أدانت مصر، السبت، التصريحات الإسرائيلية التي وصفتها بـ”غير المسؤولة والمرفوضة”، والتي استهدفت المملكة العربية السعودية، معتبرة أنها تمثل تجاوزًا غير مقبول وانتهاكًا صريحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وأكدت القاهرة أن مثل هذه التصريحات تشكل مساسًا مباشرًا بسيادة السعودية وأمنها.
وأكدت مصر أن المملكة تمثل ركيزة أساسية في استقرار المنطقة، وأن أي تهديد لأمنها يُعد خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه. وشددت على تضامنها الكامل مع السعودية، ودعمها في مواجهة أي محاولات لزعزعة أمنها واستقرارها.
كما أكدت مصر رفضها لأي تصريحات تتجاوز الأعراف الدبلوماسية المستقرة، وجددت التزامها بدعم الحقوق الفلسطينية المشروعة، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ودعت القاهرة المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف واضح تجاه هذه التصريحات، والعمل على حماية استقرار المنطقة وأمنها.
كان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد قال في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية أمس، إن “لدى السعودية مساحات كافية يمكن أن تُخصص لإقامة دولة للفلسطينيين”، بحسب ما نقلته صحيفة جيروزاليم بوست.
وعند سؤاله عن إمكانية إقامة دولة فلسطينية كشرط لتطبيع العلاقات مع السعودية، أكد نتنياهو: “لن أوقع أي اتفاق قد يُعرّض إسرائيل للخطر.”
على مدار الأسبوع الماضيين، عمد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى إثارة جدل واسع، تزامن مع إطلاقه مجموعة من التصريحات من شأنها تأكيد مساعيه لتنفيذ خطته لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، تحت ذريعة توفير ملاذ آمن لهم، وهي الخطة التي سبق أن طرحها في عام 2020، خلال فترة ولايته الأولى فيما عُرف بـ صفقة القرن-، ضاربًا بعرض الحائط الموقف الرسمي والشعبي لمصر والأردن، الرافض لإفراغ القطاع – الذي يضم نحو مليوني فلسطيني- من سكانه، وعودة مئات الآلاف من أهالي غزة إلى الشمال والجنوب، سيرًا على الأقدام، عقب سريان وقف إطلاق النار، رغم الدمار الهائل، ليُفجّر ترامب مفاجأة جديدة، كشف خلالها عن نية الاحتلال الإسرائيلي تسليم قطاع غزة إلى أمريكا بعد انتهاء القتال، كاشفًا عن تطلعاته إلى أن تكون لبلاده ملكية طويلة الأمد في القطاع.
وأعلن ترامب، في منشور له، الخميس، عبر منصته تروث سوشيال، أن الفلسطينيين سيكونون قد تم توطينهم بالفعل في مجتمعات أكثر أماناً وجمالاً، مع منازل جديدة وحديثة، في المنطقة، ولن تكون هناك حاجة لجنود أمريكيين وأن الاستقرار سيعود إلى المنطقة، والفلسطينيين سيكون لديهم فرصة للعيش في سعادة وأمان وحرية، والتعاون سيبدأ مع فرق التنمية لتشييد أحد أعظم وأروع مشاريع التنمية على وجه الأرض، على حد زعمه، وكان ترامب قد صرح في مؤتمر صحفي له مع رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، قائلًا: “إنه يتوقع أن يتحول قطاع غزة بعد أن تسيطر عليه أميركا إلى ريفييرا الشرق الأوسط”، فيما وصف نتنياهو خطة ترامب بالفكرة المختلفة الجديرة بالاهتمام، التي ستغير التاريخ، وأنه أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض.
