دفعته الحرب المشتعلة في سوريا للهرب هو وأفراد أسرته من مسقط رأسه بريف دمشق إلى مصر في عام 2013، تاركا خلفه ذكرياته وتاريخه وممتلكاته التي هدمت، ليستقر باسم صالح (43 عامًا) وعائلته بمحافظة دمياط شمال العاصمة المصرية القاهرة، بادئًا رحلته في العمل بقطاع تصنيع الأثاث المحلي.
يعاني السوري الأربعيني من أمراض مزمنة كـالغضروف والربو. ما يدفعه للتردد على المستشفيات الحكومية المصرية في بعض الأحيان، إلا أنه يعتمد في علاجه على القطاع الخاص -حسبما يذكر-، يأتي ذلك في ظل ما يعانيه كغيره من المصريين واللاجئين من التضخم الذي طالت آثاره القطاع الصحي، لترتفع أسعار الأدوية وكذا الخدمة الصحية.
في سياق متصل، أصدرت وزارة الصحة المصرية مؤخرًا قرارًا، يتضمن تحميل المواطن المصري 50% من قيمة التأمين الخاص بدرجته، حال بلغت تكاليف العلاج 70% من التأمين المدفوع، في حالة التردد على المستشفيات الحكومية والوحدات الصحية، لطلب خدمة طبية، بالنسبة للمواطنين المتمتعين بتأمين صحي. وتضمنت اللائحة التي أصدرها وزيرا الصحة والتنمية المحلية رقم 75 لسنة 2024، ونشرتها جريدة الوقائع المصرية، رفع أسعار تذاكر العيادات الصباحية من جنيه إلى عشرة جنيهات في المستشفيات العامة، وخمسة جنيهات في الوحدات الصحية، على أن يجوز مضاعفة كل منها خمس مرات، بعد موافقة مديرية الصحة المختصة.
اقرأ أيضًا: الحكومة تُقيد الحق في الصحة: لائحةٌ جديدة تُعيدنا إلى الوراء
واتخذت الحكومة قرارها بتقليص نسبة العلاج المجاني بالمستشفيات العامة من 60% في اللائحة القديمة، إلى 25% في اللائحة التي بدأ تطبيقها في الرابع من مارس الماضي.
استحدثت اللائحة الجديدة نصًا يحدد المستحقين للعلاج المجاني في تلك المستشفيات، وحصرتهم في ست فئات هم: الحاصلون على معاش تكافل وكرامة، والمعاقين من حاملي بطاقات الخدمات المتكاملة، وأُسر شهداء ومصابي الجيش والشرطة. وهذه الفئات، وفقًا للائحة، تحصل على العلاج دون أي إجراءات. أما باقي الفئات، وهم: من لا يتمتعون بنظام تأمين صحي أو رعاية صحية، وحالات الطوارئ والحوادث التي تتطلب التدخل السريع لإنقاذ حياة المريض، أو من يخشى تفاقم حالته، فاشترطت اللائحة حصولهم على توصية من لجنة البحث الاجتماعي بالمستشفى وموافقة لاحقة من مديرها. لكن في أعقاب هذا القرار، فإن الأجانب المتواجدين على الأراضي المصرية تزيد التسعيرة عليهم بنسبة 100% ما لم يوجد قرار وزاري بعلاجهم كمصريين، يأتي ذلك في الوقت الذي يعتمد فيه اللاجئون على المفوضية لمساعدتهم في تدبير نفقات بعض الأدوية، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، حيث تقدم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع جمعية كاريتاس مصر -جمعية مشهرة من وزارة التضامن الاجتماعي- خدمات الصحة الأولية وصرف الأدوية الشهرية لـ اللاجئين و ملتمسي اللجوء في مصر.
يقول باسم صالح في حديثه لـ زاوية ثالثة إن المشكلة الرئيسية تتمثل في المرضى المترددين على المستشفيات الحكومية للحصول على خدمة طبية أو إجراء عملية جراحية، وتتفاقم معاناتهم بعد الزيادة المضطردة في التكلفة.
