من جديد يلحق عمال وبريات سمنود بزملائهم من عمال المحلة، الذين لم تكد أزمتهم تنتهي بالإفراج عنهم، حتى لحق بركبهم دفعة جديدة من سجناء لقمة العيش، والمطلب المشترك بينهما.. تطبيق الحد الأدنى للأجور.
الأزمة الأخيرة لـشركة عمال سمنود الواقعة في محافظة الغربية بدلتا مصر، بدأت حين نما إلى مسامعهم ما يفيد باستحواذ مستثمر جديد على الشركة، في وقت ترفض فيه الإدارة تنفيذ القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى مبلغ ستة آلاف جنيه، منذ مايو الماضي، ما يجعل العمال تحت رحمة القادم الجديد، الذي لم تعلن الإدارة طبيعة شروط تعاقدها معه، حسب وصف العمال الذين تحدثنا معهم.
وبعد تعنت مستمر من الإدارة ورفض تام للمفاوضة على الحقوق، قرر العمال خوض إضراب عن العمل في 18 من أغسطس الجاري، مطالبين بتطبيق الحد الأدنى للأجور، قبيل الصفقة المزعومة، ضمانًا لحقوقهم، في المقابل رفضت الإدارة طلب العمال، متذرعة بالخسائر التي تمنى بها الشركة منذ سنوات، فتمسك العمال بحقهم، مضربين، رغم الانتهاكات والتضييق الذي يجرى عليهم بما فيها قطع كهرباء المصنع عنهم، وإلقاء القبض على تسعة منهم، وهم: “حمدي شابون، وهشام البنا، ومحمد الحلو، وتامر الدجله، ومحمد الخمري، وهانم جوهر، وسماح المسدي – علمنا أنها مريضة روماتويد وقد أصيبت بجلطة حسب شهادات زميلاتها بعد أن ألقي القبض عليها-، وهند فاروق، وسعاد العريان”.
حسب العاملات بالمصنع فإن الوضع الصحي والمادي لأسر العمال/ العاملات المعتقلين شديد السوء، إذ يتناوبون على رعاية أطفال العاملات المعتقلات بشكل يومي، بينما يعاني عددًا من المحتجزين من خطورة تدهور أوضاعهم الصحية، نتيجة إصابتهم بأمراض مزمنة.
تقول إحدى العاملات في قسم الملابس الملحق بالشركة في حديثها إلى زاوية ثالثة: “أعمل في الشركة منذ 22 عامًا. وصل راتبي إلى 3500 جنيه. توفي زوجي منذ سنوات ولم أتحصّل على معاش له، ولدي ثلاثة أبناء في مراحل تعليمية”.
تشير العاملة (التي لم نذكر اسمها حماية لأمنها الشخصي)، إلى أنها تنفق شهريًا نحو 600 جنيه من راتبها على التنقلات فقط، إذ أنها تقطن في مدينة المحلة وليس سمنود التي يقع فيها المصنع. تضيف: “لا أتناول طعامي خارج المنزل خوفًا من إنفاق المزيد، و أعاني من حساسية على الصدر بسبب غبار المصنع، وأيضًا- أنا مريضة السكري وأعاني من مشاكل في الضغط، ورغم ذلك أعمل على أكثر من ماكينة، وفي المقابل، يقال لنا دومًا أن المصنع يخسر”. متساءلة حول مصيرها وأبنائها إذا ما تمت تصفية المصنع أو خرجت إلى المعاش.
تفيد إحدى العاملات أنها تعاني وزوجها الذي يعمل معها في نفس الشركة من انخفاض الرواتب، وأنها لا تستطيع تجهيز إحدى ابنتيها للزواج، بينما الأخرى التي نجحت بمجموع كبير في الثانوية العامة منذ أسابيع لم تستطع حتى اللحظة تقديم أوراقها أو تحقيق رغبتها في الالتحاق بكلية الإعلام، بسبب الفقر والراتب الضعيف.