وفي مناورة سياسية منه أعلن الرئيس الأمريكي، الجمعة، أنه ليس مستعجلًا في تنفيذ مقترحه بشأن سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإخلائه من سكانه لتطوير مشاريع عقارية فيه، وفي رده على أحد الصحافيين، أثناء استقباله لرئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، في البيت الأبيض، والذي سأله عن الجدول الزمني في البيت الأبيض لتنفيذ المقترح، قال ترامب: “إن الولايات المتحدة ستنظر إلى الأمر في الواقع على أنه معاملة عقارية نحن مستثمرون فيها في هذا الجزء من العالم، ولا داعي للعجلة على الإطلاق في فعل أي شيء، زاعمًا أنه لم يكن يتحدث عن مشاركة القوات الأمريكية على الأرض.
وكان ترامب قد أعلن، خلال تصريحات صحفية، في الـ25 من ديسمبر الماضي، أنه سيطلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السماح بدخول مليون إلى مليون ونصف المليون من فلسطينيي قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، كما طلب من العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، استقبال المزيد من الفلسطينيين، مضيفًا أنه يرغب في التعاون مع بعض الدول العربية وبناء مساكن في موقع مختلف، للتعايش بسلام، زاعمًا أنه يريد لأهل غزة الحياة بلا عنف، في مناطق آمنة ومريحة، واصفًا غزة بأنها كانت جحيمًا لسنوات، وردًا على ذلك نقلت وسائل إعلامية محلية، على لسان مصدر مسؤول رفيع المستوى، أنه لا صحة لإجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين المصري والأمريكي، وأن أي اتصال هاتفي للسيسي يتم الإعلان عنه، وفقًا للمتبع مع رؤساء الدول، فيما أكدت وزارة الخارجية المصرية، في بيان لها وقتئذٍ، على استمرار دعم مصر لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وتمسكه بحقوقه المشروعة في أرضه ووطنه، وبمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ورفضها لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل.
وفي تعليقه على تصريحات ترامب، وصف الرئيس المصري، تهجير الفلسطينيين بالظلم الذي لا يمكن أن تشارك مصر فيه، إذ أن الظلم التاريخي للفلسطينيين وتهجيرهم سابقًا لن يتكرر مرة أخرى، وأن ما يحدث محاولة لجعل الحياة مستحيلة في غزة وحتى يتم تهجير الفلسطينيين، مطمئنًا الشعب المصري بأنه لا يمكن أبدًا التساهل أو السماح بالمساس بالأمن القومي المصري، لكنه في الوقت نفسه عازم على العمل مع الرئيس ترامب، ويرغب في تحقيق السلام القائم على حل الدولتين، معتبرًا أن حل القضية الفلسطينية، ليس إخراج الشعب الفلسطيني من مكانه ولكن حل الدولتين وإيجاد دولة فلسطينية وأن هذه حقوق تاريخية لا يمكن تجاوزها.
وقال السيسي، خلال مؤتمر صحفي له في 29 يناير المنقضي، عقب القمة مع نظيره الكيني في القاهرة: “ماذا أقول للرأي العام المصري لو تم تهجير الفلسطينيين إلى مصر؟ إذا حدث ذلك يعني عدم استقرار الأمن القومي المصري أو العربي، ويجب أن يعي الجميع أن في هذه المنطقة أمة لها موقف في هذا الأمر، سواء بقيت في منصبي أو رحلت، وإن طلبت من المصريين تقبل هذا الأمر، سيخرج كله إلى الشارع ليقول لا تشارك في هذا الظلم”، مؤكدًا أن موقف مصر تاريخي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولا يمكن أبدًا عن إنشاء الدولة الفلسطينية والحفاظ على مقومات تلك الدولة وبالأخص شعبها وإقليمها.
وكان مجلس النواب المصري، قد أكد في اجتماع عاجل له في الـ27 من يناير المنقضي، موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي، وبحث التبعات الخطيرة لهذه المحاولات على القضية الفلسطينية وعلى الأمن القومي المصري، مبديًا، في بيان له، دعمه لموقف القيادة السياسية المتمثل في حماية الأمن القومي المصري ومقدرات شعب مصر، والالتزام الراسخ بالقضايا العربية وفي طليعتها القضية الفلسطينية، في ظل تشابكات دولية بالغة التعقيد تتطلب حكمة ودراية في التعامل معها.
