جرحٌ عميقٌ يُدمّر حياة النساء.. العنف الرقمي والتشهير في مصر

المحامية نهى سيد -المدير التنفيذي لمبادرة صوت لدعم المرأة-، ترى أن من أبرز أشكال العنف الرقمي المنتشر مؤخرًا، التشهير بسبب رفض طلب أو علاقة عاطفية
آية ياسر

لم تتخيل “ميار” أن علاقتها العاطفية السابقة مع زميل دراستها، التي لم تتجاوز حدود الإعجاب والاتصالات الهاتفية والمحادثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ستفسد حياتها؛ بعد نشره صورها الشخصية داخل مجموعة على تطبيق واتساب، مرفقة بسب وقذف وتشهير بها، ومحادثات بينها وبين شريكها السابق، ليصل الأمر إلى اطلاع شقيقها الأكبر على ذلك عبر صديق له مشترك بالمجموعة.

تفاجأت الطالبة الجامعية ذات الأعوام الـ18 والمقيمة بالجيزة، بشقيقها يتعدى عليها بالضرب والسباب، ويتهمها بالانحراف الأخلاقي وفضح أسرتها، ولم تفهم ما يحدث وانفجرت بالبكاء، وأخذت تنكر وتدافع عن نفسها أمام والديها، لكن شقيقها أظهر لهما لقطات مصورة من المجموعة، فقرر الأب احتجازها في المنزل، وأخذ هاتفها المحمول وحرمانها من الذهاب إلى الجامعة، وهو العقاب الذي استمر نحو شهر، قبل أن تشهد صديقات دراستها لصالحها، وتخبرن والديها أن ابنتهما ضحية لزميل رفضت التورط معه في علاقة جنسية، لكن أسرتها رفضت التقدم ببلاغ خوفًا من الفضائح، ولجأ شقيقها لحل المشكلة بالعنف، عبر الشجار مع الجاني وضربه وإجباره على حذف منشوراته، في حين لم يتم تعويض ميار عن التشهير والأضرار النفسية والعنف الأسري والحرمان المؤقت من الدراسة الذي تعرضت له.

تتعرض سعاد، البالغة من العمر 45 عامًا، للابتزاز والتشهير، بسبب صور ومقاطع فيديو تجمعها بشخص ارتبطت به بعلاقة عاطفية بعد طلاقها من زوجها، ورغم مرور أشهر على انتهاء علاقتهما؛ فإنه لجأ إلى ابتزازها وتهديدها بمجرد علمه بعودتها إلى زوجها، وساومها على شراء جهاز لوحي مرتفع الثمن له، وإلا سيرسل الصور ومقاطع الفيديو لزوجها وأسرتها، زاعمًا خيانتها له.

تقول سعاد، وهي معلمة بإحدى المدارس الخاصة بالقاهرة، إنها تجاهلت تهديداته في البداية، لكنها باتت تشعر بالخوف بعدما توصل لبعض أولياء أمور التلاميذ الذين تعطيهم دروسًا خصوصية، وشهّر بها لديهم، فاعتذر بعضهم عن إرسال أولادهم للدروس، وهي لا تستبعد أن يفعل الأمر نفسه مع إدارة المدرسة، ورغم من أن صديقتها نصحتها بتقديم بلاغ ضده، إلاّ أنها تخشى أن يعرف زوجها بالأمر، ويطلقها طلاقًا بائنًا، وأن تفضح أمام أولادها وأهلها ومعارفها.

اقرأ أيضًا: محاكم التفتيش الأخلاقيّة في مصر: تمييز طبقي وانتهاك لحقوق المرأة بمادة غير دستورية

عبء اللومِ المجتمعي يُفاقمُ من حدةِ الاكتئاب

لا توجد إحصائية رسمية تحدد نسب العنف الرقمي ضد النساء بمصر، ولكن دراسة ﺑﻴﺎﻧﺎت اﺳﺘﻘﺼﺎﺋﻴﺔ أجريت عام 2022، ونشرت على شبكة “ديجيتال أريبيا”، أوضحت أن المعدل البالغ واحدة من كل ثلاث نساء بالعالم، يرتفع بشدة في مصر، التي يبلغ عدد الإناث فيها 50 مليون و741 ألف و279 نسمة، بحسب تقرير السكان  الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتؤكد الدراسة أن ضحايا العنف الرقمي عانين نتيجة الاكتئاب ولوم الأسرة والمجتمع، والإحساس بالذنب، والقلق واضطرابات النوم، وراودت بعضهن أفكارًا انتحارية، وعانين كون معظم العاملين في مجال إنفاذ القانون من الذكور، بجانب الثقافة المصرية المحافظة التي تلقي باللوم على الضحية إذا قررت الإبلاغ والشكوى، وطوال المدة التي تقتضيها عمليات الإبلاغ خلال التعامل مع المسؤولين.

