حماية أم قيود؟ انتقادات واسعة لقانون اللجوء المصري الجديد

قانون اللجوء الجديد في مصر يثير جدلًا بسبب تقييداته على حقوق اللاجئين وانتقادات حول توافقه مع المعايير الدولية
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

أثار قانون اللجوء الجديد الذي أقره البرلمان المصري مؤخرًا جدلًا واسعًا على الصعيدين المحلي والدولي، لما يتضمنه من مواد تهدف إلى تنظيم استقبال اللاجئين وتوفير الحماية القانونية لهم، لكنه في الوقت ذاته يفرض قيودًا قد يراها البعض تعسفية على حق اللجوء، يأتي القانون في ظل سياق إقليمي ودولي معقد، إذ تواجه مصر تدفقًا متزايدًا للاجئين من دول تعاني من صراعات وحروب، وبينما يرى المؤيدون أنه خطوة نحو وضع إطار قانوني يحدد حقوق وواجبات اللاجئين ويضمن سيادة الدولة، يعتبره منتقدون تقييدًا لحقوق الفارين من النزاعات وخرقًا للمعايير الدولية. 

يشمل القانون (39) مادة تنظم أوضاع اللاجئين في البلاد؛ أبرزها إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين تتبع مجلس الوزراء، تتولى جمع البيانات والإحصاءات المتعلقة بأعداد اللاجئين، وتختص بالفصل في طلبات اللجوء، كما حدد مدة ستة أشهر للبت في طلب اللاجئين الذين دخلوا البلاد بطرق مشروعة، بينما ترتفع المهلة إلى عام بالنسبة لمن دخلوا بطرق غير قانونية، كما يمنح الأولوية في النظر والفصل للفئات الأكثر حاجة، مثل ذوي الإعاقة، والمسنين، والنساء الحوامل، والأطفال غير المصحوبين، وضحايا الاتجار بالبشر والعنف الجنسي.

ويقدم القانون مجموعة من الحقوق للاجئين، منها حظر تسليم اللاجئ إلى الدولة التي يحمل جنسيتها، والحق في التقاضي مع إعفائه من الرسوم القضائية، كما يتيح له الحق في التعليم الأساسي، والرعاية الصحية المناسبة، والعمل سواء لحسابه الخاص أو من خلال تأسيس شركات أو الانضمام لشركات قائمة، دون فرض أي ضرائب أو أعباء مالية إضافية عليه، بالإضافة إلى ذلك، يمنح المشروع اللاجئ الحق في التقدم للحصول على الجنسية المصرية وفقًا للإجراءات المحددة.  

ويحظر القانون على اللاجئين القيام بأي أنشطة قد تمس الأمن القومي أو النظام العام، كما يمنعهم من ممارسة الأعمال السياسية أو الحزبية أو أي أنشطة داخل النقابات، لضمان التزام اللاجئين بالقوانين والأعراف المحلية، كما يمنح مشروع القانون اللجنة المختصة بشؤون اللاجئين صلاحية إعادة توطين اللاجئين في دول أخرى بالتنسيق مع الجهات الدولية المعنية، كما يحدد ضوابط لإنهاء حالة اللجوء، مثل عودة اللاجئ طواعية إلى وطنه، أو حصوله على جنسية أخرى، أو مغادرته البلاد لمدة ستة أشهر متواصلة دون عذر تقبله اللجنة المختصة.

ويلزم القانون اللاجئين باحترام الدستور والقوانين والقيم المجتمعية المصرية، مع حظر أي أنشطة قد تمس الأمن القومي أو النظام العام، يُحظر كذلك القيام بأي أعمال تتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، أو جامعة الدول العربية، كما يتيح القانون إسقاط صفة اللاجئ عن الشخص وإبعاده فورًا عن البلاد إذا تبين أنه اكتسبها بناءً على غش، احتيال، أو إغفال معلومات أساسية، كما يُسقط هذا الوصف إذا ارتكب اللاجئ أي من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في القانون.

تعرف منظمة الأمم المتحدة اللاجئ بأنه الشخص الذي اضطر إلى مغادرة بلده بسبب ظروف مثل الحرب أو العنف أو الاضطهاد، مع عدم قدرته على العودة أو خوفه من ذلك، وتحدد اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه “شخص يقيم خارج بلده الأصلي أو مكان إقامته المعتادة نتيجة خوف مبرر من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر أو الدين أو القومية أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة أو آراء سياسية، ولا يستطيع أو لا يرغب في اللجوء إلى حماية ذلك البلد أو العودة إليه بسبب هذا الخوف”. 

