عادت تنسيقية محليات أحزاب الحركة المدنية للاجتماع بعد توقف دام لما يقارب العام، إذ اجتمعت التنسيقية التي تضم عدد من ممثلي أحزاب الحركة المدنية الـ13 في 24 مايو الماضي. وكانت التنسيقية التي شُكلت عام 2022 بغرض الاستعداد لانتخابات المحليات قد توقفت مع بدء جلسات الحوار الوطني، الذي شاركت الحركة المدنية في جولته الأولى العام الماضي.
وتختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على السلطة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، على النحو الذى ينظمه القانون.
ورغم ما تردد من أنباء عن اتفاق أحزاب الحركة المدنية حول النظام الانتخابي للمجالس المحلية بنظام 75% بنظام القائمة المطلقة و25% بنظام القائمة النسبية. وهو ما أكده منسق عام الحوار الوطني، ضياء رشوان، الذي أعلن في أغسطس الماضي عن تحقيق توافق بين المشاركين في الحوار بشأن النظام الانتخابي للمحليات، يبدو أن هناك حالة من عدم التوافق حول هذا المقترح، وهو ما تبين من غياب بعض ممثلي الأحزاب من اجتماع التنسيقية الأخير.
خلافات حول النظام الانتخابي
علمت زاوية ثالثة، أن أحزاب الحركة المدنية لم تتوافق حتى كتابة هذا التقرير حول الشكل الانتخابي الذي أعلن عنه. وأن أحزابًا في الحركة المدنية (الكرامة، والعيش والحرية، والتحالف، والحزب الناصري، والاشتراكي المصري) رفضوا النظام الانتخابي الذي قدمه ووافق عليه ممثلي الحركة المدنية داخل جلسات الحوار الوطني (75% قائمة مطلقة، 25% قائمة نسبية)، فيما وافقت الأحزاب (الدستور، المصري الديمقراطي، العدل، الإصلاح والتنمية، المحافظين) على النظام الانتخابي المطروح.
والقائمة المطلقة المغلقة؛ تفوز فيه القائمة التي تحصل على 50% أو أكثر من عدد أصوات الناخبين الصحيحة، بكل مقاعد الدائرة، بينما تخسر كل القوائم الأخرى التي لم تحصل على نسبة 50% من الأصوات.
أما نظام القائمة النسبية؛ فهو عكس نظام القائمة المطلقة المغلقة، لاسيما في طريقة حساب المقاعد، حيث في هذا النظام تقوم القوى الحزبية والمستقلين بتشكيل قوائم انتخابية مغلقة أو مفتوحة في كل دائرة إنتخابية، والقائمة التي تحصل على أغلبية الأصوات لا تحصل على كافة المقاعد لهذه الدائرة مثلما كان يحدث في نظام القائمة المغلقة، وإنما تحصل عدد من المقاعد يتناسب مع نسبة ما تحصل عليه من أصوات.
حتى اللحظة، لم تعلن الحكومة المصرية عن موعد إجراء الانتخابات المحلية ولم يتم إقرار نظام انتخابات المحليات. ومنذ عام 2016 تؤجل انتخابات المحليات دون سبب معلن، وكان المفترض إجراؤها في عام 2016 حسب توجيهات صدرت من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكومة، قبل أن تعلن الأخيرة ترحيلها إلى نهاية عام 2017، ثم بداية العام 2018، ومن ثم توالى التأجيل.
ومنذ يونيو 2011 تعيش مصر دون مجالس محلية منتخبة، إذ صدر حكم قضائي بحلها في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، وكانت آخر انتخابات تم إجراؤها في منتصف عام 2008، وسيطر على غالبية مقاعدها أعضاء الحزب الوطني الحاكم (المنحل).
لا معنى للمحليات بالقائمة المطلقة
عن أهمية المحليات يرى الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني – عضو المكتب السياسي بحزب التحالف الشعبي الإشتراكي- أن المحليات هي ركيزة الديمقراطية في كل دول العالم، ولكن مصر تعيش منذ ما يقارب 13 عام دون مجالس محلية، ولذلك “نعيش عصر الديمقراطية المقيدة والتعينات في العديد من المنظمات مثل اتحاد منظمات العمل الأهلي وغيرها من المناصب التي تتم بالتعيين، وبالتالي من الصعب الحديث عن مناخ ديمقراطي”.
