توتر متصاعد: ما حدود التصعيد المحتمل بين مصر والاحتلال الإسرائيلي؟

في تصعيد لافت للهجة الدبلوماسية من جانب القاهرة، أدانت مصر انتهاكات إسرائيل في سوريا واستهداف عيادة تابعة لوكالة الأونروا في غزة
Picture of رشا عمار

رشا عمار

Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

تدخل الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي قطاع غزة شهرها الثامن عشر، وسط مؤشرات متزايدة على توتر العلاقات بين القاهرة وتل أبيب. فقد اتهمت إسرائيل مصر بخرق اتفاقية السلام، وتقدّمت بطلب إلى كل من مصر والولايات المتحدة لتفكيك ما وصفته بـ”البنى التحتية العسكرية” التي أقامها الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء. وفي تصريح له بتاريخ 4 مارس الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن تل أبيب “لن تسمح لمصر بانتهاك معاهدة السلام” الموقعة بين البلدين.

وكانت مصر وإسرائيل قد وقعتا معاهدة سلام في واشنطن في مارس 1979، عقب اتفاقية “كامب ديفيد” الموقعة عام 1978. ومن أبرز بنود المعاهدة: إنهاء حالة الحرب، وتطبيع العلاقات، وانسحاب إسرائيل الكامل من سيناء، إلى جانب تحويل مناطق واسعة من شبه الجزيرة إلى مناطق منزوعة السلاح.

وفي مؤشر آخر على تصاعد التوتر، لم تحصل تل أبيب حتى الآن على موافقة رسمية من القاهرة على ترشيح سفيرها الجديد. ففي 24 مارس الماضي، نظّمت رئاسة الجمهورية حفل استقبال قدّم خلاله الرئيس عبد الفتاح السيسي أوراق اعتماد 23 سفيراً جديداً لدى مصر، لم يكن من بينهم سفير إسرائيل.

وكانت القاهرة قد طلبت منذ أشهر من سفيرها في تل أبيب، خالد عزمي، العودة إلى مصر، ولم يعد إلى مقر عمله في إسرائيل منذ ذلك الحين، رغم أن مدة تعيينه لم تنتهِ بعد، ولم تُعلن القاهرة سحب السفير بشكل رسمي حتى الآن.

اليوم، تعود الأسئلة لتطفو إلى السطح: إلى أي مدى يمكن أن تتسع رقعة التصعيد؟ وهل تبقى العلاقات بين البلدين في نطاق التوتر السياسي والدبلوماسي، أم أن شبح المواجهة العسكرية بات يلوح في الأفق؟ تساؤلات تأخذ طابعًا أكثر جدية في الشارع المصري مع تحركات لافتة للجيش المصري على الحدود الشمالية الشرقية، تعكس استعدادًا ميدانيًا غير مسبوق، وتطرح احتمالات لم تكن مطروحة من قبل.

ويرى مراقبون تحدثوا إلى زاوية ثالثة أن إمكانية التصعيد بين مصر وإسرائيل تتأثر بعدة عوامل معقدة تشمل الديناميات العسكرية والسياسية والإنسانية، وعلى الرغم من أن البلدين يحافظان على معاهدة السلام، فإن التطورات الأخيرة قد أضعفت العلاقات بينهما وأثارت مخاوف بشأن حدود هذا السلام، ورغم أن مصر كانت دائمًا الوسيط الأبرز في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن حجم الضغوط الأمنية على حدودها الشرقية بلغ ذروته خلال الأشهر الماضية.

وأشارت تقارير إلى أن الجيش المصري عزز وجوده العسكري في شمال شرق سيناء، ورفع من مستوى الجاهزية الميدانية من خلال نشر دبابات ومدرعات إضافية في محيط معبر رفح والمناطق المجاورة له، الامر الذي يثير قلق تل أبيب، ويعتقد مراقبون أن هذا التحرك العسكري، وإن كان يحمل طابعًا دفاعيًا، إلا أنه يحمل في طياته رسالة واضحة مفادها أن القاهرة لن تسمح بأي اختراق أمني أو تهديد مباشر يأتي من الجنوب الفلسطيني، خاصة مع تزايد الحديث في الإعلام الإسرائيلي عن “ممرات آمنة” أو مناطق عازلة على تخوم غزة، يمكن استغلالها لإجبار الفلسطينيين على النزوح إلى سيناء.

