نصف عام من الحرب على غزة.. المنطقة تحت التهديد

عادت المفاوضات في القاهرة، لدراسة مقترح أمريكي مقدم من رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، لوقف إطلاق النار وإتمام صفقة تبادل للأسرى
رباب عزام

شهد الهجوم الذي شنته طهران على تل أبيب منذ مساء أمس، السبت، وحتى فجر اليوم، متابعة عالمية ومحلية، إذ جاء ردًا على استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لمقر دبلوماسي إيراني في دمشق بسوريا. وقد انقسم المتابعون محليًا ما بين مؤيد ومعارض للهجوم الإيراني؛ البعض رأى أنه هجوم مدبر له مسبقًا كضربة محدودة حفظًا لماء الوجه، وآخرون يرون أنه تطور نوعي في العلاقات بين إيران وتل أبيب، إذ أن طهران وللمرة الأولى قد وجهت ضربات إلى الأراضي المحتلة مباشرة من أراضيها، وليس عبر وسيط أو دعمًا للمقاومة.

البداية كانت مع استهداف الاحتلال الإسرائيلي لـ القنصلية الإيرانية في العاصمة دمشق، مطلع الشهر الجاري، ما أدى إلى مقتل 11 شخصًا؛ بينهم ثمانية إيرانيين وسوريان ولبناني واحد، وحسب الحرس الثوري الإيراني فقد أدى الهجوم إلى مقتل سبعة مستشارين عسكريين، من بينهم محمد رضا زاهدي (القائد في فيلق القدس، الموّكل بالعمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني). لتخرج التصريحات الإيرانية مؤكدة أن الهجوم لن يمر دون رد، إذ أنه الأول الذي يستهدف مقرًا دبلوماسيًا رسميًا، بخلاف أكثر من هجوم سابق استهدف عددًا من المقرات لوكلاء إيرانيين أو مناطق غير رسمية. وفي اليوم التالي للهجوم، اجتمع مجلس الأمن الدولي لبحث الأزمة ومناقشة الهجوم على قنصلية طهران، بناء على طلب من روسيا. 

 

 

موقف القاهرة

في تعليق لها على الهجوم الإيراني مساء أمس، أعربت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها، عن “قلقها البالغ إزاء إطلاق مسيرات إيرانية ضد الاحتلال الإسرائيلي”، ما يعني التصعيد بين طهران وتل أبيب بشكل غير مسبوق، مطالبة بضبط النفس، لـ “تجنيب المنطقة وشعوبها المزيد من عوامل عدم الاستقرار”.

واعتبرت القاهرة أن التصعيد الجديد، ما هو إلا نتاج مباشر لما سبق وأن حذرت منه بشأن توسيع رقعة الصراع، بعد العدوان الصهيوني على القطاع. مؤكدة أنها على تواصل مستمر مع كافة الأطراف لاحتواء الموقف. في الوقت نفسه، أكدت مصادر أمنية في تصريحاتها لـ “قناة القاهرة الإخبارية” المقربة من السلطة، استعداد الدفاعات الجوية المصرية للدرجة القصوى، بسبب الأحداث التي تشهدها المنطقة. جاء الهجوم الإسرائيلي ردًا على دور طهران فيما يعرف بـ محور المقاومة، الذي تقوده في المنطقة.

تقود إيران محور المقاومة، وهو عبارة عن تحالف من الجماعات المعارِضة للاحتلال الإسرائيلي والنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. ويضم: حزب الله في لبنان والذي أسسه الحرس الثوري الإيراني في العام 1982، بهدف محاربة الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، وحركة المقاومة الفلسطينية حماس في غزة، وميليشيات شيعية مسلحة في العراق التي برزت مدعومة من إيران عقب غزو بغداد في العام 2003، وجماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، التي تنتمي إلى الشيعية الزيدية ولها علاقات قوية بطهران، كما يتعاون المحور مع النظام السوري بشكل مباشر، ويعد حليفًا مقربًا لطهران.

