في عام 2023 تعرف سائق الحافلة أحمد محفوظ صديق، ابن محافظة بني سويف، ذو الأعوام الـ41، على فتاة فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، عبر الإنترنت، والتقى ببعض أقربائها في مصر وقام بخطبتها والزواج منها عبر توكيل رسمي، قبل أن يسافر إلى القطاع في إبريل من العام نفسه، لحضور حفل زفافه على الزوجة الفلسطينية في مدينة دير البلح بمحافظة الوسطى، ويقيمان معًا لبضعة أشهر، على إلى أن يسافرا إلى مصر في نوفمبر من العام نفسه، للإقامة بها، إلا أن حرب الإبادة التي اندلعت في الـ7 من أكتوبر، بددت مخططاتهما، وسرعان ما فقدا الشقة المستأجرة التي كانا يقيمان بها، وانتقلا للعيش مع أقربائها في منزل بات يأوي أكثر من 100 شخص من العائلة.
صار أحمد يواجه هو وزوجته الفلسطينية خطر الموت بصواريخ وقذائف جيش الاحتلال؛ إذ تعرضت الحارة التي يقيمان بها مع عائلتها، للقصف عشر مرات في عام واحد، كانت آخرها يوم الخميس الماضي، وتسبب القصف المتتالي في أضرار للمنزل، الذي تحطم زجاج جميع نوافذ وطارت إطاراته المعدنية، ولم يجدا أمامهما حلاً سوى وضع الستائر والبلاستيك لمحاولة صد الرياح الباردة التي تقتحم المنزل، والتي أصابت المولودة “شام”، التي رُزقا بها قبل 8 أشهر، بالمرض، ولا يجد الأبوان أدوية لعلاجها، بعد إغلاق المعابر وتجدد الحرب.
وفي بداية الحرب عانى أحمد وزوجته الفلسطينية كغيرهم من الفلسطينيين والمصريين العالقين في غزة من المجاعة، ولكن بعد دخول المساعدات الإنسانية تحسنت الأوضاع وتمكنا من الحصول على كوبونات مساعدات غذائية، إلا أن تجدد الحرب جعلهما بالكاد يجدان قليل من الفول أو العدس أو علبة جبن صغيرة، يقتاتان عليها، خلال شهر رمضان، أما الآن فلا يجدون سوى حفنة من دقيق المساعدات، الذي حصلت عليه العائلة في وقت وقف إطلاق النار، تقوم الزوجة بالخبز على الحطب، لعدم وجود وقود، بينما تستخدم الأسرة الطاقة الشمسية في شحن الهواتف المحمولة وتوفير مصدر للضوء خلال الليل.

يقول أحمد، لزاوية ثالثة: “أناشد الرئيس والحكومة المصرية لإنقاذنا من هذا الجحيم، نحن معرضون للموت، وإذا مت هنا أرجو أن ترسلوا جثماني للدفن في وطني، لا أريد أن أدفن هنا.. رأيت أمام عيني الأشلاء البشرية وقطع اللحم الممزقة في مدرسة تعرضت للقصف بالقرب منا، والعديد من جيراننا استشهدوا في قصف منازلهم، وأصيب طفل قريب زوجتي بشظية في الساق بينما كان يقف إلى جواري في الشارع، نحن هنا نتقاتل للحصول على ماء نظيف من سيارة المياه، ونقتات على نباتي السلق والخبيزة، ولا نجد أدوية، فأنا أعاني من آلام الكليتين بسبب ماء الشرب الملوث، ولم أجد علاجًا في مجمع ناصر الطبي”.
