شارك ناشطون وصحفيّون، اليوم الأربعاء، في مظاهرة في إفطار رمضانيّ رمزيّ بالماء والملح والخبز أمام نقابة الصحفيّين المصريّين، كتعبير رمزيّ على مشاركتهم معاناة مع ضحايا الحرب الّتي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيليّ على غزّة، وتنديدًا بسياسة تجويع القطاع. وطالب المشاركون في الوقفة سلطات بلادهم بفتح معبر رفع لإغاثة الفلسطينيّين وإدخال المساعدات للقطاع في ظلّ الحصار المفروض، ورفعوا أيضًا مطالب تتعلّق بطرد السفير الإسرائيليّ من مصر وقطع العلاقات بشكل نهائيّ.
منذ عام 2016، وعلى إثر انتفاضة شعبية أخيرة بعد توقيع اتفاقية، بموجبها وافقت السلطة المصرية على التنازل عن الجزيرتين اللتين تعتبران بوابتين لـشبه جزيرة سيناء؛ تيران وصنافير. اقتحمت قوات الأمن المصرية نقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخها منذ تأسيسها في عام 1941.
كان ذلك لسببين؛ أولهما تمّثل في دعم النقابة للمتظاهرين في يوم جمعة الأرض، التي قامت في منتصف أبريل من العام 2016، إذ قامت قوات الأمن بمهاجمة المتظاهرين وألقت القبض على عدد منهم، في المقابل قدمت نقابة الصحفيين الحماية لعشرات منهم بعد أن لجأوا إليها وأغلقت أبوابها خوفًا من اعتقالهم. بينما السبب الثاني تمثل في القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، اللذان دخلا في اعتصام مفتوح داخل النقابة، خوفًا من اعتقالهم على إثر اتهامات تفيد بأنهما قد حرضا على التظاهر ضد اتفاقية بيع الجزيرتين وقتئذٍ.
منذ ذلك التاريخ، مارست السلطة ضغوطًا على الصحفيين ونقابتهم، إذ أغلقت المجال العام، وقامت بما يشبه عملية تأميم للصحافة، خاصة مع صعود مجموعة المتحدة التي تمثل الذراع الإعلامي والصحفي للسلطة، والتي سيطرت على المشهد بالكامل في داخل مصر، لتصبح بمثابة الإعلام الرسمي للدولة.
في العام التالي، دشنت تظاهرة حاشدة على سلم نقابة الصحفيين، قادها عدد من الصحفيين والسياسيين المنتمين إلى اليسار المصري، صحبة مواطنين مصريين. كان ذلك تنديدًا ورفضًا للقرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في خطوة أولى من أجل الاعتراف بالقدس كعاصمة للاحتلال الإسرائيلي. وعلى إثرها اعتقلت قوات الأمن خمسة من الصحفيين من أعلى سلالم النقابة، وهم: أحمد عبد العزيز وهشام أحمد ومحمد خالد وإسلام عشري وحسام السويفي.
مثّلت تلك الواقع نهاية فعلية لفتح النقابة أبوابها وتفاعلها أمام قضايا الرأي العام والسياسة في مصر، إذ كُبلت النقابة وأغلقت أبوابها منذ ذلك الحين حتى أمام الصحفيين من غير أعضائها، في مظهر من مظاهر سلطة الدولة عليها.
في مارس من العام 2023، انتخب خالد البلشي الصحفي ذا الميول اليسارية، ومعه عدد من الصحفيين المحسوبين على تيار الاستقلال النقابي المعارض لتدخل السلطة في الشأن الصحفي المصري. كان ذلك بمثابة أمل جديد لإعادة بعث النقابة وتفعيل دورها في الاشتباك مع المجال العام وقضاياه المتنوعة.
وجاءت حرب غزة الأخيرة التي انطلقت منذ أكتوبر العام الماضي، لتصبح بداية جديدة لتمثيل النقابة في الأحداث العامة المحلية والإقليمية، إذ نظم مجلس النقابة تظاهرة احتجاجية، للتضامن مع قطاع غزة، عقب بدء الحرب بنحو عشرة أيام، كان ذلك في اليوم التالي لاستهداف مستشفى المعمداني، التي راح ضحيته أكثر من 500 ضحية غالبيتهم من النساء والأطفال الذين اتخذوها كملاذ آمن.
منذ ذلك الوقت، واظب عشرات من الصحفيين والسياسيين على التردد إلى سلم نقابة الصحفيين، والقيام بوقفات احتجاجية، مرددين هتافات، أبرزها: “عيش، حرية، إلغاء الاتفاقية، افتحوا معبر رفح”. كان بعض من تلك الوقفات باقتراح من مجلس النقابة، ومثلها عدد من أعضائه في بعض منها، بينما البعض الآخر جاء بجهود شعبية من مواطنين وبعض من المنتمين إلى تيارات سياسية مختلفة.
