زاد إقبال المصريين على شراء كشافات الشحن والمراوح والمولدات الكهربائية المستوردة من الخارج خلال العامين 2023 – 2024، تزامنًا مع تطبيق الحكومة المصرية خطة تخفيف الأحمال منذ يوليو الماضي، بمعدلات تراوحت ما بين 50 إلى 100%، حسب تجار ومواطنين تحدثنا معهم.
أعقب تلك الزيادة، زيادة الأسعار بمعدلات تتراوح ما بين 70 إلى 115%؛ ما أنعش فاتورة اقتصاد الظلام القائمة على إقبال المصريّين على شراء المولّدات ومراوح الشحن والكشّافات، نظرًا لقطع التيّار عن منازلهم ومحالّ عملهم ما بين ثلاث إلى خمس ساعات يوميًّا.
من بين هؤلاء، الثلاثينيّ محمّد منصور – مواليد محافظة القاهرة- الّذي دفعته الأوضاع لشراء مولّد كهربائيّ واستخدامه في منزله، إذ اضطرّ خلال يونيو الماضي لشرائه، حفاظًا على حياة أطفاله في ظلّ درجات الحرارة المرتفعة الّتي تشهدها مصر.
يقول منصور لزاوية ثالثة: “حرصت على عدّة عوامل خلال شرائي المولّد؛ أهمّها الأمان حفاظًا على حياة أطفالي وتزويدي بالقدرة الّتي أحتاج إليها؛ لتشغيل التكييف والإنارة والأجهزة الإلكترونيّة”.
يضيف: “تكلفة الشراء قدّرت بـ31 ألف جنيه (646.35 دولارًا)، أمّا تشغيله يمثّل عبئًا جديدًا، إذ يستهلك 2.8 لتر/ ساعة بمجمل تكلفة تشغيل تتراوح من 150 إلى 160 جنيهًا يوميًّا، ما يعادل من 4500 إلى 4800 جنيه شهريًّا، تكلفة إضافيّة زادت على كاهلي بسبب قطع التيّار الكهربائيّ”.
يحلم “منصور” كغيره من المصريّين بوقف الدولة تطبيق خطّة تخفيف الأحمال (قطع الكهرباء)، خاصّة أنّ عمله كـ فريلانس يتطلّب توفّر الكهرباء يوميًّا، ليتمكّن من الإنفاق على أسرته.
تراجع واردات المولدات والمحولات
بحسب نشرة التجارة الخارجيّة لمصر الصادرة عن الجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحصاء في 2023، فقد تراجعت واردات مصر من المولّدات والمحوّلات ومجموعات توليد الكهرباء من 742 مليون دولار لعام 2020 إلى 558 مليون دولار عام 2021، بمعدّل تراجع 24.8%، فيما بلغ عدد المحرّكات والمولّدات الكهربائيّة الّتي استوردتها مصر 13562352 لعام 2020 بقيمة 139 ألفًا و22 دولارًا، بينما بلغ عدد الوحدات المستوردة لعام 2021 نحو 8904 وحدة، بقيمة 29 ألفًا و422 دولارًا.
يعمل مينا نبيل – صاحب إحدى شركات استيراد المولّدات الكهربائيّة- في هذا المجال منذ نحو 15 عامًا. يصف لنا أنّه وتزامنًا مع تطبيق مصر خطّة تخفيف الأحمال زاد الإقبال على شراء تلك المولّدات، يقول: تقبّل الشركات والمشاريع على شرائها بنسبة أكبر من المنازل الّتي لا تتخطّى نسبة مشترياتها من المولّدات 15%.
وتعدّ المولّدات الصينيّ – حسب مينا- الأكثر رواجًا في الأسواق المصريّة، مشيرًا إلى أنّ أسعار المولّدات الّتي تستخدمها الشركات تتراوح ما بين الـ300 حتّى الـ 750 ألف جنيه، نافيًا ما تردّد عن وجود أزمة حاليّة في استيرادها؛ خاصّة بعد تثبيت سعر الدولار خلال الأشهر الماضية.
