القمة المصرية الأوروبية: شراكة اقتصادية تتجاهل حقوق الإنسان

في قمة مصر والاتحاد الأوروبي ببروكسل، أعلن عن شراكة استراتيجية بمليارات اليوروهات تشمل الطاقة والهجرة والاستثمار، وسط إشادات متبادلة وانتقادات حقوقية حادة بسبب تجاهل ملف الحريات في مصر

بسنت نور الدين

في الـ23 من أكتوبر الجاري، شارك الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في القمة المصرية الأوروبية الأولى التي عُقدت بمقر المجلس الأوروبي في بروكسل، بمشاركة رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وحضور كلٍ من الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، والدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، والمهندس حسن الخطيب، ممثل قطاع الاستثمار.

واعتبر السيسي، في كلمته، أن القمة تمثل خطوة استراتيجية لتعزيز الشراكة الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجالات الاستثمار والطاقة والتنمية والهجرة، مٌشدّدًا على أن مصر شريك موثوق ومحوري لأوروبا في محيطها الإقليمي، وتمتلك المقومات التي تؤهلها لأن تكون مركزًا صناعيًا وتجارياً فاعلًا، مستعرضًا جهود مصر في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية والتحديات العابرة للحدود؛ إذ أعلن أنه لم يغادر أي مركب مهاجر غير نظامية مصر، منذ عام 2016، كما أنها تستضيف أكثر من 9.5 مليون لاجئ وأجنبي يتمتعون بنفس الخدمات المقدمة للمواطنين المصريين، قائلًا إن بلاده “تتعامل مع قضية الهجرة من منظور إنساني وتنموي وليس أمني فقط”.

بدوره أشاد الاتحاد الأوروبي باستضافة مصر  لملايين اللاجئين، مع الالتزام المشترك بإدارة الهجرة، مكافحة التهريب، ومعالجة أسباب الهجرة غير النظامية، كاشفًا عن أن مصر ساهمت في انخفاض معدلات الهجرة غير المنتظمة إلى أوروبا بنسبة 21% في أوائل 2025، مدعومة بتمويل أوروبي لأمن الحدود.

وعلى صعيد القضايا الإقليمية، أكد الرئيس المصري أن بلاده تواصل جهودها لتحقيق وقف إطلاق نار شامل ومستدام في قطاع غزة، في إطار المبادرة التي انطلقت من قمة شرم الشيخ للسلام التي استضافتها مصر مؤخرًا، والدفع نحو حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مستعرضًا الجهود المصرية في السودان لوقف إطلاق النار وتسهيل الوصول الإنساني، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي من أجل الحفاظ على وحدة السودان ومنع انزلاقه للفوضى، إلى جانب دعم الحل الليبي – الليبي القائم على توحيد المؤسسات وخروج القوات الأجنبية.

من جهتها أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن توقيع اتفاقية جديدة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، تتضمن تقديم مساعدات مالية بقيمة 5 مليارات يورو، تشمل قروضًا واستثمارات ومنحًا، وذلك في إطار الحزمة التي تم الاتفاق عليها سنة 2024 مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي يبلغ مجموعها 7.4 مليارات يورو، وتتضمن بنوداً تهدف إلى ضبط الهجرة نحو أوروبا، كما تعهد الجانبان بتعزيز التجارة والاستثمار من خلال تحديث اتفاقية المشاركة، وإطلاق مبادرات جديدة للتحول الأخضر والطاقة المتجددة، والتعاون في مجالات التكنولوجيا النظيفة، والذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي.

وبحسب البيان المشترك لقمة مصر والاتحاد الأوروبي، فإن القمة تمثل محطة رئيسية في تطوير العلاقات بين الجانبين، وتضمنت اتفاق الطرفين على دعم السلام والأمن واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، مع الإشادة بدور مصر في تعزيز الاستقرار الإقليمي وجهودها في حل النزاعات، مُرحبة بالاتفاق حول المرحلة الأولى من خطة إنهاء الصراع في غزة وبجهود الوساطة المصرية، وداعية إلى إدخال المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع، ومجددة دعمها لحل الدولتين ورفض التهجير أو التوسع الاستيطاني، والالتزام بالعمل من أجل سلام عادل ودائم في أوكرانيا، ودعم جهود الأمم المتحدة في ليبيا والسودان والقرن الأفريقي من أجل حلول سياسية وإيصال المساعدات الإنسانية.