بينما تجاهل دونالد ترامب، الرفض المصري، مؤكدًا إصراره على خطته لـ”تطهير غزة”، إذ زعم خلال تصريحات صحفية، في 30 يناير المنقضي، أن مصر والأردن ستقبلان اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة، لأن الولايات المتحدة قدمت لهما الكثير، مضيفًا: “سيفعلان ذلك.. سيفعلان ذلك تمامًا.. نحن نفعل الكثير من أجلهما وسيفعلان ذلك”، وردًا على تصريحات ترامب، شهد معبر رفح البري، في اليوم التالي، احتشاد آلاف المتظاهرين، في وقفة احتجاجية لرفض التهجير.
فيما رحب وزير الأمن القومي السابق بدولة الاحتلال وزعيم حزب عوتسما يهوديت اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، بخطة ترامب، داعيًا نتنياهو إلى البدء الفوري في تنفيذها، وزعمت القناة 12 الإسرائيلية إن أرض الصومال وبونتلاند والمغرب، هي الأماكن التي رشحتها الإدارة الأمريكية لاستقبال الفلسطينيين الذين ترغب في تهجيرهم، وفي بيان لها حذرت وزارة الخارجية المصرية، الخميس، من تداعيات تصريحات عدد من أعضاء الحكومة الاحتلال
بشأن بدء تنفيذ خطط لتهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه، ومؤكدة أن ذلك يعد خرقًا صارخًا وسافرًا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ورفضها الكامل لهذه التصريحات غير المسؤولة، وأن استمرار إطلاقها يفاقم الوضع المتأزم، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي تجاه مسؤولياته في منع عودة الممارسات العدائية التي تتعارض مع أسس السلام والاستقرار في المنطقة، مشددة على رفضها التام لأي طرح أو تصور يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال انتزاع الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم التاريخية، والاستيلاء عليها بشكل مرحلي أو دائم.
نوصي للقراءة: عودة ترامب إلى البيت الأبيض: كيف ستتأثر مصر؟
التغطية على الأزمة الاقتصادية
لا يرى السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، تصريحات ترامب بشأن التهجير، بمعزل عن سلسلة من التصريحات المغلوطة التي يتعمد إطلاقها لإلهاء الرأي العام عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة في الولايات المتحدة الأمريكية، وانسحابها إلى العزلة عبر إصدار قرارات مثل: استدعاء 10 آلاف موظف في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، إلى أمريكا للنظر في أمرهم، واحتمالية تسريح معظمهم من العمل، مؤكدًا أن ترامب لا يلتزم بالقواعد والمعايير وما يخطر بباله يطرحه على الهواء دون دراسة أو تشاور مع مستشاريه والأطراف المعنية، ضاربًا بعرض الحائط الأعراف السياسية والدبلوماسية؛ إذ لم يناقش الأمر مع الأطراف العربي وممثلي الشعب الفلسطيني، مما أدى لموقف عربي ودولي رافض بشدة لتصريحات ترامب، وأساء لمصداقية الولايات المتحدة حين تتحدث عن حقوق الإنسان وحق الشعوب، وهو ما أدى لتراجع ضمني في التصريحات الرسمية الأمريكية بشأن التهجير.
يقول رخا، إلى زاوية ثالثة: “ترامب متوافق تمامًا مع الحكومة اليمينية الإسرائيلية ومعجب بالدمار والإبادة التي قامت بها في غزة، ويعتبرها عملًا عظيمًا وقام بتهنئة نتنياهو على ذلك، وأرى أن المقاومة الفلسطينية أرسلت رسالة قوية للرد على مقترح ترامب، تحت عنوان: “طوفان اليوم التالي”، خلال مراسم تسليم الأسرى، مفادها أنها باقية في القطاع وستحكمه في اليوم التالي”، مضيفًا: “نأمل ألا يؤثر ذلك على سير عملية وقف إطلاق النار التي تأخرت كثيرًا وبذلك مصر جهودًا مضنية لتحقيقها”.
