طلاب مصر المغتربون: أحلام ضائعة في أوكرانيا، تائهة في السودان، ومحاصرة في قرغيزستان

الطلاب المصريون المغتربون يواجهون تحديات دراسية هائلة بسبب الحروب والاضطرابات في أوكرانيا والسودان وقرغيزستان.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

حَلم طارق عبد العزيز – شاب مصري في العشرينات من عمره- بدراسة الطب، لكن علاماته النهائية التي حصل عليها في الثانوية العامة لم تؤهله للالتحاق بإحدى كليات الطب الحكومية؛ لذا لجأ إلى السفر للسودان، وتحديدًا إلى الخرطوم للدراسة بإحدى الجامعات الخاصة المعتمدة دوليًا، نظير رسوم دراسية قدرها نحو ثمانية آلاف دولار أمريكي سنويًا، اجتاز العامين الأولين من الدراسة، وما لبث أن اجتاز الفصل الدراسي الأول من عامه الجامعي الثالث، حتى اشتدت الاشتباكات التي اندلعت بداية من أبريل من العام الماضي 2023، بين قوات الجيش النظامي السوداني ومليشيات الدعم السريع.

كان “عبد العزيز” قد وصل بالفعل إلى القاهرة، في عطلة، ومعه نسخة من أوراقه الرسمية الخاصة بالجامعة، ولم يضطر للعودة إلى السودان وسط أجواء الحرب المشتعلة، لكنه لم يجد أمامه سوى جامعة النهضة (أول جامعة خاصة في صعيد مصر، تأسست في عام 2006، وتقع في شرق محافظة بني سويف)، إذ قبلت نقل ملفه إليها، شرط أن يعود إلى الدراسة من السنة الثانية من كلية طب الأسنان بدلاً عن الثالثة التي كان قد اجتاز منتصفها في السودان بالفعل، يقول: “لم أوافق على ذلك بسبب الجهد والوقت والمال الذي أنفقته”.

عاد إلى مصر من السودان في أبريل من عام 2023، رفقة عدد من الطلاب المصريين جراء الحرب، لا يعرفون أين يستكملون دراستهم، لا سيما أن أقرانهم الذين عادوا من أوكرانيا وروسيا منقطعون عن الدراسة منذ أكثر من عام ولا يعرفون مصيرهم، إلاّ أن الأزمة سرعان ما انتهت حين أصدر مجلس الوزراء قرارًا بفتح التحويلات للطلاب المصريين العائدين من أوكرانيا وروسيا والسودان واستثنائهم من شرط الحد الأدنى للقبول بالكليات الخاصة والأهلية، على ألا يمثلوا 10% من الطاقة الاستيعابية لكل كلية في كل جامعة.

بموجب القرار كان بإمكان “عبد العزيز” الالتحاق بجامعة النهضة، شرط إعادة سنته الدراسية الثالثة وتّحمُل فارق المصروفات الدراسية، لذا اختار نقل ملفه العام الماضي إلى كلية طب الأسنان بإحدى جامعات بـ مدينة بشكيك، عاصمة الجمهورية القرغيزية/ قرغيزستان (دولة آسيوية تقع بين كازاخستان والصين، يتحدث سكانها الروسية)، برسوم دراسية بلغت نحو 1300 دولار أمريكي. كان سعيدًا إذ لن يجبر على إعادة سنة دراسية، بل ويمكنه تعويض أي مقررات دراسية فاتته عن طريق نظام الدورات الصيفية.

وبينما كانت الأمور مستقرة بالنسبة إلى “عبد العزيز” الذي يدرس بعامه الجامعي الرابع، رفقة نحو 1200 من الطلاب المصريين، يدرسون في قرغيزستان، بحسب تقديرات وزيرة الهجرة، الذين تم تحويل معظمهم من أوكرانيا وروسيا والسودان، بعدما عانوا ويلات الحروب؛ وقع حادث في 13 من الشهر الجاري، هدد أمنهم الشخصي وعرّض حياتهم للخطر؛ ما جعل كثير منهم يرغبون بالعودة إلى مصر فورًا. فما الذي حدث في قرغيزستان؟

 

