حزب العرجاني وهندسة الحياة الحزبية

يسعى اتحاد القبائل العربية لتأسيس حزب سياسي جديد بقيادة إبراهيم العرجاني، يهدف إلى التأثير في المشهد السياسي المصري، وسط انتقادات حول التداخل بين القبلية والسياسة ومخاوف من مخالفات دستورية.
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

كشفت بعض وسائل الإعلام المصرية خلال اليومين الماضيين، عن استعدادات “اتحاد القبائل والعائلات المصرية” ومسؤولين سياسيين سابقين وشخصيات عامة لتدشين حزب سياسي جديد، استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقرر عقدها العام المقبل، ليكون الحزب الوليد الذراع السياسي لاتحاد القبائل الذي أُسس في منتصف العام الجاري برئاسة رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني.

وأثار الاتحاد  جدلاً واسعًا في الساحة السياسية المصرية منذ إعلان تأسيسه في مايو الماضي، برئاسة العرجاني، المالك لشركة “هلا” المسؤولة عن تنسيقات معبر رفح (واحدة من ضمن 35 شركة يمتلكها)، والتي ذاع صيتها مع تصاعد حرب الإبادة في غزة، إذ وجهت للشركة اتهامات باستغلال الإبادة الجماعية في غزة وفرض”رسوما باهظة” مقابل إخراج فلسطينيين من القطاع. 

عقد اتحاد القبائل والعائلات المصرية اجتماعًا تأسيسيًا الأربعاء 4 ديسمبر، لوضع تصور شامل استعدادًا لانطلاق الحزب رسميًا خلال المرحلة المقبلة. ومن المتوقع أن يضم الحزب الذي قد يحمل اسم “اتحاد مصر الوطني” عددًا من الشخصيات العامة والمسؤولين السابقين منها؛ إبراهيم العرجاني، رئيس اتحاد القبائل العربية، ووزير الإسكان السابق عاصم الجزار، ووزير الزراعة الأسبق السيد القصير والأمين العام المساعد لاتحاد القبائل، ووزيرة التضامن السابقة نيفين القباج، وعلي عبدالعال رئيس مجلس النواب السابق، بالإضافة لعدد من النواب منهم أحمد رسلان، ومجدي مرشد، وهشام مجدي، ومارجريت عازر وعاطف مخاليف، وسليمان وهدان، والشيخ السيد الإدريسي، أحد مشايخ الطرق الصوفية، واللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية الأسبق ووزير التنمية المحلية الأسبق.

 

نوصي للقراءة: من يحمل مفاتيح معبر رفح؟.. تجار الحروب ينشطون في استغلال العالقين في غزة

 

غموض 

حالة من الغموض والتكتم سادت حول المعلومات عن الحزب الجديد الذي يسعى اتحاد القبائل العربية  لتأسيسه، ليصبح بوابته للعبور إلى الحياة السياسية في مصر، وفي الوقت الذي نشرت فيه مواقع صحفية تفاصيل عن بدء اللقاءات التشاورية بين الاتحاد برئاسة العرجاني والشخصيات العامة بتدشين الحزب، واحتمالية الإعلان الرسمي عن الحزب غدًا الأحد. تجاهلت المواقع الصحفية الموالية للنظام الحالي وتحديدًا المملوكة لشركة المتحدة للإعلام التي تعود ملكيتها لأحد الأجهزة السيادية في مصر نشر أية معلومات أو تفاصيل عن هذا اللقاء، رغم أن نفس المواقع اهتمت بنشر تفاصيل وأخبار الاتحاد منذ تأسيسه في مايو الماضي.

في الوقت نفسه، أشارت بعض المواقع الصحفية إلى تراجع دور العرجاني في الحزب، واحتمالية أن يكون الحزب تحت رئاسة عاصم الجزار، وزير الإسكان الأسبق، الذي يشغل حاليا منصب أمين عام اتحاد القبائل العربية، ورئيس مجلس إدارة شركة نيوم إحدى شركات مجموعة العرجاني.

عن هذه الملاحظة يعتقد مصطفى كامل السيد – أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة-، أن تجاهل المواقع الصحفية الرسمية والموالية للنظام الحاكم الحديث أو الإشارة إلى هذا الاجتماع، رغم ضخامته وحجم الشخصيات الحاضرة له دلالة بعدم وجود اتفاق على هذا الكيان بين أجهزة الدولة المعنية، وأن هناك من يرفض هذا الحزب وتأسيسه والدور الذي سوف يلعبه.

