لحظات من القلق والتوتر عاشها عشرات الآلاف من الغزييّن الذين كانوا قد لجأوا إلى شرق مدينة رفح على إثر الحرب المشتعلة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الماضي، إذ تساقطت منشورات على النازحين صباح أمس الاثنين، تحذرهم من البقاء في تلك البقعة من المدينة وتؤكد أن باستطاعتهم التوجه إلى منطقة الساحل التي تبعد ثلاثة أميال فقط عن شرق المدينة، فيما وصفتها بـ الآمنة.
وقد برر الاحتلال بدء عملية الاجتياح، بأن المنطقة التي يستهدفها تتواجد بها ثلاث من أصل أربع كتائب للقسّام – الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس-، وتشمل كتيبة المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية. مؤكدًا حسب إذاعة الجيش الإسرائيلي أن العملية ستكون محدودة في الأطراف الشرقية لمدينة رفح فقط وليس في العمق.
ووفقًا لصور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها قناة الجزيرة، فإن جيش الاحتلال كان قد دفع بتعزيزات عسكرية مكثفة في مواقع مختلفة قرب الحدود الشرقية لمدينة رفح، وأظهرت الصور التي التقطت في يوم 3 مايو الجاري أن الحشود العسكرية تمركزت في ثلاثة مواقع متقاربة منذ يوم 28 أبريل الماضي؛ ما يؤكد نية وتخطيط الاحتلال في الاجتياح رغم هدنة القاهرة الجارية. وهذه المواقع هي: قاعدة أميتاي العسكرية، وكيبوتس حوليت، وقرب منطقة معبر كرم أبو سالم.
الإخلاء شرق المدينة
حسب ما وصلنا من معلومات، فإن المناطق التي جرى التأكيد على إخلائها من قبل قوات الاحتلال في شرق مدينة غزة، تشمل: منطقة الشوكة حتى منطقة صوفا، ومربع أحياء السلام والمنتزه، إضافة إلى مربع مسجد عباد الرحمن حتى منطقة الفالوجا، ومربع مستشفى النجار إلى شارع دير ياسين، ومنطقة البيوك، وأخيرًا تبة زارع حتى شارع الشعرا شرق المضخة. فيما أضاف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان له أن المناطق التي طالتها أوامر الإخلاء أيضًا، مستشفى أبو يوسف النجار، وكذلك معبر رفح البري وكرم أبو سالم التجاري.
وحسب بيان المرصد، فإن المناطق التي صدرت تحذيرات بشأن إخلائها تضم نحو 200 ألف غزيّ، فيما وجّه الاحتلال المواطنين إلى الإسراع والالتجاء بمناطق نحو منطقة “المواصي” في غربي مدينة خان يونس.
يصف أحد شهود العيان في مجموعة للتواصل مع الغزيين عبر تطبيق تيليجرام، المشهد في رفح الآن، عقب عملية الهجوم التي شنتها قوات الاحتلال ويقول إنها أصبحت عبارة عن مقبرة جماعية، واصفًا أن المستشفى الوحيد الذي يعمل في المدينة كان “المستشفى الكويتي” وبإمكانات محدودة تخدم نحو مليون ونصف مواطن فلسطيني، وقد غادرت عناصر من كادره الطبي الآن بعد التهديدات، كما أنه لا يوجد عدد كافي من سيارات الإسعاف.
يضيف أن كافة المستشفيات خرجت من الخدمة بعد أوامر من الاحتلال بإخلائها خاصة مستشفى النجار، كما أن المستشفى الأوروبي يقع على مسافة بعيدة للغاية والطريق أصبح مقطوعًا، ويلزم للوصول إليه المرور بخان يونس، التي بات الوصول إليها أمرًا مستحيلًا. مشيرًا إلى أن كافة المساعدات والأدوات الطبية التي وصلت عبر المساعدات تستخدم البنزين وهو غير متوفر، لذا فقد أصبحت مثل “الخردة” غير المفيدة.
وقد غادر السكان مضطرين عبر عربات تجرها الحيوانات، إلى عدد من المناطق القريبة، ومنها منطقة المواصي التي اعتبرها الاحتلال آمنة، ودعا الغزيين إلى اللجوء إليها، فيما وصفها غزيون بأنها منطقة ساحلية لا تصلح للعيش تمامًا، مكتظة بالنازحين.
لكن ما الذي أدى إلى بدء عملية الاجتياح؟
صباح الأمس الاثنين، وافق مجلس الحرب الإسرائيلي بالإجماع على بدء عملية إخلاء رفح، وأعقب ذلك تأكيدًا من التلفزيون الفلسطيني الرسمي بأن العملية قد بدأت وبالفعل شن الاحتلال غارات على شرقي مدينة رفح الواقعة في جنوب قطاع غزة.
وفيما يبرر الاحتلال عملية الاجتياح بالقضاء على الكتائب الأربعة لحماس داخل رفح، وتدمير الأنفاق التي ما زالت حسب زعمه موجودة ما بين القطاع ومصر ويسهم وجودها في تهريب الأسلحة إلى داخل القطاع، يرى محللون حادثناهم أن العملية تستهدف السيطرة الكاملة على قطاع غزة ومحور صلاح الدين، في محاولة أخيرة من الحكومة الإسرائيلية لتحقيق أهدافها قبل إقرار محتمل للهدنة التي اقترحتها القاهرة والدوحة.
