قومية زائفة ووهم اقتصادي: مطالب ترحيل اللاجئين في مصر

أعلنت السلطات المصريّة عن بدء حصر  وتدقيق أعداد اللاجئين والوافدين؛ بعد تصاعد حملة مناهضة على شبكات التواصل الاجتماعيّ تطالب بترحيلهم من البلاد، بدعوى مسؤوليّتهم عن تفاقم الأزمة الاقتصاديّة وتدهور مستوى معيشة المصريّين، من وراء الحملة؟ وهل يؤثّر اللاجئون في الاقتصاد؟
رباب عزام

في التاسع من يناير الجاري أعلنتْ السلطاتُ المصريةُ عنْ بدءِ حصرِ  وتدقيق أعداد اللاجئين والوافدين؛ بعد تصاعد حملةٍ مناهضةٍ على شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِ تطالبُ بترحيلهم من البلاد، بدعوى مسؤوليّتهم عن تفاقم الأزمة الاقتصاديّة وتدهور مستوى معيشة المصريّين.

كشف تحليل  تناول الفترة من 1 أكتوبر 2023 إلى 6 يناير الجاري، أن من  يقفُ وراءَ الحملة عدد من الحسابات والمجموعات قومية التوجه، إلى جانبِ مؤيدين للرئيس عبد الفتاح السيسي. مُظهرًا أنه وخلال الحملة الأخيرة وجدت عشرة وسوم على منصاتٍ إلكترونيةٍ مختلفةٍ  بواقع 238 ألف إشارة، تدعو إلى ترحيل اللاجئين.

وحسب التحليل الّذي  أجرتهُ منصّة متصدقش مع مجتمع التحقّق العربيّ (AFH)، فإنّ متوسّط التدوين اليوميّ وصل إلى 2500 تدوينة وصلت لأعلى ذروتها في ديسمبر الماضي ويناير الجاري، وشوهدت لأكثر من 37 مليون مرّة. وأظهرَ التحليلُ مشاركةَ 45 ألفِ حسابٍ  في الحملة، بعضها حساباتٌ موثقةٌ ومدعومةٌ بعشراتِ الآلاف من المتابعين،  ينتمونَ إلى توجهاتٍ تدعمُ القوميّة المصريّة مثل صفحات قوميّ، جمهوريّة اللاجئين، القوميّة المصريّة، أو من مؤيّدي الرئيس السيسي وسياساته.

 

كيف تصاعدت الحملة؟

تزامن انتشار وسم ترحيل اللاجئين من مصر، مع آلاف التغريدات التي ترحب بوُجود اللاجئين على أرض مصر، في الوقت الذي نشطت فيه الحملة على موقعي التواصل الاجتماعي إكس و”تيك توك”، مطالبة بمقاطعة المنتجات السورية وضرورة ترحيلهم الفوري، بزعم وجود أغذية فاسدة ومخالفات في معايير النظافة في تلك المحال، أو استخدامها بعضها في تهريب مخدرات، لكن دون أدلة واضحة. محرضون على إنشاء قوائم للمحال والمطاعم المملوكة للاجئين لمقاطعتها.

وقد استخدمت الحسابات المشار إليها في تحليل “متصدقش”، عددًا من مقاطع الفيديو والتدوينات القديمة، معظمها لحوادث سلبية فردية ارتبط بها لاجئون، لتدعيم موقفهم ونشر معلومات مغلوطة لتحفيز المصريين ضد اللاجئين. كان أبرزها إعادة تداول مقطع مُصّور بثه مؤثر سوري يعيش في المملكة العربية السعودية، يُدعى عبد الرحمن الحريري على تطبيق “تيك توك” يطالب الحكومة المصرية بنقل السوريين إلى قرب مثلث حلايب وشلاتين (تقع على ساحل البحر الأحمر على الحدود الرسمية بين مصر والسودان)، فيما يُشبه منحهم حكمًا ذاتيًا بالتعاون بين الحكومة المصرية ورجال أعمال سوريين.

وقال “الحريري” في مقطعه إنه يقترح تأسيس إمارة جديدة ومؤقتة للسوريين في منطقة حلايب الجنوبية، مضيفًا: “تلك الإمارة والاغتراب فيها ممنوح للسوريين أولًا، وتمنحهم اعترافًا ومزايا استثمارية تشبه الإدارة الذاتية لمدة طويلة، وتتيح للسوريين كلهم في مصر والعالم الانتقال منها وإليها، والحصول على جنسية الإمارة المؤقتة”.