فيما تؤكد النائبة غادة عجمي – عضوة مجلس النواب عن المصريين بالخارج-، إلى زاوية ثالثة، أن القاهرة لا تقبل المساومة على أرضها، وأن مصر لديها التزام، على مر العصور، تجاه القضية الفلسطينية وأحقية الشعب الفلسطيني في أرضه، ولديها قناعة بأن القضية لن تحل عبر نقل السكان من أرضهم ومساومتهم على ذلك.
تضيف النائبة: “مشروع التهجير مرفوض بشدة من الشعب المصري ونواب البرلمان بصفتهم ممثلين للشعب، ومن الرئيس والحكومة، وهناك إجماع على ذلك؛ فالقضية الفلسطينية يجب حلها بعيدًا عن التهجير وتوسيع رقعة الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال.”
نوصي للقراءة: عن السلطة الفلسطينية وجدوى المقاومة.. رحلة في عقل مريد البرغوثي
خطة سابقة لصفقة القرن
أصبحت خطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، بمثابة حديث الساعة في الأوساط السياسية والحزبية بمصر؛ إذ نظمت الحركة المدنية الديمقراطية، قبل أسبوعين، مؤتمرًا لدعم الشعب الفلسطيني، بمقر حزب المحافظين، لمواجهة مخططات ترامب، تحت عنوان: “فلسطين في قلب كل المصريين”، فيما يعتبر المرشح الرئاسي الأسبق والقيادي بالحركة المدنية، حمدين صباحي، أن إفراغ فلسطين من أهلها يأتي ضمن خطة سابقة لصفقة القرن، تعود إلى المشروع الصهيوني منذ عام 1948، الذي يعد أداة في يد الهيمنة الأمريكية، وأن ترامب خادم لذلك المشروع، وسيحاول ممارسة ضغوط أكثر على مصر، وهي قادرة على التصدي لها، آملاً أن يكون الحراك الشعبي العربي ظهيرًا للقضية الفلسطينية يرفض العدوان الصهيوني الأمريكي الذي يرعاه ترامب ويتصدى له، داعيًا إلى تنظيم حركة واسعة تضم فلسطيني الشتات وكل من يدعم الحق الفلسطيني في الأمة العربية.
يقول، في تصريحات إلى زاوية ثالثة: “هذا عدوان على الشعب الفلسطيني وحقه الأصيل في أن يعيش في وطنه ويحرره من الاحتلال، وعدوان على مصر و الأردن والأمة العربية بأسرها، ونحن ندين تصريحات ترامب ونقف ضدها بكل حسم، ونقدر رفض الموقف الرسمي المصري والأردني لها، وندعو حكومتي البلدين والأنظمة العربية ألا يتخاذلوا في هذه القضية، وأن يكون هناك موقف واضح للقوى الحية بالوطن العربي يرفض مساعي ترامب ويدعم نضال الشعب الفلسطيني، ويرفع شعار حق العودة الذي أقرته الأمم المتحدة، كما عاد شعب غزة إلى الشمال سيرًا على الأقدام وعاد الشعب اللبناني إلى الجنوب.”
وكان تحالف الأحزاب المصرية، الذي يضم 42 حزبًا سياسيًا، قد أعلن، رفضه القاطع لتصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر، معتبرًا في بيان رسمي له، أن تلك الطروحات تمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الفلسطينية وتتعارض مع جميع المواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية، وتنتهك مبادئ حقوق الإنسان، وتزيد من تعقيد الوضع في المنطقة، الذي شهد تهدئة بفضل الجهود المصرية لتحقيق هدنة بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس، مؤكدًا أن الأراضي الفلسطينية غير قابلة للتجزئة، وأن أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم مرفوضة تمامًا، كما أصدرت عدة أحزاب سياسية مصرية، من بينها: الوفد، والمحافظين، و الدستور، و العيش والحرية، و التحالف الشعبي الاشتراكي، و المصري الديمقراطي ، و المصريين الأحرار، التجمع، والحزب العربي الناصري، وحماة الوطن، و الجبهة الوطنية، بيانات للتعبير عن استيائها ورفضها لمقترح الرئيس الأمريكي، معتبرةً إياه يمثل تعديًا صارخًا على سيادة الشعب المصري، وانتهاكًا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية، داعية إلى التضامن الشعبي لوقف مخططات التهجير.
