البرلمان المقبل… توزيع مسبق للمقاعد؟

مصر تستعد لانتخابات برلمانية جديدة في ظل قانون انتخابي يكرّس القوائم المغلقة المطلقة ويقصي المعارضة، وسط غياب الإشراف القضائي وانعدام الضمانات.
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

أشهر معدودة تفصلنا عن موعد الانتخابات البرلمانية المزمع إجراءها في مصر نهاية العام الحالي، ورغم المطالب المُلحة من جانب أحزاب المعارضة لتغيير قانون الانتخابات، تتجه الأمور واقعيًا، نحو إعادة صياغة البرلمان بأوجه جديدة، على نفس الطريقة القديمة، في ضوء عدم استجابة الحكومة لأي طرح للتعديل، والإبقاء على القائمة المُغلقة المُطلقة، حتى اللحظة، والتي تمكن أحزاب بعينها جميعها من أحزاب (الموالاة) من اقتناص أغلبية مجلسي الشيوخ والنواب، فيما تظل الفرص أمام المعارضة ضعيفة أو مستحيلة ببعض الحالات.

ورغم عدم تحديد موعد الانتخابات رسميًا، حتى اللحظة، إلا أن الخريطة الانتخابية يمكن قراءتها من خلال نصوص الدستور، إذ تنص القوانين المصرية على الدعوة لانعقاد الانتخابات قبل شهرين من انتهاء أخر دورة برلمانية، والتي تنتهي أكتوبر المقبل، وبالتالي فإن الدعوة لعقد الانتخابات ستكون في أغسطس المقبل مع انعقادها في نوفمبر بحد أقصى، فيما تؤكد مصادر نيابية وحزبية تحدثت إلينا استحالة إجراء أي تعديل جوهري على القانون في الوقت الراهن نظرًا لضيق الوقت، والأهم هو عدم رغبة الحكومة في إقرار القائمة النسبية، لعدم السماح بتمثيل عادل لقوى المعارضة داخل أروقة البرلمان.

ومن جهتها تقول الحكومة إن المقترحات المقدمة بشأن تعديل قانون الانتخابات ما تزال قيد الدراسة، وفي تصريحات تلفزيونية في 5 أبريل الماضي، أكد المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، أنه يجري حاليا الانتهاء من إعداد مشروعات هذه القوانين تمهيدا لإصدارها في أقرب فرصة ممكنة استعدادًا للانتخابات المقبلة، فيما ترجح مصادر مناقشة مقترح القانون مايو المقبل داخل أروقة البرلمان، لكن القراءة الواقعية تثبت أن الأمر مستحيل في الوقت الراهن نظرًا لضيق الوقت وقرب انتهاء دور الانعقاد الأخير.

ويحدد النص الدستوري مدة عضوية البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، بخمس سنوات ميلادية يبدأ حسابها اعتبارا من تاريخ أول اجتماع له، ويجرى انتخاب المجلس الجديد خلال الستين يوما السابقة على انتهاء مدته، وتنتهى الدورة الحالية لمجلس الشيوخ في يوم 17 أكتوبر 2025، كون أول اجتماع له في أكتوبر 2020،  كما تنص المادة 250 المضافة بتعديلات الدستور عام 2019، كما تنتهى  مدة مجلس النواب في 11 يناير 2026 ، نظرا لانعقاده في 12 يناير 2021 ، وذلك وفقا لنص المادة 106 من الدستور، ويبلغ عدد نواب الشيوخ وفقا للنظام الحالي 300 عضو، تم انتخاب ثلثيهم بالاقتراع العام السرى المباشر، نصفهم بالقائمة المغلقة و النصف الآخر  بالنظام الفردي، وعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي، أما مجلس النواب فعدد مقاعده 596 مقعدا، تم انتخابهم وفقا لتقسيم الدوائر لـ 4 دوائر بنظام القائمة المغلقة المطلقة و143 دائرة بالنظام الفردي، وعدد المقاعد المخصصة لنوابه 448 مقعدًا، بجانب 120 مقعدًا للقوائم و28 مقعدًا يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية.