سيف الأمن على رقاب العمال
كما الحال مع عمال المحلة، والعديد من الحالات المماثلة في السنوات الأخيرة، كشرت الأجهزة الأمنية عن أنيابها، وألقت القبض على تسعة عمال/ات، في 25 أغسطس الجاري.
حسب شهادات زملائهم الذين تحدثوا إلى زاوية ثالثة، فقد قامت قوات الأمن بـ إخفائهم جميعا قسريًا، ورفضت الإفصاح عن أماكن احتجاز العمال، حتى ظهروا أمام النيابة، بشكل مفاجئ، وتم التجديد لهم في نيابة شرق طنطا الكلية، لمدة 15 يومًا، سبقتها أربعة أيام، دون علم أيًا من محاميهم، الذين سبق وأن بحثوا عنهم، في كافة أماكن الاحتجاز التابعة للمحافظة.
أما ظروف القبض عليهم فكانت بحسب شهود عيان (لن يتم الكشف عنهم لضمان أمنهم الشخصي)، محاطة بالانتهاكات الصارخة، التي أرهبت العمال، وأدخلت على ذويهم الرعب.
تروي إحدى العاملات وقائع القبض على زملائهم: “فوجئنا بهجوم رجال الأمن على منازلهم فجرًا، قبضوا على العاملات بملابس المنزل دون السماح لهم بتبديلها. واحدة منهم تمسك طفلها بتلابيبها، لـ يصفعه رجل أمن على وجهه ويجبره على ترك والدته، شعرنا أننا نعيد حكايات زوار الفجر من جديد”.
تضيف عاملة أخرى: “ذهبوا إلى منزل زميلنا هشام البنا، في قوة أمنية هائلة وكأنه إرهابي، واختطفوه من وسط أهله معصوب العينين ومقيد اليدين إلى الخلف، رغم حالته الصحية الضعيفة”، مشيرة إلى توقعات تدور حول العمال/ العاملات تتنبأ باتهامات جديدة لعمال جدد حال تمسكوا بالمطالبة بحقوقهم.
التواجد الأمني في الخلافات العمالية لم يعد يقتصر على القبض عليهم، والإلقاء بهم خلف القضبان كما يخبرنا مدير دار الخدمات النقابية والعمالية، كمال عباس، إذ يقول: “يظهر الضغط الأمني منذ اللحظة الأولى لنشأة الخلاف بين العمال وأرباب العمل، وفي أغلب الأحيان يصبح ضابط الأمن الوطني، بديلًا عن الإدارة التي أصبح دورها يتمثل في إبلاغ الأمن عن العمال بدلًا عن التفاوض معهم، إذ يقوم بكافة الاتصالات مع العمال، بدءًا من التفاوض المشوب بالتهديد والترهيب، حتى لحظة القبض عليهم”.
يرجع “عباس” تلك الحالة الأمنية التي تسيطر على الوضع منذ سنوات إلى النظام السياسي الحالي الذي وصفه بـ “المعادي للحرية”، الذي قرر منذ وصوله إغلاق المجال العام، بكافة أشكاله بما فيها حرية التعبير، وحتى إنشاء النقابات، وبالتالي فهو معادِ لكافة أشكال الاحتجاجات؛ بما فيها الإضراب. مردفًا أنها المرة الأولى التي يتم فيها القبض على هذا العدد من النساء العاملات مرة واحدة، واصفًا ذلك بأنه “ممارسات تخص العهد الحالي فقط”.
النائب في مجلس النواب أحمد بلال، يصف ما جرى مع العمال/ العاملات بالاعتقال لا القبض بمعناه القانوني، حيث تم الأمر دون إذن نيابة، مؤكدًا استنكاره لتلك الخطوة.