ويضيف: “لست المصري الوحيد هنا، فلي صديقان مصريان أحدهما يقيم في دير البلح، ينتمي إلى مدينة الحوامدية، اسمه “محمود جمال”، وهو متزوج من فلسطينية، والآخر ينتمي لمحافظة السويس ويدعى محمد السويسي وهو كذلك متزوج من فلسطينية ومتواجد في شمال القطاع.. جميعنا فقدنا أي مورد للرزق، أنا رجل بسيط، حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية كنت أعمل في مصر سائقًا لحافلة، ولا أمتلك قيمة رسوم التنسيق لاجتياز معبر رفح، ومعي زوجتي الفلسطينية وابنتي الرضيعة شام، التي أخشى على حياتها وأريد إنقاذها”، مناشدًا السلطات المصرية لإنقاذ العالقين وزوجات المصريين وأبنائهم، أسوة بدول عربية وأجنبية أخرى سارعت بتنسيق خروج حاملي جنسياتها والفلسطينيين الحاصلين على إقامة بها، و إجلائهم عبر معبر رفح، العام الماضي.

وفي عام 2021 تزوج الكاتب والشاعر المصري محمد سعد نصر العزب، ابن محافظة دمياط، صاحب الأعوام الـ46 من فتاة فلسطينية من قطاع غزة، انتقلت للعيش معه في دمياط، وحين خاضا معًا إجراءات حصول الزوجة على الإقامة المصرية، طٌلب منهما إحضار أوراق رسمية من الحكومة الفلسطينية في رام الله، لذا قررا السفر إلى القطاع في مارس 2023، وأقاما لدى عائلة الزوجة الفلسطينية في حي تل الهوى في مدينة غزة، وقاما بعد ذلك بتسجيل اسميهما للسفر عبر معبر رفح، وانتظرا ظهور الاسمين في قوائم المسافرين، إلا أن حرب الإبادة اندلعت في الـ7 من أكتوبر، ووجدا نفسيهما عالقين، إذ لم يتمكنا من مغادرة مدينة غزة بسبب شدة القصف وخطورة الطريق المؤدي إلى محافظة الوسطى والذي كان الاحتلال يقطعه ويفتح النيران على النازحين.
وتحت وطأة اشتداد القصف على الحي، اضطرا للنزوح مع عائلتها إلى حي الصحابة، قبل أن ينزحا مجددًا إلى منطقة الصبرة، وينتهي بهما المطاف إلى النزوح للمرة الرابعة، إلى حي الزيتون، وبعد مرور قرابة عام من الحرب، التقى محمد بعدد كبير من المصريين العالقين في غزة ومزدوجي الجنسية من الفلسطينيين حاملي جواز السفر المصري ومن الفلسطينيات زوجات وأبناء المصريين، الذين يرغبون في مغادرة القطاع والعودة إلى مصر، لذا أطلق مبادرة لمناشدة السلطات المصرية لإنقاذهم من الإبادة وإجلاء رعاياها من غزة، والتي أشرفت على تنظيم، ثلاث وقفات احتجاجية في مجمع ناصر الطبي بخانيونس، مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بمحافظة الوسطى، ورمزون السرايا في شمال غزة.
يقول، لزاوية ثالثة: “أنا مصري خالص، حامل لبطاقة رقم قومي، وفور بدء الحرب سارع أخي بالتوجه إلى وزارة الخارجية لمناشدتهم بمساعدتي، وطلب منه المسؤولون ترك اسمي وبياناتي ورقم هاتفي، إلا أن أحدًا لم يتواصل معي أو يظهر اسمي أو اسم زوجتي في كشوفات المسافرين، رغم ذهاب أخي للخارجية عدة مرات، وتقديمي مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على مدار أكثر من عام”.
