المنفى.. ساحة جديدة لقمع المدافعين عن حقوق الإنسان

Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

لم يسلم النشطاء والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان الذين اضطرتهم الملاحقات الأمنية وممارسات السلطة في مصر من الاستهداف، بعد أن قرروا مغادرة البلاد. إذ تُمارس ضدهم عمليات تضييق وملاحقات أمنية من أجهزة الدولة المصرية، دون تمييز بين بلدان إقامتهم الحالية. وفق ما ذكره تقرير حديث مشترك، صدر عن المنبر المصري لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، حصلت زاوية ثالثة على نسخة منه، الممارسات التي فعّلتها السلطة المصرية تجاههم، إذ تمحورت حول “إصدار أحكام غيابيّة بالسجن، أو التحقيق وتوجيه اتهامات ضد بعضهم في قضايا ذات طابع سياسي وتتعلق بالممارسة السلمية في الحق في حرية الرأي والتعبير، إلى جانب الحرمان التعسفي من الحصول على الخدمات القنصلية عبر منع إصدار بطاقات الرقم القومي، وشهادات ميلاد لهم ولذويهم، وإصدار وتجديد جوازات السفر المصرية”. 

أيضًا- تضمنت الممارسات تجميد وضعية بعض الحقوقيين البارزين في السجل المدني داخل البلاد؛ لحرمانهم من الحصول على وثائقهم الثبوتية، ووضع بعض المدافعين/المدافعات عن حقوق الإنسان المقيمين في خارج مصر على قوائم الإرهاب، وترويع أفراد من أسرهم مقيمين في الداخل، إضافة إلى تعقب ومراقبة أنشطة الحقوقيين في دول إقامتهم، وتعرض ناشطين ومنظماتهم للاستهداف الرقمي من خلال برامج المراقبة والتجسس. 

حسب تقديرات مختصين ومنظمات حقوقية، تشهد القاهرة منذ منتصف العام 2013 موجات غير مسبوقة في اعتقال واحتجاز المواطنين؛ خاصة المهتمين بالمجال العام والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة، إذ تشير التقديرات إلى احتجاز ما بين 40 – 60 ألف معتقل سياسي في سجون النظام، نفتها السُلطة مرارًا. على نحو جعل المعتقلين السياسيين ملفًا قائمًا بذاته، تسعى المنظمات الحقوقية وبعض الأحزاب السياسية في الداخل والخارج، لإيجاد حل له.

كانت السلطة قد نشطت في حملاتها لاعتقال النشطاء والحقوقيين والصحفيين منذ منتصف 2013، بالتزامن مع سقوط حكم الرئيس محمد مرسي. غير أنه في العام 2016، حاولت السلطة الظهور بمظهر جيد، إذ أعلنت الإفراج عن نحو 165 معتقلًا/ معتقلة، كانوا قد احتجزوا بسبب مظاهرات تيران وصنافير التي خرجت للاحتجاج ضد صفقة بيع الجزيرتين، ثم حاولت السلطة التفاعل المباشر مع الملف عبر توصيات أخرجها أول مؤتمر للشباب في عام 2016، إذ أعلنت عن التوقيع على قرار بالعفو عن 330 معتقلًا، وفق قائمة تقدم بها أعضاء من المجلس القومي لحقوق الإنسان، وقتئذٍ، أعقبها الإعلان عن تشكيل لجنة عفو رئاسي تساعد رئيس الجمهورية على تفعيل تلك الآلية واستمرارها. لكن قرار الإفراج الرئاسي عن الـ 330 معتقلًا لم ينفذ فعليًا إلا في العام 2018.

