عايدة سيف الدولة: شهادات من قلب النضال ضد التعذيب (حوار)

Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

عايدة سيف الدّولة، طبيبة نفسية مصرية، مدافعة عن حقوق الإنسان، ومؤسس مشارك في مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب. ولدت في عام 1954 في عائلة ناشطة سياسيًا، وبدأت نشاطها السياسي ونضالها ضد الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان أثناء الدراسة الجامعية في سبعينيات القرن الماضي، وكانت ضمن مؤسسي مركز دراسات المرأة في عام 1984؛ إذ دافعت ولا تزال عن حقوق النساء، و ناهضت ختان الإناث والعنف ضد المرأة.

وفي عام 1993، شاركت في تأسيس مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف، والذي يقدم الدعم النفسي والطبي والقانوني لضحايا التعذيب وأسرهم، والنساء المعنفات، وشاركت في ثورة 25 يناير 2011، كما ساهمت في توثيق انتهاكات الشرطة بحق المتظاهرين وضحايا التعذيب على مدار عدة سنوات.

تعرضت “سيف الدولة” لمضايقات قضائية، إذ صدر بحقها قرار منع من السفر في نوفمبر 2016، قبل أن يتم إلغاؤه مؤخرًا، وتم استدعاؤها من نيابة الأزبكية في مارس 2020، للتحقيق في القضية رقم 2075 لسنة 2020 جنح الأزبكية. ويعد الاستدعاء هو الثاني الذي تصدره النيابة ذاتها لها؛ حيث كان الأول في عام 2019، ولم يتم الكشف وقتها عن طبيعة الاتهامات الموجهة لها، كما أصدرت السلطات قرارها بإغلاق مركز النديم في فبراير 2017، وبعد أربع سنوات، حكمت المحكمة في يناير 2021 بإلغاء قرار الإغلاق.

زاوية ثالثة حاورت عايدة سيف الدولة، وإلى نص الحوار..

– بداية، حدثينا عن عايدة سيف الدولة وكيف تشكلت أفكارها وأيدولوجيتها؟

نشأت في بيت سياسي على فكرة مواجهة الظلم؛ فوالدي كان محاميًا يدافع عن المظلومين، ولمست قضايا السجن والظلم عن قرب لأنه كان هناك عدد من أقربائي معتقلين سياسيين، وعندما دخلت إلى الجامعة تعرض بعض من زملائي في الحركة الطلابية للضرب والسحل والقبض عليهم.

تطورت الحركة التي انضممت إليها في عام 1984، لتصبح مركز دراسات المرأة الجديدة، لكنني اضطررت لتركه في عام 2000، لانشغالي بالعمل في مركز النديم. بشكل عام أرى أن هناك محاولات ومجموعات نسائية ظهر دورها المجتمعي، مثلًا في دعم قضية عاملات مصنع وبريات سمنود.

بدأت الفكرة قبل عام 1993، تزامنًا مع إضراب عمال مصنع الحديد والصلب، إذ حيث قُبض على مجموعة منهم إلى جانب عدد من أعضاء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وتعرض بعضهم للتعذيب لدرجة الإصابة بعاهة مستديمة، كما حدث مع الراحل هشام مبارك الذي أصيبت إحدى أذنيه بالصمم، وكنا مجموعة من الأطباء الأصدقاء حاولنا الحصول على تقارير طبية رسمية بحالتهم؛ لكن بمجرد معرفة أن سبب الإصابة هو التعذيب كان يتم رفض إصدار التقارير.

 كانت لدينا فكرة مسبقة عن أن المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب يخرجون أبطالًا كالصخر، لكن تفاجأنا بحقيقة شعورهم المتمثل في الغضب والشعور بالإهانة وإعادة التفكير فيما حدث على إيدي جلادهم؛ فقررنا إنشاء عيادة نفسية لعلاج الناجين والناجيات من العنف والتعذيب، وإصدار تقارير طب شرعية نفسية، دون العمل في مجال حقوق الإنسان باعتبار أننا كنا نقوم بذلك الدور التطوعي ضمن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وكنا قد فكرنا في جعل العيادة ضمن المنظمة لكننا تراجعنا عن الفكرة لكون من يقصدون العيادة النفسية لهم كل حقوق المرضى ولن يطلع على ملفاتهم غير معالجيهم، وليس من حق العاملين بالمنظمة الاطلاع عليها وبالتالي رفضت المنظمة ذلك؛ فأنشأنا العيادة في شقة صغيرة، ولم تصلنا عام 1993، سوى ضحية واحدة للتعذيب من السياسيين، كان اسمها “أمل” واشتهرت قضيتها بالصحف؛ إذ تم تعذيبها لأنها زوجة سياسي، ولم يقصد عيادتنا أي سياسيين آخرين تعرضوا للتعذيب إلا في عام 2000.