مبدأ المنفعة المتبادلة

وتُمثّل القمة المصرية الأوروبية الأولى منعطفًا في العلاقات الثنائية، إذ دشنت مرحلة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين الجانبين، تقوم على مبدأ المنفعة المتبادلة وتعكس تطوراً نوعياً في العلاقات المصرية الأوروبية، وجاءت لتؤكد رغبة الجانبين، المصري والأوروبي، في تعميق التعاون المشترك، وتفعيل مسارات الشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي وتحقيق التنمية المستدامة، بحسب السفير الدكتور محمد حجازي، – سفير مصر الأسبق لدى ألمانيا ومساعد وزير الخارجية الأسبق-، مشيرًا إلى أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي تقوم على ستة محاور رئيسية تشمل: العلاقات السياسية والدبلوماسية، تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، دعم التجارة والاستثمار، التعاون في مجالات الطاقة والمياه وتغير المناخ، مكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز الأمن، وتنمية رأس المال البشري من خلال التعليم والبحث العلمي.

ويؤكد حجازي لـ”زاوية ثالثة”، حرص أوروبا على توسيع نطاق التعاون مع القاهرة في مجالات الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر والأمن الغذائي والمائي والتحول الرقمي، إضافة إلى تعزيز الاستثمارات الصناعية والتنموية، مُبيّنًا أن الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال القمة ومشاركة الرئيس السيسي في الفعاليات الاقتصادية وتوجيه الدعوة للمؤسسات ورجال الأعمال الأوروبيين للاستثمار في مصر، تمثل خطوة مهمة نحو تعريف الشركات الأوروبية بما حققته مصر من تقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي وما توفره من فرص استثمارية وشراكات صناعية وتكنولوجية واعدة.

يقول: “أوروبا تدرك تمامًا أهمية الدور المصري في ترسيخ الاستقرار الإقليمي، وتنظر إلى القاهرة باعتبارها ركيزة أساسية في الشرق الأوسط وشريكًا محوريًا في تسوية الأزمات، مصر أثبتت قدرتها على إدارة ملفات المنطقة بسياسة متوازنة، وكان آخرها جهود الوساطة ووقف التصعيد خلال قمة شرم الشيخ للسلام”.

ويضيف أن قمة بروكسل تمثل انطلاقة جديدة لشراكة استراتيجية عميقة ومستدامة بين مصر والاتحاد الأوروبي، تجسد الثقة الأوروبية في الدور المصري والتزام القاهرة بمسار التنمية والاستقرار، وتفتح آفاقًا واسعة للتعاون في مجالات الاستثمار والطاقة والأمن الإقليمي بما يخدم استقرار ضفتي المتوسط والعالم العربي وأفريقيا، داعيًا الحكومات الأوروبية إلى تقديم الضمانات اللازمة لشركاتها الراغبة في دخول السوق المصري.

من جهته، يؤكد السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، أن الاتحاد الأوروبي يقدّر الموقف المصري الملتزم باتفاقية السلام مع إسرائيل رغم تجاوزات الحكومة الإسرائيلية المتكررة، والثانية تتعلق بموقف القاهرة من الحرب الإسرائيلية على غزة، ودعوات مصر المتكررة لوقف القتال وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ودعمها لمؤتمر دولي للتعافي المبكر وإعادة الإعمار، موضحًا أنّ مفهوم “التعافي المبكر” يعني إعادة تشغيل المرافق الحيوية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والصرف الصحي، وإصلاح المستشفيات والمدارس والبنى الأساسية التي دمّرها العدوان الإسرائيلي، بما يسمح بعودة الحياة تدريجيًا لافتًا إلى أنّ الاتحاد الأوروبي رحّب بهذه الدعوة وأبدى استعداداً للمشاركة في إعادة الإعمار التي تُقدّر تكلفتها بنحو 70 مليار دولار وفق تقديرات الأمم المتحدة.

ويوضح عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة أنّ الاتفاق على حزمة المساعدات الأوروبية لمصر، التي تقدر بـ 7.4 مليار يورو، كان قد تمّ في مارس من عام 2024 من حيث المبدأ، ومن المقرر أن تتوزع على ثلاثة مكونات رئيسية؛ حيث أنّ الجزء الأكبر من الحزمة، وقيمته 5 مليار يورو، هو قرض ميسّر سواء من حيث الفائدة أو شروط السداد، وسيُقدَّم لمصر على دفعات، مشيرًا إلى أنّ الدفعة الأولى، وقيمتها مليار يورو، صُرفت في مطلع العام الجاري، بينما يجري انتظار الدفعة الثانية قريبًا.

