قالت منظمات حقوقية أن العنف غير القانوني إزاء الوقفات الاحتجاجية السلمية التي نظمها مئات السكان المحليين المُهجرين والنازحين منذ 2013، من مناطق رفح والشيخ زويد شمال شرقي سيناء للمطالبة بالعودة لأراضيهم، “يعكس استمرار سياسة الحكومة المصرية القائمة على العصف بإرادة سكان سيناء وقمعهم، وتقويض حقهم الدستوري في التجمع السلمي والمطالبة بحقوقهم، وعدم الاكتراث بمعالجة أخطاء الماضي أو مناقشة وتدارك آثارها الجسيمة على السكان”.
وقالت منظمات سيناء لحقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب وعدد آخر من المنظمات التي وقعت على بيان جماعي اليوم الأربعاء، أنه “في 23 أكتوبر الجاري تجمع المئات من سكان محافظة شمال سيناء من أبناء قبيلتي الرميلات والسواركة، بالقرب من قرى الحسينات والمهدية قرب مدينة رفح، وقرية الزوارعة قرب مدينة الشيخ زويد، للمطالبة مرة أخرى بحقهم في العودة لأراضيهم، بعد انتهاء المهلة التي حددتها السلطات المصرية” حيث وعدتهم السلطات المصرية بالعودة إلى أراضيهم في موعد أقصاه 20 أكتوبر 2023، خلال اجتماع جمع بين شيوخ القبائل وقائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع في مدينة العريش، أغسطس الماضي، على خلفية اعتصام للمهجرين والنازحين وقتها.
وأضافت المنظمات أنه “استخدمت قوات الجيش العنف غير المبرر بحق المحتجين، وتعمدت إطلاق الرصاص لتفريقهم، واعتقلت 9 منهم على الأقل، ما زالوا رهن الاحتجاز غير القانوني، في مقر كتيبة الساحة (أكبر معسكر للجيش داخل رفح). هذا بالإضافة إلى تعدى أفراد الأمن على أحدهم بضرب مبرح، بعدما تعمدت مدرعة عسكرية الارتطام بسيارته لإيقافها، مما تسبب في إصابته في الرأس وتعرضه للإغماء. وفي صباح اليوم التالي، 24 أكتوبر، كتب الشيخ صابر الصياح الرميلات، أحد أبرز الرموز القبلية في شمال سيناء وقائد اعتصام أغسطس 2023، منشورًا عبر حسابه على موقع فيس بوك أفاد فيه بمحاولة اعتقاله بناء على تعليمات من قائد الجيش الثاني الميداني، معلنًا أنه بصدد تسليم نفسه في مقر الكتيبة 101 في مدينة العريش. وفي اليوم نفسه، تم اعتقال العشرات من المشاركين في الوقفات الاحتجاجية من قبل قوات كمين “الشلاق”، على مدخل مدينة الشيخ زويد”.
وتابعت “بدعوى مكافحة الإرهاب، ارتكبت قوات الجيش المصري خلال العقد الماضي جرائم جسيمة بحق السكان المدنيين في شمال سيناء في انتهاك واضح للقانون الدولي لحقوق الإنسان. بما في ذلك هدم آلاف المنازل والمباني وتجريف عشرات آلاف من الأفدنة الزراعية، في مدن رفح والشيخ زويد والعريش. وقد أدت هذه العمليات العسكرية إلى نزوح ما يقرب من 150 ألف سيناوي إلى مدن مختلفة داخل سيناء أو لمحافظات أخرى، فضلاً عن هدم مدينة رفح بالكامل، باعتبارها نقطة البداية لحملات الهدم والتهجير القسري المستمرة منذ نهاية “2013.
وأكدت المنظمات أنه “كان الاتفاق مع المخابرات الحربية عام 2021، يضمن السماح للأهالي بالعودة للقرى التي نزحوا عنها في مدينتي الشيخ زويد ورفح، خارج المنطقة العازلة مع قطاع غزة، إذا عاونوا قوات الجيش في مواجهة عناصر تنظيم ولاية سيناء الجهادي وتطهير المنطقة من الإرهابيين. الأمر الذي أودى بحياة العشرات من أبناء القبائل وإصابة العديد منهم. ورغم رضوخ الأهالي لخطة التهجير “المؤقتة”، ما زالت السلطات المصرية تتجاهل مطالبهم المشروعة للعودة لأراضيهم، رغم وعود المسؤولين المتكررة بالعودة. فعلي سبيل المثال، أعلن محافظ شمال سيناء في يناير 2022 في مقابلة تلفزيونية أن سكان كل قرى الشيخ زويد سيتمكنون من العودة إلى منازلهم خلال 3 أشهر، وأن مدينة رفح الجديدة جاري تأسيسها، وأن الوضع سيعود للاستقرار بشكل تام خلال عام واحد، لكن حتى الآن لم تدخل هذه الوعود حيز التنفيذ”.
تأتي احتجاجات السكان في شمال سيناء مؤخرًا، خوفًا من التقارير الصحفية المتواترة حول خطط إسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة بفلسطين لمنطقة شمال سيناء، والإشارة إلى ضغوط مكثفة على الحكومة المصرية لقبول استقبال لاجئين فلسطينيين من غزة بشكل دائم في سيناء. وما يزيد من هذه المخاوف؛ خلو مناطق شرق سيناء من سكانها، والدمار الكامل لبنيتها التحتية، خاصة في مدينة رفح وعدد من قرى الشيخ زويد، نتيجة عقد كامل من العمليات العسكرية ضد تنظيم ولاية سيناء، وقرارات الرئيس المصري التي فرغت المنطقة من سكانها.