– أعطينا أمثلة على بعض القضايا التي وثقتوها في النديم 

على مدار سبع سنوات، وصلت إلينا في مركز النديم حالات لضحايا تم تعذيبهم؛ لدفعهم للتنازل عن قطعة أرض أو شقة أو عقابًا لهم على تحدثهم بطريقة سيئة مع شخص ذو سلطة أعلى منهم، مثلما حدث مع طباخ وزير الصحة آنذاك حين طلبت منه زوجة الوزير والتي كانت أستاذة جامعية، القيام بأمر ما، لكنه رفض وقال لها إنه ليس من عمله، فأبلغت عنه قسم الشرطة وتعرض هناك لتعذيب مروع.

وكانت هناك حالة أخرى لـ مواطن تم توقيفه وتفتيشه في مترو الأنفاق وحين أراد أخذ متعلقاته الشخصية، وبينها علبة سجائر أراد أمين شرطة الاستيلاء عليها، تم احتجازه في غرفة بمحطة المترو وتعليقه لمدة ثلاثة أيام.

كانت السمة المشتركة في كل حالات الضحايا الذين جاءوا إلى المركز خلال السبع سنوات الأولى أنهم مواطنون عاديون لا يمتلكون واسطة لإخلاء سبيلهم من أيدى الشرطة، واكتشفنا أنه في أي مكان توجد فيه شرطة يمكن أن يتعرض الناس للتعذيب، ليس فقط في أقسام الشرطة والمقرات الأمنية؛ بل أيضًا في المترو والجامعة والشارع، وأنها كانت بمثابة طريقة الدولة في التعامل مع مواطنيها، فأردنا أن يعرف الناس بذلك ولكن واجهنا صعوبة شديدة في إيجاد صحيفة توافق على الكتابة عن ذلك، ولم نجد سوى جريدة معارضة واحدة توافق على النشر.

 

للأسف الطب في مصر مهنة فوقية، وقليل من الأطباء من يستمع جيدًا إلى شكوى المريض دون أن يقول له: “من منا الطبيب؟!”، لكننا تعلمنا من الضحايا الذين قصدوا عيادتنا أنهم ليسوا مرضى وإنما المجتمع هو المريض والجلادون المسؤولون عن تعذيبهم والنظام السياسي غير القادر على حمايتهم، هم المرضى، وأن الضحايا وحدهم من يمتلكون الحق في اتخاذ القرار بشأن ما يريدون فعله؛ لأنهم ربما يكونون لا يزالون يشعرون بالتهديد؛ فبعضهم يريد فقط يريد من يستمع إليه دون أن يقوم بتكذيبه، بينما يريد آخرون أن يعلم الناس حكايتهم لا سيما من تعرضوا للتشهير بهم، فهؤلاء نساعدهم على نشر شهاداتهم، والبعض يريدون الحصول على حقهم، فلجأنا إلى الاستعانة بمحامين لتقديم الدعم القانوني لهم، وتوسع لدينا مفهوم التأهيل ليشمل فعل كل ما يمكن القيام به لتستعيد الضحية كرامتها وإحساسها بنفسها، لتتمكن من العيش بالطريقة التي تريدها.