واستطرد الباحث الاقتصادي في حديثه إلى زاوية ثالثة بأن المحليات هي مركز إعداد القادة للتمثيل الأعلى في مجلسي النواب والشيوخ، لذلك لا توجد كوادر بديلة بسبب غياب المحليات منذ سنوات طويلة، إضافة إلى استمرار نظام غير ديمقراطي يعتمد الانتخاب بالقوائم المطلقة ويهدر رأي المعارضة على اختلاف أطيافها ويمنع وجود ديمقراطية حقيقية.
يوضح “الميرغني” أن حزب التحالف الشعبي يؤمن بالديمقراطية التشاركية من أسفل، ومشاركة جميع المواطنين في القرى والصعيد والأحياء السكنية في إدارة شئونهم العامة وكل ما يتعلق بالمرافق والخدمات ويمارسون جميع أشكال الرقابة الشعبية على أداء السلطة التنفيذية وهم محصنون لا يمكن حلهم بقرار من السلطة التنفيذية، وبدون ذلك تصبح المجالس الشعبية المحلية مجرد ديكور ديمقراطي.
وعن نقاط الخلاف بين أحزاب الحركة المدنية، يقول القيادي بحزب التحالف الشعبي، “يوجد عدد من الخلافات بين أحزاب المعارضة حول المحليات، منها؛ هل نريد حكم محلي أم إدارة محلية؟ وهل نريد المناصب التنفيذية (المحافظين ورؤساء الأحياء) بالتعيين أو بالانتخاب، وهل نريد قائم نسبية أم قوائم مطلقة، بل وللأسف بعض الأحزاب تطالب بمجالس محلية بالتعيين، ما يجهض فكرة الإدارة المحلية التشاركية من جذورها ويجلب المنتفعين والفاسدين لتمثيل المواطنين في مجالس شكلية”.
واختتم الباحث الاقتصادي حديثه بأنه لا معنى للمحليات في ظل القائمة المطلقة، ولا معنى لها بدون انتخاب القيادات المحلية وحق الرقابة عليها ومحاسبتها، و تختلف مواقف الأحزاب السياسية من قضية المحليات، البعض يريدها مجرد زائدة ديمقراطية شكلية، ونحن في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي نريدها مدرسة للديمقراطية الحقيقية بانتخابات قوائم نسبية ورقابة كاملة على السلطة التنفيذية وحصانة ضد الحل ومشاركة شعبية للجماهير العريضة في مناقشة الموازنة والخطة والحساب الختامي وتوزيع الاستثمارات تحت إشراف المجالس الشعبية المحلية المنتخبة.
وعن تأخير وتأجيل انتخابات المحليات، ترى وفاء عشري – ممثلة حزب العيش والحرية في تنسيقية المحليات بالحركة المدنية-، أن أنصار تأخير الانتخابات المحلية يبررون أن الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد أكثر أهمية من إجراء الانتخابات في ظل عدم وجود استقرار سياسي أو اقتصادي، ويزعمون أن الحكومة الحالية تركز على تنفيذ إصلاحات اقتصادية بالغة الأهمية، مثل برنامج التقشف الذي يدعمه صندوق النقد الدولي، وأن عقد الانتخابات سيحول الانتباه والموارد بعيداً عن هذا المجهود.
تضيف في حديثها إلى زاوية ثالثة: على عكس رؤيتنا بضرورة إجراء الانتخابات المحلية بالقائمة النسبية في محاولة لاستقرار البلاد وتعظيم الموارد لكل محافظة، وهذه كانت أهم ملامح ورقة حزب العيش والحرية التي قدمناها في التنسيقية وتحدثنا عنها في الحوار الوطني قبل أن نعلق مشاركتنا بسبب أداء السلطة في ملف المحبوسين واستمرار الملاحقات الأمنية.
توضح القيادية بحزب العيش والحرية أن المعارضين للقائمة النسبية هم في الأساس لهم مصالح انتخابية مع الأحزاب الموالية من منطلق إمكانية الحصول على مقاعد سواء في المحليات أو البرلمان.
وتؤكد ضرورة إجراء انتخابات المحليات في القريب العاجل، إذ تسبب عدم وجود محليات في تردي في البنية التحتية للمحافظات وفساد محلي نتيجة قيام مشروعات التطوير بالأمر المباشر، مما لا يتيح لوجود مجلس شعبي محلي منتخب يراقب ويسأل التنفيذيين عن هذه المخالفات، وبالتالي إهدار موارد عامة كان يمكن أن تعود بالنفع على كل محافظة سواء خدمات مقدمة أو استثمارات.