خلال السنوات الأخيرة، استقبلت مصر أعدادًا كبيرة من اللاجئين نتيجة للصراعات التي شهدتها المنطقة، وزعم تقرير لمجلس النواب المصري بأن مصر في المرتبة الثالثة عالميًا بين الدول الأكثر استقبالاً لطلبات اللجوء خلال عام 2023.

وحتى 30 سبتمبر 2024، وصل عدد اللاجئين المسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين إلى 503,993 لاجئاً من السودان و158,406 من سوريا و 46,059 من جنوب السودان و39,768 من إريتريا و18,685 من إثيوبيا و 8,661 من اليمن و 8,476 من الصومال و 5,719 من العراق وأكثر من 54 جنسية أخرى.

نوصي للقراءة: الهروب من ساحات القتال إلى تحدّيات الاستقرار : اللاجئين السودانيين في مصر وأزمة السكن

 

ما أبرز الانتقادات؟ 

عبرت 22 منظمة حقوقية مهتمة بشؤون اللاجئين، عن رفضها للقانون، معتبرة أنه "تم إقراره من جانب البرلمان بشكل متسارع وبدون مشاركة حقيقية من المجتمع أو استشارة واسعة من أصحاب الشأن والخبرة، وقال البيان الصادر عن المنظمات إن "تقديم هذا المشروع جاء دون إشراك الشركاء الدوليين أو منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية اللاجئين، والتي تتحمل عبء إدارة آلية تحديد موقف اللجوء وتقديم المساعدات للاجئين بالتعاون مع الدولة في بعض الأحيان، معتبرة أن القانون يعكس غياب المعايير الواضحة لاختيار وتدريب الموظفين في اللجنة التي ستشرف على عملية اللجوء، وكذلك المعايير التي تستند إليها اللجنة في إصدار قراراتها."

وعبرت المنظمات المعنية عن "قلقها حول مدى توافق هذه المعايير مع الاتفاقيات الدولية لحماية اللاجئين، التي تستند إليها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مثل اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967، إضافة إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969، مشيرة إلى أن غياب هذه المعايير عن مشروع القانون يعكس مخاوف بشأن تقليص مستوى الحماية في مصر إذا تم إقراره دون التوافق مع المعايير الدولية التي التزمت بها مصر."

وطالبت المنظمات، بإعادة مشروع القانون إلى اللجنة المختصة وفتح نقاش حقيقي حول نصوصه بمشاركة الخبراء والمختصين، وتعديل مواده بما يضمن حماية حقوق اللاجئين وفقًا للمعايير الدولية وتوفير ضمانات شفافة لآلية عمل اللجنة المقترحة، إلى جانب وضع خطة انتقالية لضمان حقوق اللاجئين وعدم انقطاع الخدمات المقدمة لهم.

تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إفادة خاصة لموقع زاوية ثالثة على القانون: "إنها تعمل حاليًا مع الحكومة المصرية على خطة انتقالية تهدف إلى دعمها في إنشاء نظام إدارة اللجوء بما يتماشى مع المعايير الدولية والإقليمية."

وتوضح المفوضية في حديثها معنا أنه "قبل تمرير القانون، قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ملاحظات للحكومة بشأن بعض بنود مسودة القانون التي تم نشرها في أوائل نوفمبر. ومنذ الموافقة على القانون، وسّعت المفوضية ملاحظاتها لتشمل جميع جوانب القانون الجديد، وستستمر في مشاركة تلك الملاحظات مع الحكومة في الأيام والأسابيع المقبلة."

وتضيف: "منذ عام 2019، عندما أعلنت الحكومة المصرية خططها لصياغة قانون لجوء، قامت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووزارة الخارجية بتنظيم عدة مبادرات لبناء قدرات اللجوء، تمثلت في أوراق عمل، اجتماعات، موائد مستديرة وورش عمل. وشملت هذه المبادرات لجنة قانون اللاجئين للدعوة ودعم تطوير إطار عمل قانوني ومؤسسي يتماشى مع المعايير الدولية."

في هذا السياق، يرى مدير البحوث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، كريم عنارة، أن التشريع الوطني في هذا المجال أمر مطلوب ومحمود، وطالما طالبت به منظمات حقوقية وجهات معنية بحقوق اللاجئين، لكن يجب أن يتم بحذر شديد وبما يراعي حقوق الإنسان والالتزامات الدولية، يجب أن نضمن أن الانتقال إلى هذا الإطار الجديد لا ينتقص من حقوق اللاجئين ولا يخلق ثغرات قانونية قد تُستغل بشكل يضر بهم أو بالمصلحة العامة.