 

 

–  هل ترين أن هناك فصلًا بين الجانبين؟

في رأيي، لا يوجد تناقض بين العمل السياسي والحقوقي فهو عمل سياسي بامتياز يرصد انتهاكات حقوق الإنسان بشكل عام أو متخصص، وكلاهما يكمل الآخر، لأننا نتكلم عن التعذيب ونطالب بمحاكمة الضباط المتورطين فيه وكنا نطالب بإقالة وزير الداخلية.. وكلها مطالب سياسية، لكن ربما يتناقض العمل الحقوقي مع العمل الحزبي، ولا يجب تكريسه لصالح مرشح معين أو حزب ما. وأرى أن تلك التهمة وجهتها الداخلية بالأساس للحقوقيين بالفشل في عملهم السياسي؛ ما دفعهم للتحول إلى العمل الحقوقي.

 

– أيهما أكثر معارضة للسلطات.. المنظمات الحقوقية والتنموية أم الأحزاب السياسية؟

هذا سؤال تصعب الإجابة عليه، وإن كنت أرى أن كل الطرق مسدودة. ورغم ذلك تحدث إضرابات عمالية وتظاهرات طلابية، وهناك من يدفعون ثمنًا غاليًا ربما يكون عمرًا كاملًا في السجن.

وفي تقديري أن الأحزاب السياسية قررت القيام بالحد الأدنى من العمل السياسي أو أقل من الحد الأدنى، لتتمكن من البقاء أو تعطي انطباعًا بوجود حياة سياسية، أو تتمكن من دخول البرلمان، ولا يوجد مجتمع حقوقي واحد في مصر؛ بل توجد منظمات حقوقية ربما تكون مواقفها موحدة لكن استراتيجيتها غير موحدة.

 

– هل ترين أن المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في مصر تعمل بكفاءة؟

حين كان لا يزال هناك موقف موحد في الأوساط الحقوقية المصرية، وضعنا سبع نقاط، لا تحتاج إلى قوانين وإجراءات وجلسات برلمانية، لكن تحتاج إلى إرادة سياسية لن يحدث دونها انفراجة سياسية، أبرزها: إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا والمعتقلين المرضى من كبار السن.

هذا يحتاج فقط قرار سياسي، فهناك ضحايا مثل: أنس البلتاجي الذي يدفع ثمن كونه ابنًا للدكتور محمد البلتاجي، وعلا القرضاوي وزوجها اللذان دفعا ثمن كونها ابنة يوسف القرضاوي، وحتى بعد خروجها من السجن لازال زوجها محبوسًا احتياطيًا، والناشطة مروة عرفة التي تم سجنها قبل خمس سنوات حين كانت ابنتها لا تزال رضيعة، ناهيك عن من تم سجنهم بأحكام قضائية مثل: علاء عبد الفتاح، وأحمد دومة، ومحمد الباقر، ومحمد القصاص، وعبد المنعم أبو الفتوح.

 

– هل توافقين على وصف الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة الآن بـ الكرتونية؟

من الطبيعي أن يهدف أي حزب سياسي للوصول إلى الحكم وهي تهمة ينفيها عن أنفسهم كل السياسيين في مصر. 

ويفترض بالأحزاب أن تسعى للحصول على مقاعد في البرلمان، وتعمل على تغيير السياسات والتأثير على السلطة والوصول إليها، ولا أفهم هل يؤسسون الأحزاب للعمل كـ مستشارين للدولة مثلًا؟

نوصي للقراءة: هشام قاسم: كل من يقترب من ملف الرئاسة يُسجن (حوار)

 

– كيف تقيمين الخلافات الداخلية الموجودة على الساحة السياسية مثل: تفتت أحزاب الحركة المدنية؟

الحركة المدنية تشكلت من مجموعة من الأحزاب السياسية التي اختارت بعضها البعض، وكان يفترض أنه ما دامت حركة سياسية أن يكون لها جمهور، وما حدث أن الحركة اجتمعت قبل الحوار الوطني لوضع شروط تضمن جدية هذا الحوار، لكن الوحيد الذي التزم بها هو “أحمد الطنطاوي” الذي لفظته الحركة المدنية وهو حاليًا قيد السجن.

نوصي للقراءة: أحمد الطنطاوي: مصر تحتاج بديل للسلطة والمعارضة (حوار) 

 

– إلى أي مدى تعتقدين في جدية وجدوى لجنة العفو الرئاسي والحوار الوطني؟

أعتقد أن الأحزاب السياسية لو كانت قد صمدت وأصرت على الشروط التي وضعتها لتضمن جدية الحوار الوطني لاختلف الأمر، لأن الدولة لم تستجب لتلك الشروط التي تمثل الحد الأدنى.