ووفقًا لمصادر رسمية وخبراء عسكريين، فإن الجيش المصري نشر في سيناء نحو 88 كتيبة عسكرية، تضم ما يقرب من 42 ألف جندي، إلى جانب 3 فرق عسكرية كاملة، وأكثر من 1500 دبابة ومدرعة، بالإضافة إلى مشاريع لتطوير المطارات العسكرية وتوسيع ممراتها، وتعزيز شبكات الدفاع الجوي والأرصفة البحرية على البحرين المتوسط والأحمر. ويقارن مراقبون هذه الأرقام بما تنص عليه اتفاقية السلام، والتي تحدد الحد الأقصى للقوات المصرية في المنطقة بنحو 50 كتيبة و22 ألف جندي فقط، ما يوضح حجم الفجوة بين الواقع الحالي والترتيبات الأمنية الأصلية التي وضعت لضمان توازن دقيق في شبه الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية.

 

نوصي للقراءة: ما بين حرب أكتوبر وغزة.. هل ما زلنا منتصرين؟

تصعيد دبلوماسي

منذ السابع من أكتوبر 2023، شهدت بيانات وزارة الخارجية المصرية تطورًا ملحوظًا في التعامل مع التوترات المتزايدة مع إسرائيل من الهدوء والحذر إلى التصعيد والغضب الواضح. في البداية، كانت مصر تحذر من مخاطر التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث حذرت من خطورة الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مشيرة إلى أن هذه التصرفات تؤدي إلى عنف خطير على الجانبين. مع تصاعد الأحداث، أدانت مصر بأشد العبارات القصف الإسرائيلي لمستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة، والذي أسفر عن سقوط مئات الضحايا الأبرياء والجرحى والمصابين من المواطنين الفلسطينيين في غزة.

وفي تصعيد لافت للهجة الدبلوماسية من جانب القاهرة، أدانت مصر انتهاكات إسرائيل في سوريا واستهداف عيادة تابعة لوكالة الأونروا في غزة، مما يعكس تصعيدًا واضحًا في ردود الأفعال المصرية تجاه إسرائيل، وطالبت جميع دول العالم، لاسيما الدول الكبرى وذات التأثير، بالتدخل لوقف هذه الانتهاكات وإدانتها بلا مواربة، ومطالبة إسرائيل بالتوقف عن استهداف محيط معبر رفح لتمكين مصر ومن يرغب من باقي الدول والمنظمات الدولية  والإغاثية لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة في أسرع وقت.

إلى جانب ذلك حذرت مصر من خطورة مطالب إسرائيل لسكان قطاع غزة بالنزوح جنوبًا، مشيرة إلى أن هذا الإجراء مخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني، مؤكدة على ضرورة وقف مثل هذه الخطوات التصعيدية التي تهدد حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني، وتسببت في وضع إنساني صعب، وقد طالبت القاهرة مجلس الأمن بالتدخل الفوري لوقف هذا التصعيد، ودعت جميع الأطراف الدولية للعمل على وقف المزيد من التصعيد في قطاع غزة.

تطورت ردود الأفعال المصرية من الهدوء إلى التصعيد بشكل واضح مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، إذ رفضت مصر أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، مما يعكس موقفًا صارمًا ضد أي محاولات لتغيير الوضع الديموغرافي في المنطقة. مع استمرار التوترات، تعمل مصر على دعم جهود العودة لاتفاق غزة، مع التركيز على الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وبشكل عام، تشير بيانات وزارة الخارجية المصرية إلى تصعيد متزايد في ردود الأفعال تجاه إسرائيل، مع التركيز على الحفاظ على حقوق الفلسطينيين والاستقرار الإقليمي.

ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، تصاعدت ردود الأفعال المصرية. أدانت مصر انتهاكات إسرائيل في سوريا واستهداف عيادة تابعة لوكالة الأونروا في غزة، مما يعكس غضبًا واضحًا تجاه تصرفات إسرائيل. مصر طالبت المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف هذا التصعيد، داعية إلى احترام القانون الدولي والإنساني.