 

نوصي للقراءة: ما نعرفه عن الخلافات حول نظام الانتخابات المحلية في مصر

ما هو نظام الانتخابات الراهن؟

منذ عام 2015، بدأت مصر بتنظيم الانتخابات البرلمانية وفق نظام “القائمة المغلقة المطلقة”، المثير للجدل، والذي ترفضه أحزاب المعارضة بشدة فيما تصر عليه الحكومة وأحزاب الموالاة، وفقًا لهذا القانون تُقسم فيه البلاد إلى دوائر انتخابية يُخصص لكل منها عدد محدد من المقاعد تُملأ بقوائم حزبية أو ائتلافية مغلقة، بحيث يصوّت الناخب للقائمة ككل وليس لأفراد بعينهم داخلها. وتُعد القائمة مغلقة “مطلقة” لأن الناخب لا يستطيع تغيير ترتيب الأسماء داخل القائمة أو اختيار مرشحين منها، كما أن الفوز يكون للقائمة التي تحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات (50% +1) لتحصد جميع مقاعد الدائرة، دون توزيع نسبي على باقي القوائم المتنافسة.

 يطبق النظام، بعد إقرار القانون رقم 46 لسنة 2014 الخاص بمجلس النواب، والذي نص على تخصيص جزء من المقاعد (120 مقعدًا) لنظام القوائم المغلقة المطلقة، إلى جانب مقاعد أخرى يجري التنافس عليها بالنظام الفردي. وتبرر أحزاب الموالاة الاعتماد على هذا النظام بهدف ضمان تمثيل بعض الفئات المُحددة دستوريًا مثل المرأة، والشباب، والمسيحيين، وذوي الإعاقة، والمصريين بالخارج، من خلال إدراجهم بشكل إلزامي داخل القوائم، بما يضمن وجودهم في البرلمان. وقد استمر هذا النظام أيضًا في انتخابات 2020 بنفس الآلية، وسط جدل حول مدى تحقيقه للعدالة التمثيلية، لا سيما أنه يعطي الأفضلية المطلقة للقائمة الفائزة ويحرم القوائم المنافسة من أي مقاعد حتى وإن حصلت على نسب تصويت مرتفعة.

في أغسطس 2023، طرح “الحوار الوطني” الذي يضم نخبة من الشخصيات العامة وممثلي الأحزاب السياسية، ملف تعديل النظام الانتخابي للنقاش، إلا أن غياب التوافق بين القوى السياسية حال دون التوصل إلى صيغة بديلة تحظى بالإجماع. وفي ضوء ذلك، رفع مجلس أمناء الحوار توصيات إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي تتضمن ثلاثة مقترحات للنظام الانتخابي. شملت: الإبقاء على النظام الحالي، أو التحول إلى نظام القائمة النسبية بنسبة 100% في 15 دائرة انتخابية، بشرط ألا يقل عدد المقاعد في كل دائرة عن 40 مقعدًا، أما المقترح الثالث فدعا إلى تبني نظام مختلط يجمع بين القائمة المغلقة المطلقة، والقائمة النسبية، والنظام الفردي بنسب مختلفة. ورغم مرور أكثر من عام ونصف على تقديم هذه التوصيات، لم تُتخذ خطوات فعلية نحو تعديل النظام، ما عزز التوقعات باستمرار العمل بالنظام الانتخابي المعمول به حالياً.

وفي تحرك لافت، نشر مجلس النواب اليوم الأربعاء، بيانًا، أعلن فيه تلقيه مشروعين لتعديل قانوني مجلسي النواب والشيوخ، بدعوى “تطوير البنية القانونية للعملية الانتخابية”، وفق ما ورد في نص البيان. لكن قراءة متأنية لما جاء في البيان تكشف أن ما يسمى بـ”التعديلات” لا تمس جوهر النظام الانتخابي القائم، بل تقتصر على إعادة ترسيم بعض الدوائر الفردية وإدماج أقسام إدارية مستحدثة، دون أي مساس بنظام القائمة المغلقة المطلقة الذي يُعد محور الأزمة.

