتجاوز عقوبة هتك العرض، السجن لمدد تتراوح بين 15 أو 16 عامًا في أقصى التقديرات، وتم السجن المؤبد واحدة فقط من قضايا هتك العرض، وكانت أقل عقوبة تم تسجيلها في قضايا الاغتصاب هي 3 سنوات، بينما هناك حالات هتك عرض حصلت على عقوبات مخففة جدًا وصلت إلى 6 أشهر فقط؛ إذ تعد الأحكام المخففة أكثر شيوعًا في قضايا هتك العرض مقارنة بالاغتصاب، والذي عادة ما تتراوح الأحكام الصادرة على مرتكبيه بين الإعدام والمؤبد.
نوصي للقراءة: “تضاعف جرائم قتلهن”.. النساء يسددن فاتورة الفقر مرتين
فقدان العذرية شرط للاغتصاب
من ناحيتها ترى المحامية الحقوقية انتصار السعيد، مديرة مركز القاهرة للتنمية والقانون، أن القانون المصري به قصور في تعريف تعريف جريمة الإغتصاب، ضمن قانون العقوبات المصري لأنه يشترط حدوث إيلاج بالعضو الذكري في مهبل المجني عليها، أما لو حدث ذلك من خلال الاغتصاب الشرجي أو بالأدوات أو باليد، فإنه لا يعتبره اغتصابًا بل هتك عرض، وتعريفه في القانون المصري أنه كل فعل بالحياء يستطيل إلى جسم المجني عليه وعوراته وهتك العرض ينطبق على النساء والرجال ويرتبط بحدوث فعل مخل بالحياء استطال جسم المجني عليه أو عليها و عورة الضحية طبقًا لتعريف القانون، وبالتالي أي جريمة هتك عرض تقع نتيجة ملامسة جسد يعني المجني عليها أو جزء منه، يؤدي للإخلال بحيائها، أو فعل فاضح، علني أو غير علني، مضيفة أنه للأسف الشديد عندما تحدث الجريمة بأي شكل آخر غير الإيلاج بالعضو الذكري في المهبل تتحول الجريمة لهتك عرض، وبالتالي العقوبة تتغير بدلًا من السجن المؤبد أو في بعض الحالات الإعدام، – مع التحفظ على عقوبة الإعدام- ، تنخفض العقوبة لنصوص هتك العرض العادية، وفي حال إذا كانت ضحية الإغتصاب عذراء ولم تفقد عذريتها نتيجة للإعتداء الجنسي المهبلي، وهو أمر يحدث أحيانًا للضحايا من الطفلات، فإن القانون يعتبر الجريمة هتك عرض.
تقول إلى زاوية ثالثة: “القانون المصري يساوي بين الاغتصاب الشرجي والاغتصاب المهبلي غير الكامل والاغتصاب بأدوات، وبين حالات التحرش الجسدي عبر ملامسة الأجزاء الحساسة من جسد الضحية، وهو قصور تشريعي، وأتذكر أن إحدى ضحايا العنف الجنسي الجماعي في ميدان التحرير- عقب ثورة 25 يناير-، تعرضت للاغتصاب بأدوات ووضع الجناة مقص داخل مهبلها مما استدعى إجراء عملية جراحية لها، ومع ذلك يعتبرها القانون ضحية هتك عرض وليس اغتصاب، وإذا تعرضت ضحية هتك العرض للموت نتيجة الاعتداء فيمكن أن يُعتبر الأمر ضربًا أفضى إلى موت، في حين يفترض أنه لا فرق بين التحرش الجسدي وهتك العرض في القانون المصري، وأن القانون الأحدث وهو قانون “التحرش الجنسي” يجب القانون الأقدم منه، لكن الأمر يخضع للقيد والوصف الخاص بالقضية وتقرير النيابة العامة ورؤية القاضي نفسه، ووجود سوابق للجناة”.
وتلفت المحامية الحقوقية إلى أن الأحكام القضائية الصادرة في قضايا جرائم هتك العرض تكون متفاوتة، لأنها في القانون المصري عقوبتها السجن من ثلاث لسبع سنوات، وبالتالي تكون للقاضي سلطة تقديرية، للحكم بالسجن لثلاث سنوات أو أربعة أو خمسة، أو سبعة، وللأسف الشديد في بعض الأحيان هناك قضاة يستخدمون الرأفة، خاصة في الجرائم التي تقع في الصعيد؛ مضيفة: ” كانت لدينا قضية اعتداء جنسي على طفلة عمرها سبع سنوات، قام عمها باغتصابها حوالي ثمان مرات، تحت تهديد السلاح، وتهديدها بأن إذا أخبرت والديها سيقتلها، حتى تعرضت الطفلة للنزيف وأخذتها والدتها إلى عيادة طبيبة لتكتشف الأمر، وحين عُرضت الضحية على الطبيب الشرعي اكتشفوا أن غشاء البكارة لازال موجودًا، وبالتالي الجريمة لم تصنف إغتصابًا، بل هتك عرض، ولم يمثل المتهم أمام المحكمة خلال الجلسة وكان متوقعًا أن يقضي القاضي بأقصى عقوبة، لكنه حكم عليه بالسجن 4 سنوات فقط، منها ثلاث سنوات عن جريمة هتك العرض وسنة عن حيازة السلاح الأبيض، والمؤسف أن الأهالي أنفسهم تواطؤا لتهريب الجاني من شرطة تنفيذ الأحكام، وحتى والد الضحية قال لوالدتها إنه يمكن تعويض ابنته إذا فارقت الحياة، لكن شقيقه لا يمكنه تعويضه!”.