ويضيف: “شارك في الوقفات الاحتجاجية التي نظمناها عدد يتراوح بين 200 إلى 300 من المصريين العالقين وكذلك الفلسطينيين حاملي جواز السفر المصري، وتواصل معي قرابة الألف من المصريين يريدون من الرئيس السيسي والحكومة المصرية إنقاذهم، ونعكف حاليًا على إعداد قائمة بالأسماء لعرضها على وزارة الخارجية المصرية ولا أعرف تحديدًا كم يبلغ عدد الفلسطينيين المجنسين الذين يحملون الجنسية المصرية؟

لا توجد تقديرات رسمية أو غير رسمية تظهر أعداد حاملي الجنسية المصرية، الذين لا يزالون عالقين في قطاع غزة منذ إندلاع حرب السابع من أكتوبر، إلا أن “زاوية ثالثة” حصل على كشف حديث يضم أسماء وبيانات 229 شخصًا من العالقين في قطاع غزة، بينهم 213 مواطنًا مصريًا من حاملي بطاقة الرقم القومي، و16 آخرين من الزوجات الفلسطينيات لمواطنين مصريين وأبناء المصريين الذين لم يحصلوا بعد الجنسية المصرية، وبينهم نحو 90 امرأة وطفلة، وما لا يقل عن 9 أطفال بينهم 4 من الرٌضّع، في حين أفادت مصادرنا أن أعداد العالقين الراغبين في العودة إلى مصر، تتجاوز الألف شخص.
وفي 2015 كانت أعداد الجالية المصرية في غزة، تقدّر بنحو 40 ألف شخص تقريباً، بحسب إحصائيات غير رسمية، وتعود جذور الجالية إلى القرن التاسع عشر، عندما هاجر عدد من المصريين إلى المنطقة للعمل والتجارة بعد الاحتلال الفرنسي لمصر، وكذلك ممن وصلوا مع حملة محمد علي إبراهيم باشا لتحرير يافا من الاحتلال العثماني في عام 1831.
نوصي للقراءة: الحرب على غزة.. حكايات عن الجرحى والعالقين على معبر رفح
مزدوجي الجنسية وزوجات المصريين
ككثيرين غيره من حاملي جواز السفر المصري في قطاع غزة، وُلد خالد عوكل، لأب فلسطيني وأم مصرية، واكتسب الجنسية المصرية من الأم، منذ عدة سنوات، كما تزوج من مصرية، ورُزق منها بأبناء مصريين، لكنهم جميعًا كانوا يقيمون في قطاع غزة لسنوات طويلة، عايشوا خلالها اندلاع حروبًا سابقة شنها الاحتلال على القطاع، مثل: عمليات الرصاص المصبوب وعمود السحاب والجرف الصامد، إلا أنهم اعتادوا أن تعمد السلطات المصرية عند اندلاع كل حرب من الحروب السابقة، إلى تيسير عملية إجلاء أبناء الجالية المصرية من القطاع، عبر معبر رفح البري.
يقول لزاوية ثالثة:” اعتدنا خلال الحروب السابقة في 2008 و2012 و2014 و2019 و2021 أن تدعو السلطات المصرية أبناء الجالية المصرية في القطاع، للتوجه إلى معبر رفح البري، خلال الأيام الثلاثة الأولى للحرب، فكنت اصطحب زوجتي وأولادي ونتجه إلى مصر، بحوزتنا أوراقنا الثبوتية المصرية، إلا أنه في حرب الإبادة التي نعيشها، خرجت جميع الجاليات العربية والأجنبية من غزة، باستثناء المصريين الذين تفاجئوا بأن هناك شركة، لا يعرفون ما الجهة التي تمثلها، تطالبهم بدفع مبلغ 5 آلاف دولار عن الفرد الواحد، كرسوم تنسيق للسفر عبر معبر رفح البري، الأمر الذي جعل الآلاف من المصريين عالقين وسط الحرب، في حين خرج ميسوري الحال فقط بعد تسديد المبالغ، لاسيما أن معظم سكان القطاع بسطاء الحال”.
ويحكي خالد أنه اضطر في بداية الحرب لمغادرة قطاع غزة مع زوجته واثنان من أطفاله، وترك وراءه اثنان من أولاده وزوجة أحدهما وطفلهما، وجميعهم يحملون الجنسية المصرية، بسبب عدم قدرتهم على تحمل نفقات التنسيقات، – بحسب قوله-، مضيفًا: “طفح الكيل بالعالقين فاضطروا لتنظيم وقفات احتجاجية لمناشدة السلطات المصرية لإنقاذهم، رغم المخاطرة التي يحملها تجمعهم الذي قد يجعلهم عرضة لاستهداف طيران الاحتلال، إلا أننا صدمنا بهجوم إلكتروني من العديد من المصريين الذين يشككون في نوايا العالقين في غزة، ويتهموننا بأننا حصلنا على جنسيات مصرية مزورة في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، وأننا جواسيس، دون علم منهم بحقيقة أوضاعنا”.