ويقول في حديثه إلى زاوية ثالثة إن "القانون المقترح يعتمد بشكل كبير على نصوص مستوحاة من اتفاقية عام 1951، لكنه يضيف معايير أخرى تمنح سلطات موسعة للجنة، مثل التوسع الشديد في معايير الاستبعاد والحرمان من صفة اللاجئ"، إلى جانب نصوص تجريمية نراها بشكل واضح غير دستورية، من الأمثلة على ذلك النص الذي يجرم إقامة اللاجئ في منزل دون إخطار قسم الشرطة، هذا النص ليس له أي أساس قانوني أو دستوري في القانون المصري، فإذا استضاف شخص أحد اللاجئين في منزله لمدة عشرة أيام دون إخطار الشرطة، لا يمكن اعتبار ذلك جريمة جريمة أو مخالفة قانونية. المشكلة أن هذه النصوص تبدو وكأنها تتعامل مع اللاجئين باعتبارهم مشتبه فيهم أو فارين من العدالة."

من جهته، يوضح محمد سعيد - مدير برنامج حقوق اللاجئين في المفوضية المصرية للحقوق والحريات- أن القانون الذي أُقر مؤخرًا أثار جدلًا كبيرًا بين الأوساط الحقوقية، نظرًا لوجود عدة ملاحظات جوهرية حول مواده وطريقة إعداده وإقراره وأكد أن المفوضية المصرية للحقوق والحريات رصدت جوانب عديدة في نصوص القانون التي قد تفتح المجال أمام انتهاكات حقوقية. 

يقول في حديث إلى زاوية ثالثة إن غياب الشفافية والحوار المجتمعي أبرز الملاحظات، إذ أن القانون تم الإعلان عنه بشكل مفاجئ ودون إشراك أصحاب المصلحة من اللاجئين والمهاجرين ومنظمات المجتمع المدني. يشير إلى أن الإعلان الأولي عن وجود مشروع قانون خاص باللاجئين كان في أغسطس 2023 من خلال أحد أعضاء البرلمان لكن سرعان ما ظهرت مسودة أخرى بمبادرة من رئيس الوزراء تفرض قيودًا، وأكد أن عدم إشراك المنظمات المعنية يعني تجاهل أصوات اللاجئين والمهاجرين الذين من المفترض أن القانون موجه لخدمتهم.  

 

نوصي للقراءة: قومية زائفة ووهم اقتصادي: مطالب ترحيل اللاجئين في مصر

 

 آلية التطبيق واستقلالية اللجنة

بحسب منظمات حقوقية، يثير مشروع القانون القلق بشأن استقلالية اللجنة المكلفة بالإشراف على عملية اللجوء، إذ سيتم تشكيلها من رئيس مجلس الوزراء وممثلين عن الوزارات الحكومية، فضلًا عن تمويلها بشكل رسمي من الموازنة العامة للدولة، هذا الأمر يجعل اللجنة غير مستقلة على حد تعبيرهم، بعكس الوضع القائم حيث تتولى المنظومة الأممية المستقلة بشكل نسبي تنفيذ القوانين المعنية بتحديد وضع اللاجئ، وترى المنظمات أن اللجنة قد مُنحت في المشروع صلاحيات واسعة تتضمن اتخاذ "تدابير" ضد اللاجئين الذين منحتهم الحماية، ما قد يهدد اللاجئين الحاليين وملتمسي اللجوء بمخاطر إضافية.

يضيف كريم عنارة: "القانون يواجه إشكالية أخرى تتمثل في غياب فترة انتقالية واضحة لتطبيق القانون، حيث يبدو أن النصوص كُتبت بمنظور يرى اللاجئين كمشكلة يجب التعامل معها بحذر، وليس كأفراد لهم حقوق إنسانية وقانونية، كما أن مصر لديها مسؤولية تاريخية وإنسانية تجاه اللاجئين، فهي بلد كبير طالما استضاف اللاجئين وساهم في تنوعه المجتمعي عبر العقود، هذه المسؤولية ليست فقط قانونية بناءً على تصديق مصر على الاتفاقيات الدولية، بل هي أيضًا مسؤولية أخلاقية وإنسانية."