اعتداءات

يروي طارق عبد العزيز شهادته، يقول: “لدينا مقران لسكن الطلاب المصريين أحدهما رئيسي يضم 400 طالب وطالبة، والآخر فرعي به 200 فقط – ما أسكن فيه-، وقد وضع القائمون على السكن قواعد تجبرنا على العودة قبل الساعة الـ 11 ليلاً، لأن الشوارع تصبح خطرة بعد منتصف الليل، وينتشر بها المخمورون. في ذلك اليوم كان ثلاثة من زملائنا مع زميل لهم مغربي الجنسية قد تأخروا في العودة، وظلوا واقفين عند ناصية الشارع الذي يوجد به السكن، يتسامرون، حينها بدأ خمسة شباب قرغيزيين تبدو عليهم آثار الثمالة، يضايقونهم، راغبين في سرقة سجائرهم، وحين قاوموهم، اشتبكوا معهم، ليهرب الطلاب المصريون إلى السكن للاختباء والحماية”.

كان طالب الطب واقفًا في القاعة قرب مدخل السكن، يتحدث بالهاتف حين تفاجأ بشباب قرغيزيين يقتحمون المكان، أحدهم يسأله: “أين ذهب الباكستانيون الذين دخلوا إلى هنا؟”، حاول أن يخبرهم أنه لا يوجد أي باكستاني في المقر، لكنهم لم يستمعوا إليه، ووجهوا إليه لكمة قوية، وسرعان ما اندفع الخمسة لمهاجمة كل من يقابلونه، وخلال دقائق قليلة كان جميع الطلاب في الطابق الأول قد استيقظوا وبدأوا في الاشتباك مع المهاجمين، حتى وقعت إصابات بين الطرفين تتراوح بين الكدمات والجروح الطفيفة، وحاول المقتحمون الدخول إلى سكن الطالبات المصريات الواقع في الطابق الأرضي، لكن زملاءهم حالوا دون ذلك – بحسب ما يتذكر “عبد العزيز”، مؤكداً أن أربعة من المهاجمين نجحوا في الهرب، بينما أمسك الطلاب بواحد فقط سُلِّم إلى الشرطة ونقلته إلى المستشفى لعلاج إصابته، لكنه تمكن من الهرب منها.

يضيف: “في يوم 17 من الشهر الجاري اكتشفنا أن زميلاً لنا صوّر الواقعة، وتداول مقطع فيديو يظهر عدد من زملائنا وهم يضربون المهاجمين مع أصدقائه الباكستانيين، نشره أحدهم على صفحته الشخصية، ثم شاركه مواطن قرغيزي على مجموعة بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تضم أكثر من 100 ألف عضو، لينتشر بعدها بقوة بين مواطني الدولة الغاضبين، دون أن يدركوا حقيقة الواقعة، وانطلقت حملات تحريضية ضد الأجانب (أغلبهم من الباكستانيين)، ومظاهرات غاضبة وأعمال شغب، وتُدُووِل عنوان سكننا والتحريض على ضرب الشباب المصريين الأربعة الذين ظهروا في الفيديو، حتى الموت”.

وعلى مدار أسبوع كان الطلاب المصريين يشعرون بالهلع وتم إخلاء السكن الثانوي، الذي حدثت به الواقعة، ونُقل الطلاب على دفعات صغيرة مخبئين في سيارات مدنية، للسكن الرئيسي مع زملائهم المصريين، ووضع حراسة عليهم من قوات الشرطة، والتي احتجزت أيضًا الطلاب المصريين الأربعة الذين ظهروا بالفيديو، مدة ثلاثة أيام، للتحقيق معهم والحيلولة دون فتك القرغيزيين بهم، وساهم مفتي قرغيزستان وعدد من مشاهيرها في تهدئة الأوضاع، لا سيما أن تقرير الشرطة أظهر أن القرغيزيين هم المخطئون.

يضيف “عبد العزيز” في حديثه مع زاوية ثالثة: “لا توجد سفارة مصرية في قيرغيزستان، أرسلت إلينا الخارجية وفدًا من القنصلية المصرية في كازاخستان، كونها الأقرب لنا، وقضى المسؤول معنا نحو خمس ساعات للاستماع إلى مطالبنا التي تضمنت السماح بالتحويلات من قرغيزستان لمن يريد المغادرة لفقدانهم الشعور بالأمان، وهو ما رد عليه المسؤول بأنه يقتصر على حالات الحرب، وليس أحداث الشغب، متعهدًا بنقل هذا الطلب للمسؤولين، إضافة إلى تأمين الوصول إلى المطار لمن يريدون العودة إلى مصر، وهو ما حدث معي، إذ عدت إلى مصر، في 20 مايو الجاري”.