وفي عام 2021 تزوجت الفلسطينية يسر أحمد (اسم مستعار)، ذات الأعوام الـ35 من مصري، وانتقلت مع للإقامة في دمياط القديمة، وفي عام 2023 شعرت بالاشتياق إلى عائلتها؛ فسافرت إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح البري، وكان مقررًا عودتها إلى مصر في السابع من أكتوبر، إلا أن اندلاع الحرب على غزة تسبب في تعطيل سفرها، لتجد نفسها عالقة وسط الحرب، وتفقد جنينها الذي كانت تستعد هي وزوجها لاستقباله، وكذلك شقيقها وعدد من أفراد عائلتها الفلسطينية، الذين قضوا في غارات جوية شنتها قوات الاحتلال.
لجأ زوجها ووالدته إلى وزارة الخارجية المصرية، باذلين جهدهما لإعادتها إلى مصر، وحين ظهر اسمها في كشوفات المسموح لهم بمغادرة معبر رفح البري، تفاجئ ثلاثتهم بضرورة سداد تنسيق قيمته 10 آلاف دولار أمريكي، لأن يسر ليست من حاملي الجنسية المصرية، فعجزت عن مغادرة القطاع وتركت للمجهول مع من نجا من عائلتها، يواجهون النزوح المتكرر وخطر الموت جوعًا أو قصفًا تحت غارات الاحتلال.
تقول لزاوية ثالثة: ” زوجي المصري عامل يومية بسيط، من أين له بمبلغ مماثل؟.. هناك الكثير من الزوجات الفلسطينيات مصري يعانون المعاناة نفسها، والعديد من المصريين الذين جاءوا قبل الحرب في زيارات عائلية وعجزوا عن الخروج لعدم امتلاكهم مبلغ 650 دولار للفرد المصري الواحد، والذي ارتفع إلى 1000 دولار أمريكي، ونتعرض حاليًا للمساومة من منظمات دولية موجودة في غزة بحجة المساعدة، والتي تطالبنا بدفع مبالغ مالية تتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار، وبعضها يتعاون مع الاحتلال ويجبر من يغادر على التنازل عن الجنسية الفلسطينية والأرض أو العقار الذي يملكه، والتوقيع على إقرار بعدم العودة”.
وتضيف: “هناك الكثير من المصريين العالقين وزوجات المصريين وأبنائهم، متواجدين في خان يونس ودير البلح وشمال غزة، وجميعهم يناشدون السلطات المصرية لإنقاذ حياتهم وإجلائهم من القطاع، لذا نظمنا ثلاث وقفات احتجاجية في مجمع ناصر الطبي بخانيونس، مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بمحافظة الوسطى، ورمزون السرايا في شمال غزة”.

وتحكي الزوجة الفلسطينية الثلاثينية، أنها شاهدت أمًا مصرية وأطفالها المصريين يغادرون معبر رفح البري في بدايات الحرب، ويجبرون على ترك ابنهم ذو الأعوام الـ16، لعدم قدرتهم على سداد قيمة التنسيق الخاص به، ليظل عالقًا وحده في غزة، بينما جاءت سيدة مصرية مسنة مع زوجها وأبنائها المصريين، للقطاع قبل الحرب، لزيارة ابنتها المتزوجة من فلسطيني ومقيمة معه في غزة، إلا أن زوجها وأبنائها جميعًا قُتلوا في غارات شنها الاحتلال، ولم ينجو سواها هي وحفيدة وحيدة لها، وباتتا مضطرتان للنزوح من مكان إلى آخر في ظروف إنسانية بالغة القسوة والخطورة على حياتيهما.