الأمر نفسه يشير إليه الباحث الحقوقي والسياسي مصطفى شوقي، الذي يقول إن “اجتماع بهذا الحجم يتحدث في السياسة وتم عقده في فندق كبير. ورغم هذا تتجاهله الصحف الرسمية والمواقع الصحفية الموالية يعني أن هذا الكيان ليس محل اتفاق بين الأجهزة المعنية، رغم أن هذا الحزب الموالي ظهوره في الوقت الحالي بهدف التحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة.”

بعد ساعات من نشر خبر بدء الاستعدادات لتدشين الحزب الجديد بمشاركة اتحاد القبائل العربية ، نشرت صفحة اتحاد القبائل العربية الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك بيان أكد فيه أن الفاعلية التي نظمها الاتحاد بالقاهرة،  بهدف تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم المجتمعية، وذلك في إطار دوره الوطني والمجتمعي. وأن هذا اللقاء جاء في سياق سلسلة من الاجتماعات التنظيمية التي يحرص الاتحاد على عقدها بشكل مستمر، لتكون القبائل والعائلات المصرية درعًا حصينًا في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، والعمل على دعم الاستقرار الوطني في ظل الظروف الراهنة.  دون الحديث عن أية تفاصيل أخرى.

الجدير بالذكر أنه قبل أيام قليلة من اجتماع الحزب الوليد، كان الإعلامي والنائب مصطفى بكري المعروف بمواقفه المؤيدة للنظام الحاكم قد صرح خلال تقديمه برنامج “حقائق وأسرار”، على قناة “صدى البلد”، بأن “الفترة المقبلة ستشهد وجود حزب سياسي جديد في مصر، ووجوه جديدة ستظهر على الساحة الحزبية”. مختتمًا حديثه قائلاً: «لن نترك الرئيس السيسي يواجه هذه التحديات بمفرده، فنحن في حالة حرب ضد الشائعات. لدينا ثمانية برامج توك شو، ونحن بحاجة إلى أشخاص ليتحدثوا ويخاطبوا الجمهور، لتوضيح الحقائق للشعب وكشف المؤامرات التي تُحاك ضد مصر.”

 

نوصي بالقراءة: وثائق تُثبت ملكية العرجاني لطائرة زامبيا 

 

مُساند لحزب الأغلبية؟ 

جاء الاجتماع الذي أثار الجدل والتساؤل على الساحة السياسية، مع  اقتراب انتهاء الفصل التشريعي الحالي في مصر (مجلس النواب والشيوخ)، واقتراب الانتخابات البرلمانية للفصل التشريعي الجديد المقرر انطلاقه في أواخر 2025.

واللافت أيضًا أنه جاء بعد أقل من شهرين من استبدال عباس كامل الذي كان يرأس جهاز المخابرات العامة المصرية ووصف بـ”الرجل الثاني في الدولة” و”ظل الرئيس” خلال السنوات العشر الماضية، لقربه من  الرئيس السيسي، إذ تقرر تعيين اللواء حسن رشاد رئيسا للمخابرات العامة المصرية خلفا له، فيما أصبح هو مستشارا لرئيس الجمهورية، منسقا عاما للأجهزة الأمنية والمبعوث الخاص لرئيس الجمهورية.

في هذا يرى السياسي والحقوقي مصطفى شوقي أن الاتحاد يبحث عن دور سياسي لنفسه بعد بزوغ اسمه خلال الفترة الماضية، وأن الانتخابات البرلمانية قد تكون فرصه له للانخراط في المشهد السياسي. لكن في الوقت نفسه يستبعد أن يكون هذا الكيان بديلًا عن حزب الأغلبية “مستقبل وطن”.

من جانبه، يشير السياسي هشام قاسم إلى أنه حتى الآن لا يوجد حزب ولم ينشر أية أخبار عن هذا الكيان في الجرائد أو المواقع الصحفية الرسمية، ما يجعلنا أمام مجموعة طارحة نفسها أو أحد يريد طرحها ككيان مساند لحزب الأغلبية مستقبل وطن، لكن حتى الآن لا زال غير مؤكد تنفيذ هذه الخطوة وحتى الآن في طور التجريب.

