خطة مُحكمة لتوفير الدولار أم استجابة للتوجيهات.. تصدير العمالة المُدرّبة

يرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده، أن هذا الاهتمام الحكومي مؤخرًا بملف العمالة المصرية المُدربة وتصديرها للخارج سببه أن “الرئيس السيسي أصدر توجيهات قبلها بشهر حول دراسة تصدير العمالة والهجرة المشروعة إلى الخارج، ولهذا تحركت الوزرات.
خالد الدخيل

أعلنت القاهرة في يناير الماضي، عزمها الاستثمار في العمالة أو في “تصدير العمالة المُدرّبة إلى الخارج”، خاصةً إلى دول الاتحاد الأوروبي، تزامنًا مع تصاعد الأزمة الاقتصادية والتضخم وارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية والحاجة إلى توفير عملة صعبة.

الحديث عن تصدير العمالة المصرية المُدرّبة للخارج قد يبدو -كما هو معلن- من أجل توفير العملة الصعبة في محاولة أخرى لتجاوز أزمة التضخم ونقص الدولار، وخلق فرص عمل جديدة للخريجين؛ إلا أن خبراء الاقتصاد الذين حاورتهم “زاوية ثالثة” أجمعوا أن التجارب السابقة تشير إلى أن الأمر “لا يعدو كونه استجابة سريعة لتوجيهات القيادة السياسية، وأن استمرارية هذا المشروع غير محتملة، بسبب ضعف الإمكانيات الحقيقية لإتمامه”. 

في التاسع من يناير الجاري، عقدت الحكومة برئاسة رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، اجتماعًا، لمتابعة ملف تصدير الكوادر والعمالة المصرية الفنية المُدرّبة للخارج. وتضمن الاجتماع الإشارة إلى ما يلقاه ملف تصدير العمالة الفنية المدربة من اهتمام، وذلك بالنظر لحجم الطلبات الواردة من العديد من الدول، خاصةً الأوروبية منها، ما يتطلب التوسع في إعداد كوادر فنية وعمالة مدربة لتصديرها للخارج، تلبية للطلبات، وإتاحة فرص عمل جديدة على أحدث النظم في مختلف القطاعات، مواكبة للتطورات العالمية.

وفي الاجتماع، أشار “مدبولي” إلى أهمية تأهيل الكوادر المطلوبة من الناحية الفنية، والعمل على تنظيم المزيد من البرامج التعليمية والتدريبية المتخصصة التي من شأنها أن تُسهم في صقل مهارات تلك الكوادر، مع إصدار التراخيص اللازمة لعملهم بالخارج.

 

توجيهات سياسية

قال الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده، إن تجربة تصدير العمالة المصرية للخارج ليست جديدة وقد طرحت من قبل بنسق وأداء مختلف فترة تولي عائشة عبد الهادي وزارة العمل (في عام 2008 وحده، منحت وزارة القوى العاملة تراخيص جديدة لعدد 40 شركة لإلحاق العمالة المصرية بالخارج، وتجديد التراخيص لنحو 57 شركة لإلحاق العمالة المصرية بالخارج، كانت قائمة بالفعل).

ويضيف الخبير الاقتصادي في تصريح إلى “زاوية ثالثة” أن السؤال الذي يجب أن يُطرح في البداية؛ هل لدينا بالفعل عِمالة مُدرّبة صالحة للتصدير للخارج؟.

 ويرى عبده أن “أحد أهم مشاكل مصر الرئيسية عدم وجود كوادر ولو لدينا هذه الثروة لما وصلنا إلى وضعنا الحالي”.

مستطردًا: “الخارج لن يقبل إلا كفاءات حقيقية اجتازت تدريبًا حقيقيًا وليس من خلال تلك الإمكانيات الموجودة حاليًا، ولدينا نموذج مثل الهند التي نجحت في تلك التجربة وصدّرت للعالم كفاءات في كل التخصصات لكنّ من خلال مراكز تدريب يتخطف العالم خريجيها، فكيف يمكننا أن ننافس بمراكز تدريب اختبرت من قبل ولم تحقق نجاحات ملموسة، خاصة وأن تلك المراكز تعاني من قلة المدربين القادرين على تخريج كوادر قادرة على المنافسة في السوق الأوربي”.

أشارت وثيقة “التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري” الصادرة عن مركز معلومات مجلس الوزراء، إلى أنه من المستهدف توفير ثلاثة ملايين فرصة عمل بالخارج خلال الفترة (2024-2030)، وفقًا لتقدير وزارة العمل. وتضمن برنامج التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري خلال الستة أعوام القادمة وحتى 2030، بنود توفير النقد الأجنبي بقيمة 75 مليون دولار، بما يشمل زيادة تصدير العمالة المصرية للخارج، لزيادة التحويلات من الدولار حتى تبلغ 53 مليار دولار بحلول 2030.  