من ناحيته، يعتبر عبد السند يمامة – المرشح الرئاسي السابق، ورئيس حزب الوفد، أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة المنوفية- ، أن تصريحات ترامب مخالفة للقانون الدولي والنظام الدولي العالمي الذي يقوم على الأمم المتحدة ويخالف الحقوق والحريات ويمثل اعتداء صارخ على حقوق الشعب الفلسطيني المستقر في إقليمه، مؤكدًا أن كلٍ من السلطات الرسمية والأحزاب السياسية في مصر، يرفضون تلك التصريحات وفكرة التهجير من الأساس.
يقول إلى زاوية ثالثة: “كان الوفد أول حزب يصدر بيانًا للتنديد بتلك التصريحات ورفضها، والتعبير عن دعمه لموقف النظام السياسي الرافض للتهجير القسري للشعب الفلسطيني، لاسيما أن ذلك يمثل اعتداءًا صريحًا على السيادة المصرية، ونحن نرفض إطلاقًا المساومة على سيادتنا الإقليمية وإذا كان ثمن الحفاظ على سيادتنا وحريتنا هو قطع المساعدات الأمريكية لمصر، فنحن في غنى عنها.”
نوصي للقراءة: فوز ترامب بالرئاسة: كيف يؤثر على مباحثات القاهرة بين فتح وحماس؟
التوجه إلى معبر رفح
في أعقاب إعلان ترامب عن خطته لتهجير أهالي غزة، التي فجرها في الـ25 من يناير الماضي، أطلق فريد زهران – المرشح الرئاسي السابق، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي-، نداءًا بالتوجه إلى معبر رفح البري للتعبير عن الرفض الشعبي لمخططات تهجير الشعب الفلسطيني وتصريحات ترامب، وتأكيد موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية والرافض لتصفيتها، وهي الدعوة التي استجابت لها عددًا من القوى السياسية، واحتشد على إثرها الآلاف من المواطنين وشباب الأحزاب السياسية وأبناء قبائل سيناء، أمام معبر رفح البري، في 31 ديسمبر الماضي.
يقول زهران إلى زاوية ثالثة: “يمكن القول إن تصريحات ترامب هي بالونة اختبار، وأنها في الوقت نفسه لا تنفصل عن صفقة القرن التي سبق أن طرحها في ولايته الأولى، فهو يمتلك تصور يتجاوز حل الدولتين ويميل لتصفية القضية الفلسطينية، وليس بالضرورة أن تتحقق إملاءاته المبتذلة على أرض الواقع، فرغم قدرته الكبيرة على فرض تلك الإملاءات إلا أن هناك مساحة كبيرة للضغوطات المشتركة والكثير من الأوراق التي يمكن استخدامها في مواجهة ضغوطات الولايات المتحدة على الإدارة المصرية، والتي تمارسها منذ فترة طويلة، ومن المتوقع زيادتها خلال الفترة المقبلة، لأن منطق وطريقة ترامب لا تبعث على التفاؤل، لكن يمكن لمصر مواجهتها.”
ويعتبر المرشح الرئاسي السابق أن ترامب يستخدم لغة مبتذلة لفرض إملاءات، بشكل يليق بالعصابات الإجرامية ولا يليق بسياسات الدول أو بحجم دولة كالولايات المتحدة، وأن التوقعات تجاه ما ستصل إليه الأمور، أمر معقد ومركب في حد ذاته، وقد ينطوي على تنازلات من بعض الأطراف، لكن يمكن الوصول إلى أوضاع لا تُلبي الإملاءات الأمريكية، مؤكدًا أن موقف الحزب المصري الديموقراطي يتفق مع الإدارة المصرية التي ترفض مخطط التهجير، وما صرح به وزير الخارجية المصري ورئيس الجمهورية بهذا الصدد، وأن هناك حالة إجماع وطني مشرف لرفض تلك التصريحات التي تعكس محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وتجاوز في حق السيادة الوطنية المصرية.