ويٌبيّن رخا أنّ هناك 1.8 مليار يورو مخصصة للاستثمارات، ويجري حاليًا الاتفاق على المشروعات التي ستُوجَّه إليها هذه الاستثمارات بعد إعداد دراسات جدوى دقيقة لتحديد العائد منها، أمّا المبلغ المتبقي، وقيمته 600 مليون يورو، فهو منحة لا تُرد، تُقدمها المفوضية الأوروبية سنويًا تقريبًا، وتُستخدم في مشروعات اجتماعية وبيئية وتنموية، مثل تحسين البنية التحتية ومحطات المياه والكهرباء في القرى والمدن الصغيرة.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إنّ حجم التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي يبلغ نحو 32 مليار يورو، منها 12 مليارًا صادرات مصرية و20 مليارًا واردات من أوروبا، ما يؤدي إلى عجز في الميزان التجاري لصالح الاتحاد الأوروبي، وهناك مناقشات جرت قبل القمة، خصوصًا خلال لقاءات وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، ركزت على كيفية زيادة الصادرات المصرية من خلال تسهيلات جمركية للمنتجات الصناعية، خاصة المنسوجات، والمنتجات الزراعية المبكرة التي تُعرف باسم “البشائر”، وتحظى بقبول واسع في الأسواق الأوروبية”.

ويضيف مساعد وزير الخارجية الأسبق أنّ مناخ الاستثمار في مصر كان أيضًا من الموضوعات المطروحة، إذ قدّم رجال الأعمال الأوروبيون مجموعة من المطالب لضمان بيئة استثمارية مستقرة، مؤكدًا أنّ المستثمر المصري يلعب دورًا محوريًا في جذب المستثمر الأجنبي، لأنّ المستثمرين عادة ما يتشاورون ويتبادلون الخبرات، مشيرًا إلى أنّ السفارات والمؤسسات الأوروبية تتابع عن كثب وضع الاستثمار المحلي، وهو ما يشكل عاملًا مؤثرًا في قراراتهم، لافتة إلى أنّ المشروعات الكبرى، مثل المترو والمونوريل وخطوط السكك الحديدية المكهربة ومشروعات البترول والغاز والطاقة الشمسية، تظل الأكثر جذبًا للمستثمرين الأوروبيين لما توفره من ضمانات وسيطرة تقنية لديهم.

وفيما يتعلق بملف الهجرة، يوضح السفير أنّ مصر نجحت منذ عام 2016 في وقف خروج المهاجرين غير النظاميين من أراضيها تقريبًا، بفضل الإجراءات القانونية والأمنية التي تم اتخاذها خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أنّ المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا غالباً ما يتجهون إلى ليبيا أولًا سواء بعقود عمل أو بطرق غير شرعية، ومن هناك ينطلقون نحو السواحل الأوروبية، لافتًا إلى أنّ أوروبا تعاني من نقص في فئة الشباب والأيدي العاملة، وتحتاج إلى عمالة فنية مدرّبة تجيد اللغات الأجنبية، فيما تحتاج مصر إلى توسيع برامج التدريب والتعليم اللغوي لتأهيل العمالة للعمل في دول الاتحاد الأوروبي. 

 

نوصي للقراءة: قمة شرم الشيخ برئاسة مصرية- أمريكية.. كيف ستؤثر في مستقبل غزة؟

شراكة استراتيجية وتنموية 

تندرج القمة المصرية الأوروبية ضمن إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة في مارس 2024، والتي خصص الاتحاد الأوروبي بموجبها حزمة مالية واستثمارية بقيمة 7.4 مليار يورو للفترة 2024–2027، وشملت الحزمة مليار يورو كمساعدات قصيرة الأجل، و4 مليارات يورو قروضًا ميسّرة لدعم الاستقرار الاقتصادي والتحول الأخضر، إضافة إلى 75 مليون يورو للإصلاحات الاجتماعية، كما شهدت القمة توقيع مصر على اتفاقية الانضمام إلى برنامج “هورايزون يوروب” للبحث والابتكار، إلى جانب أكثر من 20 مذكرة تفاهم بين شركات أوروبية ومصرية بقيمة تتجاوز 40 مليار يورو.

وتمثل القمة نقطة تحولٍ استراتيجية في مسار العلاقات الاقتصادية بين مصر والاتحاد الأوروبي، إذ تضع مصر في موقعٍ محوري كمركزٍ إقليمي للطاقة والتصنيع والخدمات اللوجستية، وتؤكد مخرجات القمة على انتقال العلاقة بين الجانبين من مستوى الشراكة التجارية إلى مستوى الشراكة التنموية والاستراتيجية في مجالات الأمن الغذائي والطاقة النظيفة والاستثمار المستدام، ضمن رؤيةٍ مشتركة تدعم النمو الاقتصادي المستدام ورؤية مصر 2030، بحسب ما يؤكد الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد شوقي.

