مصر: تكلم حتى نسجن أقاربك

اعتقال الوالد عقابًا على نشاط ابنته قد يكون حدثًا مُربكًا وصاعقًا لمن يقرأ  لمن يقرأ هذا الكلمات من خارج الحدود المصرية، لكن في الداخل المصري السلطات الأمنية المصري تفعل أشياء لا تُصدق، هذا شائع، اعتقالات الأهالي عقابًا على نشاط الأبناء في الخارج حدثًا شائعًا ومتكرر بشكل في فج منذ 2013 بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم البلاد.

بالعودة إلى الوراء وفي عام 2015، لفتت شابة مصرية الأنظار بعد هتافاتها العالية ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين، كانت موفدة من من إحدى الإذاعات الألمانية المحلية لتغطية المؤتمر. إنها فجر العادلي التي قالت: “لو لم أصرخ لما سمع أحد صوتي”.

لم تردّ السلطات المصرية ولا أجهزتها الأمنية على تلك الواقعة إلا بعد نحو 7 أعوام، كان رد انتقامي، حيث ألقت سلطات مطار القاهرة الدولي القبض على المواطن علاء الدين سعد محمد العادلي، 59 عامًا، والمقيم بصفة دائمة في ألمانيا، ووالد الناشطة السياسية فجر العادلي، أثناء وصوله مساء يوم 18 أغسطس الماضي. 

العادلي كان قادمًا على رحلة مصر للطيران من مدينة فرنكفورت الألمانية، في زيارة عائلية إلى أسرته بمصر، وجرى التحقيق معه من قبل الأمن الوطني، قبل أن يتم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس، باتهامات تتعلق بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة محظورة. ومع ذلك، لم تمس السلطات المصرية فجر العادلي ذاتها عندما عادت إلى القاهرة لتساند والدها، فيما يبدو خوفًا من الاصطدام الدبلوماسي بالحكومة الألمانية، حيث أن فجر العادلي تحمل الجنسية الألمانية.
يقول محامي وعضو هيئة الدفاع عن العادلي أن “الاتهامات الموجهة إلى علاء العادلي هي اتهامات مفبركة توجهها النيابة دائمًا لمن لا يجدوا له إي اتهام لهم” وأضاف “عندما ترى هذه الاتهامات في أي قضية فيجب أن تدرك أن المتهم لم يرتكب جريمة، لكن هناك جهة ما تريد الانتقام منه”. 

في يوم الثلاثاء 29 أغسطس، عُقدت جلسة محاكمة أولى لعلاء العادلي أمام نيابة أمن الدولة التي أمرات باستمرار احتجازه 15 يومًا على ذمة التحقيق. تقول فجر العادلي أنها لا تنمتي إلى الاخوان وأنها عضوة في منظمة شبيبة الحزب الاشتراكي الديمقراطي وتعتقد أن اعتقال والدها هو عمل انتقامي ضد نشاطها في الخارج.

اعتقال الوالد عقابًا على نشاط ابنته قد يكون حدثًا مُربكًا لمن لم يتطلع على الشأن المصري من قبل، لكن السلطات الأمنية المصرية تفعل أشياء لا تُصدق، عقاب المعارضين باعتقال أهاليهم هو حدث يتكرر بشكل شائع منذ 2013 بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم البلاد.

جمال عبد الحميد زيادة هو والد الصحفي والمدافع الحقوقي ورئيس تحرير منصة “زاوية ثالثة” المستقلة أحمد جمال زيادة. قد انطلقت المنصة مؤخرًا بهدف خلق مساحة للصحافة الاستقصائية والتحليلية في مصر، ولتركيز الضوء على قضايا حقوق الإنسان والسياسة، كما أن المنصة كانت في حالة استعداد لتغطية الانتخابات الرئاسية تغطية عميقة وعلى أرض الواقع. 

