مظاهرة نادرة في الإسكندرية: وتعتيم على أماكن احتجاز المتظاهرين

ألقت قوات الأمن القبض على عدد غير معلوم، في تظاهرة احتجاجية رفعت لافتات رافضة لارتفاع الأسعار وسوء الأحوال المعيشية تحت شعار “جوّعتنا يا سيسي”
زاوية ثالثة

ألقت قوات الأمن القبض على عدد غير معلوم أمس الجمعة، في تظاهرة احتجاجية في منطقة الدخيلة بحي العجمي غرب محافظة الإسكندرية شمال مصر، وانطلقت التظاهرة التي ضمت أعدادًا محدودة عقب أداء صلاة الجمعة، ورفع المتظاهرون لافتات رافضة لارتفاع الأسعار وسوء الأحوال المعيشية تحت شعار “جوّعتنا يا سيسي”.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها زاوية ثالثة، فإن التظاهرة خرجت بشكل عفوي من المواطنين ساكني المنطقة، فيما تدخلت قوات الأمن لفض التظاهرة بعد دقائق من انطلاقها، وألقت القبض على العشرات الذين حُقِّق معهم من قبل الأمن الوطني قبل إخلاء سبيلهم، فيما استمر احتجاز عدد آخر من المتظاهرين، ولم يعلن عن مكان احتجازهم حتى الآن.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي لمنصتي إكس والفيسبوك مقطعًا مصورًا، يظهر مشاركة العشرات في تظاهرة بمنطقة الدخيلة، حاملين لافتات كُتب عليها: “جوعتنا يا سيسي”، و”ارحل يا عواد” و”الشعب والشرطة والجيش يد واحدة”. فيما دوّن المتظاهرون تاريخ اليوم على اللافتات لمزيد من التوثيق ومنعًا للتشكيك فيها.

تأتي تلك التظاهرة الاحتجاجية بعد أيام من تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لأمين شرطة مصري صعد فوق لوحة إعلانية في سيدي جابر بمحافظة الإسكندرية، وقد وثق الفيديو هتاف الشاب ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حاملًا علم فلسطين.

مظاهرات عفوية

قال المحامي الحقوقي محمد رمضان إنه حتى الآن لا يوجد معلومة رسمية عن عدد وأماكن المواطنين الذين ألقي القبض عليهم في مظاهرات الدخيلة أمس الجمعة.

وأوضح في حديثه إلى “زاوية ثالثة” أن هناك معلومات تفيد باستمرار احتجاز سبعة مواطنين ممن ألقي القبض عليهم أمس الجمعة، كما أفادت بعض المعلومات بأنهم عُرِضُوا على نيابة أمن الدولة العليا دون محامين، لكن حتى الآن لم يتسن التحقق من تلك المعلومات.

وأكد المحامي الحقوقي على أنه هناك حالة تعتيم شديد على المعلومات الخاصة بالمعتقلين. مشيرًا إلى أن قوات الأمن كانت قد ألقت القبض على عدد كبير من المتظاهرين قبل أن يُخْلَى سبيلهم بعد ساعات دون التحقيق معهم وفقًا لما حصلوا عليه من معلومات أولية.

من جهته، قال المحامي عمرو محمد إن هذه المنطقة كانت قد شهدت تظاهرات احتجاجية محدودة جدًا في وقت سابق خلال ارتفاع أسعار السجائر. مشيرًا إلى أن المتظاهرين جميعهم مواطنون غير تابعين لكيانات سياسية، ما يدل على تزايد حالة الغضب لدى المواطنين، وينذر باحتمالية خروج مثل هذه الاحتجاجات.

اعتداء أمني على ضابط جيش رفض إهانة المحتجين

قالت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أنها وثقت التعدي بالضرب على حسن صبري المرقصاوي، 43 عاما، ويعمل صف ضابط بالقوات الجوية المصرية على يد قوات الأمن، وذلك بعد رفضه السباب التي وجهها له أفراد الأمن لعشرات المواطنين المحتجين خلال فض التظاهرة.

وبحسب ما وثقته الشبكة المصرية، فقد تصادف مرور ضابط القوات الجوية المصرية- في أثناء المظاهرة، وعندما رفض الإهانات، وأبلغهم أنه صف ضابط بالقوات الجوية المصرية، رافضا التعدي على المواطنين، فما كان من أحد ضباط الأمن المصري المتواجدين إلا التعدي عليه بالسب والضرب.

من جهتها، أدانت الشبكة المصرية كافة الانتهاكات الجسيمة التي قام بها الأمن المصري، وشملت التعدي بالضرب والإهانة بحق المواطنين، الذين سحقتهم الأحوال المعيشية الصعبة، والظروف الاقتصادية المزرية، وارتفاع جميع أسعار السلع، ومستلزمات الحياة الأساسية، ولا سيما مع دخول شهر رمضان، وعدم قدرة المواطن المصري على توفير مستلزمات منزله، وعدم إمكانية الاستمرار في الاقتراض بشكل شهري، والتي أثقلت حياة المواطنين، وجعلتها شبه مستحيلة.

وحملت الشبكة السلطات المصرية نتيجة هذه الأزمات الاقتصادية الكارثية، وطالبت بالتخفيف عن كاهل المواطن بدلًا من استخدام الحلول الأمنية وضرب وسجن المواطنين. كما طالبت الشبكة المصرية الأجهزة الأمنية والنيابة العامة بالتدخل، وسرعة إخلاء سبيل جميع الموقوفين على خلفية تظاهرات الأمس وإعادتهم إلى منازلهم.