ويشير شوقي إلى أن التعاون الاقتصادي بين الجانبين يرتكز على خمسة مجالاتٍ رئيسة، هي الاستثمار والتجارة والصناعة، ودعم الاستقرار المالي، والتحول الرقمي، والطاقة والتحول الأخضر، والأمن الغذائي والتنمية الزراعية، مُضيفًا أن الاتحاد الأوروبي تعهد بتوسيع استثماراته في المناطق الصناعية المصرية، لا سيما في قطاعات الصناعات التحويلية والغذائية والمكونات الإلكترونية، مع العمل على إنشاء مناطقٍ لوجستية وصناعيةٍ مشتركة تسهّل وصول الصادرات المصرية إلى الأسواق الأوروبية دون قيودٍ جمركية، وذلك استنادًا إلى اتفاقية الشراكة الموقعة بين الطرفين، متوقّعًا أن تسهم هذه الاتفاقيات في رفع حجم الاستثمارات الأوروبية المباشرة إلى أكثر من 12 مليار يورو بحلول عام 2027.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الاتحاد الأوروبي خصص حزمة دعمٍ واستثمارٍ بقيمة 7.4 مليار يورو للفترة 2024–2027، منها نحو 4 مليارات يورو دعمٌ مالي مباشرٌ للميزانية المصرية، بهدف تعزيز الاستقرار النقدي والمالي، ودعم برنامج الإصلاح الاقتصادي، بما يسهم في خفض عجز الموازنة وتقوية الاحتياطي الأجنبي، كما انضمت مصر رسميًا إلى برنامج Horizon Europe، – برنامج التمويل الرئيسي للاتحاد الأوروبي للبحث والابتكار يهدف إلى معالجة تغير المناخ والمساهمة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة -، الذي سيتيح تمويلاتٍ ومشروعاتٍ بحثية قد تصل إلى 200 مليون يورو سنويًا، مما يدعم الاقتصاد المعرفي وريادة الأعمال التكنولوجية، ويعزز الابتكار الصناعي والتعليم الفني.

ويوضح شوقي أن القمة شهدت اتفاقًا على زيادة الاستثمارات الأوروبية في قطاع الطاقة المصري، خصوصًا في مشروعات الطاقة المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية) والهيدروجين الأخضر، بهدف تعزيز موقع مصر كمركزٍ إقليمي للطاقة في شرق المتوسط. 

ويستهدف التعاون إنتاج 20% من احتياجات الطاقة الأوروبية من الهيدروجين الأخضر من مصر بحلول عام 2030، مشيرًا إلى موافقة الاتحاد الأوروبي على دعم برامج الأمن الغذائي المصرية بتمويلٍ يتجاوز 300 مليون يورو، لتمويل مشروعات الري الحديث والزراعة الذكية، بما يعزز الصادرات الزراعية المصرية إلى الأسواق الأوروبية التي تجاوزت قيمتها 5 مليارات دولار عام 2024.

نوصي للقراءة: هل تملك مصر خطة للتخارج من شراكة صندوق النقد؟

دور “حارس الحدود” لمنع الهجرة

رغم ما مثّلته القمة من تقدم اقتصادي ودبلوماسي، إلا أنها في الوقت ذاته أثارت تساؤلات حول مدى التزام الشراكة الأوروبية المصرية بمبادئ الشفافية وحقوق الإنسان، كما واجهت انتقادات من منظمات حقوقية، اعتبرت أن الاتحاد الأوروبي يضع أولوية للاستقرار والحد من الهجرة على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية.

بدورها عبّرت منصة اللاجئين في مصر عن قلقها من أن المليارات الممنوحة للقاهرة لا تتضمن التزامات واضحة لحماية حقوق المواطنين واللاجئين، ودعت، في بيان لها في 22 أكتوبر الماضي، تزامنًا مع انعقاد القمة المصرية الأوروبية في بروكسل، إلى جعل حماية حقوق اللاجئين والأشخاص المتنقلين أولوية على أجندة الشراكة بين الجانبين، منتقدة ما وصفته بـ “تمويل آليات القمع” تحت غطاء “الاستقرار والتنمية”، معتبرًة أن الدعم الأوروبي غير المشروط يحوّل المساعدات إلى مكافأة على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وأن التعاون الحالي يقوم على مقايضة المال بالدعم السياسي والأمني، في ظل تغاضي أوروبا عن سجل واسع من الانتهاكات، مقابل قبول النظام المصري بدور “حارس الحدود” لمنع الهجرة غير النظامية.