ينتقد “بلال” في حديثه إلى زاوية ثالثة، التصعيد الأمني بالتوازي مع استمرار جلسات الحوار الوطني، التي يُصادف أنها تناقش مسألة الحبس الاحتياطي، مشيرًا إلى أن الأمر يفقد ثقة المواطنين في تلك المناقشات، وربما في دولة القانون بأكملها.
تزامن الانتهاكات بحق العمال والتعامل الأمني معهم مع جلسات الحوار الوطني، أمر تشير إليه مديرة مؤسسة قضايا المرأة المحامية، عزة سليمان، التي شككت في جدوى الحوار مع حكومة ترى المواطنين عساكر عليها السمع والطاعة، وإلا العقاب، مضيفة: “الحكومة لا ترانا من الأساس”.
“سيطرة اللغة الأمنية على كافة الأصعدة، وتحكمها في مصائر العمال نتيجة طبيعية لأكثر من عشر سنوات من التدمير الممنهج لدولة القانون، في ظل غياب الأطر القانونية التي يمكن التفاوض على أساسها”، هكذا فسرت المحامية والحقوقية عزة سليمان المشهد.
في رأيها أن: “السلطة من مسؤوليتها تجاه مواطنيها، عبر استحضار لغة التهديد والوعيد في تعاملاتها معهم، في المقابل يشعر العامل بالقهر، عاجز عن الفعل، فالجوع من خلفه في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، والقمع والسجن من أمامه”.
تقول إحدى العاملات في شركة سمنود: “أعمل في الشركة من سن 14 عامًا، عملت بالتزامن مع مراحلي التعليمية، لذا قضيت أغلب حياتي داخل المصنع، ورغم ذلك لا يتجاوز راتبي ثلاثة آلاف جنيه في العام الأخير. أغلب أزواجنا ليس لهم دخل ثابت، وإن حدثت تصفية أو بيع فسوف أتشرد وأسرتي، وإن التزمنا الصمت على الأوضاع المتدهورة وحقوقنا المنهوبة سنموت جوعًا، إذ أن الرواتب لا تكفي في ظل ارتفاع متتالي للأسعار”. مشيرة إلى أنهم طالبوا بتطبيق القانون والقرار الرئاسي الخاص بالحد الأدنى للأجور، لكن الإدارة لم تستجب سوى للإداريين والمشرفين فقط؛ أما العمال فلم يحصلوا على أية زيادة في الرواتب. |
فشل إداري
“يُعد قطاع الغزل والنسيج من أهم القطاعات الصناعية التي تُسهم بدور بارز في الاقتصاد القومي المصري، نظراً لما تتمتع به مصر في هذه الصناعة من ميزة نسبية كبيرة، وشهرتها العالمية في المادة الخام (القطن) ذات الجودة العالية”.
الفقرة السابقة من الصفحة الرسمية لوزارة الاستثمار، والمعنونة بـ “استكشف الفرص الاستثمارية في جميع أنحاء مصر”. الصفحة في مقدمتها أيضًا تشرح سعي مصر الحثيث لاستعادة ريادتها لقطاع الصناعات النسيجية عبر الاستغلال الأمثل للمقومات التي تمتلكها الدولة في هذا المجال، التي منها العامل نفسه.
لـ مصر تاريخ ضخم ومهم في صناعة المنسوجات بدأ منذ فجر التاريخ، وحديثًا أولى العصر الناصري اهتمامًا خاصًا لتلك الصناعة، ومع الانفتاح وقدوم العصر الساداتي، ظهر قانون قطاع الأعمال الذي تعتبره الحركة العمالية، “أصل كل الشرور”، إذ فتح الباب بشكل أساسي لـ خصخصة الشركات بحجة الخسارة. شيئًا فشيئًا توقفت الدولة عن دعم الصناعة وضخ الاستثمارات فيها، حتى جاء يوسف غالي في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، معلنًا حرب الخصخصة – التي رغم كل مساوئها لم تنجح ببيع سوى مصنعين-، نتيجة نضال عمالي لم يتوقف، توج في عام 2008، بإضراب المحلة الشهير، بالتوازي مع تدهور ملحوظ في مجال زراعة القطن الأشهر عالميًا (القطن المصري طويل التيلة).