البيان، روّج لما سماه “ضمان التمثيل العادل للسكان والمحافظات، ومراعاة التوزيع السكاني على ضوء أحدث البيانات الإحصائية، والانضباط بمعيار الانحراف المقبول عن المتوسط النيابي”، وهي عبارات تُستخدم لتقديم صورة إصلاحية تقنية، لكنها تتجاهل الإشكالية الحقيقية المرتبطة باستمرار العمل بنظام انتخابي مغلق.

وجاء في البيان أيضًا: “أعاد المشروع توزيع مقاعد القوائم المغلقة المطلقة في أربع دوائر انتخابية على مستوى الجمهورية، بواقع أربعين مقعدًا لكل من دائرتين، ومائة واثنين لكل من الأخريين، بما يُرسّخ دعائم التمثيل النيابي المتوازن”، وهي صيغة تؤكد بوضوح الإبقاء على نظام القوائم المغلقة المطلقة كما هو، دون أي توجه نحو إصلاح سياسي حقيقي أو فتح المجال أمام التعددية والمنافسة الحزبية.

 

نوصي للقراءة: النائب فريدي البياضي: مصر تواجه كارثة ديون تاريخية.. أين ذهبت القروض؟ (حوار صحفي)

لماذا ترفضه المعارضة؟

يقول -الكاتب الصحفي والسياسي-، خالد داود، في حديث إلى زاوية ثالثة، إن الحكومة لم تستجب حتى الآن لأي من المطالب التي تقدمت بها أحزاب المعارضة بشأن تعديل قانون الانتخابات، مؤكدًا أن استمرار العمل بالقانون الحالي يعني أننا بصدد انتخابات جديدة تُجرى وفق الآلية نفسها التي أُجريت بها انتخابات 2015 و2020، بكل ما تحمله من مشكلات وعيوب جوهرية.

ويوضح داود في حديثه معنا: “القانون الحالي يعتمد على نظام القوائم المغلقة المطلقة، وهو نظام ظالم بكل المقاييس، لأنه يمنح كامل عدد المقاعد للقائمة التي تفوز بنسبة (50%+1) فقط، ما يعني إهدار أصوات ما قد يصل إلى 49% من الناخبين، وبالتالي حرمان قطاع واسع من الشعب من التمثيل في البرلمان”. مشيرًا إلى أن هذا النظام يؤدي أيضًا إلى تقليص فرص الأحزاب الصغيرة أو المعارضة في تشكيل قوائم انتخابية تنافسية، لأن القانون يعتمد على أربع قوائم ضخمة: قائمتين بـ100 مرشح وأخريين بـ42، تغطي كل أنحاء الجمهورية، وهو ما لا يمكن لأي حزب معارض محدود الموارد أن ينجزه، ويتابع: “في انتخابات 2015 و2020، لم تكن هناك حتى قوائم منافسة حقيقية، لأن تشكيل هذه القوائم يتطلب إمكانيات ضخمة لا تتوفر إلا للأحزاب الموالية”.

كذلك يشدد داود على أن المعارضة تطالب منذ سنوات بتطبيق نظام “القائمة النسبية” بدلًا من المغلقة المطلقة، حيث إن النظام النسبي يتيح توزيع المقاعد حسب نسبة الأصوات، مؤكدًا: “لو هناك قائمة من عشرة مرشحين حصلت على 60% تحصل على 6 مقاعد، وقائمة ثانية بـ40% تحصل على 4، هكذا تُحترم إرادة الناخب، وتُعطى فرصة حقيقية للتعددية السياسية”.

