قرب شاطئ الأنفوشي بمنطقة بحري في محافظة الإسكندرية، تقبع عشرات الورش لتصنيع السفن والقوارب واليخوت (بدأت في عملها منذ أن أنشأ محمد علي باشا مجمعًا لبناء السفن في تلك المنطقة)، ومن بينها ورشة “فرج عامر وأولاده” الذين توارثوا الحرفة جيلًا بعد جيل؛ لكن خلال السنوات الأخيرة عصف بـ حرفتهم الارتفاع القياسي لأسعار خامات التصنيع، إثر خفض قيمة الجنيه المصري لخمس مرات منذ العام 2016، وزيادة نسبة التضخم إلى 33.7٪؛ لينخفض الإنتاج بشكل ملحوظ، ويسود ركود في السوق المحلي لصناعة السفن والقوارب واليخوت؛ ما أجبر الكثير من أصحاب الورش على غلق أبوابها وتسريح العمالة، وانعكس ذلك بالسلب على صادرات القطاع للخارج.
يحكي محمد فرج – يدير مع أشقائه ورشة والدهم بمنطقة الأنفوشي- في حديثه إلى زاوية ثالثة، يقول: “ارتفعت أسعار الخامات إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف خلال السنوات الأخيرة؛ فعلى سبيل المثال: ازداد سعر متر الخشب السويدي من 4500 جنيه بين 19- 20 ألف جنيه، والخشب الأخضر وصل سعره إلى نحو 2700 جنيه، بعدما كان المتر منه بـ 500 أو 600 جنيه، وازداد سعر كيلو المسامير من عشرة جنيهات إلى 70 جنيهًا، كما أن أسعار البضاعة أصبحت متغيرة بشكل يومي”.
وحسب “فرج” فقد تسبب ارتفاع أسعار الخامات في انخفاض إنتاج ورش تصنيع السفن والقوارب واليخوت إلى أكثر من النصف. ويتطلب تشغيل ورشة تصنيع السفن وجود سبعة عمال على الأقل ويتقاضى الواحد منهم أجرًا يوميًا يتراوح بين 130 إلى 150 جنيه”.
يكشف المُصّنع السكندري أن صعوبة الحصول على تراخيص الصيد دفع بالورش للتوقف عن تصنيع سفن وقوارب، والاكتفاء بـ تجديد وإحلال القديم منها، بجانب تصنيع السفن واليخوت السياحية التي تشمل: (السفاري، النزهة، السياحة)، وتقوم ورشتهم بتصنيع اليخوت السياحية الخشبية التي يبدأ طولها من 16 مترًا، إضافة إلى اليخوت الحديدية التي يصل طولها إلى 30 مترًا، لافتًا إلى أن أسعار الحديد التي تضاعفت بشكل ملحوظ، جعلت كثير من الورش تتوقف عن تصنيع السفن واليخوت الحديدية وتكتفي باستخدام الأخشاب، مضيفًا أن أصحاب الورش المصنعة هم من يصدرون شهادة الإنشاء الخاصة بالسفينة أو اليخت ويخوضون إجراءات إصدار التراخيص السياحية، في حين لا يتم إصدار رخص لسفن الصيد ويبيع البعض رخصة مَركبه بسعر يصل إلى نصف مليون جنيه مصري.
وفقًا لقانون حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، رقم 146 لسنة 2021، يجب الحصول على موافقة جهاز حماية البحيرات والثروة السمكية، على معالم ومقاسات المركب المخصص للصيد أو عند تغييرها، وفقًا للضوابط والمعايير التى تحددها اللائحة التنفيذية، ويحظر استخراج ترخيص مركب الصيد أو تجديده إلا بعد التأكد من تركيب جهاز تتبع بالمركب. تكون رسوم تراخيص الصيد وفقًا للمادة 47، وتجديدها طبقًا للفئات المختلفة بحد أقصى خمسة آلاف جنيه، وبموجب هذا القانون يحظر تشغيل أي مركب برخصة مركب آخر وعدم التنازل عن الرخصة إلا بموافقة جهاز حماية البحيرات والثروة السمكية، ويجوز استعمال الرخصة حال فقد المركب أو توقفه خلال خمس سنوات لمركب آخر.