بحسب أغلب الخبراء الذين تحدثنا معهم، كانت مصر تمتلك سمعة متميزة بالنسبة لصادراتها من الملابس والمفروشات القطنية، ومع ذلك طالما تذرعت الإدارات المختلفة، وحتى الحكومات بالعمال، وألقت عليهم أسباب فشلها بل وحرضت ضدهم، وهو ما توافقت عليه الحقوقية عزة سليمان.
“سليمان” لفتت إلى خطاب رئيس الجمهورية نفسه الذي يعلن رفع الحد الأدنى، بينما يحرض على العمال، ويحملهم نتيجة فشل تلك القطاعات.
حول الفشل الذريع للدولة في تجربة وبريات سمنود، يروي لنا كمال عباس تجربته الشخصية في محاولة تشغيل ماكينة الجينز التي لا يوجد لها مثيل على مستوى الجمهورية سوى نسخة واحدة، ويقول: “حاولنا إصلاح تلك الماكينة في فترة تولى فخري عبد النور وزارة الصناعة، وتولت لجنة التطوير في الوزارة الملف وكان المبلغ المطلوب متوفر بالفعل، ولكن البيروقراطية الحكومية لم تنتهي من تلك الخطوة (للمفارقة لازالت تلك الماكينة خارج الخدمة حتى كتابة تلك السطور)”.
بحسب “عباس” فإن “البنطلون الجينز” يستحوذ على أغلب صادرات مصر في قطاع الملابس الجاهزة، وصل في عام 2017 إلى 80 % منها، كما نعتمد على استيراد تلك الخامة بمبالغ طائلة، التي يمكن توفير جزء كبير منها في حال تم إصلاح الماكينة المعطلة.
قصة ماكينة الجينز المتعطلة عن العمل منذ العام 2002، أو حتى أزمتهم الأخيرة لم يكونا الحدثين الوحيدين بها، إذ أن لإدارة الشركة تاريخ طويل من التعنت ومحاولات تصفية العمال عبر المعاش المبكر، حتى أن عددهم الذي كان يبلغ 1300 عامل من عشر سنوات، أصبح 550 عامل الآن.
تعد وبريات سمنود من الشركات المساهمة التي كان لغزل المحلة اليد العليا فيها، وكان المسؤول عن المصنع لابد أن يكون مهندسًا، إلا أنها باعت حصتها لبنك الاستثمار القومي الحكومي أيضًا، الذي تعد أموال التأمينات هي الممول الرئيسي له، وأصبح المسؤول الداخلي يعمل بوظيفة مصرفي تابع للبنك، ما يجعل التفاهم حول التطوير ومشاكل العمال بعيدة كل البعد عن خبراته الأساسية – حسب كمال عباس-، ويكون المسؤول السياسي عنه وزارة التخطيط و وزيرتها، وهي أيضًا الرئيسة للمجلس الأعلى للأجور.
في مسالة الأجور تتسم وبريات سمنود بتدني أجورها، ورفض المساهمين فيه تطويرها، رغم الخسائر التي يدعونها، وفي محاولات الإفلات من الحد الأدنى قام مجلس إدارتها بتقديم طلب عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور إلى اللجنة المختصة في المجلس الأعلى للأجور، لكنها لم تبت في تلك المسألة بعد. ومن الجدير بالذكر أن قانون الحد الأدنى للأجور فتح بابًا لأصحاب الأعمال بتعطيله عبر تقديم ما يفيد بتعثر المنشأة، وعجزها عن سداد الأجور. في حين أن الحوافز الاستثنائية وبحسب العمال/ العاملات قد تراوحت ما بين 20 إلى 60 جنيهًا فقط حتى اللحظة.