ويرى أن الأسماء التي حضرت هذا اللقاء رغم ثقلها ليس لها دلالة سوى أنها تم استدعائها لهذا الدور دون النظر لأهمية الحزب أو دوره سوى أن يكون داعم للنظام الحاكم، كحالة من حالات التجميل وإدعاء بوجود مساحة سياسية في مصر مقارنة بما كانت عليه. مختتمًا حديثه بأن إبراهيم العرجاني ليس سوى واجهة لنشاط اقتصادي وكافئه النظام على ما فعله لكن دوره سيظل محدودًا ولن يسمح له بالتوسع عن هذا الدور.

من جهته، يستبعد مصطفى كامل السيد أن يعتمد النظام الحاكم على الحزب الوليد من اتحاد القبائل العربية بدلًا من الأحزاب الموالية الموجودة الآن وتحديدًا حزب الأغلبية مستقبل وطن. ويشير إلى أن التوجه الذي اتخذه الرئيس سواء بمسمى الجمهورية الجديدة أو شعار تحيا مصر بعيدًا عن استخدام أسلوب القبلية وهو الأساس الذي قام عليه الاتحاد.

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن محاولة تأسيس هذا الكيان تتم بدون معرفة أو موافقة وتأييد بعض الجهات في الدولة، والسؤال هنا ما الذي تسعى إليه هذه الجهات وما هي رؤيتها للنظام السياسي في مصر؟. ويوضح أنه إذا كان هذا الحزب يسعى لدخول الانتخابات البرلمانية في مصر حتى الآن ما يحدث لا تنطبق عليها قواعد الانتخابات الحرة النزيهة، حتى إذا كان نجح بعض المرشحين في الانتخابات فإن هذا ليس دليل على شعبيته.

 

نوصي للقراءة: الحركة المدنية بين التجميد والمواجهة: مستقبل المعارضة المصرية 

 

هندسة الحياة الحزبية

من أبرز الوجوه التي تصدرت اجتماع الكيان الذي يجرى تأسيسه، وزير التنمية المحلية الأسبق اللواء عادل لبيب، والذي عمل لواء سابقًا بجهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا) وعمل محافظًا لمحافظة قنا والبحيرة والإسكندرية في عهد مبارك.

يذكر مصدر سياسي – فضل عدم ذكر اسمه- أن الجناح الأمني في النظام الحاكم لم يعارض هذا المؤتمر الذي أقيم في أفخم فنادق محافظة القاهرة الكبرى، في الوقت الذي شددت فيه الأجهزة الأمنية على عدم إقامة أي مؤتمرات سياسية أو جماهيرية  خلال السنوات الأخيرة.

يوضح أن هذا المؤتمر يعارضه الجناح المخابراتي داخل النظام الحاكم، الذي سعى خلال الفترة الأخيرة إلى هندسة الحياة الحزبية في مصر عن طريق استدعاء بعض الأسماء المعروفة في الأوساط السياسية لتأسيس حزب سياسي وضم عدد من جيل الوسط لخوض الانتخابات البرلمانية، بالإضافة إلى التواصل مع بعض الأحزاب الأخرى لتنشيطها قبل العام القادم وهو عام الانتخابات البرلمانية.

الجدير بالذكر أنه بعد ساعات من الاجتماع المذكور، أعلن حزب الوعي بثوب جديد وتفعيله لممارسة دوره الحزبي والسياسي، بتشكيل يترأسه باسل عادل كرئيس للحزب، وإعلان انضمام أعضاء كتلة الحوار تحت مظلة هذا الحزب، في إطار الاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة.

من جهته، يرى مدحت الزاهد – رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي-، أن هذا اللقاء ومحاولة تأسيس الحزب – إن صحت الأنباء- فإنها تأتي ضمن إطار محاولة هندسة الخريطة الحزبية في مصر وإعادة هندسة المشهد السياسي التي يسعى إليها النظام منذ فترة، وربما شمل هذه الهندسة بعض عمليات التجميل أو الترقيع أو محاولة التدوير لشخصيات ووجوه بارزة كانت موجودة لفترة بدلًا عن الوجود قديمة ومستمرة منذ سنوات.

تستبعد إلهام عيداروس – وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية تحت التأسيس- أن يحل الحزب الذي يسعى الاتحاد إلى تأسيسه محل مستقبل وطن. وتصف الأحزاب التي تنشأ كل فترة لخدمة مصالح النظام الحاكم بالمنظومة الحزبية المفتعلة.

