تهميش النساء في الرياضة: درس من أولمبياد باريس

استبعاد يمنى عياد من الأولمبياد يكشف عن غياب مراعاة النوع البيولوجي والتمييز في الرياضة المصرية
Picture of نادية مبروك

نادية مبروك

“تغيرات فسيولوجية وهرمونية مفهومة لكل السيدات والآنسات والأطباء ونتحفظ على ذكر التفاصيل طبقًا لـ أعرافنا وتقاليدنا المصرية، وحفاظًا على حقوق ونفسية اللاعبة”، بهذه الكلمات فسّر اتحاد الملاكمة المصري استبعاد أول لاعبة مصرية تتأهل للأولمبياد في تاريخ اللعبة الفردية، إلا أن هذا الكلمات كشفت عن عدم مراعاة النوع البيولوجي في القطاع الرياضي المصري، وغياب تكافؤ الفرص والمساواة بين اللاعبين واللاعبات.

كانت الأزمة قد بدأت مع استبعاد اللجنة المنظمة لمنافسات الملاكمة بدورة الألعاب الأولمبية، يمنى عياد – لاعبة منتخب مصر وأول مشاركة نسائية مصرية في لعبة الملاكمة في تاريخ الأولمبياد- من منافسات وزن تحت 54 كيلوجرام، بسبب عدم اجتيازها لجلسة الميزان لهذا الوزن بعد زيادتها عن المعدل المطلوب بنحو 700 جرامًا، لتخرج من الدور الـ 32 أمام الأوزبكستانية نيجينا اوكتاموفا.

أداء الاتحاد حيال أزمة اللاعبة جاء مخيبًا لآمال المصريين، ففي البداية تنصل الاتحاد من الأزمة، وأعلن أنها المسؤولة، لأنها وحسب ليلة المباراة كان ميزانها مثاليًا، ولذلك فإن أي زيادة تتحملها اللاعبة، لأن ذلك يعني عدم الالتزام بالتعليمات، قبل أن يصدر بيان حول التغيرات الفسيولوجية والهرمونية التي استحي الاتحاد من تسميتها بـ “الدورة الشهرية”.

البيان تسبب في حالة من الغضب النسوي، بداية من تعامل الاتحاد مع “الدورة الشهرية” باعتبارها وصم للنساء لا يجب ذكره، أما الثاني فكان تعامله مع يمني دون أي مراعاة لاختلافها البيولوجي، وعدم الكفاءة في التعامل مع احتياجاتها، بحسب ما جاء في بيان مبادرة “سوبر وومن” النسوية، التي اعتبرت البيان يشير إلى تجاهل اللجنة الإهمال الجسيم الذي تعرضت له اللاعبة من عدم إعداد نظام غذائي يناسبها ويضع في الحسبان طبيعتها كأنثى، والمسؤول عنه بشكل مباشر الجهاز الطبي وليس اللاعبة، مطالبة بتقديم اعتذار فوري للاعبة.

 

من البداية 

“نادراً ما يتواجد في أي أكاديمية مساعدة أنثي لدعم الفتيات”، يفسر صاحب أكاديمية “أكو” للتدريب على السباحة، محمود أشرف، أزمة عدم مراعاة الاختلاف البيولوجي للنساء في الرياضات لاسيما الفردية منها مثل السباحة.

يقول في حديثه إلى زاوية ثالثة: “يقتصر دور النساء في الأكاديميات على وظيفة المساعدات الإداريات المختصات بجمع الاشتراكات والتنسيق بين الأكاديمية والنادي، أو تدريب الأطفال الأقل من خمس سنوات، أو النساء اللاتي يتعلمن السباحة من أجل الترفيه وليس المشاركة في مسابقات، ولكن وجود مساعدة تدريب من أجل الفتيات أمر لا تعرفه أغلب أكاديميات السباحة الخاصة أو حتى الأندية”.

ويضيف: “في الأغلب تتوقف الفتيات عن التدريب مع بلوغهن سن الحيض، إذ يفكر الأهالي أنه لا يجوز لهن ارتداء المايوه، ويكون هدفهم ليس مشاركة بناتهن في المسابقات والوصول للأولمبياد، ولكن فقط ممارسة الرياضة وتعلم السباحة؛ ما يجعل الأكاديميات لا تعول عليهن كثيرًا في التنافس بالمسابقات المحلية”.

قبل عامين، عقدت عدة مسابقات محلية في السباحة بمدينة الاسكندرية الساحلية، وتخفيفًا عن الأهالي قام “أشرف” بعقد معسكر للاعبين بأحد الشقق المصيفية، حيث جمع تكلفة الإيجار والمعيشة مدة أسبوع من الأهالي؛ إلا أن هذا المعسكر لم يشمل الفتيات اللاتي شاركن في ذات المسابقات من أكاديميته بسبب عدم وجود مساعدة أنثى، واضطرت الفتيات إلى السفر مع أسرهن، ما اعتبره أمرًا طبيعيًا لأنه لا يمكنه تحمل مسئولية الفتيات، أو تلبية احتياجاتهن.