في شأن التطوير ينتقد النائب أحمد بلال ما يدعيه إداري المصنع من خسائر، معلقًا: “لا يليق بكل هؤلاء المسؤولون التهرب من تطبيق الحد الأدنى للأجور، حتى على اعتبار أن الشركة تنتمي للقطاع الخاص، فمُلاكها جميعا هم جهات حكومية”.
يعتبر “بلال” أن عدم النجاح في تشغيل المصنع بكفاءة مسؤولية الإدارة وليس العمال. مقترحًا استرجاع غزل المحلة لـ المصنع وتشغيله، وإدخاله تحت مظلة التطوير المزمعة لمجموعة مصانعها، بدلا عن التعامل معه كـ “أصل” بلغة البنوك التي يمكن التربح منه عبر بيعه.
وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية تحت التأسيس، إلهام عيداروس، تحدثنا عن المصنع. تقول: “عمال سمنود أزمة الحركة العمالية منذ عشر سنوات، حيث تجسد كل المشاكل الاقتصادية، والسياسية بما فيها سوء الإدارة التي سادت الحالة العامة في مصر. كما يحيط بمستقبل الشركة حالة من الغموض، فالقانون يُوجب على إدارة المصنع إبلاغ العمال بنقل ملكيته، أو دخول مستثمر جديد، وكذلك وضع شروط من شأنها حماية حقوق العمال، إلا أن الإدارة تركت الأمر للإشاعات، ولم تهتم بمآل العمال”.
“عملت في المصنع مدة 30 عامًا، مريضة، وسني تجاوز الـ50. التأمينات أوقفت صرف أدويتي وأخبروني أن الشركة لم تطبق الحد الأدنى للأجور، ولجأت للإدارة للشكوى، لكنهم رفضوا مساعدتي وسخروا مني. كما أن نائبة الدائرة في البرلمان تهددنا دومًا بالفصل، وتبلغنا بأنها سوف تغلق مصنع الملابس لأن العاملات تمتنعن عن العمل”.
شهادة إحدى عاملات سمنود |
أزمة تشريعية
رغم صدور قانون تنظيم النقابات عام 2017، لكن خلال العامين الماضيين تعنتت الدولة ممثلة في وزارة العمل، في السماح لتلك التنظيمات بالوجود، كما أن قانون العمل لازال حبيس الأدراج، ما يجعل أي احتجاج للعمال خارج الأطر القانونية.
بحسب الخبير العمالي كمال عباس: “كان لـ عمال سمنود نقابتهم، والتي كانت تابعة للنقابة العامة للغزل والنسيج، ولكن مع خروج أغلب القيادات إلى المعاش المبكر مضطرين بعد ضغط من الشركة، غابت النقابة تمامًا”، وبحسب العمال، فقد حاولوا إنشاء نقابة جديدة ولكن عرقلت الوزراة تلك الخطوة. كما أنه تم استقطاع اشتراك النقابة من رواتبهم رغم توقفها منذ نحو خمس سنوات.
“وجود تنظيم عمالي ضرورة لا يمكن التغاضي عنها” في رأي إلهام عيداروس، حيث أنها الطرف المفاوض على حقوقهم، كذلك يمكنها تفنيد مزاعم الإدارة عن الخسائر المتتالية للشركة حيث يكفل لها القانون الاطلاع على حسابات الشركة، أو حتى العلم بتفاصيل البيع المزمع، والعمل على الدفاع عن مصالح العمال.
في قانون العمل أيضًا، يلفت كمال عباس إلى مشاكل مادة الإضراب التي لا تُجرمه على إطلاقه، ولكن تضع له شروطًا تجعل من تنفيذه مستحيلًا، مما يعرض العمال للمساءلة القانونية طوال الوقت.