في 22 أغسطس 2023، أوقفت قوات الأمن  جمال عبد الحميد زيادة عقب نشر ابنه مواضيعًا تتعلق بحقوق الإنسان، وجدية الحوار الوطني، ومخاوف من الانتخابات الرئاسية القادمة. قامت قوات الأمن بالتحقق من بطاقة الهوية الوطنية لجمال زيادة واحتجزته في مكان غير معلن. سأله ضباط الأمن الوطني عن ابنه أحمد جمال زيادة، وعلاقته بمنظمات حقوق الإنسان، وأنشطته الصحفية. تحفظوا على بطاقة الهوية وهاتفه المحمول. في اليوم التالي، ظهر زيادة أمام نيابة أمن الدولة، متهمًا بنشر أخبار كاذبة، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والانتماء إلى جماعة إثارية. على الرغم من أن جمال زيادة لم يكن نشطًا بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يدير حسابًا على فيسبوك لأغراض ترويجية تتعلق بورشة عمله للملابس. وعلى الرغم من عدم مشاركته في أي أنشطة سياسية، تم احتجازه في القضية رقم 2064/2023 وأمر حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق، وترحيله إلى سجن العاشر من رمضان بالقاهرة.

أحمد جمال زيادة، البالغ من العمر 34 عامًا، صحفي استقصائي وباحث ومدافع عن حقوق الإنسان ورئيس تحرير المنصة التي تقرأونها الآن، تم اعتقاله سابقًا في عامي 2013 و2019، الأولى تتعلق بعمله الصحفي والثانية بسبب تقرير نشره حول سجون السجناء والمعتقلين مع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. لقد عمل مع منصات مثل “مدى مصر”، و”رصيف 22″، و”درج”، و”ميدل إيست آي”. عمل أيضًا كباحث في مجال حقوق الإنسان مع منظمات مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومركز النديم لضحايا العنف والتعذيب، ومركز عدالة للحقوق والحريات. في ديسمبر 2019، سافر زيادة إلى بلجيكا لمدة ثلاثة أشهر للمشاركة في برنامج زمالة مع “يوروميد رايتس” بهدف المناصرة الى حقوق الإنسان وحرية الصحافة، والتفاعل مع منظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان، في مطار القاهرة الدولي في طريقه إلى بلجيكا، تم إيقافه واستجوابه من قبل ضباط الأمن الوطني، وتم مصادرة ممتلكاته وكاد أن يواجه نفس المصير الذي واجهه في يناير 2019. لحسن الحظ، تم إعادة ممتلكاته إليه بعد ما يقرب من 90 دقيقة وتم الإفراج عنه. قرر البقاء لفترة أطول في بلجيكا لمتابعة دراسته الأكاديمية وحصل على ماجستير العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة بروكسل الحرة.

في حالة أخرى أكثر فجاجة، اعتقلت قوات الأمن 12 فردًا من أفراد عائلة النائب السابق أحمد طنطاوي في إبريل من هذا العام. أفاد تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش بأن هذه الاعتقالات يبدو أنها تعتمد فقط على علاقة الأفراد بـ طنطاوي. قال عمرو مجدي، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “اعتقال أقارب وأنصار أحمد طنطاوي يُبيّن أن حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي مصممة على قمع المعارضة السلمية واعتبار أن جميع المنتقدين يشكلون تهديدا. هذه الانتهاكات تُشكل تعديا على حقوق المستهدَفين وتقلّص بشدة من فرص إرساء الحقوق الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد لعدة سنوات قادمة”.

قال محامون لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات اعتقلت عم طنطاوي وخاله من منزليهما في مدينة كفر الشيخ، شمال القاهرة، في 2 و3 مايو/أيار. قال المحامون إن قوات الأمن اعتقلت أيضا عشرة رجال على الأقل اعتُبروا من مؤيدين لطنطاوي أو أصدقاءه. أمرت النيابة العامة باحتجاز الـ 12 شخصا 15 يوما على ذمة التحقيق بتهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، ووجهت لبعضهم تهم إضافية كتمويل تلك المجموعة، و”حيازة منشورات تُقوّض الأمن العام”، وحيازة ألعاب نارية أو متفجرات أو أسلحة نارية، وأفرجت عنهم السلطات مؤخرًا.