وكان العشرات من حاملي الجنسية المصرية، وزوجات وأبناء المصريين في غزة، قد شاركوا ظهر يوم الخميس الماضي، في ثلاث وقفات احتجاجية أقيمت بالتزامن في كلٍ مجمع ناصر الطبي بخانيونس، ومستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بمحافظة الوسطى، ورمزون السرايا في شمال غزة، لمناشدة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية، بالتدخل العاجل لإجلائهم من قطاع غزة وإنقاذهم من الإبادة، ولم شملهم بأسرهم في مصر.
وتجددت آمال المصريين في العودة، بعد تداول وسائل إعلامية أنباءًا عن مقترح مصري لأجل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، يقضى بإطلاق سراح 8 محتجزين أحياء مقابل وقف القتال لمدة تصل لـ50 يومًا، وقيام القاهرة باستضافة وفدًا من حركة حماس لبحث هدنة تؤدى لتثبيت وقف النار.

نوصي للقراءة: من يحمل مفاتيح معبر رفح؟.. تجار الحروب ينشطون في استغلال العالقين في غزة
تعنت الاحتلال يعوق لمّ الشمل
يُبيّن مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد حسن، لزاوية ثالثة، أن ما يُعطّل عودة المصريين العالقين في غزة هو الاحتلال الإسرائيلي وفرضه قيود مشددة على مغادرة قطاع غزة، إذ يشترط ألا يعود من يخرج من القطاع إليه مرة أخرى، بما في ذلك الجرحى الذين خرجوا لتلقي العلاج، ولم يسمح الاحتلال بخروج سوى أعداد محدودة من معبر رفح البري، إبان سريان وقف إطلاق النار للمرة الأولى، خلال حرب الإبادة، مضيفًا أن العائق الثاني الذي يُعطّل من عودة حاملي جواز السفر المصري، تتمثل في ارتباطهم بعلاقات قرابة ومصاهرة بعائلات فلسطينية؛ إذ يوجد لدى معظمهم أزواج وزوجات وأبناء لا يحملون الجنسية المصرية، ويريدون أن يغادروا سوية وأن يتم لم شملهم معًا في مصر، مؤكدًا أن تدمير إسرائيل لمعبر رفح البري من الجانب الفلسطيني حال دون قدرة الناس على مغادرة القطاع، بما فيهم حاملي الجنسية المصرية، لكونه المنفذ الوحيد إليه، فيما تبذل مصر جهودًا لوقف إطلاق النار وإعادة فتح المعبر لدخول المساعدات وإدخال الجرحى والمرضى والمرافقين لهم، ولم شمل الأسر المنقسمة، وإعادة العالقين والسماح للفلسطينيين من حاملي الإقامات في الدول الأخرى بالمغادرة.
ويضيف عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أنه عقب سريان المرحلة الأولى من الاتفاق الثاني لوقف إطلاق النار، كان الاهتمام منصبًا على استعادة معبر رفح البري، ولم تسنح الفرصة لإعادة العالقين على الجانبين ولم شمل الأسر المصرية والفلسطينية التي مزقتها الحرب، بسبب إجرام الاحتلال العنصري وتعنته بسبب الموقف المصري الرافض لتهجير شعب غزة، وتعمده لتدمير أي مظاهر للحياة وقتل أكبر قدر من الفلسطينيين لإرغام السكان على المغادرة، موضحًا أن معظم من غادروا القطاع في بداية الحرب من حاملي الجنسيات الأجنبية، كانوا يعملون في القطاع ولم يرتبطوا بعلاقات مصاهرة مع الفلسطينيين، لافتًا إلى أن هناك حديث تردد بشأن وجود سماسرة يتقاضون أموالًا من المسافرين الفلسطينيين وفرض شركة لرسوم لتنسيقات السفر عبر معبر رفح، إلا أنه لم يصدر أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي ذلك.