ما يحدث الآن من مهزلة الحبس الاحتياطي والمشاركة في الحوار الوطني لوقف الحبس الاحتياطي، وحجم الابتزاز السياسي التي تمارسه كل الأطراف بخصوص ذلك، سواء السلطة أو الأحزاب السياسية أو من جهزوا للحوار الوطني، وبينما يجهزون لجلسة مناقشة للحبس الاحتياطي فإن مجلس الوزراء يناقش مسودة قانون للحبس الاحتياطي ثم تخرج برلمانية لتعلن أنهم في البرلمان لم يطّلعوا على مسودة القانون، ما يعد مهزلة تمثل إهانة لكل تجمع أشخاص يفترض بهم أن يمارسوا العمل السياسي، ورد الفعل غير متناسب مع حجم الإهانة.

 

 

– ظهرت بعض الأقاويل في الأوساط السياسية تفيد بأن بعض من رموز ثورة يناير من جيل الشباب قد أذعن أخيرًا للسلطة، ما رأيك؟

أنا لا أتفق مع مسألة رموز يناير، فالثورة شارك فيها الملايين وشهدائها هم رموزها الحقيقيين، وربما يمكن اعتبار الدكتور “محمد البرادعي” أحد رموزها.

 ولا أميل إلى فكرة أن تختار النخبة السياسية رموزها بنفسها لأن في ذلك ظلم لـ آخرين يتم نسيان حجم الدور الذي لعبوه وحجم تضحياتهم.

والسلطة تستخدم كل شيء بمقدورها استخدامه، لكن لا تستخدم عضو سياسي إلا إذا كان موافقًا على ذلك، والحديث عن استخدام النشطاء السياسيين هو حديث عام، فإن كنا نتحدث مثلًا عن “محمود بدر” وآخرين مثله، ستكون الإجابة نعم، والسلطة نجحت بالفعل في شق الصفوف عبر إطلاق الشائعات وتشويه السمعة، والملوم هو من يتبع “الكذاب إلى باب الدار” للمرة الألف.

– ما تعليق على رفع قرارات التحفظ على الأموال والمنع من السفر؟

نعم، بالنسبة لي تم رفع حظر السفر عني والذي كان مفروضًا عليّ في القضية رقم 173 لسنة 2014، والمعروفة بقضية التمويل الأجنبي. ولا يزال هناك حقوقيون متحفظ على أموالهم أو ممنوع سفرهم للخارج، من بينهم ثلاث زملاء من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، متحفظ على أموالهم هم: محمد بشير، وكريم عنارة، وجاسم عبد الرازق. إضافة إلى ناصر أمين وزوجته هدى عبد الوهاب، وقد مُنعا من السفر. 

 

 

– وكيف ترين قانون الجمعيات الجديد؟

أرى أن قانون الجمعيات الجديد تأميم للمنظمات بشكل عام وليس الحقوقية منها فقط، لكونه يمنعها من اختيار مجلس إدارتها، ووضع برنامجها وقانونها الأساسي، ويحول دون حصولها على أي دعم من جهة داخلية أو خارجية، ويجعل من وزارة الشؤون الاجتماعية عضوًا غير مرحب به في أي اجتماع جمعية عمومية للمنظمة، ما يجعلها غير مستقلة.

لا توجد جريمة يمكن أن ترتكب داخل جمعية دون أن يكون قد نص عليها قانون الجنايات، فلماذا تصر السلطة على عمل قانون الجمعيات؟، وليس صحيحًا أن كل الدول لديها قانون للجمعيات، وفي كثير من الدور يكفي أن تقوم بتسجيل اسم المنظمة فقط.

 

– هل تعتقدين أن هناك تحسن نسبي في أوضاع حقوق السجناء في مصر خلال السنوات الأخيرة أم لا؟

منذ بدأت العمل الحقوقي في مركز النديم وقبله كمتطوعة بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، لم يحدث في مصر ما جرى من ظلم وعنف وفجر في الخصومة، منذ عام 2013، وطوال حياتي لم يكن الوضع أسوأ مما هو عليه الآن بالنسبة لحقوق الإنسان وحتى الشجر.