يتّفق معه سعد مصطفى – بائع مولّدات كهربائيّة بمحافظة الدقهليّة في دلتا مصر- كاشفًا عن ارتفاع معدّلات إقبال المصريّين على شراء المولّدات بنسبة تتجاوز الـ50% بداية من يوليو 2023 حتّى مطلع يوليو 2024، مقارنة بالفترة ذاتها خلال عام 2022.
يحكي في حديثه إلى زاوية ثالثة: “رصدت إقبالًا ضعيفًا في السنوات الماضية على شراء المولّدات، لكنّ الإقبال تزايد بشكل غير مسبوق مؤخّرًا”، معدّدًا الفئات والجهات الّتي سارعت إلى الشراء؛ ومن أبرزها المحلّات والصيدليّات والعيادات الطبّيّة؛ بما يمثّل نحو 70% من حجم الطلب، فيما تتراوح أسعارها من تسعة آلاف حتّى 40 ألف، ويختلف السعر حسب قدرة المولد على توليد الطاقة ونوعه والقدرة الشرائيّة للمواطن أو الجهة الّتي ترغب في حيازته.
يكشف البائع عن زيادة أسعار المولدات بنسب مُبالغ فيها نتيجة زيادة الطلب عليها، إذ ارتفع سعر المولد من خمسة إلى تسعة آلاف خلال الفترة من 2022 إلى 2024، فيما ارتفع سعر المولد ذو القدرة (ثمانية كيلووات) من 27 إلى 40 ألف جنيه، خلال الفترة ذاتها بنسب زيادة تتراوح من 48.1% إلى 80%.
تواصلت زاوية ثالثة مع الغرفة التجارية للاستفسار حول حجم استيراد المولدات الكهربائية والدول المستورد منها، ليؤكد محمد حسن – مسؤول الشعب بالغرفة التجارية بالقاهرة- أنه لا يوجد شعبة في الغرفة مختصة بالمولدات، لذا ليس هناك معلومات متاحة.
ولا تقتصر مصر على استيراد المولدات فقط؛ لكنها تصدرها أيضًا، فبحسب بيانات هيئة تنمية الصادرات، فإن أهم أربع دول تستورد من مصر مولدات كهربائية صغيرة لا تزيد عن 75 كيلو فولت أمبير، هي: تركيا، السودان، تونس وليبيا، فيما بلغت مجمل صادرات مصر منها خلال الفترة من 2012 لـ 2022 نحو 226.90 ألف دولار، في 2013، بلغت قيمة مجمل صادرات المولدات إلى الخارج نحو 169 ألف دولار بمعدل نمو 8451.1%؛ لكن ذلك تراجع في عام 2022، مسجلًا معدل نمو-100%.
ارتفاعات قياسية
يكشف جورج زكريا سدرة – رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية بالغرفة التجارية بالجيزة- في حديثه لنا عن ارتفاع معدلات شراء المصريين للكشافات والمراوح منذ بدء تطبيق خطة تخفيف الأحمال، حيث قدرت معدلات شراء الكشافات من 50 لـ60% خلال الفترة من 2020 إلى الآن، أما المراوح ارتفعت معدلات شرائها خلال الفترة من يوليو 2023 إلى يونيو 2024، بنسبة 100% مقارنة بـ 2020.
ونتيجة للمعدلات المتزايدة في الشراء، زادت أسعار المراوح بمعدل 70%، خلال الفترة من يوليو 2023 إلى يونيو 2024 مقارنة بـ2020، فيما ارتفعت أسعار الكشّافات، بنسبة تقدر بـ 125%، إذ ارتفعت التكلفة من 400 إلى 900 جنيه للكشاف الواحد، خلال الفترة من 2020 إلى يونيو 2024.