 

نوصي للقراءة: معاناة غزة المستمرة.. عامٌ من الحرب المدمرة

تصعيد غير كافي

يرى أكرم إسماعيل عضو اللجنة المركزية لحزب العيش والحرية- تحت التأسيس- والقيادي بالحركة المدنية، أن ما تقوم به مصر على المستوى الرسمي في الوقت الراهن لا يرقى إلى حجم الكارثة، ويتعيّن على مصر أن تلعب دورًا أكثر قوة ووضوحًا، يبدأ أولًا بالتلويح الجاد بتعليق اتفاقية كامب ديفيد، كخطوة رمزية تؤكد رفضها لما يجري في غزة من جرائم حرب وتجويع متعمد. بالإضافة إلى التحرك بجدية لكسر الحصار المفروض على القطاع من قِبل الاحتلال، وذلك عبر تبني مقترحات عملية، مثل إرسال وفود رسمية من دول متعددة للدخول إلى غزة وتقديم المعونات الإنسانية لفك الحصار ووقف تجويع المدنيين 

علاوة على ذلك، يرى إسماعيل في حديثه لزاوية ثالثة أن مصر مطالبة اليوم بالتحرك بفعالية لتشكيل تكتل عربي، أو حتى إقليمي أوسع، يقف في وجه السياسات الإسرائيلية ويضغط بشكل واضح على الحكومات الغربية، وعلى الولايات المتحدة، من أجل وقف المجازر والانتهاكات في عزة. هذا التكتل لا يُشترط أن يكون عربيًا خالصًا، لكنه يجب أن يمثل مصالح الشعوب، ويشكّل أداة ضغط حقيقية على القوى المتواطئة مع الاحتلال.

يضيف القيادي بالحركة المدنية، أن تردد مصر من اتخاذ موقف أكثر حسمًا يأتي في سياق الضغوط والابتزاز الخليجي، لكن الثمن المترتب على هذا التردد قد يكون فادحًا. فلو انتصرت إسرائيل نصرًا ساحقًا في هذه المعركة، برعاية مباشرة من تيارات اليمين الأمريكي المتطرفة المتمثلة في إدارة ترامب، فإن ذلك سيفضي إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة بشكل خطير. وستكون إسرائيل الطرف الأقوى بلا منازع، وستتضاءل أمامها أدوار بقية الدول، بما فيها مصر.

ويشير إسماعيل إلى أن الانتصار الإسرائيلي الكامل يعني أن إسرائيل ستتمكن من مهاجمة أي دولة في أي وقت، دون رادع. كما أن التقارب المتسارع بين إسرائيل وبعض دول الخليج سيُفضي إلى تهميش إضافي للدور المصري، وسيفتح المجال لتحالف إسرائيلي–خليجي يعيد رسم خريطة المنطقة، بما يخدم المصالح الإسرائيلية فقط.

من جهته يرى مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية أن الحكومة المصرية تعتبر استخدام القوة المباشرة في مواجهة إسرائيل أمر غير وارد، وبالتالي تكتفي بالتحركات والردود الدبلوماسية. إلا أن هذه التحركات لم تُستنفد بعد، ولا تزال محدودة للغاية. فهناك مساحات واسعة يمكن لمصر التحرك من خلالها، سواء عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة للمطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل، أو عبر تفعيل آليات القانون الدولي، لا سيما بعد أن وصفت محكمة العدل الدولية ما تفعله إسرائيل بأنه أقرب إلى الإبادة الجماعية، وهو توصيف يوفّر أساسًا قانونيًا قويًا للمطالبة بإجراءات عقابية دولية.

يضيف أستاذ العلوم السياسية في حديثه إلى زاوية ثالثة أن مصر يجب أن تتخذ إجراءات أكثر حسمًا، مثل تعليق الاتفاقيات الاقتصادية مع إسرائيل. فمن اللافت أن الحكومة المصرية أبرمت اتفاقًا جديدًا في يناير الماضي، لشراء الغاز من إسرائيل، رغم الجرائم الجارية بحق الفلسطينيين. كما تشير بعض التقارير إلى استمرار وجود صادرات مصرية نحو إسرائيل، وهو أمر يتناقض مع الحد الأدنى من الموقف الأخلاقي المفترض في مثل هذه اللحظة.

ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن مصر يمكنها ممارسة ضغطًا سياسيًا واقتصاديًا على بعض الدول العربية الأخرى، مثل الإمارات والسعودية، التي تواصل تسهيل التبادل التجاري مع إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. بالإضافة إلى ضرورة السماح للمصريين بالتعبير السلمي عن رفضهم للإبادة الجماعية، عبر التظاهر أمام السفارة الأمريكية، أو التعبير عن موقفهم في المساجد والساحات العامة، ضمن إطار سلمي يكفله الدستور. لكن الدولة المصرية ما زالت تتعامل مع هذا الملف وكأن البيانات والتصريحات الدبلوماسية المحدودة كافية، وهو ما يتناقض مع حجم الكارثة.  ويختتم إلى أن ما يجري الآن ليس فقط تهديدًا لفلسطين، بل إن صمت الإقليم سيمنح إسرائيل شرعية الأمر الواقع لفرض سيطرتها بالقوة، بدعم حلفائها، وبما يتجاوز حدود فلسطين إلى مستقبل المنطقة بأسرها.

هل انتهت سنوات السلام البارد بين القاهرة وتل أبيب؟

التصعيد الميداني يعيد إلى الواجهة طبيعة العلاقة بين مصر وإسرائيل التي، وإن استقرت على المستوى الرسمي منذ توقيع اتفاقية السلام في كامب ديفيد عام 1979، إلا أنها ظلت دائمًا محاطة بالتحفظ الشعبي في مصر، واعتُبرت “سلامًا باردًا”. فالاتفاقية التي أنهت حالة الحرب وفرضت ترتيبات أمنية في سيناء، تضمنت بنودًا حدّت من انتشار القوات المصرية في مناطق معينة، وهو ما تطلب لاحقًا تعديلات أمنية بالتفاهم مع إسرائيل للسماح لمصر بتعزيز وجودها العسكري في مواجهة الإرهاب بعد 2013، خاصة في مناطق الشيخ زويد ورفح والعريش. لكن التحركات العسكرية الحالية تتجاوز تلك التفاهمات التكتيكية لتلامس صميم العلاقة بين البلدين، خاصة في ظل تصريحات إسرائيلية رسمية عن نيتها تنفيذ عملية عسكرية في رفح، ما يعتبر تجاوزًا خطيرًا من وجهة النظر المصرية.

الإعلام المصري، من جانبه، لم يتجاهل التوتر المتصاعد، فقد نشرت صحيفة “الأهرام” الرسمية مقالات وتقارير حذرت من المساس بالحدود المصرية أو إحداث تغيير ديموغرافي في قطاع غزة من خلال تهجير السكان قسريًا، كما عبّر محللون مصريون عن القلق من احتمال قيام إسرائيل بفرض واقع جديد في القطاع يضع القاهرة أمام خيارات صعبة، بينها التعامل مع أزمة لاجئين محتملة، أو انزلاق الأمور نحو مواجهات أمنية غير محسوبة.

وفي المقابل، تتعامل إسرائيل مع الحدود المصرية باعتبارها ذات حساسية استراتيجية، لكن صعود اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، ودفعه باتجاه توسيع العمليات العسكرية دون اعتبارات سياسية كافية، خلق نوعًا من التوتر غير المسبوق مع القاهرة، ويُلاحظ أن دوائر صنع القرار في مصر، التي طالما تعاملت مع الملف (الإسرائيلي – الفلسطيني) بقدر من البراغماتية، أصبحت اليوم أمام معادلة أكثر تعقيدًا، خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي في القطاع، وضبابية أهداف العملية في رفح.

في هذا السياق، لا يمكن إغفال الخلفية التاريخية لتوترات متكررة شهدتها العلاقات المصرية الإسرائيلية، وإن كانت محكومة دائمًا بسقف ضبط النفس، من حادثة إطلاق النار في رأس برقة عام 1985، إلى التوترات إبان انتفاضتي 1987 و2000، مرورًا بموجات الغضب الشعبي المصري ضد الاعتداءات المتكررة على غزة، وحتى حادث مقتل جنود مصريين قرب الحدود في 2011، جميعها لحظات كشفت هشاشة التفاهمات الأمنية رغم متانة الاتفاق الرسمي. واليوم، مع اقتراب القوات الإسرائيلية من مناطق شديدة الحساسية قرب الحدود، تتجدد هذه المخاوف، وتتزايد احتمالات التصعيد، وإن كان على شكل تحركات ميدانية مضبوطة، أو رسائل سياسية مشفرة.