وأشارت المنصة إلى أن مصر تشهد أوسع نطاق من الانتهاكات الحقوقية خلال العقد الأخير، تشمل الاعتقالات التعسفية لعشرات الآلاف، وقمع حرية التعبير والتنظيم، والتوسع في المحاكم الاستثنائية، والاختفاء القسري، والتعذيب داخل مقار الاحتجاز، إضافةً إلى ظروف السجون التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.

ويعتبر البيان أن السياسات المصرية الممولة أوروبيًّا في ملف الهجرة تحوّلت إلى منظومة ردع جماعية قاتلة، إذ يُحتجز الفارّون من الحروب، خصوصًا من السودان، في مقرات غير رسمية وسط حرمان من التواصل أو المساعدة القانونية، ويُجبر كثير منهم على توقيع وثائق “عودة طوعية” قسرية، كما وثقت منظمات حقوقية إعادة أكثر من 20 ألف سوداني قسرًا، بينهم نساء وأطفال، ما تسبب في تفكك مئات الأسر، وبالتزامن يعاني اللاجئون والمهاجرون من صعوبات في التسجيل، وخطر التوقيف والترحيل، والحرمان من الخدمات الأساسية، مع تصاعد الاعتداءات والعنصرية، ولا سيما ضد اللاجئات.

كما تنتقد منصة اللاجئين قانون اللجوء الصادر في ديسمبر 2024 الذي صُمّم بمشاركة وكالة اللجوء الأوروبية، معتبرة أنه أضعف منظومة الحماية واستبدلها بلجان أمنية، وجرّم المساعدة الإنسانية للاجئين. وقد أثار القانون تحفظات عميقة من سبعة من مقرري الأمم المتحدة وملاحظات من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي اعتبرت مواده غير منسجمة مع القانون الدولي للاجئين.

وتعتبر أن استمرار الدعم الأوروبي غير المشروط يجعل الاتحاد الأوروبي شريكًا مباشرًا في الانتهاكات، محذرةً من تحويل مصر إلى “منطقة حجز جماعي” للمهاجرين واللاجئين، في مخالفة لمبدأ عدم الإعادة القسرية، داعية إلى ربط التعاون المصري الأوروبي بآليات رقابة صارمة وشفافة على حقوق الإنسان بمشاركة المجتمع المدني، وتجميد التمويلات الموجهة لحوكمة الهجرة حتى وجود مراقبة مستقلة. كذلك طالبت بسحب وصف “الدولة الآمنة” عن مصر، وضمان حرية المجتمع المدني والصحافة، ووقف تجريم اللاجئين وعمليات الترحيل القسري، وتسهيل إجراءات التسجيل والوصول إلى الخدمات الأساسية، مشددة على ضرورة مراجعة القوانين المصرية الخاصة بالهجرة واللجوء، وتوجيه الدعم للمنظمات التي يقودها اللاجئون، وتوسيع مسارات الإجلاء وإعادة التوطين والتأشيرات الإنسانية.

ويؤكد الناشط الحقوقي نور خليل، -مدير منصة اللاجئين-، أن الحزمة المالية الأخيرة تأتي في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي أُعلن عنها قبل أكثر من عام، وإحدى ركائز هذه الشراكة هي ما يسميه الاتحاد الأوروبي بـ”حوكمة الهجرة ومكافحة التهريب”، مُبينًا أن من بين إجمالي الحزمة المالية، البالغة 7.4 مليار يورو، هناك 600 مليون يورو تُقدَّم في صورة منح، خُصص منها 200 مليون يورو تحديداً لدعم برامج إدارة الهجرة.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “لا يمكن فصل هذه المساعدات عن الدور الذي تلعبه السلطات المصرية في قمع حركة الهجرة، وهو دور تطوّر بشكل متوازٍ مع تطور العلاقات المصرية الأوروبية منذ ميثاق الهجرة الأفريقي وإجراءات الخرطوم عام 2014، مرورًا باتفاقيات تمويل الهجرة في 2017، وصولاً إلى برامج تمويل وتقوية قوات حرس الحدود وخفر السواحل المصرية وجهات إنفاذ القانون في مجال الهجرة”.

يشير خليل إلى أن الشراكة الاستراتيجية، بكل مضامينها، تأتي في هذا السياق، وأن هذا التوجه يتضح في المقابلات المصرية الأوروبية والمؤتمرات المشتركة، وكذلك في مذكرات التوضيح والوثائق الأوروبية التي تتناول الدور المصري في هذا الملف، مدعومًا بتمويل ودعم أوروبي مالي وتقني وسياسي. 