لا ينسى اضطرار شقيقه لبيع سيارته بعد تعرضه لحادث سير قبل عامين ليتمكن من تدبير نفقات علاجه ومصاريف أكياس الصفائح الدموية التي نقلت له بعد العمليات الجراحية التي أجراها، فضلًا عن عدم تمكن صديقه من إدخال طفله الرضيع في أغسطس الماضي، الحضّانة بإحدى المستشفيات، يأتي ذلك في ظل أن عدم تحمل المفوضية النفقات العلاجية في العمليات الجراحية والعلاج باهظ الثمن لبعض الأمراض النادرة، كما لا تساعد على إدخال الرضع الحضانات حيث تتحمل فقط 70% من أدوية بعض الأمراض المزمنة كالسكر والضغط، إلى جانب توقفهم عن تقديم المنح الغذائية والتعليمية هذا العام لقطاع كبير من اللاجئين في مصر، رغم حملهم الكارت الأصفر (عبارة عن بطاقة تعريف بـاللاجئ أو طالب اللجوء المسجل لدى مفوضية اللاجئين في مصر، إذ لا يمنح القانون المصري السلطات الحق في إصدار بطاقات هوية للاجئين)، حسب وصف “صالح”.
بحسب مفوضية اللاجئين، تستضيف مصر 480 ألف لاجئ، وطالب لجوء مسجل من 62 دولة (بما يمثل زيادة عن العام 2022، قدرت بنحو 64%)، ويشكل السودانيون الأغلبية (شهد تسجيل السودانيين كلاجئين لدى المفوضية زيادة في الأشهر الأخيرة قدرت بنحو 242%، على إثر التدفق المتزايد منذ بداية الاشتباكات داخل السودان منذ أبريل 2023)، كما يعيش معظم اللاجئين في المناطق الحضرية بالقاهرة ومحافظات الساحل الشمالي.
ووفق بيانات حديثة للمفوضية، فقد تدفق إلى مصر حوالي 459 ألف لاجئ، أجبروا على الفرار من الحرب السودانية منذ منتصف أبريل عام 2023 حتى آخر يناير الماضي. وتعمل المفوضية على توسيع نطاق تقديم المساعدات النقدية والتسجيل لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا للفئات الأكثر احتياجًا.
بين مؤيد ومعارض
تتمتع فلة الفقيه– يمنية الجنسية وتعيش بمحافظة الجيزة، إحدى محافظات القاهرة الكبرى- بإقامة دائمة منذ قدومها إلى مصر في عام 2005، لم تشكُ يومًا ما من اختلاف في المعاملة بينها وبين المصريين، إذ تتردد على المستشفيات الحكومية حال مرضها.
تدلي “الفقيه” بشهادتها، وتقول لـ زاوية ثالثة إنها توجهت في 17 من مارس المنصرم إلى مستشفى الحميات بالجيزة، ولم يطلب منها رسوم إضافية باعتبارها أجنبية الجنسية. تضيف: “أتمنى تخفيض تكلفة العلاج على اللاجئين بنسبة 50%، خاصة وأن ظروف الحرب دفعت الكثير منهم للجوء بعد أن فقدوا كل ما يملكونه”.
يختلف وضع اللاجئ السوري عامر عواض (57 عامًا) الذي حزم حقائبه تاركًا مسقط رأسه دمشق في عام 2013، ليستقر بالعاصمة المصرية القاهرة، بعد أن فقد ممتلكاته، ومنزله في سوريا، ليجلب أفراد عائلته ليعيشوا معه.
وفق اللاجئ الخمسيني، فقد اضطر أن يعمل بمهن يدوية بسيطة بعد أن عمل في السابق كموظف بالخطوط الجوية السورية، وقد أصيب بأمراض مزمنة متعددة كالقلب والضغط وزيادة الكوليسترول بالدم؛ ما يدفعه إلى التردد على المستشفيات بين الحين والآخر للمتابعة الطبية.
يحكي لـ زاوية ثالثة: أعتمد إلى حد كبير على المفوضية في تدبير نفقات علاجي، إذ تتحمل وحدها 70% من تكاليف علاج الأمراض المزمنة، هذا إلى جانب مساعدات بسيطة تقدمها لنا جمعية “كاريتاس”.
لا ينسى “عواض” حينما تردد على مستشفى الأزهر الجامعي في أغسطس من العام 2021 بصحبة والدته، إذ تحمل حينها تكلفة الخدمة الطبية والعلاجية كاملة، على حد قوله.
يضيف: “قبل ذلك كنا نتلقى الخدمة الطبية، ونعامل أسوة بالمصريين من حيث تلقي خدمات مجانية؛ لكن تبدل الأمر، وأصبحنا ملزمين بسداد تكلفة الخدمة كاملة”.
