يقدر حجم مخلفات زيت الطعام المُستعمل أو الهالك سنويًا بنحو 500 ألف طن. كما ينمو في مصر سوق مخلفات زيت الطهي المستخدم، تقدّر تجارة زيت الطعام المستخدم في مصر بنحو 14 مليون، حسب تصريحات نور العسال -الشريك المؤسس لشركة تجدد الناشئة المصرية-، والذي أفاد بأن هناك 26 شركة (رسمية) تعمل في زيت الطهي المستعمل داخل مصر حاليًا، مهمتها إنتاج وقود الديزل الحيوي وصناعة الصابون والتصدير.
انتشرت في مصر ظاهرة جامعي الزيوت المستعملة من المنازل والمطاعم والفنادق، حيث يحصلون عليه بمقابل مالي يصل إلى 30 جنيهًا (0.98 دولار) للكيلوجرام الواحد في مناطق بالقاهرة. عبر تجولهم في الشوارع وإطلاق نداءات لربات البيوت تسمح لهم بالاستحواذ على كميات من الزيوت المستهلكة بدلًا عن محاولة التخلص منها في الصرف الصحي. أيضًا انتشرت دعاية واسعة عبر وسائل التواصل الإجتماعي لأفراد أو كيانات تعرض شراء الزيت المستعمل بمبالغ لا تبعد كثيرا عن قيمة سعر الزيت الجديد الذي يباع بالمحال التجارية.
تجارة الزيت المستخدم على وسائل التواصل
عشرات الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تعلن يوميًا عن حاجتها لشراء زيوت الطهي المستعملة في مقابل مبالغ مرتفعة نسبيًا، وهو ما يحفز المواطنين على التعامل معها، بدلًا من إهداره دون فائدة. أعلنت صفحة عن برنامجها للشراء عبر إعلان لها توضح فيه أن: “أسعارها تنافسية” وحثت على بيع الزيت المستخدم لهم بدلًا من بيعه لمتجولين مجهولين، موضحة أن منصتهم حاصلة على كافة التراخيص اللازمة لجمع والتخلص الآمن من الزيوت المستعملة.
تهدف تجارة زيت الطعام المستعمل على السوشيال ميديا إلى إعادة تدوير الزيوت وبيعها للمصانع التي تستخدمها في صناعات مختلفة مثل الوقود الحيوي أو الصابون أو الديزل. “هذه الفكرة توفر دخل إضافي للأسرة وتحمي البيئة من التلوث” وفق تاجر زيت طعام مستخدم.
يقول سعيد -تاجر زيوت مستعملة- في حديثه إلى “زاوية ثالثة” إنه يتواصل مع المواطنين عبر صفحات السوشيال ميديا لشراء الزيت، ثم يقوم بتوريده للمصدرين الذين يصدرونها للخارج بالدولار. مضيفًا أن هذا المشروع يواجه بعض الصعوبات في التسويق والتمويل والنقل والتخزين والبيع، لكنه يشهد إقبالًا كبيرًا من المواطنين.
ومجيبًا على سؤال عن قانونية وضعهم؛ يضيف: “الوضع القانوني لبيع زيت الطعام المستعمل في مصر غير واضح جدا”. وأن “هناك بعض الشركات التي تنتج الوقود الحيوي من زيت الطعام المعاد تدويره، مثل شركتي: تجدُد ودلتا أويل” ويضيف ” تخبر الشركات صغار التجار والسماسرة أن لديها التراخيص والشهادات اللازمة للقيام بذلك”. مختتمًا أنه “لا يسعى لمعرفة رأي القانون لأن عمله ينتهي بمجرد تسليم بضاعته إلى المصنع”.
رحلة الزيت المجهولة
رحلة مجهولة يخوضها الزيت منذ أن تتلقفه أيدي جامعيه من المنازل. يقول حسام (شاب عشريني يعمل في جمع الزيوت) إنه يجوب شوارع حلوان مستخدما مكبر الصوت وينادي بأن كيلو الزيت ب27 جنيه، يساعده طفل في العاشرة،يتولى مهمة الصعود إلى المنازل وجمع الكميات من الزبائن.
يذكر حسام أن هناك بعض المواطنين الذين يسألونه عن مصير الزيت بعد بيعه، ويجيبهم أنه يبيعه لمصانع المنظفات التي تستخدمه في صناعة الصابون والشمع، بهامش ربح قليل جدًا يمثل جنيهًا للكيلوجرام الواحد. ويضيف أن هناك بعض السماسرة يقومون ببيعه إلى مصانع تقوم بتكريره وتنظيفه ليباع مرة أخرى كزيت طهي.