توجيهات

يعلّق نور خليل – المدير التنفيذيّ لمنصّة اللاجئين في مصر- على حملات الترحيل، في مقابلته مع “زاوية ثالثة” قائلًا:” ليست المرّة الأولى الّتي تتصاعد فيها حملات مماثلة، رصدنا من خلال المنصّة عددًا من الحملات المنظّمة المتصاعدة على نحو مفاجئ من خلال حسابات التواصل الاجتماعيّ، تعمل على استهداف جنسيّات محدّدة من اللاجئين، وفي بعض الأوقات كافّة الجنسيّات. وبتبّعنا لتاريخ تلك الحسابات نجد أنّها تدعم النظام المصريّ، بل وتتشارك أحيانًا في حملات مناهضة للمعارضين والحقوقيّين، ويتداول محتوى موحّد في التوقيت نفسه بين كلّ تلك الحسابات والصفحات”.

ويضيف أنّ المشكلة الحقيقيّة تتمثّل في أنّ تلك الحملات تعمل على نشر معلومات مغلوطة يعاد تدويرها بهدف التحريض على اللاجئين. وتتمثّل خطورة الحملة الأخيرة في مشاركة السلطات وصنّاع القرار بها. “تابعنا تصريحات الرئيس في مايو الماضي لإحدى الصحف الأجنبيّة بخصوص ربط النزوح القسريّ السودانيّ بعد النزاع المسلّح بالأزمة الاقتصاديّة في مصر، ما دفع البعض للمضيّ على نفس السياق وربط عدم توافر سلع أساسيّة أو تفاقم الأزمة الاقتصاديّة تسبّب بها وزراء في الحكومة”. منوهًا إلى أنّ ربط تلك التصريحات من قبل صنّاع القرار ورأس الدولة مؤشّر خطير على تصاعد سياسات منع أو طرد  اللاجئين وملتمسي اللجوء أو استخدامهم كورقة تفاوض من السلطة في مواجهة جهات دوليّة.

يستكمل: “الشعب المصريّ مضياف، رغم رصد عدد من حوادث الاعتداء القائمة على أساس عنصر، إلّا أنّ الواقع الافتراضيّ شيء والشارع شيء آخر، فقد رفض الكثيرون على صفحات التواصل توافد السودانيّين في بداية الأزمة؛ لكن في الشارع قوبلوا بالترحاب والمبادرات المساعدة”. منبّهًا إلى أنّ نشر المعلومات المغلوطة على الساحات الرقميّة، يستدعي خطاب الكراهية ويحفّزه، وأنّه لا يوجد في مصر تشريع يجرّم خطاب الكراهية والعنصريّة، أو تعريف محدّد لهما، وعليه لا يوجد سبيل في منظومة العدالة للتقاضي فيما يتعلّق بقضايا العنصريّة أو التحريض. وتصبح الوسيلة الوحيدة لمقاومة هذا النوع من الخطاب هو العمل على نشر خطاب مرحّب، وتصحيح المعلومات المغلوطة المنتشرة، والتضامن بمعناه الواسع من جميع أطياف وفئات المجتمع.

 

بيزنس حكومي

يربط مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعيّ بين ظهور الحملات على نحو مفاجئ واستعداد القاهرة لاتّخاذ خطوات جديدة متعلّقة بتوفيق أوضاع المهاجرين واللاجئين، مرجّحين أنّها ربّما تكون حملات مدفوعة من قبل السلطات المصريّة؛ لإجبار اللاجئين على تقنين أوضاعهم عبر دفع 1000 دولار للحكومة المصريّة. فيما استبعد آخرون علاقة تلك الحملات بسياسات القاهرة تجاه ملفّ اللاجئين، خاصّة وأنّ الحكومة أعلنت مرارًا نيّتها جذبهم في خطط استثماريّة.


وحسب قرار الحكومة المعلن في يونيو الماضي؛ يلتزم اللاجئون وطالبو اللجوء بتوفيق أوضاعهم طبقًا لأحكام القانون خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذيّة، وتنشأ “اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين”، لتصبح الجهة المهيمنة على كافّة شؤون اللاجئين بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائيّة الخاصّة بـأعدادهم، وتنسيق الأمور الخاصّة بهم مع المنظّمات المحلّيّة والدوليّة المعنيّة بحقوقهم وأبرزها؛ المفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين. فيما أعلنت الحكومة في أغسطس الماضي، قرار رقم 3326 لسنة 2023، بإلزام الأجانب المقيمين في البلاد بصورة غير شرعيّة بسداد 1000 دولار وتقنين أوضاعهم، شريطة وجود مستضيف مصريّ.