يشير “فرج” إلى أنهم يحتاجون لـ استيراد المحركات المحركات اللازمة لتشغيل السفن واليخوت، والتي لا يتم إنتاجها محليًا، لكن أسعارها قفزت بشكل جنوني؛ إذ يتراوح سعر الموتور البحري بين مليون ونصف إلى مليوني جنيه مصري، مضيفًا: “أصبحنا مضطرين لاستعمال محركات برية، حيث يبلغ سعر المحرك البري سعة 600 حصان، نحو نصف مليون جنيه؛ ما انعكس على التكلفة الإجمالية للسفن؛ إذ تصل تكلفة صناعة اليخت الذي يبلغ طوله 20 مترًا، إلى نحو مليوني جنيه، وتتراوح فترة تصنيع اليخت السياحي الكبير بين عام وعام ونصف، بحسب توفر الموارد المالية للعميل الذي يتم التصنيع لصالحه؛ فأغلقت الكثير من الورش بالأنفوشي، وأصبحت معظمها تعاني الركود ولا تعمل معظم الوقت، فلا تجد سوى ورشة أو اثنتين فقط بمجمع السفن تمارس عملها”.
وعلى مدار سنوات، اعتادت ورش تصنيع السفن في الأنفوشي، ومنها ورشة “فرج عامر وأولاده”، تصدير حصة كبيرة من إنتاجها إلى دول عربية وأجنبية أبرزها: ليبيا والأردن وتركيا؛ لكن تراجع إنتاجها بسبب ارتفاع أسعار الخامات انعكس بدوره على انخفاض الصادرات. ووفقًا لـ سكان محليين بمدينة الإسكندرية، تحدثت معهم زاوية ثالثة؛ فقد تعرضت مجموعة من ورش تصنيع السفن التي كانت موجودة منذ القدم على شاطئ الأنفوشي للإغلاق، وأقيم محلها عدد من النوادي.
وفي العام 2021 كان عدد ورش تصنيع السفن والقوارب واليخوت في محافظة الإسكندرية يقارب الـ65 ورشة، يقع معظمها في شاطئ الأنفوشي والجزء الآخر قرب قلعة قايتباي، ولكن انخفض الآن عددها لقرابة النصف.
التطوير يعصف بالورش
على النقيض من ورش الأنفوشي التي تعاني من ركود وانخفاض الإنتاج، فإن نظيرتها في مدينة رشيد – الواقعة إداريًا ضمن محافظة البحيرة في دلتا مصر- تعمل على قدم وساق كخلية نحل، في تصنيع السفن واليخوت السياحية، لحساب عملاء يقومون بتشغيلها في قطاع السياحة بمحافظتي الغردقة وشرم الشيخ؛ إذ يخصص معظم إنتاج تلك الورش للسوق المحلية؛ إلاّ أن عقبات أخرى تواجهها وتكاد تعصف بها، وعلى رأسها غياب التراخيص، ونقص الطاقة الكهربائية وانقطاعها.
تحدثت زاوية ثالثة إلى حسين عادل (اسم مستعار)، ويدير مع إخوته وأبناء عمومته ورشة أبيهم وعمهم، لتصنيع السفن في رشيد. يعود تاريخ إنشاءها إلى 30 عامًا، وتوارث الأب والعم المهنة واسم الورشة من أبيهم الذي امتهن تصنيع السفن منذ خمسينات القرن الماضي.
يقول: “لدينا مشكلة أساسية تتمثل في كون جميع الورش الموجودة هنا في رشيد تعمل دون ترخيص، رغم كون بعضها عمره نحو 30 عامًا، وتقع الورش داخل خط التطوير؛ لذا تعرض عدد منها للإزالة خلال توسعة الكورنيش، على امتداد الطريق من بداية الكورنيش وحتى ميناء الصيد الجديد، ويرفض المجلس المحلي منحنا رخص للورش إلا بموافقة الإدارة العامة لحماية النيل، والتي لا توافق مطلقًا، وبالنسبة إلينا حاول أبي على مدار سنوات طويلة الحصول على رخصة؛ لكن دون جدوى”.