وتؤكد مديرة المركز أن قانون العقوبات المصري الذي يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، قديم للغاية ويحتاج إلى تطوير وتعريفات حديثة تواكب العصر، ووجود رؤية مغايرة تراعي تناسب العقاب مع الجريمة، وأنه يجب أن يتم إقرار مشروع القانون الموحد لمواجهة العنف ضد النساء والأطفال، والذي ستصدر مسودته خلال الأيام المقبلة، وهو يتوافق مع المعايير الدولية ويتضمن تعريف جريمة الاغتصاب فيه أي شكل للاعتداء الجنسي على الضحية سواء كان مهبليًا أو شرجيًا أو عبر الفم، من خلال العضو الذكري أو اليد أو استخدام أداة، مشيرة أن مصطلح “هتك العرض” يتسبب في الوصم الاجتماعي للناجيات من الاعتداء الجنسي ويثير الهلع لديهن، لكونه يرتبط في الثقافة الشعبية بالاغتصاب ويرتبط في الأذهان بمفهوم الشرف، لذا تفضل الضحايا عند تحرير المحاضر في أقسام الشرطة كتابة أنهن تعرضن للتحرش الجنسي وليس هتك عرض.
نوصي للقراءة: قتل النساء باسم «الشرف»: هل تستطيع مصر التخلص من هذه الفوضى؟
الحاجة لإصدار قانون متكامل
فيما يُبين عبد الفتاح يحيى، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، والمحامي بالنقض، أنه طبقًا لتعريف الإغتصاب في القانون فإنه كل مواقعة لأنثى بغير رضاها، وتعريفها في القانون هو إيلاج العضو الذكري في العضو التناسلي للأنثى، وبالتالي تصنف جرائم اغتصاب الأطفال الذكور كهتك عرض وكذلك الطفلات اللواتي لم يفقدن عذريتهن نتيجة الاغتصاب، أما إذا تعرضت الطفلة لفقد العذرية نتيجة الاعتداء الجنسي من أحد الأقارب أو من المتولين تربيتها أو المؤتمنين عليها، يتم تغليظ العقوبة،ويكون تصنيفها هاتك عرض مع ظرف مشدد، طبقًا للمادة 267 عقوبات، مضيفًا أن الإغتصاب في تعريف القانون المصري هو الذي يتم بشكل بشري، أما إذا تم بإستخدام آلة يتم تصنيفه كهتك عرض.
ويوضح مدير الوحدة القانونية، إلى زاوية ثالثة، أن ملابسات القضايا نفسها والسلطة التقديرية للقضاة هي ما يتحكم في مدد الأحكام القضائية الصادرة في قضايا هتك العرض، لافتًا إلى أن قضايا التحرش الجنسي التي يحدث خلالها ملامسة تصنف كهتك عرض وكذلك تجريد الضحية من ثيابها، بينما يشير مصطلح الشروع في القانون إلى اتخاذ وسائل تحضيرية لارتكاب الجريمة، مؤكدًا أن تصنيف بعض حالات الاغتصاب على أنها هتك عرض يؤدي لإفلات الجناة من العقوبات الرادعة وقد يؤدي لتكرار الفعل مرة أخرى، كما يحتمل الأمر حدوث تأويل أو خطأ في الإجراءات، كما أن القانون لا يعترف بالاغتصاب الزوجي، ولا يعتبره جريمة.
ويؤكد يحيى أن الأمر لا يتطلب فقط القانون الموحد لمواجهة العنف، بل يحتاج إلى إصدار قانون بشكل متكامل، تكون فيه سياسات وإجراءات وأدوات حماية، وطرق إبلاغ مختلفة، وسهولة في الوصول لقنوات تلقي البلاغات، ووجود وحدة طبية آمنة وأن من يقوم بالكشف الطبي، يكون مدرب ومؤهل، وهناك حاجة إلى قانون متكامل للعنف يكون في جزء العنف الجنسي، وآخر العنف الإلكتروني.
بدوره يرى المحامي عمرو محمد، مؤسس مبادرة حقي المعنية بقضايا المرأة والعنف ضد النوع الاجتماعي، أن الأزمة ترجع إلى تعريف القانون للاغتصاب، ويصنف أي اعتداء جنسي ، غير الاغتصاب المهبلي بين ذكر وأنثى دون علاقة زواج، على أنه جريمة هتك عرض، والتي تعرف على إنها الإخلال الجسيم بحياء المجني عليها أو المجني عليه، وفي حين يعاقب كل من واقع أنثى دون رضاها بالأشغال الشاقة المؤبدة، وفقًا للمادة 267 من قانون العقوبات، فإن عقوبة هتك العرض تتراوح بين السجن من 3 إلى 7 سنوات، مشيرًا إلى أن هناك قضية تعرضت فيها الضحية للاختطاف والاعتداء الجنسي، الذي أدى إلى وفاتها، إلا أن القضاء صنف الجريمة ضرب أفضى إلى موت، وحكم على الجاني بالسجن لست سنوات فقط، إذ يستخدم بعض القضاة مواد الرأفة وتخفيف العقوبات مثل: المادة 17، والمادة 55، في قضايا قتل النساء.