وتطرق داود، كذلك إلى عيوب النظام الفردي الذي يُخصص له نصف مقاعد البرلمان، واصفًا إياه بـ”النظام التقليدي الذي يُفرغ السياسة من مضمونها”. وقال: “هذا النظام يغذي العصبيات القبلية والعائلية ويفتح الباب أمام المال السياسي؛ فالمرشح الثري يمتلك أفضلية غير عادلة في الحملات الانتخابية، في ظل غياب الرقابة الحقيقية”.

ويؤكد الكاتب والسياسي المصري أن الحركة المدنية الديمقراطية اقترحت إما اعتماد نظام القوائم النسبية بالكامل، أو تطبيق نظام مختلط بنسبة 50% قوائم نسبية و50% فردي، لكن الحكومة لم تلتفت لأي من هذه المطالب. وأضاف: “نحن الآن في مايو، أي قبل 4 أو 5 أشهر فقط من الانتخابات، والوقت يضيق بشدة، ومع بقاء القانون القديم، فإن النية واضحة لإعادة إنتاج البرلمان بالطريقة القديمة”.

ويستطرد داود قائلًا: “القوائم المغلقة المطلقة تعني أنه لا توجد منافسة حقيقية، وبالتالي فإن نصف مقاعد البرلمان (نحو 300 مقعد) تُحسم تلقائيًا لصالح القوائم التابعة لأحزاب الموالاة. كما أن نفس هذه الأحزاب تمتلك القدرة على دعم المرشحين الفرديين، ما يعني أننا أمام برلمان جديد لا يختلف عن سابقَيه، ويغيب عنه التوازن والتنوع والرقابة الفعلية”.


هل تقاطع الحركة المدنية الانتخابات؟

يؤكد المنسق العام للحركة المدنية عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين، طلعت خليل، في حديثه مع زاوية ثالثة أنه في حال استمرار غياب الشفافية والضمانات الحقيقية لعملية انتخابية جادة ونزيهة، ستفكر الحركة المدنية (التي تضم 10 أحزاب سياسية من قوى المعارضة) بشكل جدي في مقاطعة الانتخابات المقبلة.  ويقول خليل في حديثه معنا إن “الإصرار على إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة وفق نظام القائمة المغلقة المطلقة هو مؤشر خطير على غياب النية لإجراء إصلاح سياسي حقيقي، مضيفًا: “هذا النظام لا يمثل انتخابات بالمعنى الحقيقي، بل أشبه ما يكون بتعيينات مُغلّفة بمشهد انتخابي شكلي. نحن أمام توزيع مقاعد برلمانية كهبات أو جوائز لمن ترضى عنهم السلطة”.

ويضيف أن أخطر ما في نظام القائمة المغلقة المطلقة هو أنه يصادر الحياة السياسية بالكامل ويقضي على فرص المنافسة، قائلًا: “حينما تُحسم كل المقاعد لصالح قائمة واحدة حصلت على 51% فقط، ويُقصى الباقي، فإننا لا نتحدث عن تمثيل شعبي، بل عن توزيع مُسبق للسلطة داخل البرلمان، هذا النظام يلغي التعددية ويقضي على أي فرصة للقوى السياسية الحقيقية للمشاركة”.

ويتابع خليل في حديثه معنا: “للأسف، أصبحنا نرى مقاعد البرلمان تُعرض وكأنها سلعة في مزاد سياسي، تُمنح لمن يدفع أكثر، أو تُخصص لمن يحوز رضا دوائر النفوذ. هذا الانحراف عن جوهر العملية الديمقراطية يهدد شرعية المؤسسة التشريعية ويفتح الباب أمام احتقان شعبي متزايد”. محذرًا من خطورة استمرار تغييب السياسة، قائلًا: “نحن في لحظة تاريخية تعاني فيها مصر من اختلالات اقتصادية واجتماعية عميقة، ولا يمكن الخروج منها إلا بفتح المجال العام وتفعيل العمل السياسي. أما إذا ظلت الحكومة تصادر السياسة وتتحكم في نتائج الانتخابات مقدمًا، فإننا نُقحم البلاد في مزيد من الأزمات”.