تعرّف الأمم المتحدة  العنف الرقمي بأي عمل من أعمال العنف يتم ارتكابها أو المساعدة عليها أو تفاقمها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (كالهواتف المحمولة والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الحاسوب والرسائل النصية والبريد الإلكتروني) ضد امرأة لأنها امرأة.

وبحسب مسح أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس القومي للمرأة والجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء في عام 2015، تعاني حوالي 7.8 مليون امرأة من جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي سنويًا.

أظهر استطلاع رأي أجرته هيئة بلان الدولية حول العنف الرقمي في مصر إن 24 % من الفتيات اللاتي تعرضن للمضايقات الإلكترونية يشعرن بعدم الأمان الجسدي، ونحو 42 % منهن يعانين من آثار نفسية وعاطفية، 42 % من الإناث اللاتي تعرضن للعنف الرقمي يفقدن احترام الذات أو الثقة بالنفس، و18 % منهن لديهن مشاكل تتعلق بالدراسة.

اقرأ أيضًا: بين الكنيسة والقانون.. مسيحيات لا يحق لهن الطلاق

أسلحةٌ رقميةٌ: أدواتٌ تُستخدمُ لنشرِ الكراهية

نسمة الخطيب -المحامية الحقوقية، ومؤسسِة مبادرة سَند للدعم القانوني للنساء-، تؤكد أن المبادرة تلقت العديد من حالات العنف الرقمي ضد النساء، أبرزها؛ التهديدات الإلكترونية لنساء تُعبّرن عن آرائهن الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة لحالات العنف الرقمي التي تتحول إلى عنف أسري، كنشر صور لفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي برفقة شاب أو أكثر أو بجوارهن علبة سجائر، ووصول الصور إلى أهاليهن؛ مما تسبب في وقائع ضرب وتعذيب واحتجاز تعسفي بالمنازل، بجانب حالات الابتزاز الإلكتروني المرتبطة بصور أو مقاطع فيديو حساسة للفتاة أو السيدة أو تصوير لعلاقة جنسية بينها وبين شريك عاطفي سابق، يقوم هو أو طرف ثالث بابتزازها وتهديدها بنشرها.

وتحذر الخطيب في حديثها مع زاوية ثالثة من وجود مجموعات مثل “دشمل” على تليجرام، تنشر صور النسويات والناشطات والصحفيات، وتشهر بهن وتحرض عليهن، وأن بعض الضحايا تقدمن ببلاغات ضدها وحُفِظَت، ما يؤدي إلى زيادة انتشار العنف ضد النساء قد تصل للقتل، خاصة أن تلك المجموعات التحريضية تتّخذ ستارًا دينيًّا، وتتحرك بشكل منظم أشبه بالميليشيات الإلكترونية، مشيرة لكونها هي نفسها إحدى ضحاياها، وأنها تعرضت للتشهير والتحريض والتكفير بعد هجومها على داعية شهير.

 تقول الخطيب إنها ساعدت الضحايا على تحرير محاضر في مباحث الإنترنت ولدى النائب العام، ضد الجناة، وقد أحيلت إحدى تلك البلاغات إلى النيابة العامة. وتشكو طول الإجراءات القانونية للإبلاغ عن جرائم العنف الرقمي، فبعد تحرير محضر في مباحث الإنترنت، فإن الإجراءات تستغرق يومًا كاملًا لإتمام البلاغ، وتفتح الضحية حساباتها الشخصية وطباعة نسخة من المحادثات، ثم تمضي 15 يومًا للفحص الفني قبل أن يأتي الرد أحيانًا بأنه لم يتوصل للجاني، وتحيل البلاغ للنيابة العامة التي تضع العقوبة وفقًا لنوع الجريمة.