في هذا السياق، أطلقت نحو 50 من منظمات المجتمع المدني والأحزاب وتجمعات المصريين في الداخل والخارج وهيئات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية، ما عرف في العام 2021 بمبادرة “أول سبع خطوات”، وحسب بيان صدر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في مايو 2022، فإن السياسات أثبتت فشلها في تفعيل دور لجنة العفو الرئاسي منذ 2016، لإنهاء ملف المعتقلين السياسيين في مصر، خاصة مع تفعيل ما وصفته المنظمات الحقوقية بنهج “الباب الدوّار” أو تدوير المعتقلين على قضايا جديدة بدلًا عن الإفراج عنهم، في الوقت الذي انتهجت فيه السلطة ممارستها التي قضت – ولا تزال- بالإفراج عن بعض المعتقلين بالتزامن مع اعتقال أعداد جديدة. وفي حين لم تستطع لجنة العفو أو الجهود الشخصية لبعض السياسيين والحقوقيين في الإفراج عن آلاف من المعتقلين، شعر ذوي هؤلاء بالإحباط، ليقوموا في يوليو الماضي بإطلاق حملة معنونة بـ “نريد ذوينا أحرارًا“، لمناشدة الأجهزة المعنية بالإفراج عن ذويهم. 

 

نوصي للقراءة: نريد ذوينا أحرارًا: مبادرة أسر السجناء السياسيين في مصر

 

غير أن النظام قد توسع في حملاته وانتهاكاته، رغم من إعلانه عن تشكيل لجنة العفو الرئاسي، ونفيه المستمر لوجود معتقلين في سجونه. دفعت تلك التطورات المدافعين عن حقوق الإنسان، لتوثيق الانتهاكات الجارية للمواطنين، ومحاولة التأثير بعملهم في سبيل تحسين أوضاع المعتقلين والمُنتهَك حقوقهم، أو الإفراج عنهم من خلال استخدام الأدوات الإعلامية والصحفية، في ظل توسع الأمن في انتهاكات ذات صلة بالأمان الشخصي والجسدي للأفراد، وما يصاحب وضعية الاحتجاز تلك من تعديات بدنية وتعذيب. حفّز ذلك السلطة ضد تلك الفئة؛ ما أدى إلى ملاحقتهم تاليًا، عبر إصدار قوانين مقيدة أو ضمهم إلى قضايا طويلة أو اعتقال بعضهم على ذمة عدد من القضايا.

وقد عمدت السلطة إلى إصدار قانون رقم 70 لسنة 2017 لتنظيم عمل الجمعيات الأهلية، واعتبر قانونًا مقيدًا للعمل العام ومنظمات المجتمع المدني في مصر، ولاقى انتقادات من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، أسفرت تلك الانتقادات عن تعديل للقانون رقم 149 لسنة 2019. أيضًا- صاحبت تلك الفترة إعادة تنشيط لما عُرف بقضية التمويل الأجنبي التي طالت عددًا من منظمات حقوق الإنسان وقياداتها. تلاها إجراءات مثل. التقييد على فرص هذه الجمعيات في الحصول على الدعم المالي اللازم لتنفيذ عملها.

نوصي للقراءة: عايدة سيف الدولة: شهادات من قلب النضال ضد التعذيب (حوار)

تعليقًا، يقول معتز الفجيري – مؤسس وعضو المنبر المصري لحقوق الإنسان- في حديثه إلى زاوية ثالثة إن الصراع ومحاولات تلفيق القضايا، بدأ بالفعل منذ الشهور الأولى لرحيل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بعد أن أجبرته ثورة يناير من العام 2011 على الرحيل. يضيف: “في هذا الوقت، كان عبد الفتاح السيسي – الرئيس الحالي لمصر- يعمل كـ رئيس للمخابرات الحربية. وقد بدأ التحضير لقضية التمويل الأجنبي مع نهاية العام 2011، لكن تحريكها د قطاع واسع من المنظمات المصرية بدأ في العام 2014”.

يستطرد: “قمع الحقوقيين لا يتعلق بقضية منظمات المجتمع المدني/ التمويل الأجنبي، فكثير من أنماط الانتهاكات تعتمد على قوانين كثيرة ومتعددة، وبعضها خارج عن سياق القانون من الأساس”.