وعلى الرغم من أن الخيار العسكري المباشر بين البلدين لا يبدو مرجحًا في الوقت الراهن، نظراً لحسابات الكلفة الاستراتيجية، إلا أن بقاء التوتر دون إدارة فاعلة قد يقود إلى ما يمكن وصفه بـ”الانزلاق غير المقصود”، خصوصًا في حال وقوع اشتباك عرضي أو خطأ في التقدير الميداني.

في السياق، يؤكد -الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا-، فادي عيد، في حديث إلى زاوية ثالثة أن جميع السيناريوهات واردة في ضوء التوترات المتصاعدة بين مصر وإسرائيل، مشيرًا إلى أن “لا حدود للتصعيد، وكلا الجانبين استعد عسكريًا لأي سيناريو محتمل”. ويضيف أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينظر إلى اللحظة الراهنة باعتبارها فرصة تاريخية لتكريس مشروع إسرائيل الكبرى، وهي لحظة يعتبر أنها قد لا تتكرر، ما يجعله أكثر اندفاعًا في التصعيد”. ورغم هذا التصعيد، يشدد عيد على أن “كلا البلدين لا يرغبان في مواجهة عسكرية مباشرة”، موضحًا أن “القوتين ثقيلتان جدًا، وأي صدام عسكري ستكون كلفته باهظة على الطرفين”.

وفيما يتعلق باتفاقية كامب ديفيد، يوضح فادي عيد أن كل السيناريوهات أصبحت مطروحة، لا سيما في ظل “انعدام الحدود للعدوان الإسرائيلي”، موضحًا أن “وقف الحرب يعني بالنسبة لنتنياهو احتمالية محاكمته داخليًا، ويعني لغزة انتفاضة داخلية على حماس، لذلك فإن الحركة مستمرة في رفع مطالب غير واقعية في ملف تبادل الأسرى رغم الدمار الهائل الذي لحق ببنيتها التحتية وقطاع غزة عمومًا”. ويضيف أن “نتنياهو كلما وجد فرصة لإعادة إشعال الحرب لا يتردد، بل يسعى لتوسيعها لتحقيق أهدافه السياسية والشخصية”.

 

أما عن مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية في ظل الخلاف حول ملف التهجير، فيصف عيد الموقف بـ”المعقد لأقصى درجة”، قائلاً إن “إسرائيل تعمل على تقسيم غزة إلى ثلاث مناطق فارغة من السكان تقريبًا، باستثناء الجزء الجنوبي الملاصق للحدود مع مصر”. ويضيف أن “الهدف هو الضغط المستمر على سكان غزة لإجبارهم على الوصول إلى الجدار المصري، بحيث تجد مصر نفسها بين خيارين أحلاهما مر: فإما أن تسمح بدخولهم إلى سيناء، وعندها تكون قد ساهمت بشكل غير مباشر في تصفية القضية الفلسطينية، أو ترفض الدخول، وعندها ستُتهم بالتخلي عن مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين”. ويؤكد عيد أن “صعوبة الموقف تكمن في أن كل الخيارات تضع مصر في زاوية ضيقة، وكأنها في ‘خانة اليك’ السياسية”.

 

نوصي للقراءة: الأزمة الإنسانية في غزة


كيف نتوقع سيناريوهات التصعيد؟

يقول محمد حامد، – مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية-، في حديث إلى زاوية ثالثة إن العلاقات المصرية الإسرائيلية تمرّ بمرحلة دقيقة وحساسة، تتجاوز مجرد الخلافات الظرفية إلى أزمة بنيوية في الثقة والتفاهم، خصوصًا في ضوء التصعيد الميداني على حدود رفح، ومحاولة إسرائيل فرض معادلات أمنية جديدة من جانب واحد.