 

الجريدة الرسمية- قرار الحكومة الخاص بتوفيق أوضاع اللاجئين
الجريدة الرسمية- قرار الحكومة الخاص بتوفيق أوضاع اللاجئين

 

وفق منصّة اللاجئين في مصر، فإنّ المنظور الّذي يتبنّاه القرار المصريّ يخالف نصّ القانون ٨٢ لسنة ٢٠١٦ وتعديلاته، الّتي تنصّ على أنّ المهاجر المهرّب ضحيّة، يقدّم الدعم وجبر الضرر له، ولا يتعرّض للمسؤوليّة الجنائيّة أو العقاب بأيّ صورة. وحسب البيانات الرسميّة، يعيش في مصر 9 ملايين مهاجر ولاجئ من 133 دولة، يمثّلون نسبة 8.7% من إجماليّ سكّان البلاد. ويتركّز نسبة 56% منهم في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندريّة والدقهليّة ودمياط، من بينهم نحو 4 ملايين سودانيّ و1.5 مليون سوريّ ومليون يمنيّ ومليون ليبيّ، بما يمثّل نحو 80% من إجماليّ عدد المهاجرين المقيمين في مصر.
وفي أوّل تعليق من الحكومة المصريّة على الحملات الإلكترونيّة الداعية لترحيل اللاجئين، قالت إنّ الحملات لا تمثّل الشعب المصريّ، وأنّها: “لن تعير هذه الحملات أيّ اهتمام؛ لأنّها لا تعبّر عن الشعب المصريّ والكلّ يعلم مدى كرم المواطن المصريّ تجاه السوريّين وكافّة الجنسيّات”.


وفي وقت سابق، استعرض الدكتور خالد عبدالغفّار -وزير الصحّة والسكّان-، الخدمات الصحّيّة الّتي تقدّمها الدولة للمهاجرين واللاجئين في قطاع الصحّة، مشيرًا إلى أنّ هناك حوالي 9 ملايين مهاجر ولاجئ يعيشون في مصر من نحو 133 دولة، بنسبة 50.4% ذكور، و49.6% إناث، يمثّلون 8.7% من حجم سكّان مصر، كما أنّ هناك 60% من المهاجرين يعيشون في مصر منذ حوالي 10 سنوات، و6% يعيشون باندماج داخل المجتمع المصريّ منذ نحو 15 عامًا أو أكثر، بالإضافة إلى أنّ هناك 37% منهم يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرّة.

 

اندماج اقتصادي

ووفق الحكومة المصرية، فإنّ مصر تضم 9 ملايين مهاجر على أرضها، وتقول السلطات إنه تبلغ التكاليف السنويّة لاستضافتهم نحو 100 مليار دولار سنويًّا. ولم تكشف الحكومة المصريّة عن كيفيّة إنفاق تلك المبالغ على المهاجرين واللاجئين.

وتقدّر حجم الاستثمارات اليمنيّة في مصر بنحو 5 مليارات دولار، معظمها في قطاع العقارات، بلغ استثمارات السوريّين في مصر في عام 2017 نحو 800 مليون دولار كما تستفيد مصر من تحصيل رسوم مختلفة  مثل التعليم، والإقامة، والاستثمار؛ بالعملات المحلّيّة والأجنبيّة، من المهاجرين في مصر.  على سبيل المثال، تتراوح رسوم تعليم الطالب الجامعيّ الوافد في الجامعات المصريّة بين 3 و8 آلاف دولار، بحسب تصريحات لوزير التعليم العالي خالد عبد الغفّار، في 2022.

ووصل عدد اللاجئين المقيمين في مصر، في نهاية عام 2023، إلى نحو 473 ألف لاجئ، ويشكّلون نحو 5% من المهاجرين الموجودين في البلاد. ويتلقّى اللاجئون دعمًا نقديًّا وعينيًّا من مفوّضيّة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتّحدة، بينما تقدّم الحكومة المصريّة لهم خدمات صحّيّة وتعليميّة، حيث تسمح بمعاملة معظم اللاجئين كالمصريّين في المدارس والجامعات والمستشفيات، وهو ما يعدّ دعمًا مهمًّا لهم.   كما تتلقّى مصر تمويلًا نقديًّا محدودًا من الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبّيّ والدول الشريكة لدعم اللاجئين. على سبيل المثال، أعلن الاتّحاد الأوروبّيّ، في يونيو 2023، تقديم مساعدات فوريّة بقيمة 20 مليون يورو لمساعدة مصر على استضافة اللاجئين السودانيّين.

رباب عزام
صحفية استقصائية مصرية، مهتمة بالصحافة الحقوقية والعمالية، ومقدمة برامج إذاعية، وباحثة في دراسات شرق إفريقيا الناطقة بالسواحيلية.

Search