 

– كيف ترين أوضاع السجناء السياسيين في السجون المصرية؟

بعض السجناء يموتون في السجن لعدم توفر جرعة الأنسولين، ولا أعرف كيف يمكن احتجاز المحامية هدى عبد المنعم في الحبس الانفرادي وهي تعاني فشل في الكلى اليسرى؟، وكيف لا يتم نقل عائشة خيرت الشاطر إلى المستشفى لتلقي العلاج لأنها تعاني من أنيميا خبيثة؟.

يتعرض سجناء للتعذيب لدرجة جعلته أمرًا اعتياديًا في علاقتهم مع السلطة، لدرجة أن بعضهم يأتي إلى مركز النديم ونسأله عما إذا كان قد تعرض للتعذيب فنجده ينفي ذلك، ثم يكشف لنا أثناء الحديث في الجلسة عن تعرضه لـ الصفعات على الوجه والركلات والحبس الإنفرادي المطول والحرمان من تلقي الدواء والزيارة.

 وكل تلك أساليب تعذيب؛ فالتعذيب لا يبدأ من الصعق الكهربائي؛ بل يشمل أي تعامل نفسي أو جسدي أو جنسي يمس كرامة الإنسان وهو تحت رحمة شخص آخر.

رأينا المواطنين يقتلون في الشوارع، ولم أعايش ما هو أسوأ مما نعيشه الآن، وأتمنى الموت قبل أن أرى ما هو أسوأ؛ فهذا نظام بدأ عمره السياسي بمذبحة في الشارع، نحو 1000 شخص قتلوا في ميدان رابعة بمدينة نصر، إضافة إلى من قتلوا في النهضة بالجيزة ومختلف محافظات مصر، و إعلام ورموز النظام أقنعوا المواطنين بأن هؤلاء هم الأشرار وأن ذلك كان أمرًا لا بد منه – وهذا غير صحيح-، واعتقد البعض أن الأمر سيقف عند تلك المذبحة، لكن الأيام أثبتت أنه لا يوجد سقف بالنسبة للنظام.

أين براعة النظام السياسي في أن يقوم بقتل أو سجن المختلفين معه سياسيًا؟، بينما الوضع الصحيح أن تكون هناك حياة سياسية وبرلمانية منفتحة وإعلام حر، وأن يحدث الصراع السياسي بالكلمة والبرنامج.

 

– كيف ترين تعديلات الحبس الاحتياطي وتعديل قانون الإجراءات الجنائية في مصر؟

اطّلعت على ورقة رائعة أعدتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، حول تفاصيل مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وأرى أنه “مسخرة”؛ إذ حدد فترة الحبس الاحتياطي رغم وجود قانون يحدد مدته لكنه لا يحترم، وتحديد الفترة لا أهمية له ما دام تدوير القضايا مستمر.

 وأعجب ما في هذا المشروع أنه أعطى النيابة الحق في سلب المتهم الحق في أن يكون معه محامي أو أن يطلع المحامي على أوراق القضية، إذا ارتأت ذلك!.

يقولوا لنا صراحةً أنهم حين سيقبضون على أحد سيفعلون به ما يريدون؛ لأنه لا توجد منظومة قضائية بها قاضي ونيابة ومتهم فقط دون محامي، ناهيك عن أن المتهم أصبح لا يقابل القاضي وجهًا لوجه بل عبر تقنية الفيديو كونفرانس وما قد يتخلل ذلك من انقطاع للكهرباء أو الإنترنت.

 

 

 وما تعليقك على إخلاء سبيل 151 من المحبوسين احتياطيًا بعد توصيات من الحوار الوطني؟

لا أعتقد أنهم خرجوا بعد توصيات من الحوار الوطني؛ لأن الاعتقالات لم تتوقف وكذلك تدوير القضايا، وربما يكونوا قد خرجوا بمفاوضات.