وفقًا لـ “سدرة” فإن تطبيق مصر خطة تخفيف الأحمال دفع شركة مصرية لتطوير منتجاتها وطرح مروحة بقطر 18 بوصة تعمل بالشحن الكهربائي مدة ست ساعات متواصلة، بسعر ثلاثة آلاف جنيه، بعد أن كانت بـ 2500 جنيه في أبريل الماضي، حيث شهدت إقبالًا غير مسبوق دفع المصنع لطرح شحنة جديدة؛ لكن بأسعار مرتفعة.
يناشد رئيس غرفة الأجهزة الكهربائية، الحكومة، لإيجاد حلول بديلة لقطع التيار الكهربائي، يطرح حلولًا يراها من وجهة نظره منقذة، مثل تخفيض إنارة كشافات أعمدة الطرق بنسبة 50 أو 60%، وغلق النوادي في الـ11 مساءً والمحال في العاشرة، أو رفع شرائح فواتير الكهرباء، مع التوقف عن تطبيق خطة تخفيف الأحمال التي تكلف المواطنين أعباء إضافية باهظة، مثل تلف الأجهزة الكهربائية في المنازل وتلف مواتير المصاعد الكهربائية، فضلًا عن احتراق أجهزة حاسوب وخوادم الشركات؛ ما يتسبب في خسائر بملايين الجنيهات وتحميل المواطنين أعباء إضافية نتيجة تلف أجهزتهم.
تراجع صادرات مصر من المولدات
بحسب بيانات هيئة تنمية الصادرات، تعد أهم خمس دول تستورد من مصر مولدات كهربائية تعمل من 75 حتى 375 كيلو فولت أمبير، هي: “أستراليا، السعودية، إيران، النرويج وليبيا”، فيما بلغت مجمل الصادرات خلال الفترة من 2012 حتى 2022 نحو 1.1 مليون دولار، وفي عام 2017، تعاظمت الصادرات لتسجل نحو 938.7 ألف دولار بمعدل نمو 528.4%، لتتراجع إلى 0% خلال 2022.
وتعد المملكة المتحدة وكوريا الجنوبية والكويت والسعودية، أهم الدول المستوردة للمولدات الكهربائية ديزل أو نصف ديزل من مصر، والتي تعمل من 375 حتى 750 كيلو فولت أمبير، حيث بلغ مجمل الصادرات منها خلال الفترة من 2012 حتى 2022، نحو 2.4 مليون دولار.
الطاقة الشمسية
بدوره، يرى حاتم عبد المنعم – أستاذ علم الاجتماع البيئيّ بكلّيّة البيئة جامعة عين شمس- ضرورة لجوء مصر لاستخدام الطاقة الشمسيّة، باعتبارها حلًّا اقتصاديًّا، لحلّ أزمة انقطاع الكهرباء.
يضيف: “تحويل النظام العامّ للدولة للطاقة الشمسيّة يعدّ الجزء الأكثر تكلفة إذا اتّخذت مصر هذا القرار، وهو العبء الأكبر على أيّ دولة تلجأ إليه”، مشيرًا لاضطرار العالم للجوء للطاقات المتجدّدة كالشمس، والّتي تعدّ أكثر أمانًا عن الطاقة الكهربائيّة، معتبرًا أنّ هناك خسائر ناجمة عن قطع التيّار الكهربيّ، أبرزها تكلفة استيراد مولّدات، إضافة إلى هروب استثمارات سياحيّة كان من الممكن استخدام أرباحها في توليد مصادر متجدّدة من الطاقة”.
وينتظر المصريون أن تفي الحكومة بوعودها، إذ حدد مصطفى مدبولي – رئيس الوزراء-، في وقت سابق، الأسبوع الثالث من شهر يوليو الجاري ليكون هو آخر موعد لتخفيف الأحمال، مشيرًا إلى أن الدولة ستتحمل تكلفة ذلك من الموازنة العامة.