وكنتيجة، وتماشيًا مع “الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في مصر: رؤية مصر 2030″، أطلق الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الحكومة المصرية برنامج TVET Egypt لتحسين هيكل وأداء نظام التعليم الفني والتدريب المهني وزيادة قابلية التوظيف للمساعدة في تعزيز الاقتصاد المصري.

لعبت العمالة المصرية بالخارج عدة أدوار إيجابية في الاقتصاد المصري، إذ تعد تحويلاتها أحد المصادر الأساسية للنقد الأجنبي في ميزان المدفوعات؛ إذ بلغت تحويلات المصريين في الخارج نحو 22.1 مليار دولار، خلال عام 2022-2023، في حين بلغت نحو 31.9 مليار دولار، خلال عام 2021-2022، وفق أرقام الدخل القومي المعلنة من الأجهزة الرسمية لكنّ حسب الأرقام المعلنة مؤخرًا. لكن تراجعت تلك التحويلات بمعدل 29.9% خلال الفترة من يوليو وحتى سبتمبر الماضيين، حسب بيانات البنك المركزي المصري لـ تقتصر على نحو 4.5 مليار دولار،  في مقابل نحو 6.4 مليار دولار في نفس الفترة من عام 2022.

ويرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده، أن هذا الاهتمام الحكومي مؤخرًا بملف العمالة المصرية المُدربة وتصديرها للخارج سببه أن “الرئيس السيسي أصدر توجيهات قبلها بشهر حول دراسة تصدير العمالة والهجرة المشروعة إلى الخارج، ولهذا تحركت الوزرات واهتمت بالأمر”.

 

مهني 2030

تمثلت الشراكة الجديدة بين الدولة والقطاع الخاص في مجال تأهيل العمالة وتدريبها في مشروع يحمل اسم “مهني 2030″، ويستهدف تطوير منظومة التدريب المهني بوزارة العمل، لتأهيل الشباب على مهن يحتاجها سوق العمل في الداخل والخارج. وينفذ المشروع شراكةً مع مؤسسة “طفرة للتنمية”، عبر مِنح تدريب مجانية للشباب وذوي الهمم، منها منح للتوعية بالسلامة والصحة المهنية داخل مواقع العمل.

وللمشروع موقع إلكتروني يتضمن الأُطر المُحددة لكل برنامج تدريبي وقد تم تطوير 40 برنامجا مهنيًا حتى الآن. ويوضح الموقع الإلكتروني أن هناك مزايا يحصل عليها كل المشاركين في المشروع؛ فمركز التدريب يحصل على اعتماد من وزارة القوى العاملة وشهادة وترخيص مزاولة المهنة ويتم إضافته على موقع المشروع، بينما يحصل المتدرب على شهادة اجتياز البرنامج التدريبي و شهادة قياس المهارة وترخيص مزاولة المهنة وتغيير المسمى الوظيفي. أما المدرب فيحصل على مزايا تتمثل في اعتماده من وزارة العمل ومنحه شهادة و ترخيص مزاولة المهنة وإضافته على موقع المشروع.

 

 فرصة للشباب للسفر إلى الخارج            

عبد الوهاب خضر -المتحدث الرسمي باسم وزارة القوى العاملة- استهل حديثه إلى “زاوية ثالثة” بالإشارة إلى أن الوزارة شاركت في اجتماع مجلس الوزراء الأخير حول تصدير العمالة ضمن وزارات أخرى معنية بالملف لافتًا إلى أن الأمر ليس متروكًا لوزارة العمل بمفردها.

وأشار “خضر” إلى مشروع “مهني 2030” الذي أطلقه وزير العمل حسن شحاتة في 15 يناير الماضي، وذلك خلال المؤتمر الأول للتدريب المهني بالعاصمة الإدارية الجديدة، والذي يستهدف تدريب مليون شاب بحلول عام 2030 بالتعاون مع القطاع الخاص.