ويوضح أن القانون المقترح يحتوي على نصوص تعاقب اللاجئ أو طالب اللجوء على ارتكاب مخالفات معينة، تصل إلى حد نزع صفة اللاجئ عنه، وهو أمر غير دستوري وغير متوافق مع المعايير الدولية، كما أن العقوبات يجب أن تكون متناسبة، وحتى في حالات تقديم معلومات خاطئة، لا يجوز أن تصل العقوبة إلى حد سحب الحماية الأساسية عن اللاجئ، الحماية الممنوحة للاجئين تعتبر حقًا أساسيًا يحميهم من الإعادة القسرية ويكفل لهم الملجأ الآمن.

ويشير عنارة إلى أن المشكلة الأساسية في هذا القانون أنه يفرغ الحماية الممنوحة للاجئين من معناها، ويضيق تعريف اللاجئ في بعض الجوانب بينما يوسع السلطات الممنوحة للجنة لاتخاذ إجراءات استثنائية بحقهم، مثل الحرمان من صفة اللاجئ، هذا القانون يشوبه الغموض في العديد من النقاط، منها كيفية تشكيل اللجنة المعنية وتنظيم عملها، كذلك النصوص تشير إلى وجود لجنة دائمة تضم ممثلين عن عدد من الوزارات، بالإضافة إلى أمانة فنية، لكنها لا توضح الآلية التي ستعمل بها هذه الأمانة أو الكوادر المؤهلة التي ستتولى فحص طلبات اللجوء.  

ويعتقد أنه من الخطير أن تُترك تفاصيل جوهرية كهذه للوائح التنفيذية فقط، لأن ذلك يمنح السلطة التنفيذية حرية واسعة قد تُستغل لتقليص الحقوق، كما أن هناك غيابًا للبنية التحتية المناسبة لتنفيذ القانون، سواء من حيث الموارد البشرية أو التدريب اللازم للتعامل مع قضايا اللاجئين، كذلك التعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في هذا الشأن ضروري لضمان تنفيذ القانون بطريقة تحمي حقوق اللاجئين.  

ويشدد على أن القانون المقترح يحتاج إلى إطار انتقالي واضح لتجنب حدوث فراغ تشريعي أو فوضى قانونية عند الانتقال من الوضع الحالي، حيث تقوم مؤسسة أممية بعملية فحص طلبات اللجوء، إلى الإطار الجديد الذي سينظم العلاقة بين الدولة واللاجئين، ومن المهم أن يتم هذا الانتقال بسلاسة بما يضمن حقوق اللاجئين دون انتقاص منها. 

يتفق معه محمد سعيد الذي يرى أن "القانون في صيغته الحالية لا يلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان أو باتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951 وأوضح أن بعض المواد تمنح اللحنة المُشكلة سلطة مطلقة في رفض طلبات اللجوء دون توضيح الأسباب كما تسمح بترحيل اللاجئين دون ضمانات واضحة لسلامتهم وهو ما يتعارض مع مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يُعتبر أحد الركائز الأساسية للقانون الدولي للاجئين." 

وينوه إلى أن القانون يفرض قيودًا على اللاجئين بما في ذلك حرمانهم من بعض الحقوق ما قد يؤدي إلى تفاقم معاناة اللاجئين وتعزز من حالة الهشاشة التي يعانون منها بالفعل، كذلك شدد على أن إقرار قانون بهذه الصيغة ربما يؤثر سلبًا على صورة مصر الدولية كدولة تستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين، مؤكدًا أن التزام مصر بتوفير الحماية والكرامة للاجئين لا يقتصر على الجانب الإنساني فقط بل هو واجب قانوني وأخلاقي يتطلب التزامًا حقيقيًا بتطبيق معايير حقوق الإنسان.  

يدعو سعيد إلى ضرورة إعادة النظر في القانون بشكل عاجل وإشراك كافة الأطراف المعنية من لاجئين ومنظمات حقوقية وخبراء قانونيين لضمان وضع إطار قانوني يحمي حقوق اللاجئين ويتماشى مع الالتزامات الدولية لمصر وأكد أن الوقت لا يزال متاحًا لإجراء تعديلات جوهرية تضمن تحقيق العدالة والحماية لجميع الفئات المتضررة.