من جهته، أعلن السفير أحمد أبو زيد – المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية-، في بيان له، الجمعة، عن نجاح “الخارجية” في احتواء وإنهاء أزمة الطلاب المصريين في قرغيزستان بشكل نهائي، وإنهاء الإجراءات اللازمة للإفراج عن الطلاب المحتجزين وإعادتهم إلى مقر إقامتهم، وتبكير موعد الامتحانات لمن يرغب منهم في العودة مبكرًا إلى مصر، كما سُمِح لطلاب السنوات الدراسية الأولى بالمغادرة مع الالتزام بالعودة إلى تأدية امتحاناتهم بعد الإجازة الصيفية، تداركًا للآثار السلبية على نفسية الطلاب.

 

وعود المسؤولين تغيرت

رحلة “عبد العزيز” من السودان إلى قرغيزستان، والمعاناة التي عاشها لم تكن هائلة مقارنة مع ما عاشه الشاب المصري مينا رفعت، الذي كان قد أنهى عامه الدراسي الرابع، بكلية طب الأسنان في جامعة “أوديسا” الحكومية الأوكرانية (تكلّف رسومًا دراسية تقدر بنحو خمسة آلاف دولار في العام الدراسي الواحد)، حين اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير من عام 2022، ليعيش هو وزملاؤه نحو 40 يومًا من الرعب والقلق، وهم عالقون في سكنهم الطلابي وسط أصوات القصف العشوائي والانفجارات، أو مختبئين في قبو المول التجاري مع السكان، خوفًا من الغارات.

يتذكر “رفعت” في حديثه معنا ما حدث، يقول: “أصبحت البلد في حالة إغلاق، لا بنوك أو صرافات مفتوحة، آلات الصراف الآلي خالية من الأموال، والمحلات التجارية أغلبها مغلق، وأصبحت الأولوية للأوكرانيين في كل شيء حتى في شراء الاحتياجات من السوق. كان القصف عشوائيًا في بداية الحرب، لم أتمكن من العودة إلى مصر إلا بعد مرور 40 يومًا، وجامعة أوديسا رفضت منحنا ملفاتنا الدراسية، لكن مسؤولين في مصر وعدونا بأننا سنجد لنا مقاعد دراسية بالجامعات حين نعود”.

كانت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، نبيلة مكرم، قد أعلنت في مارس من عام 2022، عن بدء استقبال أوراق الطلاب العائدين من أوكرانيا من الراغبين في استكمال الدراسة في مصر، وفق الضوابط التي أقرها مجلس الوزراء، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتمثلت في قبول تحويل الطلاب المصريين المقيدين للدراسة بالجامعات الأوكرانية قبل اندلاع الأحداث، على أن يُقدم ما يُثبت صحة أنه مقيد بجامعة أوكرانية في العام الجامعي 2021/2022، وشهادة بالمقررات التي درسها ومُحتواها العلمي، واختبار تحديد المستوى الدراسي من جامعة القاهرة أو جامعة عين شمس وفقًا للتخصص العلمي، وفي حال تعذر تقديم شهادة المقررات خلال فترة ثلاثة شهور، يصبح قرار التحويل منعدمًا.

في المقابل، أكد وزير التعليم العالي السابق، خالد عبد الغفار، وقتئذٍ، أنه لا مكان للطلاب العائدين من أوكرانيا في الجامعات الحكومية، وأنهم يمكن أن يستكملوا دراستهم في الجامعات الخاصة والأهلية، بعد أن يخضعوا لاختبار تقييم مستوى دراسي في مصر، على أن يكون الطالب قد اجتاز المواد التأهيلية للدراسة في الكلية التي يدرس فيها.