وعن عدم التوافق بين أحزاب الحركة المدنية تقول “عشري” إن تنسيقية المحليات بالحركة المدنية اجتمعت بشكل منتظم لمدة عام تقريبًا، وكان الاتفاق بأن المجالس الشعبية والتنفيذيين جميع أعضائها بالانتخاب وهو ما تضمنته المسودة الأولى للتنسيقية، لكن بعد الحوار الوطني فوجئنا بأن بعض الأحزاب داخل الحركة المدنية بدأوا في معارضة القائمة النسبية، رغم علمهم بأن القائمة المطلقة ليست في مصلحتنا كأحزاب معارضة ضعيفة الموارد وغير متواجدة في جميع المحافظات، لكن طول الوقت كان هناك جدل في الاجتماعات بسبب القائمة النسبية، وقد تساءلت في أحد الاجتماعات عن ماذا سنفاوض الحكومة إذا كانت المعارضة تقدم الانتخابات على طبق من ذهب.
وتضيف: بعد جدل توصلنا بالمشاركة في جلسات الحوار والدفع نحو إقرار القائمة النسبية، وهو ما حدث في الجلسة؛ لكننا فوجئنا بأن التوصيات الناتجة عن الجلسة تتضمن مقترح بأن يكون النظام الانتخابي بالقائمة المغلقة مع النسبية. مشيرة إلى أنه على هامش الحوار الوطني عقدت جلسة مغلقة مع بعض ممثلي الحركة المدنية، وتم الاتفاق بشكل مبدئي بالنظام الانتخابي 75% بالقائمة المغلقة و25% قائمة نسبية.
بين الدستورية وعدمها
من جانبه، ينفي علاء عبد النبى – نائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية-، وجود أي خلافات بين أحزاب الحركة المدنية فيما يخص نظام الانتخاب لمجلس المحليات الشعبية. مؤكدًا أن أحزاب الحركة المدنية توافقت على نظام انتخابي مختلط 75% بنظام القائمة المغلقة المطلقة و25% بالقائمة النسبية، وفقًا لما أقره الدستور في المادة 180، على عكس ما أكده ممثل حزب العيش والحرية والتحالف الشعبي الاشتراكي.
يوضح في حديثه إلى زاوية ثالثة أن قانون المحليات ينقسم لجزئين الأول عن المجالس المحلية المنتخبة والثاني عن التنفيذيين رئيس الحي والكادر التنفيذي في المحليات، إذ تم التوافق على الجزء الخاص بالمجالس المحلية الشعبية، لكن الإدارات المحلية مازال النقاش مستمر ولم يتم التوافق النهائي. مؤكدًا تقديم مقترح النظام الانتخابي المختلط للإدارة المحلية ضمن توصيات الحوار الوطني ومن المنتظر تقديمه للبرلمان لاقراره.
في السياق نفسه، يقول المحامي أحمد خميس – ممثل حزب الدستور بتنسيقية المحليات داخل الحركة المدنية-، إن قانون المحليات به الكثير من المواد التي توافق عليها أحزاب الحركة المدنية، لكن النقطة الخلافية كانت النظام الانتخابي ما بين القائمة النسبية أو المطلقة.
ويوضح ممثل حزب الدستور في حديثه معنا أن أحزاب الحركة المدنية ترفض القائمة المطلقة، ولكن الدستور وضع مجموعة من النسب لابد من توافرها مثل 25% للمرأة و25% للشباب وتمثيل عادل للمسيحيين وذوي الاحتياجات الخاصة مع نسبة 50%عمال وفلاحين، ولا يمكن مراعاة هذه النسب في القائمة النسبية، لكن يمكن مراعاتها بشكل جيد في القائمة المطلقة (ثابتة ومغلقة). موضحًا أن القائمة المطلقة إما أن تنجح أو لا، أما القائمة النسبية تحسب عدد المقاعد بعدد الأصوات، فنحن كأحزاب معارضة من الأفضل لنا القائمة النسبية لكن النص الدستوري يجبرنا اللجوء للنظام الانتخابي المختلط.
ويشير “خميس” إلى أنه خلال جلسات تنسيقية المحليات، أكدت بعض الأحزاب المعارضة للنظام المختلط على وجود حلول يمكن به تدارك النص الدستوري دون الوقوع في أزمة عدم دستورية الانتخابات لكن جميعها كلام مرسل ليس له تطبيق على أرض الواقع.