ومثل غيرها من ورش تصنيع وصيانة السفن واليخوت في مختلف محافظات مصر، فإن زيادة أسعار الخامات والمحركات وقطع الغيار، الناتجة عن خفض قيمة الجنيه أمام الدولار، أدت إلى خسائر كبيرة وتقليل هامش ربحها، إلاّ أن “عادل” يحكي إلى زاوية ثالثة كيف لجأ صُنّاع السفن في رشيد إلى القروض البنكية أو التشارك كمجموعات ليتمكنوا من تحمل تكاليف الإنتاج؛ لا سيما أن دورة تصنيع السفن تستمر من عام ونصف إلى عامين، إلاّ أن أرباحهم تناقصت كثيرًا عما كانت عليه قبل سنوات، رغم العمل المتواصل، لافتًا إلى أنهم كانوا يصنعون المراكب من “الأخشاب البلدي” ولا سيما أشجار التوت والكافور؛ لكن نقص الأخشاب في مصر، إضافة إلى عدم متانة القوارب واليخوت الخشبية مقارنة مع الحديدية – يجعلها ذلك عرضة للإصابات وبحاجة إلى صيانة أكثر-، أجبرهم على اللجوء لتصنيع السفن واليخوت الحديدية.
يضيف: “مشكلة كبيرة نعاني منها كأصحاب ورش في رشيد، تتمثل في ضعف قدرة التيار الكهربائي الذي يغطي المنطقة وعدم مواكبته لعدد الورش واحتياجاتها من الطاقة؛ إذ يتكرر انقطاع الكهرباء وتصل ضعيفة؛ ما يعطل الإنتاج، إضافة إلى ارتفاع القيمة الإيجارية للأراضي الأميرية وأراضي طرح النيل التابعة للمحافظة، المقام عليها الورش، من جنيه للمتر الواحد إلى 17 جنيه ونصف؛ ما أثار استياء أصحاب الورش، لكونها مقامة على مساحات كبيرة تصل إلى ألف متر للورشة الواحدة – يعني ذلك دفع 17 ألفًا و500 جنيه إيجار-، فاضطرت المحافظة لخفض الإيجار إلى عشرة جنيهات للمتر”، لافتًا إلى كون ورشهم تتعرض لملاحقة ضريبية و تضييقات من التأمينات لدفعهم للتأمين على العمالة الموسمية غير المنتظمة، رغم قيامهم بالتأمين على العمالة الأساسية؛ ما يكبدهم أعباءً مالية كبيرة.
سوق سوداء
معاناة أخرى يواجهها عمرو علي (اسم مستعار)، الذي يمتلك شركة لتصميم وصناعة اليخوت السياحية المصنوعة من ألياف الفايبر جلاس (الصوف الزجاجي) في مدينة الغردقة السياحية. إذ يواجه صعوبات مع جهاز التنمية الصناعية بسبب عدم منطقية بعض اشتراطاته المتعلقة بطرح الوحدات بالمجمعات في الأراضي الصناعية؛ فاشترط للحصول على وحدة أن يقدم المستثمر سجلًا صناعيًا، في حين يتقدم الكثير من المستثمرين، ومنهم “علي”؛ للحصول عليها بغرض استخراج سجل صناعي، مؤكدًا صعوبة استخراج السجل في محافظة الغردقة.
يشكو من عدم اهتمام المسؤولين الحكوميين بالجلوس مع أصحاب شركات صناعة السفن لمعرفة التحديات والمشكلات التي تواجههم، ولا يقدمون لهم تسهيلات، إلى جانب عدم وجود اتحاد أو جمعية تضم مصنعي المركبات البحرية.
وتحدد الهيئة العامة للتنمية الصناعية الشروط والمستندات اللازمة لاستخراج السجل الصناعي، بسند حيازة المنشأة، مستخرج حديث وساري من السجل التجاري، شهادة العضوية في الغرفة الصناعية، الملف الفني والبيئي أو موافقة بيئية سابقة، تقرير الوقاية من أخطار الحريق أو موافقة حماية مدنية سابقة، خطاب الحظر خارج المناطق الصناعية.