وكان للمحور دور بارز منذ انطلاق الحرب على غزة في أكتوبر الماضي من العام 2023، فبمجرد أن وجّهت حماس ضرباتها إلى الداخل المحتل (مستوطنات غلاف غزة)، فيما عرف بعملية طوفان الأقصى، بدأت تل أبيب في شن حرب إبادة جماعية مستمرة حتى اللحظة، ضد قطاع غزة بأكمله، دون النظر إلى المساعي الدولية أو الإقليمية الرامية إلى التهدئة. ما خلّف 33 ألف و686 ضحية، إضافة إلى إصابة 76 ألف و309 من فلسطيني غزة، إلى جانب آلاف الضحايا والمفقودين تحت الأنقاض.

كان حزب الله اللبناني أول من أعلن عن دعم المقاومة الفلسطينية، إذ وجّه ضربات محدودة إلى نقاط حدودية متنازع عليها، في اليوم التالي من هجوم حماس. لكن موقفه حتى اللحظة لم يكن كما توقعه الجمهور الإقليمي، إذ أنهم اعتبروا حرب غزة بمثابة فرصة أمام حزب الله، للتدخل القوي وتغيير مجريات الحرب، لكن ذلك لم يحدث.

تعليقًا، يقول الباحث والكاتب أنيس محسن – الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية- إن حزب الله قد بدأ منذ اللحظة الأولى للحرب في تنفيذ بعض التحركات، مثل تحريك قوات مقاتلة من نخبته التابعة في سوريا، إضافة إلى تحركات مماثلة للواء “فاطميون”، وهي ميليشيا عناصرها أفغانيون تُدربهم وتُمولهم طهران. لكنه يؤكد أن حزب الله مارس منذ بداية الحرب مناوشات مدروسة وفق قواعد الاشتباك المتفق عليها، منذ “حرب تموز/ حرب لبنان الثانية” في عام 2006، بموجبها يكون لكل فعل رد فعل متوازن ومماثل، دون الانجرار إلى حرب جديدة، أو معركة كبيرة. 

وعلى صعيد متصل، برزت جماعة الحوثي كداعم إقليمي كبير ومستمر للمقاومة الفلسطينية بعد 12 يومًا من توقيت بدء الحرب، إذ أنها وفي نوفمبر من العام الماضي، بدأت في الدخول إلى ساحة الحرب، عبر تكثيف هجومها على السفن المارة بالبحر الأحمر، خاصة التابعة للاحتلال الإسرائيلي أو الدول الداعمة لها، كما شنت بعض من الهجمات على مدينة إيلات (أم الرشراش المحتلة). وأعلنت مسؤوليتها عن اختطاف أكثر من سفينة تجارية كانت تمر في البحر الأحمر قرب مضيق باب المندب، لها علاقة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تغيرات كبيرة أثرت على حركة التجارة في الممر المائي الهام، وتخوفات دولية وإقليمية من أن تكون حرب غزة بداية لفتح جبهة جديدة مستمرة ضد الاحتلال الإسرائيلي (كما حزب الله في لبنان).

 

كيف يحصل الحوثيون على أسلحتهم؟

ورثت جماعة الحوثي جزءًا من ترسانتها من الجيش اليمني، فيما دعمتها طهران بجانب آخر من الأسلحة المتطورة. وحسب المعلومات المتداولة، تشمل الترسانة العسكرية لجماعة الحوثي؛ صواريخ باليستية إيرانية متقدّمة يصل مداها إلى 2000 كيلومتر. إضافة إلى صواريخ “طوفان” و”قدس-4″ و “كروز” الإيرانية. إلى جانب تشكيلة من الطائرات المسيرة، مثل. “صماد 3″ و”صماد 4” وطائرة المسيرة “وعيد” التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر، والتي يمكنها الوصول إلى تل أبيب. 

وبالنسبة للترسانة العسكرية البحرية، تمتلك جماعة الحوثي ترسانة تضمّ نحو عشرة أنظمة صاروخية (مثل. الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، ويصل مداها إلى نحو 500 كيلومتر، وصواريخ كروز يصل مداها إلى 800 كيلومتر. أيضًا- تمتلك زوارق انتحارية من نوع “ندير” و”عاصف”). إلى جانب عدد من الوحدات البحرية العاملة المستخدمة سابقًا في عدد من الهجمات ضد سفن سعودية، واحتجاز ناقلات وسفن كورية وسعودية وإسرائيلية في خليج عدن.

