قرية “المنوات” إحدى القرى التابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة (تقع في جنوب المحافظة على بعد 90 كيلومتراً من العاصمة القاهرة) تشهد رواجًا كبيراً لتجارة الخردة منذ سنوات، وبإحدى حاراتها التي لا يتجاوز عرضها الثلاثة أمتار ترتص المنازل عشوائيا، فيما يضم كل منزل في طابقه الأرضي مخزن للخردة، إذ قرر أصحاب تلك المنازل أن يستغلوا منازلهم في تجارة الخردة التي بدأوا في الانخراط فيها منذ سنوات.
في منزل بسيط بالقرية يرقد محمود عادل -شاب في العشرين من عمره- على سرير داخل غرفة صغيرة تتميز بمقتنياتها البسيطة التي تشبه ساكنيها. لا يزال الشاب يستأنف رحلة علاجه على إثر تعرضه لحادث مأساوي، تسبب فيه انفجار إحدى العبوات خلال عمله بمخزن للخردة، وعلى إثر ذلك بترت ساقه اليمنى، ومقدمة قدمه الأخرى، في حين فقد عددًا من أصابع يديه.
منذ بضعة أشهر كان الشاب قد بدأ عمله مبكرًا، لفرز مقتنيات داخل المخزن، رفقة ابن عمه علي. يقول محمود: “نفرز المقتنيات والخردة التي يحصل عليها صاحب المخزن، إما عن طريق مزادات مخلفات المصانع، أو من خلال عُمّال الروبابيكيا المتجولين من المنازل. تصل تلك الأشياء، ونفرزها نحن كلٍ حسب نوعه وخامته”.
يصف محمود عمله الذي شاركه فيه ابن عمه المذكور. يقول: “نصفي المقتنيات الحديدية سواء المواتير القديمة أو الأجهزة الكهربائية المعطلة وفصل مكوناتها عن بعضها البعض، باستخدام مكونات يدوية بدائية، وكثيراً ما كنا نتعرض للإصابات المختلفة التي كانت تصل حد الجروح العميقة”، مؤكدًا أن مخازن الخردة أو أماكن بيعها في مصر لا تتمتع بعوامل أمان، ولا تطبق إجراءات السلامة اللازمة.
يستطرد: “في يوم الحادث كنا نقوم بعملنا اليومي المعتاد، حتى صادفت جسماً غريباً بين مقتنيات الخردة التي نصفيها، نصحني ابن عمي بتركها إلى حين عودة صاحب المخزن، لكني لم أعر كلامه اهتمامًا، طرقتها لتنفجر بشكل قوي. فقدت بعدها الوعي تمامًا حتى استيقظت في المستشفى، فاقدًا الإحساس بأطرافي”.
بناء على جولات ميدانيّة أجرتها زاوية ثالثة في داخل قرية المنوات في الفترة ما بين يناير- مايو للعام الجاري، عاينت معدة التحقيق خلالها أكثر من عشرة مخازن للخردة بمتوسّط عمالة أربعة أفراد للمخزن الواحد، فإنّنا نوثق في هذا التحقيق الانتهاكات والإصابات الّتي يتعرّض لها العاملون بهذه التجارة، محاولين رصد تقديرات لحجمها، وبيان شرعيّتها. ويتجاوز عدد سكان القرية 200 ألف نسمة وفقًا لأحدث إحصاء رسمي ذكرت فيه القرية في عام 2006، في حين يبلغ عدد السكان الحالي قرابة الضعف وفقًا لصور الأقمار الصناعية للقرية و تقديرات السكان المحليين.
مخازن الخردة مخالفة للقانون
تخالف بعض من مخازن الخردة القوانين والتشريعات المحلية التي أقرها المشرع المصري، إذ أقر قانون رقم 154 لعام 2019 الخاص بالمحال العامة، مجموعة من الاشتراطات الخاصة بتشغيل وترخيص الأنشطة التجارية بشكل عام، وتضمنت ضوابط عمل محلات بيع الخردة اشتراطات للحصول على الترخيص؛ أهمها ضرورة الالتزام بالحفاظ على صحة العاملين، وتوفير عوامل أمان، وتزويد العامل بخوذة مضادة للصدمات، فضلًا عن ارتداء قفازات متينة ومخصصة لذلك. والالتزام بإجراء الكشف الطبي الدوري على القائمين بعمليات النقل والتجميع والتداول، وإجراء تحاليل دورية نصف سنوية لـ نسبة الرصاص في الدم والشعر والأظافر. وأيضًا الالتزام بإجراء تحاليل دورية لتركيزات الرصاص بالتربة داخل نطاق المحل، كما أوضح القانون بأنه لا يسمح بتخزين المخلفات التي تمثل خطورة متوسطة، مثل الإطارات المستخدمة والبطاريات الصلبة القديمة بشكل دائم، بالموقع ويتم التخلص منها دوريًا.