حسب التقرير الصادر عن المنبر المصري لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، فقد مارست السلطة ضد تلك الفئة عددًا من الانتهاكات الأخرى بخلاف قضية التمويل الأجنبي أو التضييق القانوني، إذ وحسب شهادات وردت بالتقرير فقد “تعرض بعض منهم إلى التوقيف المفاجئ سواء أثناء تنقلاتهم داخل البلاد أو خارجها، والتي يعقبها إعلامهم بمنعهم من السفر بشكل غير قانوني في أغلب الحالات، ومصادرة وثائق السفر لضمان عدم خروجهم من البلاد. إضافة إلى احتجاز بعضهم في مقرات مجهولة تابعة للأمن الوطني، دون توضيح طبيعة الاتهامات التي يلقاها”. مشيرين إلى أن السلطة فعّلت تدابير احترازية ضد من تم الإفراج عنهم، تقضي بالمواظبة على تقديم أنفسهم إلى قسم الشرطة لنحو ثلاث مرات شهريًا أو استدعائهم بشكل مفاجئ للسؤال عن أحداث سياسية جارية، وقد يفاجئون بترحيلهم إلى مقار الأمن الوطني لإعادة التحقيقات ثانية في ظروف احتجاز وتحقيق شديدة الصعوبة، ثم إطلاق سراحهم معصوبي العينين في الصحراء وعلى أطراف المدينة في أوقات ليلية.

تعرض أيضًا- مدافعون عن حقوق الإنسان إلى تهديدات فيما يخص السكن، إذ تمت ملاحقتهم وأسرهم، ما استدعي من كثير منهم الهرب أو الانتقال من محال سكنهم، في حين شعر آخرون ممن لم يتعرضوا للاحتجاز بالقلق بعد السؤال عن بعضهم في تحقيقات جارية؛ ما يعني أنهم ربما يكونوا على قائمة الاستهداف.

 

كيف خرجوا من مصر؟

بعض الشهادات الواردة بالتقرير المشار إليه سابقًا، قالت إنهم كانوا بالخارج للحصول على زمالات أو تدريبات علمية؛ لكنهم فوجئوا بتحركات تهدد أمنهم الشخصي حال تفكيرهم في العودة إلى مصر، ليقرروا البقاء خارج البلاد. وفي بعض الحالات، وبسبب قرارات المنع من السفر الرسمية أو وفق قوائم المنع من السفر غير المعلنة الخاصة بالأمن الوطني في المطارات، لجأ بعضهم إلى السفر عبر طرق غير شرعية عبر الطرق الحدودية المشتركة مع بلدان الجوار لمصر. وقد “لجأوا بالفعل لرحلات منظمة من قبل عناصر تتولى تدبير هذه الرحلات الخطرة عبر الحدود للاجئين -بالأساس- من الجانبين، ومن خلال الخروج من دروب صحراوية غير مأهولة، مع التأكيد على المدافعين من قبل المسؤولين عن الرحلة بوجود احتمالات وفاة كبيرة في هذه الرحلة”. 

حسب شهاداتهم، فإنهم قد خرجوا من القاهرة دون حيازة أوراق رسمية أو أموال كافية، نظرًا للترتيبات المفاجئة قبل تعرضهم للاعتقال أو الملاحقة، وخوفًا من ملاحظة السلطات في مصر حين لجوئهم لطلب استخراج أوراقهم ذلك، وتوقيفهم.

وبحسب “الفجيري” فهناك معاناة هائلة تواجه بعض الحقوقيين منذ خروجهم من مصر. البعض تكرر انتقاله في أكثر من دولة وأصبح غير مستقر لسنوات حتى أتيح له الوصول لدول أوروبية أو أخرى منحته حق اللجوء. مضيفًا: “ليس هناك حصر بأعداد الحقوقيين أو النشطاء الذين وصلوا إلى أوروبا، لكن من خلال الرصد نعلم أن أعدادهم تتزايد في دول مثل. فرنسا والمملكة المتحدة وتركيا وقطر. ومازالت موجات الخروج من مصر مستمرة وإن كانت بشكل أقل حاليًا؛ نظرًا لخروج أغلبية المهددين من تلك الفئة بالفعل في السنوات السابقة”.