ولفت إلى أن أهداف الوزارة تُركّز على تطوير ورفع كفاءة الكوادر والعمالة المصرية من خلال 75 مركز تدريب مهني على مستوى الجمهورية، يدرب فيها الشباب بالمجان، بالتعاون والتنسيق مع القطاع الخاص حيث يتم تنفيذ خطة تدريبية سنوية دورية، تُخرج سنويًا ما يقارب من عشرة آلاف متدرب من الشباب من الجنسين على المهن المطلوبة لسوق العمل، “ولكن حتى الآن لم نصل للهدف التي وضعته الدولة المصرية لتوسيع دائرة التدريب المهني؛ لذلك جاء مشروع مهني 2030، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس، بالوصول إلى مليون متدرب قادر على العمل داخل الجمهورية بكفاءة عالية وفي الخارج لتأدية الواجب المطلوب منهم على الوجه المشرف”.

وأضاف أن الوزارة تركز على مستوى قياس المهارة والفحص المهني ومزاولة الحرفة قبل السفر للشباب الراغب في العمل بالخارج، وتطوير منظومة التدريب وفتح باب تراخيص مراكز التدريب المهني الخاصة والتي ظلت لمدة خمس سنوات متوقفة، وتوفيق أوضاعها، مؤكدًا أن وزارة العمل تستهدف تقنين أوضاع تلك المراكز وفق المعايير الموضوعة بحيث تضمن الوزارة ألا يتم استخراج شهادة مزاولة مهنة أو قياس مهارة، إلا تحت إشراف الوزارة، وهو ما يؤهل الشاب لأن يكون شخص مدرب و على كفاءة عالية سواء سافر للعمل بالخارج أو انضم إلى سوق العمل بالداخل. “نحرص على إعطاء الفرصة للشباب للسفر إلى الخارج وهم مؤهلين تمامًا ولديهم الأوراق اللازمة، ولدينا حاليًا طلبات للعمالة المصرية المدربة سواء في الخارج أو الداخل مثلما حدث مؤخرًا مع إحدى الشركات الألمانية التي طلبت موظفين”. 

وأفاد المتحدث الرسمي للوزارة أن 80% من مشاركتها في المشروع عبارة عن تأهيل وتدريب مهني.

وبعد 48 ساعة من إطلاقه بالتعاون مع القطاع الخاص أعلن وزير العمل على موقع الوزارة عن بدء الإجراءات التنفيذية لمشروع “مهني 2030” كما أن 400 مركزًا سجلوا بياناتهم على منظومة المشروع.

 

أيضًا- أعلنت وزارة القوى العاملة عن نشر أسماء المهن المتاحة للتدريب عليها وشروط الإلتحاق بالدورات، أبرزها؛ المساحة والخرائط، والتشييد والبناء، وديكور وتصميم داخلي، والشبكات وأمن المعلومات، وتصميم الجرافيك، والبرمجة، وصيانة أجهزة، والحاسب الآلي والدعم الفني، وإدارة الأعمال والسكرتارية، وإدارة المبيعات، وإدارة التسويق، والتسويق الإلكتروني، ومركز الاتصالات وخدمة العملاء، والتغذية العلاجية، ورعاية المسنين، ومساعد خدمات صحية، والكتابة الصحفية، والصحافة الإلكترونية، والعلاقات العامة، والإعلام المرئي، واليوتيوبرز، والخدمات البترولية وحفر الآبار، و الطهي، والضيافة الجوية، والضيافة الأرضية، وخدمة المطاعم والكافيهات، ووجبات سريعة، و مكاتب أمامية – حجز واستقبال، وتبريد وتكييف، وصيانة ثلاجات، و صيانة تكييفات، وصيانة تكييفات السيارات، والتفصيل والخياطة، وصناعات غذائية، وعامل حفظ الفاكهة والخضروات، وعامل إنتاج، ومشرف الحضانة، وجليسة تربية خاصة، وجليسة اطفال، ومديرة/ مشرفة منزل عائلي، والهندسة الإلكترونية، وكاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار، وصيانة الدش و الريسيفر، وصيانة الهاتف المحمول، وصيانة الأجهزة المنزلية.

 

لماذا تقبلنا أوروبا؟

سألنا عددًا من الباحثين عن فرص عمل، ويترقبون الحصول على فرصة للانضمام للخطة الحكومية من أجل تدريب وتصدير العمالة. يقول محمد شبل: “السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا ستحرص دول أوروبية أو غربية على استقدام عمالة من مصر؟ هل يعد ذلك ثقة منها في كفاءة عمال مصر بوجه عام؟”.

ويكمل: لا توجد دولة يمكن أن تتبنى منهجية لاستقدام جنسية بعينها إلا إذا كان لدى حَملة هذه الجنسية ميزة تنافسية ليست موجودة عند شعوب أخرى، وللأسف أقول أننا لا نملك أي ميزة تنافسية تدفع أي دولة لاستقطاب عُمّالنا، فهناك إضافة إلى القدرات المهنية أمور لابد أن تتوفر في الشخص الذي يتم تصديره كعامل في الخارج ومنها الإلمام بلغة البلد؛ فمن دون التواصل لن يستطيع العامل فهم المطلوب منه، إضافة إلى مدى الالتزام بالقوانين وتقبل اختلاف الثقافات وهي أمور في النهاية من الصعب قياسها.