في السياق نفسه، تقر منظمة العمل الدولية في قوانينها معايير للصحة والسلامة المهنية، وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية، والحد من حوادث العمل والأمراض المهنية، كما يجب أن يكون للعامل الحق في الحماية الأمان.
إصابات العين الأكثر بين عمّال الخردة
وكانت وزارة التنمية المحلية قد أعلنت في 2020 عن وقف إصدار التراخيص الخاصة بإقامة أعمال البناء أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها للمساكن الخاصة، مع إيقاف استكمال أعمال البناء للمباني الجاري تنفيذها مدة ستة أشهر بمحافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية وعواصم المحافظات والمدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية.
يصف “راشد” بداية عمله في الخردة عام 2020 بأحد المخازن داخل قرية “المنوات”، شارحًا قيامه بفرز البضائع الواردة للمخزن وتصفيتها، وبعد الاستمرار في العمل لفترة تقترب من الستة أشهر، يقول إن أجره اليومي ارتفع؛ ما شجعه على الاستمرار، ومع دخوله عامه الثاني في العمل تعرض للإصابة على إثر دخول أحد مقتنيات الخردة في عينه مسببة له عجزًا دائمًا، وبالرغم من إصابته، إلا أنه استمر في العمل بتصفية الخردة، نتيجة حاجته الماسة للراتب.
بحسب الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن لكل فرد الحق في العمل. كما أن السلطة ملزمة باتخاذ التدابير الملائمة، لتهيئة بيئة ملائمة تُعزز فرص العمالة المنتجة، ويتعين على الدول أيضًا أن تكفل عدم ممارسة التمييز في ما يتعلق بجوانب العمل كافة. فيما أقرت المواد الستة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحق كل فرد في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية.
اقتصاد غير رسميّ
تندرج تجارة الخردة تحت الاقتصاد غير الرسميّ داخل القطاع الصناعيّ، إذ ينطوي تحت هذا النوع المصانع/ الورش/ المخازن الّتي يجب أن تدرج ضمن المنظومة الكاملة لمتطلّبات التسجيل والتراخيص للنشاط الصناعيّ. ومن خلال رصد المخازن العشرة الّتي تمّ زيارتها، تبيّن لنا أنّ مخزن واحد منهم فقط من يملك صاحبه بطاقة ضريبيّة وسجّل تجاريًّا؛ ما يمكنه متجارياعامل بشكل رسميّ وقانونيّ.
وفيما سبق، رصد تقرير برلمانيّ الأرقام حول نسبة الاقتصاد غير الرسميّ وعدد الشركات العاملة فيه، إذ يشير التعداد الاقتصاديّ الّذي أجراه الجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحصاء لعام 2017 – 2018 أنّ قطاع الاقتصاد غير الرسميّ استحوذ على نسبة 53% من إجماليّ المنشآت في قطاعات الأنشطة الاقتصاديّة، حيث وصل عدد المنشآت العاملة في القطاع غير الرسميّ إلى مليوني منشأة، فيما ذكر أنّ وزارة الماليّة أعلنت أنّ حجم الاقتصاد غير الرسميّ في المتوسّط قد يصل إلى 55٪ من إجماليّ الاقتصاد المصريّ.
وعلى الصعيد الاجتماعيّ بين المركز المصريّ للدراسات للفكر والدراسات الاستراتيجيّة، أنّه على الرغم من توفير هذا الاقتصاد فرص عمل لشريحة كبيرة من المجتمعتستوعبابها بالاقتصاد الرسميّ، ويوفّر لهم مصدرًا للدخل، إلّا أنّه لا يوفّر الأمن والرضاء الوظيفيّ، أو يضمّهم إلى منظومة التأمينات والمعاشات الحكوميّة، إضافة إلى أنّ ممارسة تلك الأعمال بعيدًا عن رقابة وإشراف الجهات المعنيّة، يهدّد حياة العاملين به، والمواطنين في النطاق الجغرافيّ، بينما أكّدت بيانات سابقة أنّ عدد العاملين في قطاع الاقتصاد غير الرسميّ وصل نحو أربعة ملايين مواطن، بنسبة 29.3% من إجماليّ نسبة المشتغلين في القطاع الرسميّ وغير الرسميّ والّذي يقدّر بـ 12.6 مليون فرد خلال عام 2018.