بدورها تؤكد الفنانة تيسير فهمي – رئيسة حزب المساواة والتنمية-، أن مصر ترفض تصريحات ترامب، لأنها لا تريد الاشتراك في تصفية القضية الفلسطينية، عبر نزوح الفلسطينيين خارج وطنهم، والتي لن تموت ما دام الشعب الفلسطيني والشعوب العربية يتمسكون بالحق الفلسطيني.
تقول إلى زاوية ثالثة: “أبلغ رد على تلك التصريحات، المشهد العظيم لعودة الفلسطينيين إلى شمال غزة سيرًا على الأقدام، رغم علمهم بأنهم عائدون إلى حطام وركام بيوتهم، إلاّ أنهم متمسكون بأرضهم، وكان هذا رد الفلسطينيين، وتبقى أن ترد الشعوب العربية عبر البيانات والاحتجاجات ومواقع التواصل، ونحن نرفض التهجير كي لا تتم تصفية القضية الفلسطينية وليس رفضًا لاستقبال الأشقاء الفلسطينيين في مصر.”
وكان المستشار مرتضى منصور- رئيس نادي الزمالك السابق والمحامي-، قد أعلن عن توجيهه إنذارًا رسميًا إلى السفارة الأمريكية في القاهرة، منح خلاله الرئيس الأمريكي، مهلة أسبوع واحد للتراجع عن تصريحاته المتعلقة بتهجير الفلسطينيين قسريًا، وإلا سيتقدم بمذكرتين رسميتين، الأولى إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تتهم ترامب بالتحريض على ارتكاب جريمة حرب، باعتبار أن التهجير القسري للسكان محظور وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، ومذكرة أخرى إلى محكمة العدل الدولية تدين انتهاك ترامب للقانون الدولي، إذ خالف ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يكفل لكل شخص حرية التنقل والعيش داخل حدود دولته دون تدخل قسري.
نوصي للقراءة: من هي الفلسطينية “مريم أبو دقة” التي قررت فرنسا ترحيلها إلى القاهرة ولماذا؟
النقابات ترفض التهجير
في وقتٍ أكدت فيه القوى السياسية رفضها القاطع لمقترح ترامب بتهجير الفلسطينيين لمصر والأردن؛ فإن عشر نقابات مهنية أعلنت، بدورها، رفضها للتصريحات ودعمها للموقف المصري، معتبرة أن هذا الطرح يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأن مشهد مسيرات العودة أكبر رد على محاولات تصفية القضية.
وقال بيانٌ صادر عن نقابات المحامين، والمهندسين، والأطباء، والصحفيين، والمهن التمثيلية، والمهن السينمائية، والزراعيين، والتجاريين، والبيطريين، وأطباء الأسنان، ضمن اجتماع عُقد في الـ27 من يناير الماضي، بنقابة الصحفيين، إن ما اقترحه ترامب لا يعد فقط انتهاكًا واضحًا لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وتجاوزًا للقرارات الدولية ذات الصلة، التي تؤكد حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، بل يعد أيضًا استخفافًا بسيادة مصر والأردن، ويمثل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي للدولتين العربيتين.
وأشاد البيان بموقف الشعب الفلسطيني وصموده وتمسكه بأرضه، ورفضه الرحيل عنها، وإصراره على العودة إلى مدنه وقراه رغم ما حل بها من دمار إثر القصف الإسرائيلي لها، وهو ما تجلى في مسيرات العودة إلى شمال القطاع، مؤكدًا دعم النقابات المهنية المصرية الموقف المصري الرسمي الذي جدد رفضه المساس بالحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير، أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، حسبما جاء في بيان الخارجية، الذي حذر من أن أي تأخير في تسوية القضية الفلسطينية بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعودة الحقوق الفلسطينية كاملة غير منقوصة، ينذر بمزيد من امتداد الصراع في المنطقة، ويقوّض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.