حذرت المنظمات الموقعة على هذا البيان من خطورة استمرار التهجير القسري لمواطني شمال سيناء، وقبول النقل القسري لسكان غزة إلى أراضي سيناء، وما يمثله ذلك من عصف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وينطوي على جريمة تعزز من مساعي التطهير العرقي. وتطالب المنظمات السلطات المصرية بالاضطلاع بمسئولياتها في إعادة إعمار ما دمرته الحرب على الإرهاب في شمال سيناء، وتقديم تعويضات مادية عادلة لآلاف المدنيين السيناويين الذين لم يتلقوا تعويضات رغم مرور 8 سنوات على تهجيرهم، والسماح بعودة النازحين والمهجرين قسرًا إلى مناطقهم.
يذكر أنه في 29 أكتوبر 2014، أصدر رئيس الوزراء إبراھيم محلب مرسومًا يقضي بـ”إخلاء وعزل” منطقة تمتد قرابة 5 كيلومترات داخل شمال سيناء على طول الحدود مع غزة، تشمل معظم مدينة رفح. وبحسب الخريطة المرفقة بالمرسوم، تم تحديد المنطقة العازلة على أن تمتد بطول الحدود (13 كيلومتر) مع غزة، وتضم نحو 79 كيلومتر مربع من الأراضي المصرية. كما ورد بالمرسوم أن يحصل المواطنين المضطرين للإخلاء على “التعويض العادل” وعلى مساكن بديلة. إلا أن قيمة التعويضات ظلت محل اعتراض من الأهالي والمنظمات الحقوقية لعدم تناسبيتها مع قيمة الضرر، فضلاً عن عدم حصول آلاف الأسر المهجرة عليها رغم مرور سنوات على تطبيق المرسوم.
أصدر الرئيس السيسي في 29 نوفمبر 2014 القرار رقم 444 لسنة 2014، الذي خصص 5 كيلومترات من الأرض داخل مدينة رفح كمنطقة حدودية “محظورة”، على طول الحدود مع قطاع غزة، بدعوى مواجهة تهديد أنفاق التهريب. ومن ثم، تم هدم آلاف المنازل في منطقة مأهولة، لتخصيص منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، وتدمرت أحياءً بأكملها ومئات الأفدنة الزراعية.
وفي 23 سبتمبر 2021، أصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي القرار رقم 420 لسنة 2021، والذي نص على تحديد قرابة ثلاثة ألف كيلو متر مربع من الأراضي في شمال شرق شبه جزيرة سيناء، كـمناطق حدودية تخضع لقيود صارمة. وقد شمل القرار الكثير من القرى والتجمعات السكنية ومدن رئيسية لا زالت تضم آلاف السكان، ضمن المناطق المحظورة.
ووفقاً لتقديرات سابقة نشرتها مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان فإن نحو 40 ألف مواطن في شمال سيناء يسكنون حاليًا في المناطق التي تم اعتبارها “محظورة”، مما يضعهم في دائرة التهديد المستمر بشبح التهجير القسري، ناهيك عن عشرات آلاف من المدنيين النازحين من هذه المناطق، الذين كانوا يتطلعون لانتهاء العمليات العسكرية للعودة لمنازلهم، هؤلاء عصف هذا القرار الأخير بآمالهم في العودة لأراضيهم. وفي العام نفسه، أصدر رئيس الجمهورية القرار الرئاسي رقم 442 لسنة 2021 ليحول “الاستثناء” إلى “حالة دائمة” في شبه جزيرة سيناء. إذ نص القرار على منح صلاحيات واسعة غير مسبوقة لوزير الدفاع، تُقوض عمليًا كافة الحقوق الأساسية للمدنيين. ومن بين هذه الصلاحيات إخلاء بعض المناطق، وحظر الإقامة أو الاقتراب أو التردد على مناطق معينة وفرض حظر التجوال.
يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان وكذلك القانون الدولي الإنساني المنطبق في حالة الحرب، بشكل صارم، عمليات التهجير القسري والاستيلاء على الممتلكات إلا في حالات استثنائية مثل الحفاظ على الأرواح، أو كملاذ أخير بعد استنفاذ كافة الحلول الأخرى. كما يقدم القانونان حِزمة من الضمانات التي ينبغي على الحكومات اتباعها في حالة الاضطرار لتهجير السكان، على رأسها المناقشة المجتمعية الشفافة للقرار وتباعاته خاصة مع المتضررين منه، وضمان الحفاظ على كرامة المواطنين، وتعويضهم تعويضًا مناسبًا بشكل مسبق، ومنحهم أرض بديلة وسكن بديل. كما يُلزم القانون الدولي الحكومات بالسماح للمهجّرين بالعودة لمنازلهم وأراضيهم في أقرب وقت ممكن، بمجرد زوال مبرر تهجيرهم. كما تنص المادة 63 من الدستور المصري على “حظر التهجير القسري التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم”. إلا أنه وفي كل الحالات التي حققت فيها منظمات حقوقية كـ هيومن رايتس ووتش وغيرها، لم تتبع الحكومة هذه المعايير والضمانات.