حملات أمنية مكثّفة
من تحليل بيانات 55 خبرًا من جريدة الأهرام الرسميّة خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، أجرتها معدة التحقيق، تبيّن أنّ عدد القضايا الّتي حرّرت ضدّ مخازن الخردة عن طريق الحملات الأمنيّة المكثّفة بلغ قرابة 18 ألف قضيّة، بعدد متّهمين تجاوز 45 ألف متّهم، بكمّيّة مضبوطات خمسة ملايين طنّ تقريبًا من السبائك والمعادن، في حين أنّ الأخبار الّتي رصدت لم تحدّد أيّ من المناطق أو المحافظات الّتي تمّت بها هذه الحملات.
زارت زاوية ثالثة أحد مخازن الخردة التي تقع بعيدًا عن الحيز العمراني للقرية ذاتها، اصطحبنا صاحب المخزن (فضّل عدم نشر اسمه) إلى موقع تجميع البضائع، إذ يقع على مساحة تصل إلى 1000 متر، تتراص بها العديد من المخازن العشوائية التي تحيطها الأراضي الزراعية من كل جانب، وقد فُصل بين كل مخزن والآخر باستخدام الصفائح المعدنية.
يقول صاحب المخزن إن العمل بالخردة أصبح العمل الرئيسي لأغلب سكان القرية، لاسيما بعد توقف العمل بكثير من المهن المختلفة خلال فترة جائحة كوفيد- 19، التي أجبرت العمالة اليومية على البحث عن مصادر أخرى لتحسين دخلهم؛ ما ساهم في زيادة عدد مخازن الخردة بالقرية لتتخطي 300 مخزن بمتوسط عمالة أربعة أشخاص لكل مخزن.
يوضح أن صاحب المخزن هو المسئول عن العُمّال وعلاجهم في حالة تعرض أي شخص منهم للإصابة خلال العمل، خاصةً أن كل هذه العمالة خارج نطاق التغطية التأمينية ولا يتوفر لهم أي حقوق مهنية أو عُمّالية، رغم من ارتفاع أعداد العاملين بهذه التجارة على مستوى الجمهورية بشكل كبير بداية من العمال المتجولين المسئولين عن جمع مقتنيات الخردة، وصولًا إلى عمال المخازن وكبار التجار، ناهيك عن العدد الكبير من الأطفال الذي يضمه ذلك النشاط في مخالفة صريحة لقانون حماية الطفل، إذ يقرر حظر عمالة الأطفال دون سن الـ15.
يستنكر وجود أي دور رقابي من الجهات الحكومية للحفاظ على حياة العمال أو توفير عوامل الأمان لهم، مبينًا أن هذا النشاط التجاري يفتقد لأي تنظيم حكومي من الجهات المعنية، بالرغم من ضخامته وزيادة أعداد العاملين به، وأن البعض من أصحاب المخازن يمتلك سجلًا تجاريًا وبطاقة ضريبية، في حين أن الغالبية يعملون بشكل مخالف، كما أن بعضهم يتاجرون في بضائع مسروقة؛ ما يتسبب في تعرضهم لكثير من المشكلات سواء القانونية أو المجتمعية، موضحًا قيام شرطة المرافق بتصيد تلك المخازن بشكل دائم، لاسيما مع عدم تقنين وضعها القانوني.
من جانبه، كشف جمال علي – أحد موردي مادة الأحماض الكيميائية- التي تستخدم في عمل الخردة، أن العاملين بهذه التجارة يتعرضون لمخاطر كبيرة خلال عملهم، بداية من جمعها حتى فرزها، بخلاف الأدوات والمواد التي تُسْتَخْدَم والتي تضاعف هذا الخطر.
يوضح أنه يورد مادتي “النيتريك والكبريتيك” للمخازن، وتستخدم في الكشف عن المعادن وفصلها، لكنها تعرض العاملين في بعض الأحيان لـحروق بدرجات مختلفة، نتيجة ملامستها الجلد، إضافة إلى ارتفاع معدلات إصابة العيون وفقد أجزاء من الأطراف بين العاملين.
يضيف جمال أن هذه التجارة تلقى رواجًا كبيرًا في القرى خلال السنوات الخمس الأخيرة، في ظل انخفاض فرص العمل وتأثير ارتفاع الأسعار على كثير من المهن المختلفة، مؤكدًا أن هذه التجارة تمثل بؤرة لعمالة الأطفال التي تسعى للبحث عن مصدر رزق لمساعدة ذويهم.