 

دور الميليشيات المسلحة في العراق وسوريا

حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في ديسمبر الماضي، سجل 103 هجومًا على أهداف أمريكية وقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا، في الفترة ما بين أكتوبر إلى ديسمبر الماضيين. إذ بدأت الميليشيات المسلحة التابعة لمحور المقاومة المدعوم من طهران في تنفيذ عملياتها المحدودة، تخفيفًا للضغط على المقاومة الفلسطينية في غزة.

ووفق معهد واشنطن، فإن جماعات مسلحة في العراق، أعلنت مسؤوليتها عن 40 هجومًا على الأراضي المحتلة، منذ الضربة التي شنتها في نوفمبر الماضي، ضد هدف غير محدد “في البحر الميت”. وفي واحدة من أحدث الهجمات، في الأول من أبريل الجاري، تم إطلاق صاروخ “كروز” من العراق باتجاه قاعدة بحرية في إيلات تحتفظ فيها تل أبيب بـ غواصاتها النووية. وقد شملت الهجمات التي تبنتها جماعات المقاومة 16 موقعًا، إذ تَكرر استهداف عدد من المواقع هي: إيلات (تسع هجمات)، والجولان (سبع هجمات)، وحيفا (ست هجمات)، ومطار بن جوريون (هجمتين).

وأعلنت المقاومة في العراق وسوريا، عن استخدامها أسلحة خاصة مثل صواريخ “الأقصى 1” الباليستية قصيرة المدى، أو الصواريخ المضادة للطائرات، أو صواريخ “كروز” من سلسلة “القدس”، وطائرات بدون طيار، وعدد من المسيرات الهجومية أحادية الاتجاه “شاهد-101” “أكس تايل”.

ورغم التدخلات الأمريكية في المنطقة، إلا أن فصائل وجماعات محور المقاومة في الدول الأربعة (سوريا، العراق، لبنان، اليمن)، لا تزال تشن عدد من العمليات ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية، رغم التهديدات المستمرة. 

 

التطورات في غزة والأراضي المحتلة

في العاشر من أبريل الجاري، تزامنًا مع أول أيام عيد الفطر، شن طيران الاحتلال الإسرائيلي غارة جوية، استهدفت ثلاثة من أبناء رئيس حركة حماس إسماعيل هنيّة في غزة، وهم: حازم وأمير ومحمد برفقة أطفالهم، قرب مخيم الشاطئ للاجئين غربيّ قطاع غزة، ما أدى إلى تدمير مركبتهم ومقتلهم جميعًا، وكان “هنية” قد فقد منذ بدء الحرب 60 فردًا من عائلته، وفق ما أعلنته صحف فلسطينية محلية.

ويشير محللون إلى أن عملية الاغتيال جاءت كمحاولة لترميم صورة جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد إعلان كتائب القسّام – الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس- عن قتل عدد من جنود الاحتلال وضباطه في عملية كمين الزنة (بلدة تقع شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة)، ما أسفر عن مقتل 14 جنديًا إسرائيليًا.

ورغم قرار مجلس الأمن الذي دعا لوقف فوري لإطلاق النار والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن في القطاع من قبل حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، إلا أن وتيرة القصف الإسرائيلي لم تهدأ، ما زاد من نزوح الغزيين إلى جنوب القطاع، وتدمير أحياء كاملة في غزة عن بكرة أبيها.

 وحسب ورقة سياسات نشرتها الباحثة رلي شهوان، فقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية، أو أصابت بضرر فادح، ما يزيد على 200 موقع تاريخي في القطاع، ليشمل تدمير المباني التاريخية، والمساجد، والكنائس، والمؤسسات الثقافية، والجامعات والمكتبات، والمتاحف التي تضم أرشيفات تاريخية ووثائق تراثية، مثل موقع “أرشيف البلدية المركزي” الذي يضم أكثر من 110 ألف ملف؛ بما يشمل مراسلات رسمية، وعقود ومعاملات مالية، وخرائط معمارية، ووثائق فوتوغرافية عن المدينة، وملفات رخص البناء، وكل ملفات الاشتراكات في المياه، وعقود التملك عند المواطنين، وملفات رخص ممارسة المهن، وعقود الإيجارات.