المجالس الشعبية المحلية يتم تشكيلها طبقًا لمبدأ الانتخاب المباشر، مع تخصيص 50% على الأقل للعمال والفلاحين، كما ينتخب المجلس رئيسه ووكيله. أما المجالس التنفيذية فهي المجلس التنفيذي للمحافظة، والمجلس التنفيذي للمركز، والمجلس التنفيذي للمدينة، المجلس التنفيذي للحي، والمجلس التنفيذي للقرية.
ويتكون المجلس التنفيذي للمحافظة من المحافظ رئيسًا، وعضوية كل من مساعدي المحافظ ورؤساء المراكز والمدن والأحياء، ورؤساء المصالح والاجهزة والهيئات العامة في نطاق المحافظة، وسكرتير عام المحافظة ويكون اميناً للمجلس. وتتكون المجالس التنفيذية للمراكز والمدن والأحياء والقرى من رؤساء وممثلي الوزارات والمرافق المعنية على نحو مماثل.
في المقابل، ينفي إسلام عبد المجيد – المحامى بالنقض وعضو حزب العيش والحرية- علاقة النظام المختلط بالنص الدستوري. مؤكدًا أن العكس صحيح وأن النظام الانتخابي المختلط غير دستوري، وفقًا لحكم المحكمة الدستورية العليا التي حكمت ثلاث مرات كان آخرها عام 2012 بعدم جواز الجمع بين نظام القوائم المطلقة والقوائم النسبية، لما ينتج عنه عدم تكافؤ في الفرص، موضحًا أن مقترح النظام المختلط بالقائمة المطلقة والنسبية معناه مخالفة صريحة لأحكام المحكمة الدستورية التي على أثرها أبطلت انتخابات برلمان 2012.
أما عن دستور 2014، فيفيد “عبد المجيد” أنه أجاز الجمع بين النظام الفردي والنظام بالقائمة أيًا كان نوعها مطلقة أو نسبية، بينما لا يجوز الجمع بين نظامين للقائمة، مشيرًا إلى أنه لا يوجد صعوبة في تخصيص النسب المقررة في الدستور، المسألة ليست سهلة لكنها ممكنة و تتلافى كل عيوب القائمة المطلقة.
ويوضح عضو العيش والحرية أن الحزب كان قد تقدم بمقترح خلال اجتماعات التنسيقية، لمراعاة النسب التي حددها الدستور في ظل نظام انتخابي بالقائمة النسبية، يتضمن هذا المقترح الأخذ بنظام القائمة النسبية غير المشروطة (بنسبة ثلاث أرباع المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية) و بالنظام الفردي بالأغلبية النسبية (بنسبة ربع المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية)، على أن تخصص ثلثي المقاعد المخصصة للانتخاب بالقائمة النسبية للعمال والفلاحين وثلثها للنساء وثلثها للشباب على أن يكون أحد المرشحين بنظام القائمة من المسيحيين وأحدهم من ذوي الإعاقة في قوائم المرشحين لعضوية المجالس الشعبية المحلية للمحافظات.
مثالًا على ذلك، “إذا خصص للدائرة الانتخابية إثني عشر مقعدًا سينتخب منهم تسعة بنظام القائمة النسبية، ستة منهم من العمال والفلاحين وثلاثة من النساء، وثلاثة من الشباب على أن يكون أحدهم على الأقل من المسيحيين واحدهم من ذوي الإعاقة في المجالس الشعبية المحلية للمحافظات حيث يجوز الترشح على هذا المقاعد لكل ناخب مقيد بجداول الناخبين بالمحافظة بغض النظر عن الدائرة الانتخابية المقيد بها. ويراعي في إعلان النتائج نسب تمثيل الفئات المذكورة بغض النظر عن ترتيب المرشحين في القائمة والأخذ بمبدأ أعلى البواقي في حالة عدم توافر القاسم الانتخابي بالنسبة لآخر الفائزين أو من يسبقه”.
وتنص المادة 180 من الدستور المصري على: “تنتخب كل وحدة محلية مجلسًا بالاقتراع العام السرى المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط في المترشح ألا يقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية…. على أن يُخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالي عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسبة تمثيلا مناسباً للمسيحيين وذوي الإعاقة…”.
الجدير بالذكر أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد قضت ببطلان نظم انتخاب مجالس البرلمان المصري سنوات 1984، 1987، 2012 لعدم دستورية الأخذ في نظام انتخابي واحد ما بين مبدأ الأغلبية المطلقة والأغلبية النسبية.