 

الملاحقة في الخارج

وفق التقرير، فإن الأداة الأولى التي يستخدمها النظام ضد المدافعين عن حقوق الإنسان الذين غادروا مصر، تتمثل في تحريك قضايا جديدة أو قضايا تم إخلاء سبيلهم على ذمتها حال خروجهم من المطار؛ ليبقوا أمام خيارين إما الاستمرار في المنفى الإجباري الذي فرضته السلطات عليهم دون ذويهم – في أغلب الحالات- أو العودة وقضاء سنوات غير معلومة في غياهب السجن. وقد وضع بعضهم على قضايا سياسية عقب خروجهم أو قضايا متعلقة بالإرهاب، ينتج عنها وضعهم على قوائم ترقب الوصول في المطارات وكافة المعابر الحدودية، والتجريد من الحقوق المدنية والسياسية، ومصادرة الممتلكات والأموال والثروات، وقد تمتد فعالية تلك الإجراءات إلى نحو خمس سنوات، قابلة للتجديد.

العام الماضي، أصدرت محكمة مصرية قرار بتمديد إدراج 1526 مصريًا على قوائم الإرهاب لمدة خمس سنوات إضافية (تشمل القائمة نشطاء سياسيين وحقوقيين)؛ ما اعتبره مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان “استمرار توظيف قوانين مكافحة الإرهاب في سلب حقوق المصريين؛ بما في ذلك الحق في حرية السفر والتنقل وحرية التصرف في الأموال والممتلكات؛ فضلاً عن مصادرة حقوقهم السياسية ووصمهم مجتمعيًا”. كما تم إدراج 81 مصريًا في أبريل 2023، بينهم حقوقيين ونشطاء سياسيين، على قوائم الإرهاب، وسبق وأضيف البرلماني السابق زياد العليمي والناشط رامي شعث إلى قوائم الإرهاب في إبريل 2020. وفي نوفمبر 2020 تم إدراج الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر على القوائم نفسها. وفي سبتمبر 2021 تم ضم الحقوقية هدى عبد المنعم، عضو التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، للقوائم.

ومن الأدوات التي تستخدمها السلطة أيضًا لملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان في الخارج، حرمانهم من استخراج الأوراق الرسمية والثبوتية (شهادات الميلاد أو تجديد الوثائق الأساسية مثل. جوازات السفر والبطاقات الشخصية)، حسب بيان أصدرته منظمة هيومان رايتس ووتش في مارس من العام الماضي 2023، ما يؤدي إلى تعرضهم إلى المنع من الحقوق الأساسية الأخرى مثل الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، والعمل؛ والحق في الحياة الأسرية؛ وحرية التنقل؛ والحق في مغادرة البلاد.

تحقيقًا لذلك، تعمد البعثات الدبلوماسية المصرية المماطلة مع تلك الفئة للحصول على أوراقهم، خاصة وأن القانون المصري يضع حدًا زمنيًا لـ استقبال طلبات استخراج الأوراق الرسمية. في هذا السياق، تعمل المقرات القنصلية من أجل تقييد إمكانية استخراج الأوراق، بتأخير الأوراق، وإعلامهم في النهاية بالحاجة لتقديم طلبات جديدة (ربما يمتد لشهور وسنة أو أكثر). وحسب شهادات نشطاء فإن ذلك يكون من خلال توجيه الأجهزة الأمنية، ليأتي الرد النهائي بأن الاستعلام الأمني انتهى لقرار الرفض، ولا يتم استخراج أوراقهم. وفي حين حاول البعض توكيل أحد أقاربه في مصر لاستخراج تلك الأوراق، فإنهم يفاجئون بتجميد أسمائهم لدى الإدارة المصرية، بما يعني وقف المعاملات الخاصة بهم في الداخل أيضًا (رصدنا حالات لصحفيين مصريين قوبلت طلباتهم بالرفض من قبل بعض سفارات الدول التي لجأوا إليها مثل تركيا ولبنان).