لكنّ أبرزها، كان تنظيم وقفة احتجاجية كل ثلاثاء منذ بداية شهر رمضان الجاري، يقف فيها عدد من المشاركين، مدشنين إفطارًا رمزي ببعض من الخبز والماء فقط.
تواصلت “زاوية ثالثة” مع الكاتبة الصحفية نور الهدى ذكي، صاحبة مبادرة الثلاثاء، والتي نتج عنها ما سمي بمجموعة “صحفيون من أجل فلسطين”. تقول: “جميعنا يراقب ما يحدث في غزة من مجازر يومية فاقت كل الحدود، وقد أخجلنا أن نقف مكتوفي الأيدي دون تقديم أي نوع من الدعم، حتى وإن في شكل وقفات احتجاجية وتضامنية مع الشعب الغزيّ، ما أصابنا بالعجز والقهر. لذا خرجت الفكرة في الدعوة لـ تجمع في اليوم الثاني من رمضان قبيل المغرب، وتدشين إفطار رمزي على سلم نقابة الصحفيين بالماء والخبز فقط، في نوع من التضامن مع الجوعى في غزة، شاركتني مجموعة من الصحفيين مثل سيد صابر، وكريمة الروبي”.
“نور الهدى زكي” التي ألقي القبض عليها في عام 2021، من ميدان التحرير في وسط العاصمة القاهرة، على إثر رفعها علم فلسطين، تضامنًا مع شهداء القدس وغزة وقتئذٍ، لكن سرعان ما أفرج عنها مساء اليوم نفسه. تضيف: واظبنا على الوقفات الاحتجاجية منذ مطلع رمضان الجاري، في الوقفة الأولى كنا لا نزيد عن 25 صحفيًا، وشاركنا أحمد الطنطاوي -رئيس حزب الكرامة السابق-، لكن في الأسبوع التالي شاركنا عدد من الصحفيين والسياسيين، وعلى رأسهم الصحفي والمرشح الرئاسي الأسبق، حمدين صباحي، وجمال زهران -أستاذ العلوم السياسية والنائب البرلماني السابق-، وخالد داوود -الصحفي ورئيس حزب الدستور السابق.
تستطرد: “كانت نقابة الصحفيين قبلة كبرى لكل التيارات الاجتماعية والسياسية، منذ عام 2000 في أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم في غزو العراق في عام 2003، مرورًا بتعديلات 2005 الدستورية وتأسيس حركة كفاية، وأحداث المحلة الكبرى في أبريل من العام 2008، انتهاءً بالثورة المصرية في العام 2011. أصبحت سلالم النقابة ملاذًا للتعبير عن هموم المواطنين ومناصرة شكاواهم، وقد خرجت مسيرات كثيرة من النقابة إلى الميدان، ثم دخلنا في مرحلة تكفين نقابة الصحفيين وتحويلها لمبنى قبيح تحيطه السقالات من كل زاوية. وظلت النقابة محاصرة خاصة منذ العام 2017، لدرجة أن الصحفيين طردوا من نقابتهم، ولم يُمكّنوا من الجلوس في داخلها، واستطاعت السلطة في مصر تحويلها إلى مكان مهمل ومظلم، وليس به أي إمكانيات لتفاعل مهني أو سياسي أو إنساني تحت حجج واهية وكاذبة”.
وترى “ذكي” أن فوز خالد البلشي ومجلسه في انتخابات نقابة الصحفيين، العام الماضي، منح النقابة قبلة الحياة، ما شبهته بالمعجزة، وحسب وصفها، نجح “البلشي” الذي تخوفت منه بعض التكتلات الصحفية المناصرة للسلطة، في أن يظهر حتى اللحظة بمظهر لائق، ومنح صورة بأنه نقيب لكل الصحفيين دون تحيز. كما عمل على إعادة النقابة لمسارها الصحيح سواء فيما يتعلق بأمورها الداخلية وتنظيم شؤون الصحفيين، أو في الاشتباك المتوازن مع قضايا الرأي العام في خارجها.
تضيف: استعادت النقابة روحها في أحداث غزة، وأصبحت البؤرة المضيئة التي يتجمع عندها كل الوطنيين صحفيين أو مواطنين، لإعلان مطالبهم الموجهة للسلطة المصرية، لذا أقول إنها عادت وبقوة إلى دورها الريادي بخلاف النقابات الأخرى والأحزاب التي تحولت إلى غرف مغلقة. منتقدة أداء الإعلام المصري خلال السنوات القليلة الماضية وفي ظل الأحداث الجارية، إذ تقول: “كفى إعلام يروج فقط للكذب على المستوى الحياة اليومية والانتماء الوطني أو الأمن القومي دون مراعاة للمواطنين، أو على مستوى ما يحدث في غزة المجاورة، إذ يقوم بتعتيم وإخفاء متعمد لكل ما يحدث”.