بحسب “أشرف” فقد تعلم عدم الاعتماد على الفتيات في الأكاديمية، بعد تعليق أمله على إحدى الفتيات التي كانت تحقق أرقامًا جيدة،؛ غير أنه فوجئ بوالدتها في التدريب مع أخيها الأصغر، وهو ما جعله يتساءل عن سبب عدم وجود اللاعبة، الذي فسرته والدتها بأنها لن تستطيع نزول حمام السباحة، وفهم من حديثها أن الفتاة تمر بأول دورة شهرية لها، وخلال شهرين ابتعدت الفتاة عن التمرين نهائيًا.

 

إجراءات خاصة 

من جانبها، تقول أول حكمة مصرية، ومؤسسة الكرة النسائية المصرية، سحر الهواري، إن أثناء عملها في اتحاد الكرة المصرية – وبحسب ما تعلمته في الاتحاد الدولي لكرة القدم- فإنها حرصت على وجود مساعدة أنثى لطبيب الفريق، وقبل أي معسكر أو مباراة، تقوم المساعدة بالاجتماع بالفريق وتحضير جدول خاص  لـ دورتهن الشهرية، ونقله للطبيب، وكذلك طبيب التغذية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، سواء في تغذية الفتيات أو في جدول التدريب والراحة، إذ لا يسمح للفتيات بالتدريب في المعسكر في اليوم الأول والثاني من الدورة، أو تأجيلها تحت إشراف طبي في حالة وجود ضرورة لذلك مثل المباريات الهامة.

تضيف “الهواري” أن تعاملها بهذه الطريقة يعود لسببين؛ الأول احتكاكها بالتجارب الدولية في الاتحاد الدولي لكرة القدم، والثاني كونها امرأة تفهم الطبيعة البيولوجية الخاصة للاعبات، أما باقي الاتحادات فوجود النساء فيها هو أمر نادر، ولا يمكن توقع قيام رجل بفهم هذه الطبيعة.

وتشير إلى أن الأزمة ليست فقط في الدورة الشهرية؛ لكن في الزواج والحمل والولادة، فمثلا في الاتحاد الدولي يسمح لـ المحكمات النساء بالخروج من القائمة الدولية لمدة عام عند الحمل، لأن قواعد الاتحاد لا تسمح لهم بممارسة التحكيم أو ممارسة اللعبة نفسها أثناء الحمل لخطورتها، وفي الوقت نفسه يتم حفظ مكان المحكمة في القائمة الدولية لحين عودتها، ولكن في إطار اللاعبات، ورغم السماح لهن بالعودة إلا أن نادرًا ما تعود اللاعبة مرة أخرى للعب، إما بسبب استغناء النادي وعدم التجديد لها، أو لرفض الأسرة.

ما أشارت إليه “الهواري” فيما يتعلق بالحمل أثار الحديث عن واقعة أولمبية أخرى، هي واقعة اللاعبة ندى حافظ التي تم اقصاؤها من دور الـ 16 بمنافسات السلاح “السايبر”، إذ عانت من عاصفة من الانتقادات بعد إعلانها أنها شاركت في الأولمبياد وهي حامل في شهرها السابع.

ورغم أن ندى ليست اللاعبة الأولى التي تشارك في الأولمبياد في هذه الحالة؛ بل سبقتها عدد من اللاعبات، ورغم عدم منع الاتحاد الدولي للعبة مشاركة اللاعبات الحوامل؛ إلا أن السوشيال ميديا اشتعلت حول مشاركتها التي اعتبرها البعض نوعًا من الفساد، وأن الأفضل إرسال لاعبة أخرى تستطيع المنافسة على ميدالية، رغم أن الوقائع تشير إلى مشاركتها عبر أرقام قارية أهلّتها للمشاركة، وليس عن طريق ترشيح الاتحاد المصري الوطني للعبة. غير أن تعامل وسائل التواصل الاجتماعي فتح الباب حول مشاركات الرياضيات اللاتي خضن تجربة الحمل في اللعبة مرة أخرى، في حين احتفت الصحف العالمية بـ اللاعبة المصرية واعتبرت فعلتها شجاعة وحالة فريدة في تاريخ الألعاب الأولمبية.

 

الأزمة طبقية

في المقابل، يقول الكاتب الصحفي والناقد الرياضي محمد البرمي، إن الأزمة في الألعاب الفردية ليست جندرية وإنما طبقية بامتياز، فهو يري أن القائمين على الألعاب الفردية لا يقدمون دعمًا للاعب، ويتحمل كل شئ، بداية من التغذية ومتابعتها وحتى التدريب.