ويضيف: “هذا الدعم الأوروبي يتجلى في تغاضي أوروبا عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تصاحب تنفيذ هذه الاتفاقيات، وتصريحات الجانبين، سواء في بروكسل أو القاهرة، تعكس هذا المنظور، بما في ذلك تصريحات الرئيس المصري في بروكسل حول مكافحة الهجرة غير النظامية، والتقارير المصرية التي تُرفع إلى الشريك الأوروبي متضمنة أعداد الموقوفين على الحدود والقضايا المرتبطة بالهجرة”، معتبرًا أن مصر تلعب دور”حارس خارجي للقلعة الأوروبية”، في مقابل استمرار تدفق الدعم المالي والسياسي، مع تجاهلٍ متعمّد لملف حقوق الإنسان.

 ويعتبر مدير منصة اللاجئين، إن الإشكالية الرئيسيّة في هذه الاتفاقيات، تتمثّل في غياب تقييمٍ مسبقٍ للمخاطر المصاحبة لتنفيذها ولبرامج الدعم والتمويل المرتبطة بها، إلى جانب انعدام الشفافية من الطرفين بشأن طبيعة هذه الشراكات، سواء كان الطرف الثاني الاتحاد الأوروبي ومؤسساته أو الدول الأعضاء، موضحًا أن تنفيذ هذه الاتفاقيات يجري غالبًا في سياق أنظمة قمعيّة أو تحت سلطة ميليشيات مسلّحة تمارس القمع ضد المجتمع المدني والصحفيين وتجرّم العمل البحثي، مع فرض عسكرةٍ على الحدود وأمننةٍ لملف الهجرة، وهو ما يصعّب عمليات الرصد والتوثيق المستقلّ.

ويتابع: “منظمات حقوق الإنسان والباحثين والصحفيين وثّقوا بالفعل انتهاكاتٍ في إطار تنفيذ مشروعاتٍ ترتبط بقضايا الهجرة بين دول الاتحاد الأوروبي ومصر. وفي النموذج المصري، أشارت تقارير حقوقية، من بينها تقارير منصة اللاجئين في مصر، إلى انتهاك مصر لمبدأ عدم القسرية، بينما كانت الجهات المنفذة لهذه الانتهاكات مؤسساتٍ أمنيةٍ تلقت دعمًا مباشرًا من الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء”.

ويستشهد بتوثيق منصة اللاجئين لعمليات دفعٍ عنيفٍ للخلف، قال إن قوات حرس الحدود المصرية نفّذتها تجاه السودان، الذي يواجه واحدةً من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، وقد أكدت هذه الوقائع أيضًا منظماتٌ دوليةٌ مثل منظمة العفو الدولية، بينما هذه القوات نفسها كانت قد تلقت دعمًا مسبقًا من الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، لافتًا أن  السلطات المصرية تتلاعب أيضًا بمسألة المهاجرين المصريين، بدعمٍ من تقييماتٍ أوروبيةٍ تبتعد عن الحقيقة، إذ تكرر في المؤتمرات الرسمية أن مصر تمنع العبور عبر شواطئها إلى المتوسط، بينما في الواقع أصبح المصريون في السنوات الأخيرة من أكثر الجنسيات عبورًا عبر طريق ليبيا، وهو طريقٌ أكثر خطورةً ويشهد انتهاكاتٍ واسعةً دون أي حمايةٍ لهم.

ويلفت خليل إلى أن وكالة اللجوء الأوروبية، بحسب وثائقٍ رسميةٍ، تقدّم منذ عام ٢٠٢١ دعمًا استشاريًا للسلطات المصرية في تصميم سياساتٍ تتعلق باللجوء، ومنذ بدء مهمتها في مصر، أقدمت الحكومة المصرية على تعديل قانون ٨٢ لسنة ٢٠١٦ الخاص بمكافحة الهجرة غير النظامية، ليشمل عقوباتٍ أشدّ، متجاهلةً سبل وإجراءات الحماية، ثم أصدرت لاحقًا قانون اللجوء الذي وصفه بـ”الكارثي” لمخالفته الالتزامات والمعايير الدولية، معتبرًا أنه تسبّب في انهيارٍ مسبقٍ لمنظومة الحماية في البلاد وأثّر على حياة مئات الآلاف من اللاجئين.