وبحسب القانون “يجب إخطار كل من صاحب العمل والجهة الإداريَّة المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل، وذلك بكتاب مُسجل بعلم الوصول، كما يتعين أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب، والمدة الزمنية المحددة له، وذلك وفقًا للمادة 192 من القانون”.
تتفق إلهام عيداروس مع كمال عباس، تقول :”لم ينجح إضرابًا واحدًا في تاريخ مصر في الالتزام بشروط الإضراب سوى مرة واحدة، حيث قيد القانون نفسه هذا الحق”، لافتة إلى أن الخروج عن هذا القانون لا يعني سجن العمال، ولكن عرض أوامر بفصلهم على المحكمة، بشكل لا يضطره إلى دفع أي تعويضات.
ويشير “عباس” إلى أن العمال في العالم يلجأون للإضراب بعد فشل المفاوضات، في حين يبدأ العمال المصريين به حيث لا تبادر الجهات المسؤولة إلى الاستماع إليهم، أو محاولة التفاوض معهم إلا بعد لجوئهم إليه.
أزمة تشريعية – قانونية، كلمة السر التي يرجع لها النائب أحمد بلال أزمة عمال سمنود، التي – حسب وصفه- لن تكون الأولى أو الأخيرة، إذ يعتبر أن إقرار قانون عمل، يتلافى مشاكل القانون الحالي من شأنه الخروج من الأزمات المتتالية للعمال، كذلك مواد قانون الحد الأدنى للأجور التي تمنح الفرصة للشركات للتهرب من التزامها بالتطبيق عبر ثغرة التعثر.
يعيب النائب البرلماني على المجلس الأعلى للأجور كونه لم ينعقد للبت في حالة عمال سمنود في ذريعة التعثر التي قدمتها لهم الإدارة، واعتبر أن المجلس وافق بالصمت على انتهاك حقوقهم.
وكان بلال التقى وفدًا من العمال، ووعد بمحاولة حل الأزمة، عبر تقديم سؤال برلماني للوزراء المنوط بهم حل الأزمة، وكذلك تكثيف الاتصالات بالمسؤولين لبدء التفاوض مع العمال، وكذلك الإفراج عن المعتقلين منهم.
في المقابل، هددت نائبة الدائرة عن حزب الوفد، ليلى إسماعيل، العمال، بالبيع والتصفية خصوصًا مصنع الملابس الذي يضم 320 سيدة – بحسب شهود العيان-، وربطت في فيديو مصور، فك الإضراب، بالإفراج عن العمال المعتقلين. وعندما اشتكت لها إحدى العاملات أنها لا تستطيع الذهاب إلى المنزل لأنها لا تملك المال الكافي لإطعام أولادها الصغار، ردت النائبة بسخرية “اعملي كشري”. فيما قالت العاملات لنا تعليقًا على حديث النائبة لهم إنها هددتهم أنه في حال استمرار الإضراب عن العمل سوف يلقي القبض على عدد مماثل للعمال/ العاملات قيد الاعتقال حاليًا.
بدورها، تساءلت وكيلة العيش والحرية إلهام عيداروس، عن السلطة التشريعية، ودورها في تمثيل المواطنين، بعد موقف النائبة البرلمانية. تقول عيداروس: “نائبة عن الشعب اختارت أن تنحاز لأصحاب العمل، على حساب العمال بهذا الشكل، والتحريض عليهم، وانتهاك حقوقهم المدنية، في مشهد يتم بثه علنًا دون خجل”.
حاولت زاوية ثالثة اليوم خلال زيارة ميدانية للمصنع لقاء العضو المفوض، عبد الحليم النجار، إلا أنه وجه أحد أفراد الأمن لإبلاغنا بضرورة الحصول على تصريح من الأمن الوطني قبل مقابلته، ثم غادر الموقع من الباب الخلفي. وفي الوقت نفسه، منعنا أمن المصنع من مقابلة العاملات داخل المنشأة، لكننا انتظرنا حتى انتهاء دوامهن وتمكنا من مناقشة أوضاعهن عند خروجهن.