تعليقًا، قال عادل دياب -مدير مستشفى الأزهر الجامعي بمدينة دمياط الجديدة- في حديثه معنا أنه يعامل المرضى الأجانب معاملة المصريين من حيث الخدمات الطبية المقدمة -حتى في حالات الطوارئ- بمستشفيات الأزهر الجامعي. يضيف: “لكن بروتوكول صرف الدم والبلازما ببنك الدم بالمستشفيات يُلزم الحالات بإحضار متبرعين أو بدائل لأكياس الدم المستخدمة أو سداد رسوم، وتنطبق التعليمات على المصريين والأجانب على حد سواء”.
بينما يشرح محمد عز العرب -أستاذ الباطنة والكبد بالمعهد القومي للكبد، المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء- في حديثه إلى زاوية ثالثة أنه وقبل القرار رقم 75 لسنة 2024 الصادر عن وزير الصحة، كان يعامل الأجانب المترددين على المستشفيات الحكومية، كالمصريين، في حالات الطوارئ والمناظير والتحاليل الطبية والأشعة، أما العمليات الجراحية الصغرى والكبرى يتم تقدير تكلفتها بالتنسيق بين الوزارة والقنصليات التابعين لها، فيما يحظر نقل الأعضاء في العمليات الجراحية من مصريين إلى أجانب، وفي حال كان المتبرع مصري الجنسية تربطه علاقة زواج بأجنبي لا بد أن يمر على زواجهم ثلاث سنوات على الأقل، إذ يحكم عمليات نقل الأعضاء القانون رقم 5 لسنة 2010.
لم يتلق أشرف روكسي -المحامي المختص بقضايا اللجوء والهجرة- شكاوى بعد من مهاجرين أو لاجئين فيما يخص زيادة أسعار الخدمات الصحية مؤخرًا، ويضيف في حديثه معنا أن القنصليات لا تقدم مساعدات للاجئين، إذ تعمل المفوضية على تقديم الحماية للاجئ من سفارته -التي تمثل حكومتها- في بلد اللجوء، مشيرًا كمثال إلى تكفل السفارة السعودية في القاهرة بالنفقات الطبية لرعاياها في المستشفيات المصرية؛ لأنهم ليسوا لاجئين، هذا وتعمل كنيسة “القديسين” بالزمالك على تقديم الخدمة الطبية للاجئين في عياداتها مجانًا، إذ إنها ضمن مؤسسات تشترك مع المفوضية في تقديم خدمات اللاجئين.
وكان خالد عبدالغفار -وزير الصحة والسكان- قد استعرض في اجتماعه مع رئيس الحكومة في يناير الماضي، الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة للمهاجرين واللاجئين في قطاع الصحة، مشيرًا إلى أن هناك حوالي تسعة ملايين مهاجر ولاجئ يعيشون في مصر من نحو 133 دولة، يمثلون 8.7% من حجم سكان مصر.
ولفت إلى أن 56% منهم يقيمون في خمس محافظات، هي: القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، والدقهلية، ودمياط، كما أن هناك 60% من المهاجرين يعيشون في مصر منذ حوالي 10 سنوات، و6% يعيشون باندماج داخل المجتمع المصري منذ نحو 15 عامًا أو أكثر، إضافة إلى أن هناك 37% منهم يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، حيث عقد الاجتماع لمتابعة ورصد ما تتحمله الدولة المصرية من مساهمات لرعاية ضيوفها من مختلف الجنسيات.
اقرأ أيضًا: قومية زائفة ووهم اقتصادي: مطالب ترحيل اللاجئين في مصر
وفقًا لما ورد بتقرير المنظمة الدولية للهجرة، ينتمي 80% من اللاجئين إلى واحدة من أصل أربعة بلدان رئيسية وهي: السودان، وسوريا، واليمن، وليبيا. ويقدر عدد المهاجرين من هذه الجنسيات بنحو أربعة ملايين سوداني، ومليون ونصف المليون سوري، ومليون ليبي، ومليون يمني.
بينما تتخذ السلطة في مصر عددًا من الإجراءات والقرارات التي تقول إنها تأتي ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتدعم برامج الحماية الاجتماعية والصحية، ينتظر اللاجئون أن تنظر إليهم السلطة المصرية بنوع من الرأفة -حسب وصفهم-، مراعاة للظروف القاسية التي يمرون بها، وتقديرًا لـ أحوالهم الاقتصادية السيئة، إذ أن الزيادة في تكلفة الخدمات الطبية والصحية تعرضهم لمخاطر جديدة.