وينوه سعيد في حديثه معنا إلى أن المادة رقم (91)  من الدستور تعطي الحق للدولة منح اللجوء السياسي لأي أجنبي تعرض للاضطهاد بسبب دفاعه عن حقوق الشعوب، أو حقوق الإنسان، أو السلام، أو العدالة. كما يحظر تسليم اللاجئين السياسيين، وذلك بما يتوافق مع أحكام القانون، كما تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صدقت عليها مصر، وتكتسب هذه الاتفاقيات قوة القانون بمجرد نشرها وفقًا للإجراءات القانونية المعمول بها، وفق المادة (93) من الدستور.

وكانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات أصدرت تعليقًا قانونيًا على مشروع القانون، وتضمنت ملاحظات المفوضية 19 توصية شملت ضرورة إعادة النظر في مواد القانون، التي تُتيح للحكومة في صيغتها الحالية استخدام سلطات واسعة قد تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق اللاجئين. وأشارت المفوضية إلى أن المشروع يفرض قيودًا صارمة على اللاجئين مقابل وعود بخدمات يصعب الوصول إليها أو غير متوفرة.

وطالبت المفوضية بإجراء مشاورات مجتمعية ومناقشة القانون بشكل أوسع لإتاحة الفرصة لتقليل الأضرار التي قد تنجم عن تطبيقه. كما شددت على أهمية معالجة العيوب الواردة في النصوص الحالية التي تحمل خطورة على حياة وحريات اللاجئين، ومن بين التوصيات البارزة، دعت المفوضية إلى وضع خطة تنفيذية واضحة بشأن المرحلة الانتقالية لنقل ملفات اللاجئين من مفوضية شؤون اللاجئين إلى اللجنة الوطنية الجديدة، وإلى تعديل صياغة المواد التي تستخدم عبارات فضفاضة مثل "اعتبارات تمس الأمن القومي والنظام العام."  

أكدت المفوضية أيضًا على أهمية الالتزام بالقانون رقم 82 لسنة 2016 الخاص بمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين، والذي ينص على اعتبار المهاجر ضحية دون تحميله أي مسؤوليات جنائية أو مدنية. وشددت على ضرورة تضمين آليات طعن فعالة وسريعة على القرارات الصادرة عن اللجنة الجديدة لضمان حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين.

 

 

نوصي للقراءة: ارتفاع أسعار الرعاية الصحية يفاقم معاناة اللاجئين في مصر

 

رد البرلمان 

في المقابل، دافع نواب وسياسيون عن مشروع القانون بشكل كبير خلال الأيام الماضية، قال النائب محمد عبدالرحمن راضي - أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب-، إن توقيت عرض مشروع قانون لجوء الأجانب على البرلمان يعد مهمًا في ظل الاضطرابات السياسية التي تشهدها المنطقة، وهو ما يؤثر على الشعوب من الناحية الإنسانية، وأشار خلال كلمته في الجلسة العامة لمناقشة مشروع القانون إلى أن هناك إلزامًا دستوريًا وفقًا للمادة (91) من الدستور، التي تؤكد على ضرورة أن تنظم الدولة أوضاع اللاجئين (الضيوف) مع تحقيق التوازن بين حقوقهم في الرعاية الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وبين التزاماتهم تجاه الدولة.

وأوضح راضي أن القانون يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة من خلال منح اللاجئين حقوقًا تتماشى مع موارد الدولة واقتصادها، مشيرًا إلى أن لجنة حقوق اللاجئين ستسهل التعامل مع المنظمات الدولية المهتمة بهذا الملف مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، كما أوضح أن القانون يعكس اهتمام مصر بملف حقوق الإنسان، ليس فقط على المستوى المحلي بل على المستوى الدولي أيضًا.

وتقول البرلمانية دينا عبد الكريم في تصريحات صحفية، إنها تدرك تمامًا أن القانون قد يثير القلق لدى البعض في ظل المخاوف المتزايدة بشأن أعداد اللاجئين في مصر وضغطهم على الخدمات العامة، وأوضحت أن القانون لم يقدم جديدًا سوى "محلية" التقييم، حيث استند إلى ما هو قائم بالفعل بناءً على الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، واقترح تشكيل "لجنة مصرية" للنظر في شؤون اللاجئين بجانب عمل المفوضية السامية للأمم المتحدة التي تقدم خدماتها لملايين اللاجئين بالفعل.