بينما يشير سعيد.ع، إلى اعتقاده في أن ما نُشر عن مبادرات التدريب والتصدير متاجرة لا تُغني ولا تسمن من جوع. ليست مُلزمة لأي طرف، فلا يوجد لدينا مراكز تدريب حقيقية وفي نفس الوقت معترف بها دوليًا كي تقوم بهذه المهمة إضافة إلى أن هناك ملايين من الخريجين حملة المؤهلات المتوسطة أو من لم يكملوا تعليمهم ويمكن اعتبارهم ضمن القوى العاملة ومن الصعب استيعاب هذه الأعداد الكبيرة.     

وبحثًا عن جهات أخرى قد تكون مؤهلة للقيام بمهام التدريب من أجل التصدير، وجدنا أن هناك برنامج هام يحمل اسم “فرصة” يتبع وزارة التضامن الاجتماعي، بالشراكة مع منظمات دولية. 

 

التمويل
يقول مدير برنامج فرصة للتدريب والتوظيف الدكتور محمد سامي، في حديثه مع “زاوية ثالثة” إنهم  مسؤولون عن تنفيذ الاتفاقية بين الحكومة والبنك الدولي بخصوص برنامج فرصة والتمكين الاقتصادي، وفيما يخص البرنامج، فإن تمويله من البنك الدولي والتنفيذ من خلال وزارة التضامن. 

ويستهدف تدريب وتوظيف ونقل أصول، الاتجاه الأول استهداف توفير 15 ألف فرصة عمل من خلال التدريب المرتبط بالتشغيل، والاتجاه الثاني يستهدف 35 ألف أصل.

يضيف “سامي” أن التنفيذ يتم في ثماني محافظات منها ست محافظات في الوجه القبلي ومحافظتين في الوجه البحري، ونستهدف بشكل أساسي مستفيدي تكافل وكرامة، لتمكينهم اقتصاديًا وتحسين دخولهم.

ويبدو أن الأمر قاصر على المتعاملين رسميًا مع وزارة التضامن من المستحقين وليس متاحاً للجميع، حيث يشير مدير برنامج فرصة إلى أن قوائم المستفيدين يتم إعدادها بوزارة التضامن، ثم يتم التوظيف من خلال التعاون مع منظمات المجتمع المدني المرخصة وشركات التوظيف التابعة للقطاع الخاص، وقد تم التعاقد حتى الآن مع 21 شركة وجمعية، لتسليمهم قوائم المستفيدين لتبدأ عملية التدريب على مهارات حياتية عامة ومهارات وظيفية مختلفة، وبعد ذلك يبدأ التدريب على رأس العمل.

ويكمل “سامي”: التدريبات كلها مهنية في مختلف المجالات مثل الملابس والتصدير الزراعي والمحاجر ثم يتم التعاقد مع الشركة أو المصنع للتوظيف مع إقناع القطاع الخاص بضرورة توفير الحد الأدنى من بيئة العمل المناسبة والالتزام بالحد الأدنى للأجور. نافيًا أن يكون لبرنامج فرصة صلة بمشروع تصدير العمالة للخارج، شارحًا أن منظمة الاسكوا لديهم برنامج من أهدافه تصدير العمالة من دول مجموعة الاسكوا، من خلال توفير التمويل لبعض الجهات والوزارات للقيام بذلك، والإعلان عن توفر فرص عمل يسبقها تدريب متخصص من خلال المؤسسات المعتمدة من جهات التدريب الدولية.

 

يذكر أن وزارة العمل قد أعلنت ديسمبر الماضي، أن وحدة خدمات العمالة المصرية بالخارج، قد راجعت واعتمدت عقود عمل للشباب للعمل في الخارج، خلال عام 2023، بدول (السعودية وقطر والأردن ولبنان وسلطنة عمان والإمارات)، بعد التأكد من صحتها وصحة الأختام الموثقة من الجهات المعنية، وبلغ إجمالي الحاصلين على تصريح عمل بالخارج، العام الماضي، 426 ألفًا و 85 تصريح. وتسعى الوزارة لتدريب مليون شاب/ شابة لتصديرهم إلى الخارج والاستفادة من تحويلاتهم مستقبلًا.

 

خالد الدخيل
صحفي متخصص في تغطية قضايا الاقتصاد المصري

Search