ويعتبر مؤسس المبادرة، في تصريحات ، إلى زاوية ثالثة، أن مصطلح “هتك العرض” هو مرفوض أخلاقيًا لارتباطه بالشرف، والأصل أن يلقب بالاعتداء الجنسي، وأن القصور التشريعي فيما يخص الاعتداءات الجنسية يفتح الباب لإفلات الجناة، لافتًا إلى أن الظرف المشدد الذي ينطبق على بعض حالات هتك العرض، هو ما يتحكم في مدة العقوبة، ومن بينها أن تكون الضحية قاصر دون الـ18 من عمرها، فتصل حينها العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، مؤكدًا أنه لا توجد إرادة لدى المشرع المصري لتوسيع التعريفات ومواكبة العصر والجرائم الجديدة، وإنها يهدف المشرع لتشديد العقوبات فقط، كما أن مسودة القانون الموحد لمواجهة العنف التي يتم عرضها على البرلمان المصري منذ عام 2017، والتي تضمنت تعريفات واسعة وشاملة للاعتداءات الجنسية، كان يتم تجاهلها ولم يتم إقرار مشروع القانون إلى اليوم.
نوصي للقراءة: جرحٌ عميقٌ يُدمّر حياة النساء.. العنف الرقمي والتشهير في مصر
الحاجة لتعديل تشريعي
يوضح المحامي أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر، إلى زاوية ثالثة، أن أي جريمة لم ترد في قانون العقوبات المصري ، يمكن أن ترد عقوبتها في قانون خاص، مثل: جرائم الإنترنت، وقانون الطفل، وقانون المرور، وهي قوانين تتضمن عقوبات خاصة إضافية، لكن يبقى الأصل في التشريع هو قانون العقوبات، وبالتالي فإن تعرض طفل لجريمة كالسرقة أو الضرب أو الاعتداء الجنسي، فإن العقوبة تكون حسب قانون العقوبات، بينما قانون الطفل ينص على مضاعفة الحد الأدنى للعقوبة، مضيفًا أن قانون العقوبات في تعديلاته لسنة 2018، شدد عقوبة الاعتداء أو التحرش الجنسي إذا ارتكبت على طفل، ويتضمن الأمر ملامسة منطقة حساسة من جسد الطفل، أو الإيحاءات الجنسية وعقوبتها، تبدأ من ست شهور سجن، ويشمل الأمر الفعل الفاضح إذا حدث تجاه طفل، وتغلط حينها العقوبة، وتصل عقوبة اغتصاب أو هتك عرض طفل أو طفلة للسجن المشدد لمدة 15 سنة.
وعلى النقيض من القوانين الحاكمة للعديد من الدول فإن القانون المصري لا يعترف بأي شكل للاغتصاب غير الإيلاج، بحسب ما يشير رئيس الشبكة، مؤكدًا الحاجة إلى تعريف أشمل ومفصل للإغتصاب في القانون، مثل: التشريعات الجنائية في الدول الأخرى وخاصة الدول المتطورة يشمل جميع أشكال الاغتصاب حاجات كثيرة جدا مش شرط إن تحصل حالة واحدة التي تحدث خلالها عملية الإيلاج، كاشفًا عن وجود حالات اعتداء جنسي على أطفال لم يتمكن محاميو الشبكة من إثباتها بسبب تعريف القانون للاغتصاب ووجود قصور تشريعي، مطالبًا المجلس القومي للطفولة والأمومة والجمعيات الأهلية المعنية بحقوق الطفل، بمطالبة البرلمان المصري بتعديل تشريعي لقانون العقوبات المصري لتوصيف أشمل لحالات الاغتصاب، واللجوء إلى التشريعات المقارنة في الدول الأخرى، وتطوير الطب الشرعي، ليتمكن الضحايا من الحصول على أحكام رادعة ضد مرتكبي الاعتداءات الجنسية عليهم.
وفي وقتٍ تتكرر فيه جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال والنساء فإن الخبراء القانونيون، يعتبرون أن القصور التشريعي في قانون العقوبات المصري، رقم 58 لسنة 1937، وتعريفه المحدود لجريمة الاغتصاب، يفتح الباب أمام تخفيف العقوبة وإفلات الجناة في قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال والنساء، المصنفة كهتك عرض، من الأحكام القضائية الرادعة، وتتعالى أصوات حقوقية للمطالبة بتعديل تشريعي للقانون، ليكون أكثر شمولاً ووضوحًا ومواكبة للعصر وجرائمه، وسرعة إقرار مشروع القانون الموحد لمواجهة العنف ضد النساء والأطفال.