وأحمد طنطاوي هو مرشح رئاسي محتمل و سياسي مصري وعضو مجلس النواب المصري السابق وأحد أعضاء “تكتل 25/30” البرلماني الذي شارك في حراك 30 يونيو 2013، للإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. يمكنك معرفة المزيد عنه من هنا.

في سبتمبر/ أيلول 2020 أعلنت السلطات المصرية وفاة السجين عمرو أبوخليل  استشاري الطب النفسي.. مواليد 19 سبتمبر 1962، اللافت للنظر في هذه القضية أن المتوفي في السجن هو شقيق الإعلامي المصري هيثم أبو خليل، وهو إعلامي يعارض النظام المصري بشدة وأحد مؤيدي الرئيس الراحل محمد مرسي. كان أبو خليل قد اعتقل قبل نحو عام من وفاته ومنعت عنه الزيارة بالكامل وقد أصيب في محبسه بفيروس كورونا ورفضت السلطات الإفراج عنه.

كانت 7 منظمات حقوقية استنكرت في بيان جماعي بعنوان “الإجراءات التعسفية الأخيرة تؤكد غياب أي نية لتحسين حالة حقوق الإنسان أو الإفراج عن كل السجناء السياسيين”  استهداف السلطات المصرية لعائلة الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان أحمد جمال زيادة؛ والقبض على والده، جمال عبد الحميد زيادة -58 عامًا، وقرار النيابة بحبسه 15 يومًا. وطالب المنظمات بسرعة إطلاق سراحه والتوقف عن ملاحقة أقارب وعائلات الصحفيين والحقوقيين المعارضين المقيمين بالخارج. وتعتبر المنظمات أن هذه الواقعة تعكس منهج مكرر لدى السلطات المصرية في التنكيل بمعارضيها من خلال اعتقال ذويهم وأسرهم تعسفيًا. الأمر الذي يبرهن على غياب أي نية حقيقية لدى السلطات المصرية لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، والإفراج عن كل السجناء السياسيين، ويؤكد عدم جدوى الحوار الوطني الذي انطلق في مايو الماضي. كما حملت المنظمات الموقعة السلطات المصرية المسئولية الكاملة عن صحة وسلامة جمال زيادة الذي يعاني عدة أمراض من بينها ارتفاع ضغط الدم واضطراب الغدة الدرقية؛ لا سيما في ضوء التقارير الحقوقية التي تؤكد تردي أوضاع الاحتجاز في السجون المصرية.

وأضافت المنظمات أن “واقعة زيادة لم تكن الأولى التي تستهدف فيها السلطات المصرية عائلات الحقوقيين والصحفين المعارضين المقيمين بالخارج، ففي وقت سابق استهدفت السلطات المصرية عائلة الحقوقي محمد سلطان مؤسس منظمة مبادرة الحرية بسبب عمله الحقوقي. وفي مايو الماضي استهدفت السلطات المصرية أقارب السياسي والمرشح المرتقب لرئاسة الجمهورية أحمد الطنطاوي عقب إعلان نيته الترشح لرئاسة الجمهورية. هذا بالإضافة إلى آخرين استهدفتهم السلطات المصرية كورقة ضغط وترهيب على ذويهم المقيمين بالخارج، لإجبارهم على وقف أنشطتهم المطالبة بالديمقراطية وتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر”.

وأطلقت مصر حوارًا سياسيًا وطنيا قالت السلطات إنه يهدف إلى وضع خطط لمستقبل البلاد. يهدف الحوار، الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل 2022 إلى الخروج بتوصيات إصلاحية سياسية واقتصادية واجتماعية. كما يُركز الحوار الوطني بشكل كبير على قضايا حقوق الإنسان لمواجهة الانتقادات الموجهة إلى سجل مصر السيء في هذا المجال. ويشمل الحوار الوطني لجانًا لحقوق الإنسان منها لجنة عفو رئاسية تدرس آلاف الطلبات للإفراج عن بعض المسجونين في ظل حكم السيسي.

وقال السيسي في رسالة مسجلة إلى الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني: “أحثكم على بذل جهد كبير لإنجاح تجربة الحوار الوطني”.

Search