وحسب منشور إداري حصلت زاوية ثالثة على نسخة منه، فقد اجتمع مجلس إدارة الشركة يوم الخميس الماضي، لاستعراض ملف توقف العمال عن العمل منذ يوم 18 أغسطس الجاري، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور. تقول الإدارة في منشورها إنها تواصلت بالفعل مع العمال/ العاملات منذ يوم الإضراب الأول، وأخبرتهم نيتها في صرف حوافز للعاملين من الإيرادات الناتجة عن تنفيذ التعاقدات مع العملاء بشرط إنهاء التوقف عن العمل، خاصة بعد حدوث أضرار تمثلت في سحب بعض العملاء أوامر تشغيل في قسمي الملابس والنسيج؛ ما أحدث عجزًا في الإيرادات.
وأكد مجلس الإدارة اعتماده خطة تطوير للأقسام الإنتاجية بالشركة وإعادة النظر في هيكلة الأجور، مع السعي لتحقيق مصلحة العاملين والاستجابة لمطالبهم من خلال الإيرادات الناتجة عن التشغيل، كما أنهم ينتظرون قرار اللجنة المختصة في المجلس الأعلى للأجور فيما يخص طلب الاستثناء من تطبيق الحد الأدنى للأجور، وسيلتزمون بما يؤول إليه قرار اللجنة. وأخيرًا: “فور عودة الأقسام الإنتاجية والخدمية للعمل، سوف تقوم الإدارة بصرف حافز استثنائي قيمته 200 جنيه للعاملين بالأقسام الإنتاجية المتمثلة في قسمي الملابس والنسيج والأقسام المرتبطة بهما، وحافز قيمته 100 جنيه للعاملين في الأقسام الخدمية”.
الملاحظ أن المنشور لم يتطرق إلى العمال/ العاملات التسعة الذين ألقي القبض عليهم، وقد علمنا من محامين على صلة بالقضية أنه سوف يتم عمل أمر استئناف على قرار الحبس، اليوم.
يذكر أنه ومنذ عامين، وحسب شهادات العمال/ العاملات الذين تحدثوا معنا، فإن إدارة الشركة حاولت إقناع العمال (نحو 180 عامل/ عاملة) على توقيع أوراق المعاش المبكر، لكن العمال تفاجئوا أنهم تعرضوا للخديعة، إذ وقعوا على استقالات بدلًا عن إجراءات المعاش المبكر، وظلوا خمسة أشهر دون أن يتقاضوا رواتبهم. واصفين أن للشركة تاريخ طويل من الإضرابات وسوء معاملة العمال.
وكانت الشركة قد تأسست في عام 1974 بمحافظة الغربية، واتبعت منذ نشأتها شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة، إذ تسهم بنسبة 22% من رأس مالها.
يزيد المشهد سوءًا غياب اتحاد العمال الرسمي الموالي للسلطة والذي لم يسمع عن أي موقف له في صالح العمال منذ سنوات، بحسب مدير دار الخدمات النقابية والعمالية، كمال عباس. ويضاف إلى الوضع أن محاولات عمال الشركة إنشاء نقابتهم الخاصة التي يفاوضون بها الإدارة باءت بالفشل، رغم إقرار قانون النقابات هذا الحق. وبحسب العمال، تشترك أغلب الإدارات في الإهمال المتعمد الذي ربما يتسبب في القضاء على الصناعة بأكملها، ومحاصرة العمال وتشريدهم. في حين تقول العاملات في حديثها اليوم لزاوية ثالثة إنهم يخشون من المستثمر الخاص وإدارته، مشيرين إلى أن الوضع مبهم بالنسبة لهن، مطالبين بعدم تغيير القوانين واللوائح في حال تم بيع الشركة لمستثمر خارجي، مع مراعاة كافة حقوقهن.