كتب المتظاهرون تاريخ اليوم الجمعة 15/3/202.
كتب المتظاهرون تاريخ اليوم الجمعة 15/3/202.

عصا الأمن لن تجدي نفعًا

تأتي المظاهرة في الوقت الذي تشهد فيه السلع الغذائية الأساسية في مصر ارتفاعات متزايدة تزامنًا مع شهر رمضان، متأثرة بندرة العرض وزيادة الطلب بالأسواق، وارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه.

وشهدت مصر خلال السنوات الماضية قمعًا لكل أنواع الاحتجاجات، وذلك عقب إقرار قانون التظاهر الصادر عام 2013، وهو ما تسبب في غلق المجال العام وتقييد حرية الرأي والتعبير في مصر.

يرى الباحث الاقتصادي والسياسي زهدي الشامي -نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي-، أن المظاهرات التي شهدتها منطقة الدخيلة متوقعة، وذلك في ظل ضغط شديد يمارس على المجال السياسي والقوى السياسية التي عانت على مدار السنوات الماضية من الملاحقة الأمنية والقبض على كوادرها الحزبية، وهو ما ترك المساحة لظهور احتجاجات عفوية وغير منظمة وهو الخطر الكبير الذي تحدثنا عنه كثيرًا.

وأضاف “الشامي” أن الانفجار المجتمعي إذا حدث بشكل عفوي على نطاق واسع سيكون هناك أزمة غير محسوب لها في ظل نظام لا يترك أي مساحة للرأي والتعبير، في وقت نجح النظام بشكل كبير في تنحية قوى المعارضة جانبًا عن الساحة السياسية ومنعهم من الاشتباك مع المواطنين والمجتمع.

وأشار نائب رئيس حزب التحالف الشعبي إلى أن التظاهر السلمي حق دستوري، وكان من الأولى على الأجهزة الأمنية احترام الدستور في هذه الفعاليات وعدم التعرض للمواطنين، لكن هذا لا يحدث، ومن المتوقع أن “نشهد مثل هذه الاحتجاجات خلال الفترة القادمة، ومواجهة تلك الاحتجاجات بالعنف ليس حلًا، فالحل الوحيد هو مواجهة الأزمة والعمل على حلها، وليس رفع عصا الأمن في وجه الغاضبين”. معتبرًا أن مظاهرة منطقة الدخيلة جرس إنذار.

في السياق نفسه، تقول إلهام عيداروس -وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية تحت التأسيس-، في حديثها إلى “زاوية ثالثة” إن الاحتجاجات الشعبية متوقعة وغير مفاجئة. وأشارت إلى أنه خلال الأشهر الماضية، شهدت عدد من المصانع والشركات احتجاجات عمالية منظمة احتجاجًا على الأجور، فيما تقابل الأجهزة الأمنية تلك الاحتجاجات بالقمع والتنكيل.

وأضافت وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية، إن السلطة تستخدم عصا الأمن لقمع الاحتجاجات المنظمة والشعبية العفوية، في ظل حرمان المجتمع من أدوات المفاوضات المجتمعية الديمقراطية، وعلى رأسها النقابات، في الوقت ذاته يعاني المجتمع المصري على المستوى المحلي الحرمان من التمثيل الديمقراطي مثل المحليات، ما يجعل وجود الغضب والإحباط الشديد الناتج عن تزايد الأسعار بشكل غير مسبوق شيئًا طبيعيًّا ومتوقّعًا.

وتساءلت “عيداروس” كيف تتصور السلطة الحاكمة أن المواطنين سيعانون في صمت إلى الأبد، فعندما يعبرون عن غضبهم يُقْمَعُون، لا التعبير المنظم مقبول ولا العشوائي، فالحل الوحيد الآن لتفادي الانفجار الشعبي لدى السلطة، من خلال ضرورة إيجاد توجه اقتصادي وسياسي للتعامل مع الأزمة الاقتصادية.

واختتمت حديثها، بأنّ الدولة كانت معنيّة بمحاربة السوق السوداء لحلّ أزمة الدولار، لأنّها تريد حلّ أزمة المستثمرين الكبار، لكن في المقابل حتّى الآن المواطن لم يشعر بالفرق، ولا يحدث أيّ انعكاس على أسعار احتياجاته الأساسيّة، ولا أبدت اهتمامًا لحلّ أزمات المواطن كما حملت هم المستثمرين.

وأظهرت لقطات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي خروج مظاهرة في الإسكندرية، الجمعة، تندد بنظام السيسي، وتتهمه بتجويع المصريين.

وبحسب ناشطين، فإن المظاهرة النادرة خرجت في حي الدخيلة بمحافظة الإسكندرية.

وقال مكتب الإسكندرية للحماية القانونية عبر حسابه إن قوات الأمن قبضت على مجموعة من المواطنين بمنطقة الدخيلة على خلفية تظاهرهم تنديدا بغلاء الأسعار وصعوبة المعيشة، واحتجزتهم في مكان مجهول.

ورفع أشخاص لافتات كتبت بخط اليد، مكتوبا عليها: “جوعتنا يا سيسي”، وأخرى مكتوب عليها: “ارحل يا عواد”، وتعني ذلك الذي باع أرضه. وكتب المتظاهرون تاريخ اليوم الجمعة  15/3/202.

 

Search