ويختتم خليل تصريحاته بالتأكيد على أن هذه الاتفاقيات بُنيت أساسًا لقمع حركة الهجرة، وأن أنماط الانتهاكات التي تم توثيقها في مصر — بما في ذلك الدفع للخلف، ومخالفة مبدأ عدم الإعادة، والحرمان من الخدمات، وخطاب الكراهية، والتدوير في السجون، وشرعنة الانتهاكات عبر تعديل السياسات والقوانين — هي أنماطٌ تتكرّر أيضًا في جميع الدول التي وُقّعت معها اتفاقيات مشابهة، مُحذّرًا من أن غياب آليات الرصد والمساءلة سيؤدي إلى استمرار هذه الانتهاكات وتوسّعها، معتبرًا أن الاتحاد الأوروبي ومؤسساته ودوله الأعضاء يظلون متورطين فيها ما لم يتم كشف المعلومات وضمان المحاسبة. 

 

نوصي للقراءة: حماية أم قيود؟ انتقادات واسعة لقانون اللجوء المصري الجديد


انتقادات لتجاهل ملف حقوق الإنسان

في سياق متصل دعت منظمات حقوقية، – أبرزها: هيومن رايتس ووتش، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، لجنة حماية الصحفيين، المنتدى المصري لحقوق الإنسان، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، ومنصة اللاجئين في مصر -، قادة الاتحاد إلى وضع حقوق الإنسان في صلب أهداف القمة، التي ترفع شعار “الاستقرار والازدهار المشترك”، متهمة السلطات المصرية بأنها واصلت، منذ إعلان الشراكة الاستراتيجية الجديدة في مارس 2024، سياسة القمع الممنهج وعدم التسامح مع المعارضة السلمية، إلى جانب استمرار انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دون أي إصلاحات جوهرية.

فيما دعا كلاوديو فرانكافيلا، المدير المساعد لقسم الاتحاد الأوروبي في منظمة هيومن رايتس ووتش، قادة الاتحاد الأوروبي إلى استخدام نفوذهم للضغط من أجل إصلاحات ملموسة تضمن محاسبة الحكومة المصرية واحترام حقوق المواطنين.

واتهمت المنظمات في بيانها، السلطات بالاستمرار في اعتقال المعارضين ومحاكمتهم بتهم فضفاضة، وإحالة نحو 6 آلاف شخص إلى المحاكمة في 2025 بتهم متعلقة بالإرهاب، كثير منهم لممارستهم حقوقاً سلمية، مشيرة إلى استمرار التعذيب والاختفاء القسري والإعدام خارج نطاق القضاء في ظل إفلات شبه كامل من العقاب، إضافة إلى تقارير عن مقابر جماعية في شمال سيناء لم يُفتح بشأنها أي تحقيق رسمي، منددة بما وصفته باستخدام البعثات الدبلوماسية المصرية في الخارج لقمع المعارضين واللاجئين، واحتجاز لاجئين وطالبي لجوء وإعادتهم قسرًا بتمويل أوروبي.

وانتقد البيان تلقي مصر مساعدات مالية أوروبية ضخمة رغم فشلها في تحقيق الشروط الديمقراطية التي حددها الاتحاد الأوروبي، منها احترام سيادة القانون وضمان حقوق الإنسان، – بحد وصفه-؛ إذ حصلت القاهرة على مليار يورو بموجب مذكرة تفاهم في يونيو 2024، تلتها حزمة ثانية بقيمة أربعة مليارات يورو في يونيو 2025، دون تنفيذ إصلاحات جوهرية.

من جهته يعتبر جمال عيد، المحامي الحقوقي والمدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن غياب ملف حقوق الإنسان عن القمة المصرية الأوروبية لم يكن أمرًا مفاجئًا رغم رفضه له، موضحًا أنّ العدوان على غزة وصعود اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة ساهما في تراجع هذا الملف لصالح المصالح السياسية والصفقات، خصوصًا في ما يتعلق بتنفيذ الرؤى الغربية بشأن غزة واعتبار ملف الهجرة هو الأولوية القصوى في المرحلة الراهنة. وأضاف أنّ هذا التراجع كان متوقعًا “من هذه الزاوية”، رغم أنّه يعكس انحسار الاهتمام بالقيم الحقوقية على حساب الحسابات الأمنية والسياسية.

ويرى عيد الحقوقي أنّ السلطات المصرية وجدت في هذا التحول فرصة للتقاطع مع أولويات الاتحاد الأوروبي،  موضحًا في تصريحات لـ”زاوية ثالثة”: “إنّ صعود اليمين في أوروبا أدى إلى تهميش ملف حقوق الإنسان بدرجة كبيرة، وتركّز الاهتمام على قضية الهجرة، استجابة لضغوط القوى اليمينية التي تدعو إلى وقف تدفقات المهاجرين الشرعية وغير الشرعية. في المقابل، تتعامل السلطة مع الأمر بصفتها “صياد فرص”، وتستغل هذا التحول لتوسيع انتهاكاتها الحقوقية في ظل غياب النقد الغربي، وتٌقدّم في الوقت نفسه ما يريده الأوروبيون تمامًا: منع انطلاق أي مراكب هجرة غير نظامية من السواحل المصرية”، مٌتهمًا السلطات بممارسة تهديد ضمني مفاده أنّه إذا لم يحصل على الدعم والمساعدات، فقد “يغضّ الطرف” عن تدفقات الهجرة.