يعاقب قانون حماية المستهلك 181 لسنه 2018 الذي ينظم التعامل مع الغش التجاري وينص على أنه كل “يمثل نقص أو اختلاف في المكونات الأساسية للمنتج عن المواصفات الرئيسية فأي اختلاف في هذه المواصفات أو أي اختلاف في هذه المواد المكونة للمنتج يعتبر غشا تجاريا”. ونص قانون حماية المستهلك على أن العقوبة في هذه الحالة تتراوح ما بين 10 آلاف جنيه إلى 2 مليون جنيه وفي حالة وقوع ضرر على المستهلك تصل العقوبة للحبس.
في محاولة لتتبع رحلة الزيت المستعمل وإمكانية استخدامه في بعض المطاعم كما أخبرنا حسام، قال أصحاب مطاعم في مدينة نصر، أنه من غير المحتمل استخدام الزيوت المستعملة. يقول محمد العامل بمطعم فلافل فول في مدينة نصر بالقاهرة، إن “الزيت المستخدم جديد وغير مستعمل وأنهم يتعاملون مع مورد واحد معروف من سنوات ويقوم بالتوريد يوميا لأغلب مطاعم المنطقة”.
في حين يذكر أحمد عبد الحفيظ -مدير شيفت بأحد مطاعم الفول والطعمية في المدينة ذاتها- أن استخدام زيت مستعمل من رابع المستحيلات؛ لأنه لا يمكن استخدامه بسبب الرائحة الكريهة التي ستنتج عنه وتظهر في الأطعمة، ومن الممكن معرفة إذا كان الزيت مستعملًا أو لا من خلال ظهور رغاوي وقت غليانه.
رغم أن أحدًا من أصحاب المطاعم لم يدل بأي تصريح يفيد باستخدامه مخلفات زيت الطعام، إلا أن ما يطرح تساؤلات وشكوك حول رحلة زيت الطعام المستخدم، هو عدد الضحايا الذين أصيبوا بأمراض أو سموم بفعل إعادة تدوير تلك الزيوت، هذا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية الذي صاحبه ازدحام الأسواق بسلع مجهولة المصدر لكنها أقل سعرا؛ وعلى رأسها الزيت. إضافة إلى ما ينشر بشكل دوري عن الضبطيات التي تقوم بها الجهات المختصة بشكل شبه يومي لمصانع غير قانونية تقوم بتعبئة وبيع زيوت مجهولة المصدر.
على سبيل المثال، أعلنت مديرية أمن القاهرة ضبط تاجر بدائرة قسم شرطة الأميرية؛ لتوزيعه 3 طن زيت طعام مجهولة المصدر وبدون مستندات دالة على مصدرها.
محافظة الجيزة تضبط مصنع يعيد صناعة الزيوت المستخدمة بالمطاعم والمنازل ويبعها مجددًا
قال رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات بوزارة البيئة طارق العربي، أن هناك آلية جديدة لإحكام السيطرة على جمع وإعادة تدوير زيوت الطعام المستعملة، حيث سيتم تشديد الرقابة على الشركات والمصانع العاملة في مجال إعادة تدوير الزيوت المستعملة.
وأضاف العربي في تصريحات صحفية، مارس 2023، أنه تم التنسيق بين جهاز تنظيم إدارة المخلفات بوزارة البيئة وهيئة التنمية الصناعية لإحكام السيطرة على السوق غير الرسمي لجمع زيوت الطعام المستعملة، مشيرًا إلى أن الزيت المستعمل من المخلفات غير الخطرة، وبالتالي يتعين على الشركات العاملة في مجال الجمع والنقل لهذه الزيوت التقدم لجهاز تنظيم إدارة المخلفات التابع لوزارة البيئة للحصول على تراخيص مزاولة نشاط جمع ونقل هذه الزيوت.
التدوير لصالح البيئة
تقول مريم عفيفي -مؤسسة مبادرة جرين بان المتخصصة في جمع وإعادة تدوير الزيوت المستعملة-، إنهم يقدمون خدماتهم تدوير زيت الطعام المستعمل في صناعات كيميائية؛ منها الوقود الحيوي ويتم تنفيذها من خلال شركة حاصلة على جميع التصاريح من جميع الجهات المعنية بما فيها وزارة الصحة وحاصلة على الشهادة الدولية ISCC.