 

نوصي للقراءة: بودكاست زاوية ثالثة.. عبد المحسن سلامة: “لست مرشح الدولة”

برلمان فاقد الفعالية وضبابية تحوط الانتخابات

من جهته يؤكد الدكتور مصطفى كامل السيد، -أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة-، أنه لا توجد أي دلائل أو تحركات تشير إلى وجود انتخابات برلمانية مقبلة، مشيرًا إلى أن الحديث عن هذا الأمر في الوقت الحالي يفتقر إلى أساس واقعي. ويقول في حديث إلى زاوية ثالثة: “حتى الآن، لا توجد أي إعلانات رسمية بشأن موعد الانتخابات البرلمانية، ولا نعلم ما هو القانون الذي ستُجرى على أساسه”، مشيرًا إلى أن السبب الحقيقي وراء هذا الغياب في الشفافية والمعلومات يتعلق بقيمة البرلمان ذاته.

ويستطرد أستاذ العلوم السياسية قائلًا: “مجلس النواب الحالي ليست له قيمة حقيقية، لا يمارس رقابة فعلية على الحكومة أو على المال العام، ولا يلعب دورًا حيويًا في الحياة السياسية، كل ما يفعله هو تمرير قرارات الحكومة دون مناقشة جادة”، مؤكدًا أن غياب الاهتمام من قبل الحكومة بمسألة الانتخابات يرجع إلى قناعتها بأن نتيجة هذه الانتخابات محسومة سلفًا، لا سيما في ظل النظام الانتخابي المعتمد، وهو القائمة الحزبية المغلقة المطلقة، والذي وصفه بأنه لا يسمح بأي منافسة حقيقية.

ويضيف: “غالبًا ما يتم توزيع المقاعد بشكل مسبق بين الأحزاب المشاركة في هذه القوائم، والتي تحظى بدعم من بعض الأجهزة الإدارية، لذلك لا توجد مفاجآت في نتائجها، البرلمان المقبل، في حال أجريت الانتخابات، لن يختلف كثيرًا عن البرلمان الحالي، موضحًا: “من المتوقع أن يتم تشكيله بنفس الطريقة، دون وجود معارضة حقيقية أو شخصيات مستقلة، وهو ما يُفقد العملية الديمقراطية معناها.”

يتفق معه خالد داود، حول ضعف أداء البرلمان الحالي، ويقول: ” الأداء البرلماني خلال السنوات الخمس الماضية، لم يقدم أي رقابة حقيقية على أداء الحكومة أو موازناتها، ولم يناقش مشروعات قوانين تقدمت بها الأحزاب المعارضة، ولم يُمارس دوره الرقابي كما ينبغي”. محذرًا من أن “الإبقاء على القانون القديم، دون فتح المجال لحريات الإعلام أو الإفراج عن المعتقلين السياسيين، هو رسالة سلبية بأن الدولة لا ترغب في إصلاح سياسي حقيقي، ولا في تفعيل الحياة الحزبية، بل تستمر في تقييد المجال العام”، مضيفًا: “حتى الحديث عن انتخابات يصبح بلا معنى إذا لم يكن مصحوبًا بمؤشرات تعكس رغبة حقيقية في التغيير”.

ويضيف: “نحن لا نطالب بالسيطرة على البرلمان، بل بالحصول على فرص متكافئة، فلو تمكنت المعارضة من الفوز حتى بـ100 مقعد بافتراض أفضل الفرص، فذلك سيساهم في إثراء النقاش البرلماني، وإدخال الحيوية السياسية، ومناقشة مشروعات القوانين بشكل شفاف. أما إذا استمرت الهيمنة المطلقة على البرلمان، فلن يكون هناك أي معنى لدوره كمؤسسة تشريعية ورقابية”. وأضاف: “من مصلحة الدولة نفسها أن يكون البرلمان حيويًا ومتعدد الأصوات، لا مجرد صدى للحكومة”.