ويشرح أحمد علي طبيعة عمله في فرز الخردة. يقول: “أعمل بأكثر من مخزن داخل القرية وخارجها، في فرز الخردة – أي فرز المعادن الواردة بالشحنات عن بعضها البعض-، ويبدأ يومي منذ السابعة أو الثامنة صباحًا حسب ضغط العمل وينتهي بحلول الثامنة مساءً- أي أعمل قرابة 12 ساعة يوميًا-، ويتحدد أجري وفق كمية الإنتاج التي أفرزها حسب خبرتي وسرعتي”.
يضيف: هناك العديد من المخازن التي تتخصص في نوع واحد من العمل سواء الفرز أو التصفية أو كليهما، ويوجد مقاول للعمال هو المسؤول عن جمعهم للمخازن خارج القرية، وتوفير وسيلة نقل للذهاب والعودة وأحيانًا عندما تزيد مدة العمل يُتَّفَق على توفير وجبتي إفطار وغداء خلال فترة العمل، تتمثل في القليل من الخبز والجبن وأحيانًا المربى واللانشون للإفطار والغداء.
يصف “علي” محل عمله بأنه مخزن كبير يتسع لأكثر من 100 عامل ويتخصص في فرز البضائع الواردة من شحنات الخردة المستوردة عبر ميناء العين السخنة، مؤكدًا وجود كثير من الإصابات بين العاملين في الخردة خاصة العاملين في التصفية أكثر من عمال الفرز لا سيما مع تكرار حوادث انفجار العبوات والأجسام الغربية التي تحويها شحنات الخردة الواردة من مخلفات المصانع.
قري بني سويف تدخل نشاط الخردة
لم يتوقف العمل بالخردة على قرية “المنوات” فقط بل حوّل أهالى ثلاث قرى بمحافظة بني سويف في صعيد مصر، قراهم لأكبر مخازن بيع الخردة وكسارات البلاستيك ومصانع الألمونيوم بدلًا عن الزراعة. حيث اشتهرت قرى (النويرة، و شرهي، وعزبة تمام كساب) بـ شراء الخردة من جامعيها، وفرزها وتصنيفها.
تواصلنا مع سعيد رمضان – مدير الإعلام بمحافظة بني سويف- الذي يؤكد أن القرى لم تغير نشاطها، لأن ذلك مخالف لاتجاهات السلطة الحالية، وأنه تم تقديم مذكرة – والتي حصلنا على نسخة منها– من جانب مدير مركز إهناسيا، لنقل هذه القرى إلى مناطق الظهير الصحراوي، لأن وجود هذا النشاط داخل الحيز العمراني مخالف، موضحًا أنه تم إيقاف الأمر برمته لبُعد مسافة المناطق المحددة عن القرى العاملة بهذا النشاط، وصعوبة المواصلات بينهم.
وفق “ترند إيكونومي” وهي قاعدة بيانات التجارة الدولية الخاصة بإحصائيات الاستيراد والتصدير المحدثة حسب البلد والمنتج، فقد بلغت قيمة الواردات من “نفايات حديدية وخردة ” إلى مصر نحو 1.53 مليار دولار في عام 2022، مقارنة بقيمة صادرات بلغت 4.61 مليون دولار لنفس العام.
وبحسب موقع فولاذ – أحد المواقع الخاصة بالبيانات التجارية وتفاصيل التصدير والاستيراد بـ 209 دولة-، فقد بلغت شحنات تصدير الصلب الخردة من مصر 999 شحنة، تم تصديرها بواسطة 67 مصدرًا مصريًا إلى 86 مشتريًا، وذلك استنادًا إلى بيانات التصدير والاستيراد الخاصة بشركة فولاذ التي تم تحديثها حتى يوليو 2023.
غياب المعلومات
أعلنت الحكومة وقف تصدير الخردة وبعض أصناف المعادن لمدة ستة أشهر، بسبب تضرر العديد من الشركات من عدم توافر خردة وخامات بعض أصناف المعادن وارتفاع أسعارها محليًا. سبب القرار هو ندرة وجود الخردة في السوق المحلي، نتيجة اتجاه تجار – لا يندرجون ضمن الاقتصاد الرسمي للدولة- لتجميع الخردة وتصديرها في ظل ارتفاع أسعار المعادن عالميًا؛ ما أثر سلبًا على تشغيل المصانع والشركات المحلية.
يؤكد محمد المهندس – رئيس مجلس إدارة غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية ورئيس مجلس إدارة شركة المصانع الميكانيكية-، في حديثه معنا أن الخردة تم إيقاف تصديرها بناءً على القرار الصادر من وزارة التجارة والصناعة منذ عام 2022، لحل المشكلات التي تواجه المصانع التي تقوم على المعادن التي يعاد تدويرها مرة أخرى من الخردة.