المبادرة تقوم من خلال التواصل مع الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيق مخصص لها وعبر الخط الساخن بجمع الزيوت المستعملة بكميات مختلفة عبر مندوبيها في مختلف المحافظات، مقابل سلع مثل الزيوت والصابون، تعلن عنها بين الحين والآخر عبر صفحاتها التي يتابعها عشرات الألوف من المواطنين.
وقبل ثلاث سنوات كانت الصحف نشرت خبرًا مفاده أن وزيرة البيئة شهدت توقيع بروتوكول تعاون بين جهاز تنظيم إدارة المخلفات التابع لوزارة البيئة والقطاع الخاص (شركتي افكو وتجدد) للتعاون في مجال دمج المرأة في العمل البيئي من خلال مبادرة (أنتِ البداية)، لتمكين السيدات من إدارة مخلفات منازلهن وتثقيف أسرهن بشأن إعادة التدوير لجميع زيوت الطعام المستعملة من المنازل. وأكدت وزيرة البيئة أن البروتوكول يقدم مدخلًا مختلفًا للتعامل مع تلوث المياه والسعي لمنعه من البداية، ليس فقط بالتوعية بمخاطر التخلّص غير السليم من زيت الطهي المستخدم، بل وإتاحة الفرصة للسيدات للتخلص من تلك الزيوت بطريقة آمنة من خلال إطلاق خدمة “جرين بان” لتدوير زيوت الطهي.
أضرار صحية تؤدي إلى الموت
تحذر وكيل النقابة العامة للأطباء البيطريين ورئيس لجنة سلامة الغذاء الدكتورة شيرين علي زكي، من استخدام الزيت المستعمل. وتقول لـ”زاوية ثالثة”: في البداية لابد من التأكيد على أن الزيت المستعمل هو زيت فقد كل أو بعض خواصه الطبيعية أثناء الإستعمال، وتنخفض جودته كما تتغيّر لزوجته وتزيد الحموضة فيه، كما يزيد محتواه المائي وتكثر الشوائب المعدنية به وهو ما يتسبب في أن لونه يصبح أغمق، وتتغير رائحته. وكل ذلك يكفي لإدراك مخاطر إعادة تدوير أو تكرير مثل هذه الزيوت واستعمالها استعمالات غذائية”.
تضيف: لابد أن نفهم أن هناك تغيرات كيميائية عنيفة وحادة تحدث للزيت تعتمد شدتها على عوامل كثيرة حيث تتكسر هذه الروابط الكيميائية أثناء استخدام الزيت ومع الحرارة وبالتالي تتحلل المواد الغذائية فيه وينتج عنها أكسدة تتسبب في تكوين الشوائب الضارة. وتتلف الزيوت مع الاستخدام بسبب تعرضها للضوء والأكسجين، وبالتالي تتغير خصائصها الطبيعية ولذلك تصبح من مسببات السرطان وغير صالحة لإعادة الاستخدام. مشيرة إلى أن تكرير الزيوت بتلك الطرق التي نشاهدها في مواد فيلمية يبثها بعض الهواة وغير المختصين جريمة في حق صحتنا حيث يتم تنقية لون الزيت فقط لكن يظل تركيبه الكيميائي متغير ومتكسر لروابط ومتحلل المكونات. مطالبة بفتح الملف في البرلمان والالتفات للضبطيات التي قامت بها وزارة البيئة ومباحث التموين، والقبض على كل المتسكعين ممن يجوبون المدن والقرى لشراء الزيت المستعمل من المنازل، ووضع نظام رقابي صارم على زيوت المطاعم المستخدمة.
كانت قد تقدمت النائبة ميرال جلال الهريدي -عضو لجنة الدفاع والأمن القومي-، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الصحة والسكان، والتنمية المحلية، والتموين، والبيئة، حول انتشار ظاهرة قيام بعض الأفراد المتجولين بتجميع وشراء زيوت الطعام المستعملة بهدف إعادة تدويرها وطرحها مرة أخرى بالأسواق. مطالبة المجلس بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الجهات التنفيذية المختصة من أجل منع إنتشار تلك الظاهرة ومحاسبة مرتكبيها بشكل حاسم وسريع.
وكانت وزارة البيئة المصرية قد أطلقت في 2021، مبادرة تحث المواطنين على عدم التخلص من الزيت المستعمل في القمامة أو عبر الصرف الصحي، وقدمت عرضًا باستبداله بزيت جديد.