ويشير حامد في حديثه إلى أنه هناك بالفعل حوارًا ثلاثيًا بين القاهرة وتل أبيب وواشنطن بهدف تفادي الوصول إلى مواجهة مباشرة، لكن المؤشرات على الأرض تدل على وجود خلافات جوهرية، لا سيما في ظل المساعي الإسرائيلية لتغيير الطابع الجغرافي والأمني للحدود الفلسطينية-المصرية. مضيفًا: “الجيش الإسرائيلي يتمدد الآن فوق محور صلاح الدين، ويعيد رسم حدود قطاع غزة من الداخل، بما يُهيئ الأرض لتنفيذ سيناريو التهجير الجماعي نحو سيناء، وهو ما تعتبره مصر تهديدًا استراتيجيًا للأمن القومي لن تتهاون معه”.

في إشارة رمزية ثقيلة الدلالة، يلفت حامد إلى غياب السفير الإسرائيلي عن القاهرة منذ عدة أشهر، موضحًا أن مصر وافقت بالفعل على اسم السفير الجديد، إلا أنه لم يُدعَ لأداء القسم أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، رغم اعتماد سفراء دول أخرى، معتبرًا أن هذا التأخير ليس إجراءً تقنيًا أو بروتوكوليًا، بل يأتي ضمن ما يُعرف دبلوماسيًا بـ”الاستمزاج الدبلوماسي”، وهي أداة سياسية تُستخدم حين ترغب دولة ما في إرسال إشارات رفض غير صريحة دون كسر العلاقات رسميًا، مشيرًا إلى أن “مزاج القاهرة، كما يبدو، غير مهيأ الآن لمنح الشرعية الدبلوماسية الكاملة لممثل حكومة ترتكب انتهاكات ميدانية يومية، وتدفع بالمنطقة نحو مزيد من التصعيد”، يقول حامد.

وفي معرض حديثه عن الموقف المصري من الحشود العسكرية الإسرائيلية على تخوم رفح، يقول حامد إن القاهرة بادرت برد استباقي تمثل في تعزيز قواتها في سيناء، في خطوة وُصفت داخل الأوساط الإسرائيلية بـ”المفاجئة وغير المتوقعة”، مشيرًا إلى أن إسرائيل حاولت تصوير هذه الخطوة باعتبارها انتهاكًا لاتفاقية كامب ديفيد، لكنها في الواقع رد دفاعي مشروع في ظل التهديد المتزايد.

ويشدد حامد على أن مصر ترفض جملةً وتفصيلاً أي محاولة لفرض سيناريو التهجير من غزة إلى سيناء، معتبرًا أن هذا المخطط لا يُشكل فقط جريمة سياسية في حق الفلسطينيين، بل يستهدف تفريغ الأرض من سكانها وتصفية القضية الفلسطينية بالكامل. وأضاف: “إذا منعت مصر دخول الغزيين، ستُتهم بالتقصير في مسؤولياتها الأخلاقية، وإن سمحت، تُتهم بالمشاركة في تصفية القضية.. وهنا مكمن الخطر، أن كل الخيارات المتاحة لمصر تبدو وكأنها تؤدي إلى طريق مسدود”.

ويؤكد مدير منتدى شرق المتوسط تصريحه أنه لا يتوقع وقوع صدام دبلوماسي أو احتكاك مباشر بين مصر وإسرائيل في المستقبل القريب أو حتى المتوسط، رغم ما وصفه بالتوتر العميق والمركب بين الطرفين.

 واختتم حامد تصريحاته بالتأكيد على أن مصر، رغم التصعيد والتحركات الاستفزازية الإسرائيلية، لا تزال متمسكة بموقفها الثابت القائم على رفض التهجير والتغيير القسري للواقع الحدودي. ورجّح أن تستمر القاهرة في استخدام أدوات الضغط غير التقليدية، بما في ذلك الحشد العسكري والرسائل الدبلوماسية غير المباشرة، دون أن تنزلق إلى صدام دبلوماسي شامل في المدى المنظور، لكنه حذّر من أن أي تطور ميداني غير محسوب قد يُشعل فتيل أزمة أوسع يصعب احتواؤها لاحقًا.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.
شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search