ويشير إلى أن الغرفة ليس لديها أي معلومات عن حجم صناعة الخردة في مصر أو حصر بعدد التجار العاملين بها، لاسيما أن الكثير منهم يحرص على العمل بشكل مستتر و غير رسمي، مبينًا أن القرار الرسمي بوقف تصدير الخردة عمل على منع تصديرها بالطرق الشرعية؛ ولكن ذلك لم يقلل من تهريبها بالطرق غير رسمية، لا سيما مع تدني المعلومات والاحصائيات الرسمية حول هذه الصناعة والعاملين فيها من تجار وعمال.
ويعلق رئيس مجلس إدارة غرفة الصناعات الهندسية بإتحاد الصناعات المصرية على انتشار مخازن الخردة في كثير من القرى بأن ذلك دور المحافظة وما يتبعها من محليات من المفترض أن تراقب الأنشطة المحلية بالمناطق التي تتبعها حفاظًا على حقوق العاملين من جهة، ولحفظ حقوق الدولة من جهة أخرى، لا سيما مع تهرب الكثير منهم من الرسوم الضريبية، إضافة إلى أن غياب الدور الرقابي يساعد على تهرب المنتجات التي تحتاجها الكثير من المصانع المصرية.
ويبين أن دور الغرفة الرئيسي هو محاولة توفير الخردة التي تحتاجها المصانع، التي يمكن توفيرها من الأسواق المحلية بدلًا عن تصديرها وإعادة استيرادها مرة أخرى في شكل منتجات نصف مصنعة، في محاولة لتحديد الواردات وتشغيل التصنيع المحلي و أيضًا توفير العملة الأجنبية.
ووفقًا لـ دليل مشتري ومستوردي الخردة، يوجد 61 مستوردًا نشطًا للخردة في مصر، يستوردون من 98 موردًا. تم تحديث هذه البيانات حتى يونيو العام الماضي، وتستند إلى دليل فولزا لمستوردي ومشتري الخردة في مصر، والذي تم الحصول عليه من 70 دولة، وبيانات شحنات الاستيراد والتصدير مع أسماء المشترين والموردين ومعلومات الاتصال الخاصة بصانعي القرار مثل الهاتف والبريد الإلكتروني والملفات الشخصية.
من جانبه، يؤيد أيمن النجولي – رئيس شعبة تشكيل المعادن بغرفة الصناعات الهندسية- قرار إيقاف تصدير المعادن الناتجة من الخردة سواء من الحديد أو النحاس، لا سيما أن حسب وصفه، فإن هذه المعادن تمثل ثروة قومية يتم إعادة تدويرها من خلال العديد من الصناعات المختلفة، مشيرًا إلى أن أسعار هذه المعادن يرتبط مباشرة بآلية العرض والطلب التي يفرضها السوق من حين لآخر.
ويختلف “النجولي” مع الرأي السابق في أن غياب البيانات الرسمية عن تجارة الخردة وعدد العاملين بها، يتسبب في تهريب المواد الناتجة عن هذه الصناعة أو إهدار حقوق العاملين فيها. ويوضح أن تجار الخردة الموردين للشركات الكبري لديهم كافة الأوراق الرسمية ويلتزمون بسداد المبالغ الضريبية التي يتم إقرارها سنويًا.
وعن حقوق العاملين بهذه الصناعة وما يتعرضون له من مخاطر كبرى، يبين رئيس شعبة تشكيل المعادن بغرفة الصناعات الهندسية أن ذلك يرجع للجهات الرقابية المسئولة عن حماية حقوق العمال سواء هيئة التأمينات الإجتماعية والمعاشات الحكومية بالتعاون مع أصحاب العمل سواء تجار أو أصحاب مخازن.
.. وسط مخازن الخردة الآخذة في الانتشار بين كثير من القرى والمدن، وتكرار حوادث الانفجار في العديد منها وتعرض الكثير من العاملين فيها لـ الوفاة والإصابات المتكررة، تغيب عوامل الأمن والسلامة المهنية، ومازال محمود يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة بعد أن فقد أطرافه وابن عمه في حادث مروع، كما يسعى كلًا من حسن وعبد الرحمن إلى الاستمرار في عملهم ولكن بشكل مستقل بشراء صفقات خاصة لحسابهم، بما يتناسب مع ظروفهم الصحية الجديدة المفروضة عليهم، آملين في تحسين أوضاعهم الخاصة.