وترى أن السلطة السياسية الحالية اتخذت قرار منذ البداية بعدم الاعتماد على نظرية الحزب الحاكم مثل   الحزب الوطني وحزب الاتحاد الاشتراكي، ولكن للسيطرة على المجالس النيابية أنشأت فكرة الأحزاب الموالية التي تقدم فروض الولاء تحت إطار دعم الدولة ولكنها في الحقيقة هي دعم للنظام الحاكم  وليس للدولة.

وتوضح إلهام أن هذه الطريقة تعدد الأحزاب المؤيدة للسلطة بدلًا  عن وجود حزب حاكم، تستطيع السلطة التبديل بينهم بأشكال متنوعة مثل مستقبل وطن وحماة وطن والشعب الجمهوري في نسخته الجديدة، إضافة إلى أشكال غير حزبية مثل تنسيقية الشباب وبهذه الطريقة يتحول المشهد السياسي من أغلبية وأقلية إلى أشكال متنوعة.

وتشير إلى أن بسبب هذا النهج سيكون هناك صعود أحزاب بشكل مستمر واستخدامها في عملية تباديل وتوافيق وفقًا لاحتياجات النظام الحاكم والدور الذي ستلعبه هذه الأحزاب. وتعتقد عيداروس أن من أسباب تأجيل انتخابات المحليات أن السلطة ليس لها حزب وحيد محدد يدير الانتخابات، لذلك هي حتى الآن غير قادرة على هندسة هذه الانتخابات في غرف مغلقة كما حدث في الانتخابات البرلمانية 2015 و2020.

 

نوصي للقراءة: اتحاد القبائل العربية.. انتقادات وتساؤلات

 

رفض

يرفض رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي تأسيس حزب على أساس عنصري. ويرى أن الأحزاب لابد أن تُؤسس على أساس المواطنة الكاملة. “نحن نرفض إنشاء أحزاب سياسية على أساس قبلي كما نرفض أن يكون لأحزاب مليشيات مسلحة أو لها وجود مسلح أو تاريخ خاص باستخدام السلاح والعنف”، في إشارة إلى ما اقترن باسم إبراهيم العرجاني باحتجاز عدد من أفراد الأمن في عهد وزير الداخلية حبيب العادلي.

ويرى الزاهد أن من الأولى  رفع الحصار عن الأحزاب القائمة وإطلاق حرية وحقوق التعددية والتنوع المنطلقة من مبدأ المواطنة، أكثر من استدعاء قوى موالية لملأ فراغ سياسي. ويشير إلى أن هذه التجربة أثبتت فشلها في ملء أي فراغ أو حل أزمات. وينبغي أن يُشغل المؤسسات والأجهزة في هذه الفترة البحث عن انفراجة كبرى وحلول لأزمة عميقة.

الموقف نفسه يتبناه “السيد” الذي يشير إلى أن تأسيس الأحزاب على أساس قبلي مخالفًا لقانون الأحزاب والدستور، إذ تنص المادة 74 من الدستور على أن “للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي.”

تشترط المادة الرابعة من قانون نظام الأحزاب السياسية على “عدم قيام الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو مباشرة نشاطه أو في اختيار قياداته أو أعضائه على أساس ديني أو طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة”. كما نص القانون في مادته السابعة على أن تقدم جميع المستندات المتعلقة بالحزب وبصفة خاصة نظامه الأساسي ولائحته الداخلية وأسماء أعضائه المؤسسين وبيان الأموال التي تم تدبيرها لتأسيسه ومصادر واسم من ينوب عن الأعضاء في إجراءات التأسيس.

ومن المقرر أن تنطلق انتخابات “مجلس النواب” المقبلة في 12 نوفمبر 2025 ، قبل 60 يومًا من انتهاء مدة المجلس الحالي، وفقًا للمادة 106 من الدستور التي تنص على: أن “مدة عضوية مجلس النواب تستمر خمس سنوات، تنطلق من تاريخ أول اجتماع له، ويجرى انتخاب المجلس الجديد خلال الـ60 يومًا السابقة على انتهاء مدته المقررة”. على أن تستمر هذه  حتى 12 يناير 2026، طبقًا للقانون.

Search