اقرأ أيضًا: “تضاعف جرائم قتلهن”.. النساء يسددن فاتورة الفقر مرتين

 

مخاطر تداولِ الصور على الإنترنت

المحامية نهى سيد -المدير التنفيذي لمبادرة صوت لدعم المرأة-، ترى أن من أبرز أشكال العنف الرقمي المنتشر مؤخرًا، التشهير بسبب رفض طلب أو علاقة عاطفية؛ كأن ينشر شاب صورًا ومقاطع فيديو خاصة بفتاة على إحدى الصفحات عبر موقع التواصل الاجتماعي بقصد التشهير بسمعتها أو إرسال رسائل صوتية تتضمن سبًّا وقذفًا وتهديدًا لها على حسابها الشخصي بعد فسخ خطبتها منه.

 وتؤكد في حديثها معنا أن التشهير جريمة وفقًا للقانون المصري، وتعتبر كل بيانات أو صور لشخص ما منقولة ومتداولة دون موافقته جريمة إلكترونية بموجب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لعام 2018.

وتعتبر نُهى، أن ظاهرة تداول الصور الشخصية على مجموعات التواصل الاجتماعي بمثابة كارثة مجتمعية؛ حيث لا يدرك الشباب والشابات أنها جريمة يستوجب عليها عقوبة بالحبس، فضلاً عن أن ذلك يعرض حياة النساء لخطر التهديد والترصد وأحيانًا للقتل، لافتة لكون الفتيات في سن المراهقة هن الفئة الأكثر عرضة للعنف الرقمي والعنف الأسري لقلة خبراتهن وخوفهن المستمر من الإفصاح عن الانتهاكات اللاتي يتعرضن لها.

وتربط المحامية الحقوقية بين المجموعات الذكورية المحرضة على النساء وبين قلة الوعي والمعرفة وعدم وجود قانون مخصص لمواجهة العنف ضد النساء؛ حيث تم تقديم مشروع قانون العنف الموحد ويرتبط بالجرائم والوقائع التي تختص بالنساء ولكن لم تتم الموافقة عليه حتى الآن، ويتم التصدي لهذه المجموعات بعد تقديم بلاغ من المتضررات مباشرة ويستوجب إثبات صحة الادعاء وهذا في بعض الحالات يصعب إثباته أو يتم حفظ البلاغ فيه بعد مدة قانونية معينة.

 

 

مساعدة ضحايا العنف الرقميّ

الناشطة النسويّة آية منير -مؤسّسة مبادرة سوبر وومن-، ترى أنّ تداول صور الفتيات وملاحقتهنّ والتشهير بهنّ على مجموعات داخل تطبيقات كـ” تيليجرام” لا توفّر حماية للمستخدم، ولا تتجاوب مع رسائل المؤسّسات الداعمة للنساء لحجبها، ما يمثّل أحد أشكال العنف المستحدث ضدّ النساء، بسبب انتشار خطاب الكراهية ضدّهنّ والرغبة في إحكام السلطة الأبويّة، نظرًا لكون صور الفتيات مادّة للتحرّش والوصم والتشهير، وتشكّل خطرًا على أمان الفتيات وأسرهنّ، ويصعب تتبّعها، معتبرة أنّ المجتمع المصريّ مستعدّ لتلقّي تلك الأشكال من العنف الرقميّ، والّتي كثيرًا ما تتحوّل إلى عنف أسريّ أو زوجيّ أو طلاق، وأنّ ما يحول بين قيام النساء بالإبلاغ هو خوفهنّ من التعنيف الأسريّ أو الوصم الاجتماعيّ أو الفصل من الجامعة، باعتبارهنّ الحلقة الأضعف في المجتمع، لافتة لكون طالبات الجامعات هنّ الفئة الأكثر عرضة للاستهداف.

وتضيف في مقابلتها مع زاوية ثالثة أنّ السوشيال ميديا أدّت إلى مزج الطبقات المجتمعيّة وخلق حالة من الشحن والغضب، وأنّ بعض المؤثّرين على السوشيال ميديا عزّزوا من الثقافة الذكوريّة والتحريض على النساء، وأنّ الأعمار الصغيرة لم تعد ترى مشكلة في التتبّع والملاحقة، كما أنّ هناك مجموعات متطرّفة كانت تحرّض على المغايرين دينيًّا، ثمّ تحوّلت للتحريض ضدّ النساء للفتّ الأنظار إليها، داعية للالتزام بالتصفّح الآمن والحذر في العلاقات وعدم مشاركة المعلومات الشخصيّة على مواقع التواصل أو إرسال الصور الخاصّة لأيّ شخص، مشيرة لوجود عيادة رقميّة تابعة لحملة “سوبر وومان” تختصّ بالاستشارات الرقميّة والفحص والتأمين والدعم لحالات العنف الرقميّ.