وجددت النقابات في بيانها، إدانتها للصمت والتواطؤ الدولي على المجازر، التي ارتكبت بحق المدنيين في غزة، ومطالبتها بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة أمام الجنائية الدولية، مشددة على أن جريمة الإبادة، التي تمت بمعاونة أمريكية لن تكون بابًا لاستكمال المخططات الصهيوأمريكية لتصفية القضية، وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، داعية المجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته إلى الاضطلاع بمسئولياتها في وقف العدوان الإسرائيلي وإنهاء الاحتلال، مطالبة دول العالم بالضغط على دولة الاحتلال حتى يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة غير منقوصة.
وكانت النقابات المهنية العشرة، قد أعلنت خلال مؤتمر صحفي لها بنقابة الصحفيين، في 28 يناير الماضي، عن تنظيم وفد من النقابات المهنية لمعبر رفح لإعلان دعمها للنضال الفلسطيني ورفضها لمحاولات التهجير، وعزمها إرسال خطاب موقّع من النقباء، والنقابات المهنية للسفارة الأمريكية لإعلان رفضها وادانتها الكاملة لتصريحات الرئيس الأمريكي، وتمسكها بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يتضمن إعمار غزة وحق الفلسطينيين في العودة لأراضيهم، إرسال خطابات للأمم المتحدة، والمفوضية الأوروبية، والمنظمات الدولية، ترفض تصريحات ترامب وتطالب بتحرك دولي لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة، والضغط من أجل حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفتح باب التبرعات بمقرات النقابات المهنية لدعم الشعب الفلسطيني، وإعادة إعمار غزة، ودعم بقاء الفلسطينيين في مواجهة دعوات التهجير، وتعليق أعلام فلسطين ولافتات بنفس محتوى البانر على مقرات النقابات المصرية، وعلى مواقعها الإلكترونية وصفحاتها على السوشيال ميديا لرفض التهجير ودعم الشعب الفلسطيني، بجانب التنسيق بين النقابات المختلفة، ونقابة المحامين، واتحاد المحامين العرب للتحرك لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة، واستضافة النقابات المختلفة لفعاليات تضامنية بمقراتها لإعلان رفض التهجير مع استمرار التواصل بين النقابات في فعاليات مشتركة يتم الإعلان عنها، داعية الصحف والمواقع والقنوات المصرية لنشر بانر ثابت بصفحاتها الأولى، والرئيسية، وعلى شاشتها لرفض التهجير (نعم للإعمار- لا للتهجير- العودة حق- الحرية لفلسطين).
في الوقت الذي يرى فيه محللون سياسيون أن تصريحات دونالد ترامب، بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، لا تنفصل عن مساعي ترامب الداعمة للمشروع الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية، والتي سبق أن عبّر عنها، في إطار مقترحه بتنفيذ “صفقة القرن”، خلال ولايته الأولى، فإن البعض يعتبرها ليست إلا بالونة اختبار يبدأ بها ولايته الثانية، لقياس ردود الأفعال الرسمية والشعبية في الدولتين والمنطقة العربية بشكل عام، وتُجمع الأوساط السياسية والبرلمانية والنقابية في مصر، على رفض مخططات تهجير الشعب الفلسطيني والمساس بالسيادة المصرية، وفي حين تتوقع أن تلجأ الإدارة الأمريكية لفرض ضغوطات جديدة على مصر، لتنفيذ مقترح ترامب، فإن الرهان يبقى على التحركات الشعبية وأن تستخدم السلطات السياسية والدبلوماسية كل الأوراق لديها لمواجهة الضغوطات الأمريكية، لا سيما أن مصر سبق أن تصدت لمخططات سابقة لتهجير سكان غزة بدأت في عام 1970، حين خطط الاحتلال الإسرائيلي لتهجيرهم إلى مدينة العريش المصرية، وتكررت عام 2005، ورفضها الرئيس الراحل، حسني مبارك.