 

هل إقصاء المعارضة قرار سياسي؟

يرى أكرم إسماعيل، -القيادي بحزب العيش والحرية-، أن النظام الانتخابي الحالي في مصر لا يُفضي إلى تمثيل حقيقي للقوى السياسية، بل جرى تصميمه لتعيين برلمان وفقًا لإرادة السلطة، عبر قانون انتخابي مغلق يعزل المعارضين ويمنعهم من الوصول إلى البرلمان، ويؤكد أن هذا القانون لا يتيح لأي تكتل سياسي مستقل أو معارض اختراق المشهد النيابي، وهو في جوهره قرار سياسي واضح بعدم السماح بأي معارضة منظمة أو فعالة تحت قبة البرلمان.

ويضيف إسماعيل أن نظام القائمة النسبية كان يمكن أن يفتح المجال أمام قوى سياسية متعددة لتكوين تحالفات واسعة وتمثيل ولو محدود في البرلمان، فحتى القوائم الصغيرة التي تحصد 3 إلى 4% من الأصوات كانت لتضمن لها مقاعد معدودة، ولكنها مشروعة وتعكس تفاعلها مع الناس وتقديم برامج بديلة. ويضرب مثالًا بحزب الوفد الذي يمكن أن يتحالف مع أحزاب كالمحافظين ويحقق نسبة 8 إلى 9% من الأصوات، مما يمنحه تمثيلًا محترمًا يصل إلى 20 أو 25 مقعدًا. لكن السلطة الحالية، وفق قوله، تُقصي هذه الإمكانية بالكامل.

ويشير إسماعيل إلى أن السلطة لا تريد انتخابات حقيقية يشعر معها المواطن بامتلاك إرادة سياسية، بل ترغب في تمرير عملية انتخابية لا تختلف كثيرًا عن التعيين، عبر اعتماد القوائم المطلقة المغلقة، التي تُدار مركزيًا وتُغلق في وجه القوى المعارضة أو المستقلة. ويستدل على ذلك بتجربة الانتخابات السابقة، حين تم فرض قوائم معدة سلفًا، بما في ذلك الضغط المباشر على المرشحين المحتملين، وترهيبهم أو إخراجهم من المشهد.

ويقول في حديثه معنا: “القضية أكبر من تعديل قانون، هناك إرادة سياسية حاسمة بعدم فتح المجال السياسي، كانت هناك نقاشات خلال جلسات الحوار الوطني حول اعتماد نظام القائمة النسبية بنسبة 30%، وبدت هناك بوادر لقبول محدود لفكرة التعددية، لكن هذا انتهى تمامًا بعد تطورات إقليمية أبرزها العدوان الإسرائيلي على غزة، باتت السلطة ترى أن الأولوية ليست الوضع الداخلي أو المشاركة، بل السيطرة التامة على مفاصل الدولة دون أي صداع من وجود قوى سياسية خارج هيمنته”. 

 

الانتخابات بدون إشراف قضائي؟

تُعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، أول استحقاق تشريعي لا يخضع للإشراف القضائي الكامل منذ عقود، وذلك بسبب انتهاء المهلة الدستورية التي نصت على إلزامية الإشراف القضائي على الانتخابات لمدة عشر سنوات فقط من تاريخ العمل بدستور 2014. وبموجب المادة 210 من الدستور، كان يُشترط أن يُشرف أحد أعضاء الهيئات القضائية على كل صندوق انتخابي، ضمانًا لنزاهة العملية، إلا أن هذه المادة وضعت سقفًا زمنيًا لهذا الإشراف ينتهي في عام 2024، ما يعني أن أي انتخابات تُجرى بعد هذا التاريخ لن تكون خاضعة لهذا النوع من الرقابة القضائية المباشرة.