ومن جانبها، تلفّت استشاريّة حقوق المرأة وقضايا النوع الاجتماعيّ، لمياء لطفي، إلى وجود أشكال متعدّدة للعنف الرقميّ ضدّ النساء، تتضمّن الملاحقة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، والابتزاز بالصور والمعلومات مقابل أموال أو خدمات مادّيّة أو جنسيّة، أو تصوير سيّدات دون علمهنّ في الأماكن العامّة ونشر صورهنّ والتعليق على أجسادهنّ كما تفعل صفحات مثل “القنّاص”، وأيضًا نشر معلومات وصور والإساءة إلى صاحبتها أو إرسالها لأهلها أو أصدقائها أو شريكها وتعريضها لخطر العنف الأسريّ والاحتجاز أو الحرمان من التعليم أو العمل أو الطلاق، مضيفة أنّ الأمراض الاجتماعيّة انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ؛ ومن ثمّ يعتبر المجتمع أنّ مرتكبي العنف الإلكترونيّ يسدّونه خدمة لحمايته من فساد أخلاق البنات.

اقرأ أيضًأ: وسوم الكفاح من أجل الحرية الجسدية للمرأة

عقوباتٌ رادعةٌ لخلقِ بيئة آمنة

في حديثه إلى زاوية ثالثة أوضح اللواء علي أباظة -مدير مباحث الإنترنت السابق-، أنه بمقدور أي سيدة أو فتاة تتعرض لأي شكل من أشكال العنف الرقمي كـالتهديد أو الابتزاز أو التشهير أن تتقدم الآن ببلاغ لأقرب قسم شرطة تابعة له، أو تقديم بلاغ في قسم تكنولوجيا المعلومات في مديرية الأمن التابعة لها، بناءً على تعليمات من وزير الداخلية، مؤكدًا أن تقديم البلاغات الخاصة بجرائم المعلومات لم يعد قاصرًا على وحدة تلقى بلاغات المنطقة المركزية الموجودة بميدان العباسية.

ويبين مدير مباحث الإنترنت السابق أن عقوبات جرائم العنف الرقمي تتراوح بين الجنح والجنايات، وتنقسم إلى عقوبة الغرامة المالية أو الحبس أو السجن والغرامة معًا، وتصل مدة الحبس في حالة الجنايات المتعلقة بجرائم المعلومات كـالابتزاز الإلكتروني، إلى 15 سنة سجن.

فيما يقول محمد اليماني -مؤسس مبادرة قاوم لمواجهة جرائم الابتزاز الإلكتروني-، إن أي شخص ينشر صورة الغير دون إذنه فهي جريمة، وكل إساءة يكتبها تعد تشهيرًا، وأن غالبية المتورطين في مجموعات تبادل الصور هم من المراهقين دون السن القانوني، الذين لا يدركون خطورة ما يفعلونه، إلى جانب كارثة إرسال مقاطع الفيديو أو الصور العارية، وتعرض صاحبها للابتزاز والتشهير والتداول على العالم الافتراضي غير الآمن، الذي أصبح أكثر خطورة بعد جائحة كورونا، داعيًا شركات الاتصالات ووزارة التربية والتعليم لنشر التوعية بشأن الأمن الرقمي.

ويوضح اليماني لـ زاوية ثالثة أن الخوف هو المشكلة الأكبر المرتبطة بالابتزاز الإلكتروني، وقد يقود صاحبته لارتكاب جريمة أو الانتحار؛ فكثيرًا ما تلجأ الفتاة لأشخاص آخرين عبر مجموعات فيسبوك لحل مشكلتهن الناتجة عن العنف الرقمي؛ ما يوقعهن فريسة لأكثر من مبتز، وأحيانًا يكون المبتز قريبًا أو أحد الجيران، وهنا تكمن أهمية تفهم الأهل للمشكلة وعدم انخراطهم في تعنيف الضحية ومساعدتها على اتخاذ الإجراءات القانونية.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search