أعتقد أن الحبس الاحتياطي سينتهي حين تكون هناك إرادة سياسية لإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا، الذين لا يوجد تخوف من هروبهم وهو أمر غير وارد بسبب قرارات المنع من السفر، أو يوجد تخوف من تلاعبهم بالأدلة، وهو ما لا ينطبق على غالبيتهم لأنه لم يتم ضبط أحراز معهم ويواجهون التهم نفسها، مثل: الانضمام إلى منظمة إرهابية، دون أن يعرفوا ماهيتها.. هناك من ينتهك أعمار الناس بـ وضعهم في السجون.

– إلى أي مدى تتأثر الصحة النفسية والجسدية لـ المعتقليين السياسيين المحتجزين لعدة سنوات أو المحكومين بمدد طويلة، في ظل ظروف احتجاز متردية؟

لا توجد قاعدة ثابتة لذلك؛ لكن الحرمان من الحرية والحركة والتواصل مع العالم الخارجي، تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب والعزلة والاغتراب والغضب واللا مبالاة، ويزداد تأثير العزلة إن صاحبها تعذيب أو فقدان شخص عزيز خارج السجن، وقد تصل إلى محاولات الانتحار.

وبعد خروج الشخص من السجن لفترة طويلة، يجد أنه تم فصله من العمل أو الجامعة وأن الأحوال تغيرت وهناك غلاء شديد في الأسعار، ويتخوف بعض المواطنين من مجرد الحديث معهم أو السلام عليهم بسبب شدة الخوف من الظلم، فيعانون من الاغتراب، بجانب مشكلات أسرية لمرورهم بصدمات وخبرات سجن وتركهم لأصدقاء لهم في السجن مما يشعرهم بالسجن وبقاء نصف ذهنهم ومشاعرهم في السجن، لكن أسرهم تريد منهم القيام بدورهم وتحمل المسؤولية والأعباء التي كانوا يقومون بها قبل سجنهم.

وما نقوم به في مركز النديم لتأهيلهم يختلف باختلاف الحالة وما تريده فالبعض يأتون مرة واحدة لأنهم يريدون أن يسمعهم أحد ويصدقهم، والبعض يحتاج لعدة جلسات، وهناك من يحتاجون لتدخل طبي بسبب الأضرار الصحية التي حدثت لهم في السجن، والتي تؤثر على قدرتهم على النوم وتناول الطعام.

 

– هل ترين أن النظام الحالي أدار ملف الحرب على غزة بقدر جيد أم أنه تهاون لدرجة سمحت للاحتلال الإسرائيلي باختراق محور فيلادلفيا؟

النظام متواطئ فيما يحدث في غزة، لأنه لم يقم بسحب السفير المصري من تل أبيب، أو استدعاء سفير الاحتلال الإسرائيلي وتوجيه اللوم له، ونسمع من وقت لآخر باستمرار العلاقات التجارية بين مصر والاحتلال، وفي نفس الوقت تقول السلطة إنها غير قادرة على فتح معبر رفح، وكلها أمور لم أتصور قبل عشر سنوات أننا سنعيشها.

ولا أفهم كيف يرفع مجموعة من الشباب لافتة للتعاطف مع غزة فيكون مصيرهم السجن؟!

 

 

– تقييمك لدور الأحزاب السياسية خاصة المعارضة في ملف الحرب على غزة.. هل مثلّت عنصر ضغط على النظام أم أنها لجأت للهدنة؟

لا أعرف، هل موقف السلطة في مصر من الحرب في غزة وغيرها من الأمور مثل: بيع مناطق من البلد واستقبال إبراهيم العرجاني لـ وفد إماراتي في سيناء، بينما لا يستطيع أي مواطن مصري الدخول إليها دون تصريح أمني مسبق، لا يدفع الأحزاب السياسية إلى التساؤل حول من يحكم مصر بالضبط؟ وما هو موقفنا من القضية الفلسطينية؟ وما موقفنا من الاحتلال الإسرائيلي؟.

 ناهيك عن زيادة نسبة الفقر والارتفاع الجنوني للأسعار والاستدانة الجنونية، وكون البلد أصبحت تدار لصالح حفنة من البشر، أما البقية فغير مهم أن يجدوا الطعام والشراب والتعليم والعلاج.

وأعتقد أن الأحزاب السياسية لو كانت قد تصدرت المظاهرات التي خرجت لدعم غزة لاختلف الأمر.

 

اقرأ أيضًا:

Search