عقبة أخرى تواجهها الشركة التي يمتلكها “علي”، وغيرها من شركات صناعة السفن، تتمثل في اضطرارها لشراء رخص اليخوت والقوارب من السوق السوداء بأضعاف أسعارها الحقيقية، بسبب صعوبة الحصول على تراخيص الصيد ومنع الحكومة للرخصة السياحية من النوع الثالث والمخصصة لكل الشواطئ؛ ما ضاعف التكلفة الإجمالية للقوارب واليخوت وأثر على القدرة الشرائية للعملاء.
” نضطر للبحث عن مالك لديه رخصة يريد بيعها، ونشتري الواحدة بسعر يتراوح بين 300 ألف إلى 400 ألف، بدلاً عن سعرها الحقيقي البالغ نحو 20 ألف جنيه، لأن أول ما يسألني عنه العميل هو الرخصة وكيف سنحصل عليها، ثم يسألون عن كيفية الحصول على المحركات واستيرادها، ما يزيد سعر اليخت أو القارب بشكل كبير هو شراء الرخص والمحركات”.. يقول مالك الشركة في حديثه إلى زاوية ثالثة.
ويتحمل أصحاب شركات صناعة السفن تكلفة كبيرة شهريًا، كقيمة إيجارية، لترسو السفن أو القوارب واليخوت التي يقومون بتصنيعها، داخل مراسي خاصة أو حكومية، في مياه البحر، بأسعار متفاوتة، تصل تكلفتها شهريًا إلى 20 ألف جنيه لكل قارب أو يخت، وتصل إلى 600 ألف جنيه سنويًا في بعض المراسي، بحسب ما أفاد “علي”.
يضيف: “تصدر هيئة السلامة البحرية لشركات وورش صناعة السفن ، شهادة الإنشاء والتي تؤهلها للحصول على التراخيص، وكانت الرخص تنقسم إلى ثلاثة أنواع: “النزهة وهي رخصة خاصة، الركوبة بالأجر والتي يسمح بتأجيرها وهي غالية الثمن للغاية، ورخصة جميع الشواطئ”، وتم إلغاء النوع الثالث وأصبحت حركة القوارب واليخوت قاصرة على المحافظة التي تحمل رخصتها، ووصل التضييق لحد كون المركب الذي يحمل رخصة الغردقة لا يستطيع دخول مياه مدينة الجونة داخل الغردقة”.
وعلى مدار السنوات الأخيرة واجه المهندس الشاب موجات من ارتفاع أسعار الخامات والمحركات البحرية بشكل كبير من قبل الموردين قبيل كل تعويم حدث للجنيه المصري، ويضعون تسعيرة تفوق بكثير نسبة خفض قيمة الجنيه، كما عانى من صعوبة الإفراجات الجمركية واحتجاز المواد الخام المستوردة، في الميناء لعدة أشهر؛ ما يؤدي أحيانًا إلى تلفها؛ إذ لا تتجاوز صلاحية الألياف الزجاجية ستة أشهر، ويقوم بعض الموردين بإزالة تاريخ انتهاء صلاحيتها حال تلفها ووضع تاريخ آخر مزيف وبيعها للشركات والتي تخسر ثمنها وتضطر للتخلص منها.
يقول مالك شركة الغردقة: “الدولة تسهل لنا التصدير؛ لكن رداءة الخامات التي تصلنا تقلل من جودة الإنتاج، وعقبة التكلفة تحد من قدرتنا التنافسية وهامش الربح الخاص بنا، وفي النهاية قد أضطر كمستثمر في صناعة السفن إلى التوقف عن العمل لأن العملاء في مصر لا يقفون على أرضية ثابتة ولديهم مخاوف من التشغيل والتراخيص”.