التعهدات التي تلقاها “رفعت” وزملاؤه، يرى أنها اختلفت بعد رجوعهم إلى مصر؛ حيث أجري لهم اختبار، ثم أُبلغوا من التعليم العالي أن طلاب طب الأسنان سيعيدون سنة دراسية. أما طلاب الطب البشري سيعيدون سنتين، وأنه ليس أمامهم سوى الالتحاق بواحدة من ثلاث جامعات خاصة هي: “فاروس بالإسكندرية، النهضة في بني سويف، وبدر بالقاهرة”؛ لذا تراجع وبعض زملائه عن فكرة الدراسة بمصر، ولجأوا للتفاوض مع جامعتهم الأوكرانية، والتي عرضت عليهم الذهاب إلى جامعة بديلة في دولة چورچيا.

يقول “مينا” إنه انتظر ثمانية أشهر حتى صدر له تصريح السفر إلى چورچيا، وكانت معه تأشيرة سياحية رفقة عدد من زملائه، إذ لم تمنحهم الجامعة هناك تأشيرة دراسة، لذا قامت السلطات الچورچية بترحيلهم وإعادتهم إلى القاهرة، وفي ذلك الوقت كان اليأس يتسرب إلى نفس طالب طب الأسنان، الذي قضى قرابة العام، دون أن يعرف مصير مستقبله الدراسي، حتى سمع من زملائه بأمر الدراسة في قرغيزستان؛ فتوجه على الفور إلى إدارة البعثات التعليمية بوزارة التعليم العالي للاستفسار عنها، والعمل على إجراءات السفر والتقديم إلى الجامعة في بشكيك.

يقول “رفعت”: “لا شك في أن الدراسة والحياة في أوكرانيا أفضل من قرغيزستان، لكننا لم نجد جامعات في دولة أخرى تستقبلنا بعد عودتنا من أوكرانيا، دون أن نضطر إلى إعادة سنوات دراسية، هنا نسدد 3800 دولار رسومًا سنوية مقسمة على فصلين دراسيين، ويتقاضى منا وسيط التعاقد بيننا وبين الجامعة مبلغ يتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار سنويًا. أنهيت قبل شهرين دراسة طب الأسنان، وكنت أستعد لسنة الامتياز والدراسات العليا”، موضحًا أن الاضطرابات التي شهدتها قيرغيزيا وأعمال الشغب والعنف واستهداف الأجانب والمصريين، جعلته يشعر بالقلق، ويعيد التفكير في أمر استكمال الدراسات العليا بهذه الدولة.

 

إقبال على الدراسة بالخارج

بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” فقد ازدادت أعداد الطلاب المصريين في الخارج أكثر من ثلاثة أضعاف خلال 20 عامًا، من ثمانية آلاف و800 طالب في عام 2000 إلى نحو 34 ألف و900 طالب مصري في العام الدراسي 2018/2017، فيما صرح خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي السابق في عام 2020، أن هناك نحو 20 ألف طالب مصري يدرسون بالجامعات في الخارج، بمعدل إنفاق 20 مليار جنيه تقريبًا.

لا توجد احصائيات رسمية تظهر عدد الطلاب المصريين الذين يدرسون بجامعات في الخارج خلال العام الدراسي 2023- 2024، لكن آخر إحصائية صادرة عن الإدارة المركزية للبعثات بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في 2021، أظهرت أن عدد الطلاب الذين سافروا للدراسة بالخارج للعام الجامعي (2021- 2022)، بلغ نحو ألفين و213 طالبًا، ووفقًا للإحصائية حلّت الجامعات الروسية في المركز الأول بين  الجامعات التي سجّل المصريون للدراسة بها، إذ سجلّت نحو خمسة آلاف و 579 طالبًا مصريًا، وجاءت أوكرانيا في المركز الثاني بنحو ألفين و169 طالب ، ثم الجامعات السودانية في المرتبة الثالثة مسجلة نحو ألف و453 طالبًا، وحلت ألمانيا رابعة بنحو ألف و379 طالب، وسجلت بريطانيا المركز الخامس بنحو ألف و243 طالب مصري. 

ويأتي الإقبال المتزايد من الطلاب على الدراسة في الخارج، رغم تزايد أعداد الجامعات المصرية خلال العشر سنوات الأخيرة، بنسبة تمثل نحو 122%؛ إذ بلغ عددها 109 جامعات حكومية وأهلية وخاصة تكنولوجية مقارنة بــ 49 جامعة فقط في 2014، بحسب تقرير صادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ إذ يوجد في مصر 28 جامعة حكومية و32 جامعة خاصة، و20 جامعة أهلية، وعشر جامعات تكنولوجية، وتسع فروع لجامعات أجنبية، وست جامعات باتفاقيات دولية، وجامعتين باتفاقيات إطارية، وجامعة بقوانين خاصة، وأكاديمية تُشرف عليها وزارة التعليم العالي، بجانب المعاهد، و 11 مركزًا بحثيًا.