نوصي للقراءة: بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح: إلى أين يفر فلسطينيو غزة؟

وضع شديد التعقيد والحساسية
تؤكد النائبة البرلمانية غادة عجمي، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، لزاوية ثالثة، أن مصر لا تتخلى عن أبناءها، وأن وزارة الخارجية المصرية تولي اهتمامًا كبيرًا لملف المصريين العالقين في غزة بسبب الحرب، وأن وزير الخارجية، السفير بدر عبد العاطي، يباشر بنفسه هذا الملف، لافتة إلى أن الوضع في غزة شديد التعقيد والحساسية، وأنه لا توجد تقديرات دقيقة لأعداد حاملي الجنسية المصرية الموجودين داخل القطاع.
في حين يرى السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن مشكلة حاملي الجنسية المصرية العالقين في غزة، تعد مشكلة قنصلية بحتة وترتبط بإغلاق الحدود واستمرار العدوان الاسرائيلي على القطاع، والذي يحول دون عودتهم إلى مصر، معتبرًا، في تصريحات إلى زاوية ثالثة، أن الدولة لن تتركهم والأزمة سوف تحل عاجلًا أم آجلًا، وتحتاج إلى مزيد من الصبر، لوجود حالة حرب، ومستبعدًا أن تكون إسرائيل قد تعمدت منع حاملي جواز السفر المصري من عبور معبر رفح البري، في بداية الحرب، قبل أن تعمد إلى تدميره، نظرًا إلى مساعيها الواضحة لتهجير سكان قطاع غزة.
وحاولت زاوية ثالثة التواصل مع وزير الخارجية المصري، السفير بدر عبد العاطي، وكذلك السفير تميم خلاف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، للتعليق على استمرار أزمة المصريين العالقين في غزة، إلا أننا لم نتلق ردًا على اتصالاتنا.
وسبق أن تمكنت السلطات المصرية، في نوفمبر 2023، من إعادة 100 من مواطنيها العالقين في قطاع غزة، فيما أطلقت وزارة الخارجية المصرية، في ديسمبر 2023، رابطًا الكترونيًا للتسجيل، بهدف مساعدة المصريين العالقين في قطاع غزة، وتسهيل عودة المواطنين المصريين وأسرهم من القطاع إلى مصر، وتعهد السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية، في ذلك الوقت، بإعداد كشوفات تفصيلية تمهيداً لتسليمها للقائمين على معبر رفح الحدودي من الجانبين المصرى والفلسطينى بشكل مباشر؛ لتسهيل عملية عبورهم من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، مؤكدًا أن تلك الوسيلة الوحيدة للعودة لأرض الوطن، وأن أي وسيلة آخرى يتم الحديث عنها، تندرج ضمن أعمال النصب والاحتيال واستغلال الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، ولا علاقة للدولة المصرية بها، مشددًا على حرص السلطات المصرية على تأمين خروج المواطنين المصريين وأسرهم من القطاع بشكل آمن يحفظ سلامتهم، في ظل تواصل الأعمال العسكرية العنيفة التي يشهدها قطاع غزة.
وفي غضون ذلك كشف المتحدث الرسمي السابق لوزارة الخارجية المصرية، في ديسمبر 2023، أن مكتب التمثيل المصري لدى السلطة الفلسطينية في رام الله والقطاع القنصلي بوزارة الخارجية يتلقيان الأسماء والوثائق الخاصة بالمواطنين الراغبين في العودة إلى أرض الوطن، وأنه يتم إعداد كشوف تفصيلية في مقر السفارة المصرية في رام الله؛ لموافاة السلطات المصرية المعنية بها، ويأتي هذا تمهيدًا لتسليمها للقائمين على معبر رفح الحدودي من الجانبين المصرى والفلسطينى؛ لتسهيل عملية عبورهم من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية.
غير أن جهود الخارجية لإعادة المصريين العالقين، أسفرت عن عودة عدد محدود منهم، قبل أن تتوقف عقب قيام جيش الاحتلال بتدمير الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري بالكامل، في يونيو من العام الماضي، مبددًا آمال المصريين في العودة، والتي تجددت عقب الاتفاق على تبادل الأسرى والهدنة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 15 يناير 2025 لإنهاء الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، والذي دخل الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير، غير أن أملهم خاب بعد إنهيار اتفاق وقف إطلاق النار، وتجدد حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على القطاع.