وحسب السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فلا يزال الحصول على تقدير دقيق للنازحين قسرًا جراء عمليات الاحتلال، يشكل تحديًا. لكن تشير التقديرات إلى أن 85% بما يمثل نحو مليون و930 ألف غزي، قد نزحوا قسريًا من مناطقهم، وأغلبهم توجهوا إلى جنوب القطاع في رفح الفلسطينية (حوالي مليون و500 ألف مواطن). بينما تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى أنه منذ 22 فبراير الماضي، هناك 12 مستشفى تعمل جزئيًا في غزة، ووفقًا لمنظمة غوث اللاجئين “الأونروا” فإن هناك سبعة من مراكزها الصحية فقط تعمل الآن في غزة من أصل 23 مركزًا. فيما لم تعد محطات معالجة الصرف الصحي تعمل، و83% من آبار المياه الجوفية أيضًا. وتم الإبلاغ عن 500 ألف حالة إصابة بأمراض الجهاز التنفسي الحادة والإسهال المائي، نصفهم من الأطفال.

وتشير تقديرات “الصحة الفلسطينية” إلى تفاقم المستويات الكارثية لانعدام الأمن الغذائي، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل في شمال القطاع، إذ تبين أن 15.6% من الأطفال دون الثانية من عمرهم، يعانون من سوء التغذية الشديد، بينما 3% يعانون الهزال الشديد، خاصة بعد منع الاحتلال لـ 51% حتى فبراير الماضي، من البعثات الإنسانية من الوصول إلى شمال القطاع.

 

المفاوضات

تسعى عدد من الأطراف الدولية والإقليمية لوقف الحرب على غزة، بعد أن تفاقمت الأوضاع في داخلها، إذ عادت المفاوضات ثانية في القاهرة، الأسبوع الماضي، لدراسة مقترح أمريكي مقدم من رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز -الذي كان في زيارة سريعة للقاهرة الأسبوع الماضي- لوقف إطلاق النار وإتمام صفقة تبادل للأسرى.

وينص على إطلاق سراح 900 فلسطيني معتقل في سجون الاحتلال؛ منهم 100 محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة، مقابل 40 رهينة إسرائيلية محتجزين في قطاع غزة، إضافة إلى السماح بدخول ما بين 400-500 شاحنة مساعدات يوميًا، وأيضًا- انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من محور “صلاح الدين” الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها، ووقف “مؤقت لإطلاق النار” لستة أسابيع، لكن حماس تتفاوض حول الأسماء التي يجب أن يتم الإفراج عنها في صفقة تبادل الأسرى وهو ما يزعج تل أبيب، ويرجح بفشل المحادثات مرة أخرى. خاصة وأن الأخيرة غير راضية عن طرح عودة السكان من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، لكن حسب مصادر فلسطينية فإن هناك مقترحًا يشمل وجود قوة مصرية ضامنة لعودة الفلسطينيين إلى الشمال، تكون بمثابة قوة تأمينية لتفتيش الغزيين وضمان خلوهم من الأسلحة، بينما لوحت تل أبيب باحتمالية تقديمها تنازلاً بعودة 150 ألف فلسطيني إلى شمال غزة دون فحوص أمنية، لكن اغتيال أبناء زعيم حركة حماس أربك المفاوضات الأخيرة. 

ورغم دخول الحرب في شهرها السابع، إلا أن كافة المفاوضات الدولية والإقليمية الرامية إلى وقف إطلاق النار وعودة الغزيين إلى أحيائهم المدمرة، تفشل، بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي واستمراره في شن الهجمات على القطاع المحاصر، ضاربة بكل قرارات المحكمة الدولية ونداءات الأمم المتحدة عرض الحائط. فمتى تتوقف الحرب؟

رباب عزام
صحفية استقصائية مصرية، مهتمة بالصحافة الحقوقية والعمالية، ومقدمة برامج إذاعية، وباحثة في دراسات شرق إفريقيا الناطقة بالسواحيلية.

Search