وكان تصنيف QS العالمي للاستدامة لعام 2024، ويشمل أفضل 1400 جامعة على مستوى العالم، قد أدرج 18 جامعة مصرية لهذا العام، بزيادة ثلاث جامعات عن العام الماضي، وأدرج أربع جامعات مصرية ضمن أفضل 20 جامعة في المنطقة العربية، وتشمل: “جامعة القاهرة، جامعة المنصورة، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، جامعة عين شمس”، وتأتي جامعة القاهرة بالمرتبة (330 عالميًا)، وجامعة المنصورة بالمرتبة (364 عالميًا)، ثم الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالمرتبة (609 عالميًا)، وجامعة عين شمس بالمرتبة (695 عالميًا).

 

استثناء المجموع في حالة الحرب

يعزي محمد حلمي الغر – مستشار وزير التعليم العالي، أمين عام المجلس الأعلى للجامعات الخاصة والأهلية-، سفر العديد من الطلاب المصريين للدراسة في الخارج إلى انخفاض علاماتهم النهائية في الثانوية العامة، التي لم تمكنهم من القبول بالكليات الحكومية الراغبين بها، وأيضًا جاءت دون الحد الأدنى للقبول في الجامعات الخاصة،  إضافة إلى انخفاض التكلفة الاقتصادية للدراسة في بعض الجامعات الأجنبية في السودان وبعض دول شرق أوروبا وآسيا الوسطى، مقارنة مع نظيراتها من الجامعات الخاصة في مصر، معتبرًا أن هذا الفارق تقلص مع ارتفاع قيمة الدولار اللازم للدراسة بالخارج.

ويشير “الغر” إلى أن وزارة التعليم العالي تنشر كل عام على موقعها الإلكتروني لائحة بـ الجامعات الأجنبية حول العالم، المعتمد شهادتها في مصر، ويقدم الطالب بعد تخرجه وعودته إلى مصر على عمل معادلة ومراجعة المواد الدراسية التي حصل عليه، وتخضع مسألة دخوله لامتحان إلى المستوى العلمي للجامعة التي تخرج منها، ناصحًا أي طالب يخطط للدراسة بالخارج أن يعود إلى اللائحة قبل أن يتورط ويدرس في جامعة غير معترف بشهادتها في مصر، لأنه حال رغبته في التحويل منها أو حتى تخرجه، يعتبر في نظر اللوائح المصرية حاصلاً على شهادة الثانوية العامة فقط، ودون مؤهل جامعي.

يوضح مستشار وزير التعليم العالي في حديثه إلى “زاوية ثالثة“، أن التحويلات من الجامعات خارج مصر إلى الجامعات المصرية مفتوحة للطلاب المصريين في أي وقت وليس فقط أوقات الحروب، شرط أن يكون المجموع الذي حصل عليه الطالب في الثانوية العامة ليس دون الحد الأدنى للقبول بالكلية المناظرة لتلك التي يدرس بها في الخارج، لافتًا لكون الدولة وضعت استثناء لشرط المجموع في التحويلات بالنسبة للطلاب العائدين من الدول التي تشهد حروب، بموجب قرار صدر في 13 مايو 2023، وهو لا يسري على من التحق بجامعة في تلك الدول بعد تاريخ صدور القرار، لـ قفل الباب على أي محاولة للالتفاف على اشتراط الحد الأدنى للقبول بالكليات.

وكانت  الجامعات الخاصة والأهلية قد فتحت في مايو من العام الماضي باب التقدم أمام الطلاب المصريين العائدين من روسيا وأوكرانيا والسودان للتقدم والتحويل لاستكمال الدراسة بالجامعات المصرية، حتى أول أكتوبر 2023، تنفيذًا لقرار مجلس الوزراء بالموافقة على تحويل الطلاب المصريين الدارسين بالجامعات السودانية، والروسية، والأوكرانية؛ لاستكمال دراستهم بالجامعات الخاصة والأهلية، وفقًا لعدد من الضوابط والإجراءات التنفيذية.