فقدان القدرة التنافسية
في حين يمتلك سليمان محمد، شركة لتصنيع السفن والقوارب في المنطقة الحرة بمحافظة السويس، تخضع لقوانين الاستثمار الأجنبي، فإن تحديات من نوع مختلف تواجه شركته وغيرها من شركات صناعة وصيانة السفن بالمنطقة الحرة، مثل: توفير الدولار اللازم لدفع القيمة الإيجارية العالية لمصانعهم، وكون عملائهم داخل مصر يضطرون لدفع جمارك وكأنهم استوردوا السفن من الخارج؛ ما يجعل تكلفتها أعلى من تلك التي يتم تصنيعها في أي مكان آخر داخل مصر، لكن ما تشترك فيه تلك الشركات مع غيرها من شركات وورش صناعة السفن والقوارب واليخوت في مصر، هو ارتفاع أسعار الخامات من حديد وأخشاب وألياف فايبر جلاس إلى نحو 60٪، يتم استيرادها من الخارج، إضافة إلى ركود السوق المحلي وانخفاض الطلب على السفن واليخوت السياحية، نتيجة وجود قيود واشتراطات معينة لمنح تراخيصها في مدينتي شرم الشيخ والغردقة، إلى جانب القيمة الإيجارية للمراسي الخاصة والعامة داخل المياه التي تخضع إلى هيئة الموانئ البحرية، وتتفاوت من مكان لآخر وتختلف باختلاف الخدمات المقدمة، مشيرًا إلى مواجهة أصحاب شركات صناعة السفن صعوبة في تدبير الدولار اللازم للاستيراد ويضطرون للجوء إلى السوق السوداء، حتى تم التحرير الأخير لسعر الصرف والذي جعل البنك المركزي قادرًا على توفير احتياجات المستثمرين من الدولار بالسعر الرسمي.
وعلى مدار 17 عامًا، عملت الشركة التي يمتلكها “محمد” على تصنيع اليخوت والسفن الكبيرة التي يصل طولها إلى 50 مترًا، من الحديد وألياف الفايبر الجلاس، إضافة إلى صيانة اللانشات البحرية والسفن الكبيرة في أعالي البحار، وتعمل على تصدير السفن واليخوت السياحية إلى الأردن وإمارة دبي، وتصدير سفن الصيد إلى السعودية، إضافة إلى إنتاجها المخصص للسوق المحلي في مصر، وتضم الشركة عمالة تتراوح بين 25 إلى 35 عامل وفني ومهندس وتتراوح الأجور الشهرية للواحد منهم بين ستة آلاف إلى 12 ألف جنيه شهريًا، وتحتاج خلال 40٪ إلى 45٪ من مراحل إنتاجها إلى الطاقة الكهربائية – التي شهدت ارتفاعًا في الأسعار-، لكنه لا يضاهي حجم الارتفاع الكبير في أسعار الخامات والمحركات.
“معظم عملائنا يعملون في قطاع السياحة أو الصيد، وهؤلاء أصبحوا يعيدون التفكير في الشراء بسبب ارتفاع أسعار السفن واليخوت الناتج عن ارتفاع أسعار الخامات، رغم أننا نضع هامش ربح ضئيل، وفي أحيان قليلة يكون العميل مؤسسة أو شركة بترول لا تكترث كثيرًا بالتكلفة العالية”.. يقول محمد.
ويبين أن ارتفاع الأسعار تسبب في انخفاض نسبي للصادرات السفن المصرية، وأفقدها القدرة التنافسية في الأسواق العالمية مع نظيرتها التي تقوم بتصنيعها دول أخرى مثل الصين، حتى أن البعض داخل مصر أصبحوا يلجؤون إلى استيراد يخوت سياحية و لانشات بحرية مستعملة من الخارج، لأن التكلفة تكون أقل بكثير من تصنيعها داخل مصر.
ورغم التحديات التي تواجه قطاع صناعة السفن فإن مالك الشركة يرى أن الدولة في الوقت الحالي أصبح لديها اهتمام كبير بتصنيع وإنتاج السفن للنهوض بتلك الصناعة، وأدخلت للقطاع عملية تكسير السفن القديمة التي تجاوزت عمرها الافتراضي فلا يتم تجديد رخصتها ويتم إحلالها بأخرى جديدة، وتكسيرها وإعادة تدوير الحديد الخاص بها، واستخدام الصاج البحري والمحركات وبعض قطع الغيار مثل: “الرفاس” في صناعة سفن جديدة، بدلًا عن الاستيراد، لافتًا لكون هيئة التنمية الصناعية ضمت مؤخرًا صناعة السفن والتي لم يكن هناك اهتمام بها من السلطة، لكنه لا يعرف إذا كانت خطط الحكومة لتوطين صناعة السفن في مصر ستجعلها منافسًا لشركات القطاع الخاص والمنطقة الحرة، أم أنها ستعمل على النهوض بها.