غياب الإشراف القضائي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية، إذ عبّرت بعض الأحزاب وقوى المجتمع المدني عن مخاوفها من تأثير ذلك على شفافية ونزاهة الانتخابات، في ظل ضعف ثقة بعض المواطنين في قدرة الأجهزة الإدارية وحدها على إدارة العملية الانتخابية دون انحياز أو تدخل. في المقابل، ترى أطراف أخرى أن هناك ضرورة لوضع بدائل فعالة، مثل تعزيز دور الهيئة الوطنية للانتخابات وتوسيع صلاحيات المراقبة المجتمعية والدولية، لضمان استمرار النزاهة. ويعكس هذا التحول تحديًا مؤسسيًا حقيقيًا أمام الدولة المصرية، يتطلب معالجة تشريعية عاجلة أو تعديلًا دستوريًا إذا تقرر الإبقاء على الإشراف القضائي مستقبلاً.

وبخصوص الجدل الدائر حول غياب الإشراف القضائي لأول مرة عن العملية الانتخابية، يرى الدكتور مصطفى كامل السيد أن ذلك لن يُحدث فرقًا حقيقيًا، موضحًا: “هذا النظام الانتخابي الذي يعتمد على أن القائمة التي تحصد 51% من الأصوات تحصل على جميع المقاعد في الدائرة، يُفرغ العملية من مضمونها، ومع تقسيم البلاد إلى أربع دوائر انتخابية ضخمة، تصبح فرص الأحزاب الصغيرة في الفوز شبه معدومة.”

ويوضح في حديثه معنا أن هذا الواقع يؤدي تلقائيًا إلى فوز القوائم المدعومة من الحكومة، سواء كان هناك إشراف قضائي أو لا، قائلاً: “من ينجحون هم أولئك الذين يحظون بمباركة الحكومة والسلطات العامة. لذا لا يشكل وجود أو غياب القضاة في اللجان فرقًا جوهريًا في النتيجة.”

وفي السياق ذاته يرى طلعت خليل أن هذا التوجه يُنهي ما تبقى من الثقة في نزاهة العملية الانتخابية، مضيفًا: “غياب الإشراف القضائي هو استكمال لمسلسل مصادرة السياسة، ويضع علامات استفهام كبرى حول سلامة الانتخابات من الأساس. من غير المقبول أن يُحرم الشعب من الضمانة الوحيدة المتبقية له في هذا السياق”.

ومن جهته يرى أكرم إسماعيل أن هذه النقطة ليست هي جوهر الأزمة، فحتى الانتخابات السابقة التي جرت تحت إشراف قضائي كامل كانت هندستها محسومة سلفًا. ويشير إلى أن التلاعب يبدأ من لحظة وضع القانون، مرورًا باختيار الدوائر والضغط على القوائم، وليس فقط خلال عمليات فرز الأصوات وإعلان النتائج. ويقول: “حتى نقل الفرز من اللجان الفرعية إلى اللجان العامة جرى لأغراض التحكم، وليس لضمان النزاهة”.

في ظل المؤشرات الراهنة، يبدو أن الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر تسير نحو إعادة إنتاج المشهد السياسي ذاته، حيث تُغلق أبواب التعددية وتُقصى المعارضة بفعل نظام انتخابي يُكرّس احتكار السلطة ويعصف بفكرة التمثيل العادل. وبينما تتعلل الحكومة بضيق الوقت وغياب التوافق، يرى معارضون أن غياب الإرادة السياسية هو العائق الحقيقي أمام أي إصلاح انتخابي. ومع اقتراب الموعد، يبقى السؤال الأهم: هل تواصل مصر إدارة الحياة النيابية بمقاربة إقصائية تُفرغ البرلمان من جوهره الرقابي والتشريعي، أم أن فرصة أخيرة قد تُمنح لإعادة فتح المجال العام؟

Search