وحسب ما وصلنا من بنود الاتفاق، فإنه الاتفاق الإطاري يشمل ثلاثة مراحل، حيث المرحلة الأولى والتي ستنفذ في 42 يومًا، وأبرز بنودها؛ الوقف المؤقت للعمليات العسكرية بين الطرفين وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا إلى منطقة بمحاذاة الحدود في جميع مناطق غزة بما في ذلك وادي غزة (محور نتساريم ودوار الكويت)ن وعودة النازحين إلى مناطق سكناهم والانسحاب من وادي غزة في اليوم الثالث بعد إطلاق سراح ثلاثة من الأسرى الإسرائيليين، وفي اليوم 22، بعد إطلاق سراح نصف الأسرى بما فيهم المجندات، تنسحب قوات الاحتلال من وسط القطاع إلى منطقة قريبة بمحاذاة الحدود مع استمرار عودة النازحين إلى أماكنهم في شمال القطاع.
وفي المرحلة الثانية والتي مقرر تنفيذها على 42 يومًا، سيتم الإعلان عن وقف جميع العمليات العسكرية، وإطلاق سراح كافة الرجال الإسرائيليين من المدنيين والجنود، مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى في سجون الاحتلال، إضافة إلى الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال خارج قطاع غزة.
أما المرحلة الثالثة (42 يومًا)، فيتبادل فيها الطرفان جثامين الموتى، وتبدأ خطة إعادة إعمار غزة التي تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات، مع تعويض المتضررين، بإشراف من مصر وقطر والأمم المتحدة.
وفيما تندلع غارات الاحتلال على شرقي القطاع منذ أمس، فقد أعلنت حماس موافقتها على هدنة القاهرة، في حين تشككت تل أبيب في الموافقة، معلنة أنها لا تأخذها بمحمل جدي، ولم توافق على المقترح المصري حتى الآن.
إغلاق معبر رفح ومنع التجوال في الشيخ زويد
وفق مراسلة زاوية ثالثة في سيناء فإن حالة من الترقب والهدوء المشوب بالحذر تعم أرجاء منطقة رفح المصرية بشمال سيناء بعد التطورات التي شهدتها مدينة رفح الفلسطينية خلال الساعات القليلة الماضية. إذ أنه وبالتزامن مع عمليات القصف، فقد تقدمت القوات الإسرائيلية اليوم، تجاه معبر رفح الفلسطيني بعد أن قصفت طائرة حربية محيط المعبر وتسببت في اندلاع النيران بأحد مستودعات المساعدات وإصابة عدد من الشاحنات المصرية المتوقفة هناك بإصابات بالغة.
ونظرًا لتقدم الدبابات الإسرائيلية وتمركزها على مقربة من معبر رفح الفلسطيني، فقد غادرت كوادر المعبر كافة أنحاء المعبر ومحيطة، أعقبه تقدم الدبابات الإسرائيلية تجاه المعبر وتطويقه وقامت عناصر من الجيش بإنزال العلم الفلسطيني واستبداله بالعلم الإسرائيلي.
وفي الجانب المصري من المعبر، غادر الموظفون المدنيون وقوات الجيش والشرطة كافة أنحاء المعبر المصري؛ تحسبًا لوقوع أضرار مادية وبشرية في حال تم اجتياح مدينة رفح الفلسطينية خلال الساعات القادمة وفي ظل تطور الأحداث العسكرية على الأرض. من جانبها نشرت مصر عشرات من الدبابات العسكرية على طول الحدود مع قطاع غزة التي يبلغ طولها نحو 14.50 كيلومتر، بدءًا من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) شرقًا حتى شاطئ البحر غربًا.
في السياق نفسه، صدرت قرارات مصرية بمغادرة السيارات من موقف العبور أمام المعبر، وقيدت الحركة والتجوال، باعتبار المنطقة بدءًا من شرق مدينة الشيخ زويد شرقًا وحتى الحدود المصرية مع غزة منطقة عسكرية ممنوع التجول فيها، فيما عاد عشرات المسافرين الفلسطينيين الذين توجهوا إلى معبر رفح اليوم في طريقهم للعودة إلى داخل القطاع إلى مدينة العريش مجددًا بعد تصاعد الأوضاع والإعلان على إغلاق معبر رفح من الجانبين المصري والفلسطيني.
إدانات ومطالبة تعليق كامب ديفيد
في بيان له اليوم، أدان حزب العيش والحرية – تحت التأسيس- عملية الاجتياح، متهمًا الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية والعربية، بدعم تل أبيب في استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق شعب غزة المحاصر تحت القصف.
وأكد الحزب أن تطوير العدو الصهيوني للعمليات الحربية لتشمل مدينة رفح يعد أكبر تهديد محقق للأمن القومي المصري منذ بداية الحرب في أكتوبر من العام الماضي، فيما يمثل خرقًا واضحًا لاتفاقية كامب ديفيد وضربًا لعرض الحائط بكل القرارات الأممية والأصوات المطالبة بوقف الحرب. وتحديدًا بعد المرونة الكبيرة التي ابدتها فصائل المقاومة في التفاعل مع مبادرات وقف إطلاق النار. مطالبًا السلطات المصرية بحماية الحدود الشمالية على الفور، والتعليق الفوري لاتفاقية كامب ديفيد و قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، إذ أن الاجتياح الإسرائيلي الأخير يشكل نقضا صريحا لاتفاقية السلام من جانب واحد.
فيما أدانت وزارة الخارجية المصرية، في بيان لها اليوم، الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح البري وشرق المدينة، وقد اعتبرت القاهرة – حسب البيان- أن هذا التصعيد يهدد حياة أكثر من مليون فلسطينى يعتمدون اعتمادًا أساسيًا على المعبر، باعتباره شريان الحياة الرئيسي لقطاع غزة، والمنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقي العلاج، ودخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الفلسطينيين في غزة.