إضافة إلى ذلك، تعمد السلطات المصرية إلى إسقاط الجنسية عن بعض النشطاء والسياسيين في الخارج، إذ تتضمن قرارات الإسقاط دعاوى من قبيل “تهديد أمن الدولة الخارجي، وتقويض نظامها الاجتماعي والاقتصادي دون تحديد ماهية الأسباب أو تفسيرها، ويتوقع أن تتسبب قرارات مثل إسقاط الجنسية للمواطنين المعارضين والمدافعين في انعدام جنسيتهم إذ يصبحون بلا جنسية؛ ما يُصعب معه تقنين أوضاعه القانونية في الدول الأخرى.

يذكر أنه في عام 2017، وافق البرلمان المصري على تعديلات قانون سحب الجنسية، ونصت على “سحب الجنسية المصرية ممن اكتسبوها عن طريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة، ومن صدرت بحقهم أحكام قضائية تثبت انضمامهم إلى أي جماعة أو جمعية أو جهة أو منظمة أو عصابة أو أي كيان، بهدف المساس بالنظام العام للدولة أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، بالقوة أو بوسائل غير مشروعة أخرى، ومن أدينوا قضائيًا في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة بالخارج أو الداخل، ومن أدوا الخدمة العسكرية لدولة أجنبية دون ترخيص من السلطات، ومن يعملون مع دولة أو حكومة أجنبية في حالة حرب مع مصر”. وقد اعترضت أحزاب وجهات حقوقية مصرية على تعديلات القانون، ووصفوها بـ الفضفاضة ووسيلة لقمع المعارضين وغلق المجال العام، وهو ما سبق وأن رصدناه في زاوية ثالثة مع السياسي والمدافع عن حقوق الإنسان، مصطفى بكري، الذي انتزعت منه السلطة جنسيته المصرية العام الجاري.

 

نوصي للقراءة: هل تُصبح الجنسية المصرية أداة سياسية لقمع المعارضة؟ 

وفي عام 2020، نشرت منظمة العفو الدولية، بيانًا، احتجت فيه على تجريد الناشطة المصرية المقيمة في تركيا، غادة نجيب، من جنسيتها المصرية، واصفة ذلك بأنه “حرمان تعسفي من الجنسية، ويكشف الإجراء استخدام السلطات المصرية تكتيكًا جديدًا ضد المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، لإسكات أصواتهم في الداخل والخارج”.

يعود “الفجيري” للتعليق. يقول: “نشاط الحركة الحقوقية في الخارج ونجاحها في تشكيل جبهة عابرة للحدود، وجعل ملف حقوق الإنسان حاضرًا على الصعيد الدولي، خاصة في فترة الاستعراض الدولي الشامل في عام 2019 (تقرير حالة حقوق الإنسان في الدولة أمام الأمم المتحدة)، وحتى انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن والسنوات الأولى من إدارته، كل هذا أسهم في تصاعد موجات التهديد والملاحقة مع النشطاء في الخارج، وكانت وسيلة النظام الأخطر هي الحرمان من الأوراق الثبوتية والخدمات القنصلية، وهي أداة تعسفية تمثل تعد صارخ على حقوق المواطنة”. مشيرًا إلى أن السلطة تهدف من تلك الممارسات إلى تقييد حرية الحقوقيين في التنقل وإجبارهم على اللجوء، تمهيدًا لمنع عودتهم ثانية إلى وطنهم مصر، وربما التخلي عن جنسيتهم المصرية.