وفيما يتعلق بإضافة ممثلي الصحة والتعليم، أشارت إلى أنها اقترحت ذلك لضمان قدرة الدولة على الاستيعاب، إلا أن الحكومة لم تقبل بهذا الاقتراح واكتفت بعبارة "ولرئيس مجلس الوزراء أن يضم ممثلي الوزارات المعنية والهامة لعمل اللجنة"، مؤكدة على أن الحق الإنساني للاجئين القادمين إلى مصر هروبًا من الحروب والأزمات لا يُنكر، إلا أن القانون جاء أيضًا لطمأنه المواطنين بأن اللجنة المصرية هي التي ستقرر من يستحق صفة لاجئ ومن لا يستحقها.

تشير تقديرات رسمية إلى أن عدد اللاجئين بمصر قد بلغ حتى أبريل 2024، نحو تسعة ملايين، من نحو مائة وثلاثة وثلاثين دولة، بنسبة 50.4% ذكور، و49.6% إناث، وبمتوسط عمري يصل إلى 35 سنة، يمثلون 8.7% من حجم سكان مصر، وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد كلف منتصف العام الجاري، بتدقيق أعداد اللاجئين في مصر، بهدف حصر وتجميع ما تتحمله الدولة مقابل ما يتم تقديمه من خدمات في مختلف القطاعات، الذين يحصلون عليها، مشددًا على ضرورة توثيق مختلف جهود الدولة لرعاية هذه الملايين.

ووفقا لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وحتى نهاية أكتوبر 2023، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عددًا يليها الجنسية السورية، تليها أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق.

تعد مصر واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، تتحمل مسؤولية حماية اللاجئين الفارين إليها، كما تؤكد المادة 91 من دستور 2014 على حق الدولة في منح اللجوء السياسي لأي أجنبي تعرض للاضطهاد بسبب دفاعه عن مصالح الشعوب، كذلك، تلتزم المادة 93 من الدستور المصري بالوفاء بالاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

منذ عام 1954، فوضت الحكومة المصرية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكتبها في القاهرة بتسجيل اللاجئين، سواء عن طريق تقديمهم طلبًا شخصيًا للمفوضية أو عبر الهاتف لتقنين إقامتهم، مما يمنحهم حرية التنقل داخل مصر، وفي عام 2022، قامت المفوضية ببت 11 ألف طلب لجوء، مما يجعل مكتبها في القاهرة من أكثر المكاتب التي تحدد وضع اللاجئين في العالم، وفقًا للمفوضية، هناك 473 ألف لاجئ مسجل في مصر من 62 جنسية. 

وتشير دراسة نشرها مركز حلول للسياسيات البديلة في مارس الماضي، إلى إمكانية الاستفادة من أعداد اللاجئين في مصر بدلًا من التعامل معهم كأزمة، من خلال وقف الحديث عن أن اللاجئين والمهاجرين عبء على الدولة حيث تتسبب هذه التصريحات خصوصًا الرسمية منها في تعرضهم للتنمر إلكترونيًّا أو في الشوارع المصرية وأماكن العمل، ومواصلة التعاون مع مفوضية اللاجئين في القاهرة، فهي تدفع إلى الحكومة المصرية مقابل تعليم كل لاجئ مسجل، كما تقدم المفوضية دعمًا ماليًّا في مجالي التعليم والصحة إلى الحكومة مقابل ذلك، من قبيل: تدريب المعلمين وإصلاح المدارس والمستشفيات، وإعادة النظر في دفع اللاجئ تحديدًا ألفي دولار للتسجيل الجامعي، وهو القرار الذي فرضته الحكومة في أغسطس 2023 على أي طالب أجنبي بمن فيهم اللاجئون، وتتحمل القيمة المفوضية السامية.

ويعتقد الباحث أنه يمكن للحكومة المصرية الاستفادة من التسجيل السابق للمنظمة الدولية لهجرة اللاجئين والمهاجرين بالبحث عن سبل للاستفادة منهم بدمجهم في المجتمع واستغلال الكفاءات، كما تفعل دول مثل: ألمانيا، ودراسة الأماكن التي اختاروها للإقامة إذا ما كان يمكن توفير وظائف بعينها تمكنهم من العمل فيها وبالتالي إنتاج ما يفيد الدولة في نهاية المطاف، وتأثير سكنهم في هذه المناطق في الأسعار، خصوصًا الإيجارات والتمليك. وتحتاج مصر إلى "تشريع يقنن أوضاع اللاجئين" ويضبط تعاملاتهم مع الحكومة وحتى تجمعاتهم في بعض أماكن السكن، ويكون الأساس فيه الحد من عدم المساواة وجعل التمتع بالخدمات الأساسية بين المواطنين والأجانب هدفًا له كما حدث في القانون المغربي.

 

Search