يصف “البرمي” الاتحادات الرياضية للألعاب الفردية بأنها “اتحادات فقيرة من حيث التمويل”، لذلك فإن الظلم الواقع على اللاعبين يشمل النساء والرجال أيضًا، وفي الأغلب لا يستمر فيها إلا من يستطيعوا تحمل التكلفة المادية للتدريب المستمر خارج النادي، وبرامج التغذية الخاصة، وأجور متابعة التغذية، مضيفًا: “بعد وصول اللاعب لـ مستوى المنافسات الدولية والحصول على الميداليات، يمكن هنا فقط أن نقول أن الاتحاد يمكنه أن يدعم اللاعب، ورغم ذلك لا يكون الدعم بالمستوى المطلوب”.

يشير الناقد الرياضي إلى واقعة اللاعبة ندى حافظ، يقول: “إذا ضربنا المثال باللاعبة ندى، فإنها احتاجت للتدريب خارج النادي، وبرنامج تغذية ومتابعة طبية لم تتوفر لها بالاتحاد قبل الوصول للمنتخب على الأغلب”.

ويشدد على أن أغلب اللاعبات المتزوجات يتخذن قرار تأجيل الحمل لفترة، للاستمرار في المشاركة باللعبة، ومثال على ذلك اللاعبة بسنت حميدة المتزوجة بمدربها (عداءة مصرية تحمل أرقام قياسية في سباقي 100- 200 متر)؛ إلا أنها قررت تأجيل الحمل لفترة”، مشيرًا إلى أن اللاعبات يقررن تأجيل الحمل قبل الاولمبياد، أو محاولة الحمل بعد الأولمبياد مباشرة، لوجود فرصة ثلاثة سنوات للتأهيل البدني للعودة للعبة مرة أخرى؛ إلا في حالة وجود بطولات قارية مؤهلة للأولمبياد، حينها يكون القرار هو تأجيل الحمل.

يوضح “البرمي” أن الاتحادات والأندية ليس لديها أي برامج لتأهيل اللاعبات بعد عودتهن من الحمل والولادة على غرار الاتحادات الاجنبية، لذلك فإن عودة اللاعبات مرة أخرى للعب بعد الولادة هو أمر نادر في مصر، ويرجع لظروف اللاعبة نفسها سواء المادية أو الإرادة أو عرقلة أو دعم زوجها لها.

ما قاله “البرمي” عن الاتحادات الفردية، يشير إلى ما قاله الملاكم السابق علي عصام في فيديو له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” بأن يمني لا علاقة لها باستبعادها، مشيرًا إلى أن مدربها منعها من شرب المياه قبل المنافسات بثلاثة أيام، وأن الأزمة في الميزان الموجود معها؛ لأنه ميزان “دواجن وبضائع” وليس ميزان بشري؛ لذا فليس دقيق، مشيرًا إلى أن الاتحاد تنصل من المسئولية بعبارة التغيرات الفسيولوجية، وأن الاتحاد لم يوفر للاعبة طبيب تغذية.

معلقة، تقول رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، أن تصريحات المدرب والاتحاد المصري للملاكمة كانت صادمة لها، لأن يمنى عياد هي تاريخيًا اللاعبة الأولى التي تصعد للأولمبياد في تاريخ لعبة الملاكمة المصرية، وكانت التصريحات تنم عن تفاجئ الاتحاد والمدرب بأن “يمني لاعبة أنثي تأتيها الدورة الشهرية، وهو ما ينم عن عدم فهم اتحاد الملاكمة، وغيرها من الاتحادات الرياضية الطبيعة البيولوجية للمرأة، والنوع الاجتماعي”.

تضيف في حديثها إلى زاوية ثالثة أن المرأة لها أدوار اجتماعية متعددة، منها دور بيولوجي مهم وهو الحمل والولادة، إلا أنهن لا يستطعن ممارسة حياتهن الطبيعية أثناء ممارستهن للرياضة في مصر، إلا في حال التخلي عن دورهن كـ لاعبات، تستكمل: “ظهر ذلك بصورة جلية في أزمة ندى حافظ التي لاحقتها حالة من الوصاية المجتمعية، إذ هوجمت بحجة الفساد تارة، وحماية الجنين تارة أخرى، رغم أنها ليست الأولى، ورغم أن قوانين اللعبة و الاتحاد لا تمنع مشاركة النساء الحوامل، إلا أنه أمر نادر على الصعيد المصري”.

تطالب “السعيد” بوضع سياسات لقضايا النوع الاجتماعي في الوسط الرياضي؛ بما يضمن للنساء المشاركة الفعالة رياضيًا، دون التعثر بالطبيعة البيولوجية أو اضطرارها للتخلي عن دورها البيولوجي من أجل اللعبة.

نادية مبروك
صحفية مصرية متخصصة في التحقيقات والتقارير

Search