يضيف: “هناك تنسيق دولي لتقديم الدعم والحماية لمن اضطر لمغادرة مصر، لكن الأوضاع الإقليمية المشتعلة وتزايد نفوذ اليمين الأوروبي المتطرف تعرقل هذه الجهود. هناك بعض من النشطاء يعيشون بالفعل في دول غير مستقرة وغير آمنة ونخشى على سلامتهم، ونأمل من خلال إصدار تقريرنا المشترك أن ننبه إلى قضايا النشطاء بالخارج، والإعلان عن مبادرة رسمية لتسوية القضايا العالقة، فضلًا عن ضرورة تسهيل إصدار أوراقهم الثبوتية وجوازات السفر بشكل فوري، بصرف النظر عن التوجهات السياسية للمصريين في الخارج”. مؤكدًا أن السلطة في مصر تقوم بعكس ما تدعي منذ إطلاق الحوار الوطني. مدللًا على ما حدث في الشهور الأخيرة من تزايد حالات احتجاز/ اعتقال لـ صحفيين، ثم محاولة إصدار قانون الإجراءات الجنائية المقترح؛ ما يعد بمكانة ازدراء للمشاركين في الحوار الوطني، وتعبير عن استمرار سيطرة الأجهزة الأمنية على المشهد السياسي وصد أي انفراجة محتملة.

 

نوصي للقراءة: مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد: خطوة نحو العدالة أم تقييد للحريات

 

من الوسائل الإضافية التي تمارسها السلطات المصرية، لقمع المصريين المعارضين/ الحقوقيين في الخارج، أن تقوم بـ تعقبهم في رحلاتهم وأماكن سكنهم بالخارج، إذ وحسب التقرير ورد في شهادات المدافعين والنشطاء أن “جهود الرقابة والتتبع لا تقتصر على نطاق الفعاليات ذات الصلة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر التي ينشط هؤلاء المدافعون في تنظيمها، ولا تتوقف على شخوصهم؛ لكنها تمتد لزملائهم غير المصريين العاملين على ملفات حقوق الإنسان في مصر في نفس المؤسسة، للتعرف على أنشطة عملهم، والتجسس على المدافعين المصريين من خلالهم”. وقد ورد كذلك قيام أشخاص مجهولين مصريين بالتردد على مقرات مؤسسات حقوق الإنسان بالخارج، لتوجيه أسئلة عن التقارير التي تُنشر عن مصر، ومحاولة التعرف على كاتبيها، في العواصم الغربية وعواصم دول الشرق الأوسط.   

في الوقت نفسه، تمارس السلطات المصرية ترهيبًا لـ المعارضين والحقوقيين بالخارج، من خلال تعاونها مع سلطات دول أخرى صديقة. وقد سُجلت بالفعل حالات ترحيل لمعارضين ومدافعين عن حقوق الإنسان إلى مصر بالتعاون مع دول استأنفت معها القاهرة العلاقات الدبلوماسية مثل تركيا. كما ظهرت حالات مشابهة في البحرين، بناء على مذكرة طلب تسليم مقدمة من مصر للجانب البحريني بزعم وجودهم على ذمة قضايا سياسية. وفي حالة الإمارات، اعتقل معارضون مصريون دون الالتزام بالإجراءات القانونية، مع ظهور تهديدات بالترحيل لمصر دون بيان الأسباب، مثل حالة السياسي والمدون المصري شريف عثمان الذي احتجزته السلطات الإماراتية في العام 2022.

لم تكتف السلطة في مصر بالإجراءات السابقة، إذ توسعت في استغلال التكنولوجيا من أجل استهداف المعارضين ومراقبتهم، من خلال الاستهداف الرقمي للمدافعين المصريين في الخارج، إذ يكتسب تتبعهم أهمية بالنسبة للسلطات في ظل بقائهم خارج مصر، وعدم القدرة على الوصول لمعلومات محدثة عن عملهم وأنشطتهم. وقد تعرض كثير منهم لمحاولات الاختراق المستمرة، ما يضيف أعباء إضافية على كاهلهم في سبيل ضمان خصوصيتهم. من أجل هذا وحسب شهادات واردة من مدافعين عن حقوق الإنسان بالخارج، فإنهم يقومون بتفعيل مجموعات مناصرة رقمية، لتعزيز حمايتهم الشخصية وأسرهم.

 

Search