 

القرار لا ينطبق على أعمال العنف

من جهتها، تؤكد النائبة غادة عجمي – عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان-، في حديثها معنا أن كلًا من وزارتي الخارجية والتعليم العالي تعملان على قدم وساق بالتنسيق مع اللجنة، لمتابعة مشكلات الطلاب المصريين في الخارج والعمل على حلها، ولا سيما في الدول التي تشهد اضطرابات، مبينة أنه في حال وقوع حرب في دولة ما يدرس بها طلاب مصريون، فإن وزارة الخارجية المصرية تبذل جهدًا للتواصل مع الجامعات التي يدرسون بها للحصول على ملفاتهم الدراسية، لكن بعض الجامعات تتعنت أحيانًا لأمور داخلية خاصة بها كـالموارد المالية والرسوم الدراسية الخاصة بالطلاب، ما يتسبب في تعطيل الطلاب العائدين لفترة عن الالتحاق بجامعة جديدة، كما تصدر وزارة التعليم العالي بالاشتراك مع المجلس الأعلى للجامعات، قرارًا بفتح التحويلات، وفقاً للوائح المجلس واشتراطاته، وهو ما حدث في حالة الحرب الأوكرانية أو السودانية، وتُجْرَى اختبارات لتقييم مستوى الطلاب في مناهج السنة الدراسية الحالية أو السنة السابقة، ويعود الطالب ليدرس العام الدراسي السابق أو العامين السابقين، حتى يتوافق مع المناهج الدراسية الجامعية في مصر حال كان سيستكمل دراسته بها، ولكن ذلك لا ينطبق على أعمال الشغب والعنف، كما حدث في قرغيزستان.

وتنصح “عجمي” الطلاب المقبلين على الدراسة خارج مصر بالابتعاد عن جامعات تقع في دول الصراعات والاضطرابات والحروب، مؤكدة أن هناك العديد من الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة والأهلية في مصر التي يمكنهم الدراسة بها، موضحة أن انخفاض المجموع الذي يحصل عليه الطلاب في الثانوية العامة دون الحد الأدنى للقبول في الجامعات الخاصة الذي حدده المجلس الأعلى للجامعات، هو ما يدفعهم للدراسة في بلدان أخرى كالسودان أو دول شرق أوروبا وآسيا الوسطى.

ويرى كمال مغيث – الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية-، أن انخفاض التكلفة المعيشية والرسوم الدراسية في جامعات بعض البلدان مقارنة بالجامعات الخاصة في مصر، إضافة إلى عدم توافق الحد الأدنى للقبول بالجامعات الحكومية والخاصة مع رغبات الطلاب الحاصلين على مجموع منخفض بالثانوية العامة في الالتحاق بكليات القمة كالطب والهندسة والصيدلة، ما يدفعهم للسفر إلى الدراسة في السودان ودول شرق أوروبا ووسط آسيا، إضافة لفتح أبواب خلفية غير شرعية لدارسي الشعبة الأدبية للالتحاق بكليات الطب والهندسة في بعض جامعات أوكرانيا وبلغاريا وغيرها، معتبرًا أن إلحاق الطلاب العائدين من الخارج بالجامعات المصرية، يعد ظلمًا لأقرانهم، ما دام مجموعهم بالثانوية العامة دون الحد الأدنى للقبول بها، كي لا تتحول الدراسة خارج مصر لوسيلة التفاف وتحايل على شرط المجموع.

ويوضح “مغيث” في حديثه معنا أن ارتفاع الحد الأدنى للقبول بالجامعات الحكومية والخاصة مقارنة مع دول أخرى يأتي بسبب عدم وجود مقاعد دراسية كافية بالجامعات، لاستيعاب الأعداد الكبيرة للحاصلين على الثانوية العامة في مصر؛ فكل كلية تحدد المجموع اللازم للقبول بها، وفقًا لقدرتها الاستيعابية، مبينًا أن النظام التعليمي في مصر يعتمد على المجموع كمعيار وحيد للدخول إلى الجامعة، وتحدد بعض الكليات اختبارات للقبول كـشرط إضافي، بينما توجد أنظمة تعليمية في دول أخرى ترتبط باختبارات أو مقابلة شخصية للالتحاق بالكلية أو اجتياز سنة تمهيدية أو دراسة مواد بعينها.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search