وتؤكد نور الهدى ذكي أن مجلس نقابة الصحفيين ليس له علاقة بتنظيم وقفات الثلاثاء، وأنها خرجت كحركة مستقلة، بهدف تقديم أبسط أنواع الدعم النفسي والتضامني مع الشعب الفلسطيني.
في السياق ذاته، يجيب خالد داوود -الصحفي ورئيس حزب الدستور السابق- على سؤالنا بشأن استعادة النقابة دورها مرة ثانية، إذ يقول: “بالتأكيد أعادت حرب غزة أهمية النقابة، كمؤسسة وطنية تهتم بالقضايا التي تشغل المواطنين، وعلى رأسها قضية فلسطين، ومن المؤسف أن الشعب المصري على عكس الشعوب العربية -فيما عدا دول الخليج-، مُنع بشكل كامل من التظاهر تضامنًا مع فلسطين، في ظل الظروف الأمنية الحالية”.
منبهًا على الدور التاريخي الذي لعبته سلالم نقابة الصحفيين على مدى سنوات طويلة قبل ثورة يناير، موضحًا أنه في ظل التطورات الحالية ومع وجود مجلس نقابة ونقيب مستقل، كانت الفرصة سانحة لعودة السلالم لاستضافة المصريين المتضامنين مع غزة للتعبير عن آرائهم بشكل سلمي وحُر، متمنيًا رفع القيود الآنية المفروضة على حرية التظاهر والتضامن مع شعب فلسطين أو تعبير المواطنين المصريين عن قضاياهم، مختتمًا: “يجب أن نحافظ على المساحة التي اكتسبناها”.
تعليقًا، يقول محمود هشام -الصحفي وعضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي- إن المجازر التي جرت في غزة وما زالت، ساعدت المجموعات المصرية، وعلى رأسها الجماعة الصحفية على التحرك، ترجم ذلك من خلال المؤتمرات والحفلات والتظاهرة التي دعت لها النقابة، وحضرها ممثلون لـفلسطين مثل الصحفيين الفلسطينيين وسفير فلسطين، مضيفًا: كل ذلك جاء كـتوابع للحرب، وتبع ذلك دعوات الوقفات أمام النقابة للتضامن والمطالبة بفتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية، خاصة بعد نداء قافلة ضمير العالم التي دشنها نقيب الصحفيين شخصيًا.
يضيف: بعد فترة لم تعد الدعوات قاصرة على الصحفيين فقط، بل انضم عدد من المواطنين والتيارات المختلفة، وزادت الأعداد المشاركة، لكن رغم ذلك كان هناك العديد من المخاطر وتهديدات بـالاستهداف الأمني لاحقت بعض المشاركين، مؤكدًا: “كان هناك تخوف من دعوة البعض لعدم التنكيل به”.
يستكمل: كل ذلك جاء نتيجة لاختيار الصحفيين نقيبًا مستقلًّا، أعاد روح النقابة، واجتذب الجميع للمشاركة في أنشطة نقابية وعامة، بعد أعوام من السبات. وتزامن ذلك مع حرب الإبادة الجماعية في غزة.
في الوقت ذاته، وحسب ما وصل إلينا من معلومات، فإن هناك مجموعة من الصحفيين الموالين للسلطة، قد حاولوا في الإفطار السنوي لنقابة الصحفيين وعبر بعض المجموعات المغلقة الخاصة بالصحفيين، اجتذاب أعداد أخرى من الصحفيين للتوقيع على مذكرة تهدف إلى منع وجود تظاهرات داعمة لفلسطين إلا من خلال المجلس وبشكل رسمي.
وجاء في المذكرة التي ينتوي صحفيون تقديمها إلى المجلس: “تلاحظ في الآونة الأخيرة تصاعد وتيرة الوقفات الاحتجاجية على سلم النقابة، دون تنسيق مسبق مع مجلسها، واللافت أن غالبية من يشاركون هم من غير أعضاء الجمعية العمومية للصحفيين، وينتمون إلى اتجاهات سياسية، وهو ما انحرف بدعوات التضامن مع غزة إلى مزايدات على موقف الدولة وتبني لـمزاعم صهيونية وأمريكية بادعاء تَعُمد مصر غلق المعبر، لذا وجب علينا مطالبة النقيب والمجلس باتخاذ قرارات تنظم استخدام سلالم النقابة، للحيلولة دون الانجراف بها إلى أجندات تفرضها باسم الصحفيين شخصيات غير نقابية”.
لاقت تلك المذكرة وغيرها، ردود أفعال غاضبة من صحفيين، إذ رفضوا التوقيع، مطالبين باستمرار دور النقابة في العمل العام والاشتباك مع الأحداث الجارية والمستقبلية. ورغم ذلك، تقام اليوم الوقفة الأخيرة في شهر رمضان على سلالم نقابة الصحفيين في وسط القاهرة، التي أُجِّلَت أمس، نظرًا للاحتفال بتنصيب الرئيس السيسي لفترة ثالثة.