نوصي للقراءة: توتر متصاعد: ما حدود التصعيد المحتمل بين مصر والاحتلال الإسرائيلي؟

سياسة التعنت مع غزة
يرى المحامي الحقوقي هيثم محمدين، أن تعامل وزارة الخارجية المصرية المصرية مع أزمة المصريين العالقين في غزة، لا تنفصل عن تعاملها مع كثير من أزمات وحقوق المصريين في الخارج، وأنها كذلك ليس بمعزل عن سياسة التعنت التي يتم اتباعها فيما يخص قطاع غزة، والذي قد يرجع إلى أسباب أمنية تراها السلطات المصرية، مستشهدًا بخروج حاملي الجنسية الأمريكية والجنسيات الأجنبية بشكل عام في بداية الحرب على غزة، عن طريق ممر آمن يؤدي إلى معبر رفح البري، إلا أنه لم يتم السماح لحاملي جوازات السفر المصرية بالخروج معهم.
ويضيف محمدين، لزاوية ثالثة، أن جميع حاملي الجنسية المصرية، بما فيهم مزدوجي الجنسية يحق لهم العودة إلى مصر، مشيراً إلى تردد الكثير من الحديث حول فرض شركات بعينها لرسوم ضخمة لتنسيقات السفر عبر المعبر، مما يحول دون دخول غير الأثرياء من المصريين العالقين في القطاع وأسرهم.
وكانت السلطات المصرية قد تدخلت في أعقاب عمليات طوفان الأقصى، – التي شنتها الفصائل المسلحة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على إسرائيل فجر السابع من أكتوبر 2023 -، وقامت بإعادة 30 مواطنًا مصريًا من حاملي الجنسية الكندية، كانوا في رحلة لأداء الشعائر الدينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة قبيل الحرب، وأعلنت السفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، آنذاك أنها اطمأنت على أحوال المصريين الموجودين في قطاع غزة بعد التواصل مع السفير إيهاب سليمان السفير المصري في فلسطين، والذي أكد أن المصريين المقيمين بالقطاع بخير، وجاءت التصريحات رغم مقتل شقيقتين مصريتين تنتميان لمحافظة بورسعيد، في غضون ذلك، تدعيان حياة خليل وهويدا خليل، إثر تعرضهما لقصف جوي شنته طائرات الاحتلال على منزل عائلة فلسطينية.
وتتشابه تفاصيل قصص المعاناة التي يعيشها أبناء الجالية المصرية وأسرهم في قطاع غزة، وسط حرب الإبادة، منذ قرابة العام ونصف، سواء كانوا من حاملي بطاقات الرقم القومي وشهادات الميلاد المصرية أو من الفلسطينيين الذين اكتسبوا الجنسية خلال السنوات الماضية، نتيجة علاقات القرابة والزواج، وكذلك زوجات وأبناء المصريين الذين لم ينجحوا في اكتساب الجنسية المصرية، خلال فترة إقامتهم بمصر، إذ يشتركون جميعًا في محاولة النجاة بأرواحهم وسط القصف الجوي المتواصل والإجبار على النزوح المتكرر والعيش في خيام للنازحين أو في مباني تعرضت للتدمير الجزئي، إضافة إلى الشُح الشديد للمواد الغذائية ومياه الشرب النظيفة والأدوية، ويحلمون جميعًا بالعودة إلى مصر في وقتٍ عاجل، مناشدين الرئيس المصري والحكومة المصرية بالتدخل لإجلائهم من القطاع وإنقاذ حياتهم.
فيديو خاص بـ”زاوية ثالثة”، يظهر جانبًا من الوقفة الاحتجاجية التي نظمها مصريون عالقون في مدينة خانيونس، الخميس الماضي، لمطالبة السلطات المصرية بإجلائهم