رفع الفائدة وتوتر الملاحة
وفقاً لشعبة النقل الدولي واللوجستيات بالغرفة التجارية للقاهرة، فإن حجم سوق الخدمات اللوجستية في مصر، شاملة الحاويات المستوردة والسفن ورسوم النقل التي تدفعها الشركات، بلغ نحو 14.6 مليار دولار خلال العام ٢٠٢٤، متوقعة أن ترتفع السوق إلى 18 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي قدره 4.3 في المئة.
وتمثل صناعة النقل البحري حول العالم نحو 80% من التجارة العالمية، بحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء.
وفي تعليق منه على التحديات التي تواجه صناعة السفن في مصر، يؤكد الخبير الاقتصادي علي الإدريسي – أستاذ الاقتصاد المساعد بالأكاديمية العربية للنقل البحري، أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم في مدينة 6 أكتوبر-، أن تحرير سعر الصرف وخفض قيمة الجنيه أمام الدولار، أدى بالضرورة إلى ارتفاع تكلفة تصنيع السفن نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام بشكل كبير، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الاستثمار الذي يعتمد على الاقتراض والتمويل البنكي، نتيجة قيام البنك المركزي برفع الفائدة لأكثر من مرة خلال العام 2024؛ حيث تم رفعها في شهر فبراير إلى 2٪ ثم إلى 6٪ في مارس، ليصل إجمالي الزيادة إلى 8٪، مما يجعل تكلفة الإقراض والتمويل مرتفعة بشكل كبير.
ويشير “الإدريسي” في حديثه إلى زاوية ثالثة إلى أن التوترات السياسية واللوجستية التي تشهدها المنطقة أثرت بالسلب على النقل البحري وأدت لارتفاع تكاليفه؛ ما أثر على صناعة السفن، مؤكدًا أن انتعاش الملاحة الدولية يؤدي إلى زيادة الطلب على السفن، ويقل الطلب حال توترها.
ويرى أستاذ الاقتصاد ضرورة أن تعمل الدولة خلال الفترة المقبلة على تذليل كافة العقبات أمام صناعة السفن وتوفير البنية التحتية اللازمة لها وتعميق استخدام التكنولوجيا الحديثة في عملية التصنيع، وأن توفر الحكومة ضمانات وحوافز تتناسب مع حجم التحديات التي تواجهها هذه الصناعة.
وتأتي التحديات التي يواجهها قطاع صناعة السفن في مصر، في الوقت الذي تخطط فيه الحكومة إلى توطين صناعة بناء وإصلاح السفن، والصناعات المرتبطة بها واستعادة قوة الأسطول التجاري المصري لجعل مصر مركزا عالميا للتجارة واللوجستيات، بتوجيهات من عبد الفتاح السيسي، بحسب ما أفاد الفريق كامل الوزير – نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل-، في تصريحات إعلامية خلال فبراير الماضي.
وكان “الوزير” قد أعلن عن خطة لتصنيع السفن التجارية في مصر من خلال التعاون مع شركة ديسون الكورية الجنوبية وشركات عالمية، وتطوير ميناء بورتوفيق وترسانة السويس، بشراكة مع هيئة قناة السويس، وإنشاء مصنع لتصنيع المراكب، إنشاء مصنع لألواح الصلب فى مصر لتخدم صناعة السفن والمراكب، بدلًا عن استيرادها من الخارج.
وتختلف التحديات التي تواجه قطاع صناعة السفن باختلاف المحافظة التابعة لها الشركة أو الورشة، إلاّ أنها تشترك جميعًا في المعاناة الناجمة عن تداعيات الأزمة الاقتصادية، المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم الذي انعكس على التكلفة الإجمالية للتصنيع من ناحية والقدرة الشرائية للعملاء من ناحية أخرى؛ ما أدى إلى حالة من الكساد في السوق المحلي وفقدان القدرة التنافسية في الأسواق العالمية. ويأمل المصنعون أن يتم ترجمة إعلان الحكومة عزمها توطين صناعة السفن في مصر، إلى سياسات من شأنها تسهيل الإجراءات والتراخيص و الإفراجات الجمركية، ليتمكن القطاع من الصمود والمنافسة عالميًا لضخ العملة الصعبة للبلاد، التي تعاني بالأساس شحًا دولاريًا.