ويضيف مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: “العالم يعيش حاليًا أحلك اللحظات في تاريخ حقوق الإنسان،  حيث أصبحت السياسات تقوم على المصلحة قصيرة المدى لا على المبادئ والقيم الإنسانية التي طالما نادى بها الغرب، وما يجري هو تلاقي مصالح بين طرفين: نظام سلطوي يستثمر الملف سياسيًا وأوروبا يمينية ترى أنّ “ليس في الإمكان أبدع مما كان”، لأن هذا النظام يحقق لها هدفًا أساسيًا يتمثل في السيطرة على الهجرة واللجوء”.

ويشير عيد إلى أنّ لقاء مارس 2024 بين الجانبين جاء امتداداً لوعود سابقة تلقاها النظام المصري بالحصول على حزمة مساعدات تقدر بنحو سبعة مليارات وأربعمئة مليون يورو، مضيفًا أنّ القمة الأخيرة أكدت معادلة واضحة: “سنغلق ملف الهجرة، ولن نتحدث عن حقوق الإنسان، في مقابل الحصول على استثمارات ومساعدات مالية”.

فيما يصف أحمد العطار، المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، تقديم دعم مالي كبير مقابل تعاون أمني أو مراقبة للهجرة من دون شروط تتعلق بحقوق الإنسان، بالتحفيز المالي دون مساءلة،  متوقعًا أن انعكاسات هذا النوع من الاتفاقات على اللاجئين والمهاجرين ستكون سلبية في الغالب، إذ قد تؤدي إلى تشديد إجراءات الاحتجاز الإداري، وتضييق القنوات القانونية المتاحة للحماية، وزيادة عمليات الترحيل، أو دفع الأفراد نحو شبكات تهريب أكثر خطورة، إلى جانب انخفاض قدرة المنظمات الإنسانية على العمل بحرية.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “التمويل الأوروبي غير المشروط يخفف من الضغط الدولي على الحكومة المصرية لفتح المجال المدني، وهو ما قد يفضي إلى مزيدٍ من التضييق على حرية التنظيم والتعبير، وتجنّب هذا السيناريو يتطلب من الاتحاد الأوروبي أن يوازن بين التعاون العملي والدعوة المشروطة بتحسينات واضحة في مجال حقوق الإنسان، لذا من الضروري ربط أجزاء من التمويل بتحقيق تقدم ملموس في الحماية القانونية للمنظمات المستقلة وحرية الإعلام ومساءلة الأجهزة الأمنية”.

ويُبدي العطار دعمه لأي تعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي شريطة أن يكون مشروطًا وشفافًا وقابلًا للقياس، مُقترحًا عمل مقاربة عملية تقوم على ربط دفعات التمويل بمرحليّات إصلاحية محددة ووضع آليات مستقلة للرقابة والتقييم، تشمل إشراك المجتمع المدني في المتابعة، ووضع معايير واضحة للحد من الاعتقالات التعسفية، وآليات فعالة لحماية اللاجئين، لضمان الحفاظ على مصالح الشعب المصري واستقرار المنطقة من جهة، وحماية حقوق المواطنين واللاجئين ومنع تحوّل الشراكة إلى غطاء لسياسات قمعية من جهةٍ أخرى.

وفي وقتٍ نجحت فيه القمة المصرية الأوروبية الأولى في تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري وفتح مجالات أوسع للشراكة في الطاقة والهجرة والتنمية المستدامة، إلاّ أنها في الوقت ذاته كشفت عن مفارقة جوهرية في أولويات الطرفين؛ فبينما تركز أوروبا على الأمن والهجرة وضبط الحدود، تسعى مصر إلى حشد الدعم المالي والاستثماري لتخفيف أعباء أزمتها الاقتصادية.

 وفي خضم هذا التقاطع بين المصالح، كان ملف حقوق الإنسان – الذي يفترض أن يكون ركيزة في أي شراكة تقوم على “الاستقرار والازدهار المشترك” – في الهامش، كما أشارت منظمات حقوقية انتقدت تغييب هذا البعد لحساب الأبعاد الإقليمية والاقتصادية والأمنية.

Search