حمدين صباحي: الوضع الاقتصادي اليوم نتيجة انكسار ثورة يناير

يتحدث حمدين صباحي عن رؤيته للمصالحة الوطنية، مؤكدًا أن الأولوية للفقراء والسجناء قبل الإخوان. يناقش صباحي تأثير فض رابعة على الضمير المصري، وكيف كانت ثورة يناير عملاً جماعيًا بأخطائها وإنجازاتها.
Picture of نادية مبروك

نادية مبروك

تصوير حيدر قنديل
تصميم: آية صابر
تحرير فيديو: خالد عبد الله

 

كان له دور في الساحة السياسية منذ السبعينيات، واستمر نشاطه السياسي حتى ثورة يناير، التي كان واحدًا من قادة ميدانها، قبل أن يتفرق الميدان وتفرق السياسة بين الرفقاء. شارك في الانتخابات الرئاسية مرتين، الأولى كان مرشح الثورة الأقرب، بينما في الثانية كانت الأصوات التي حصل عليها أقل من الأصوات الباطلة.  في حواره مع “زاوية ثالثة”، يجدد حمدين صباحي حديثه عن أخطاء يناير التي حالت دون تحولها إلى ثورة مكتملة، ويضع خريطة لإنقاذ مصر مما اعتبره تصحرًا سياسيًا قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي وسياسي خطير. كما يكشف أسباب تغير موقفه من الثورة السورية، من دعمها إلى مقابلة بشار الأسد.

 

  • دار حديث عن مشاركة ثلاثة أحزاب في قوائم موالية للسلطة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهي: الإصلاح والتنمية، العدل، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي نفى قادته الإدلاء بأي تصريحات بخصوص الانتخابات. كيف ترى هذا الموقف؟ وهل يمكن أن يمثل حلاً للمعارضة للتواجد داخل البرلمان القادم؟

لا، هذا الموقف يمثل حلاً للسلطة ولكنه لا يمثل حلاً للمعارضة. في الواقع، هذا الموقف ينفي أهم شرط عن المعارضة التي تقوم على عدة شروط، وهو الاستقلال أن تكون مستقلة عن السلطة وأن تعبر عن الشعب. الدخول في قوائم أحزاب الموالاة مثل “مستقبل وطن” أو غيرها من القوائم التي تُدار من قبل أو تحت إشراف أجهزة الدولة يعني انتفاء شرط الاستقلالية عن المعارضة.

المعارضة التابعة ليست معارضة. لدي أصدقاء في تلك الأحزاب، وأكن لهم كل التقدير والاحترام على المستوى الشخصي، وأنا متفهم لمواقفهم التي أختلف معهم فيها، وهم يعرفون ذلك في العلن وفي أي جلسات خاصة. لكنني أرى أن موقفهم خاطئ ويضرهم، وإن كانوا أحرارًا في اختيارهم. بهذا الموقف، يفقدون صفتهم كـ معارضين، ويصبحون أقرب إلى جناح داخل السلطة، تمامًا كما هم جزء من قائمة “مستقبل وطن”.

هذا النهج، برأيي، يدمر الأساس الدستوري الذي يرتكز على التعددية الحزبية، ويتنافى مع جوهرها. بدلاً من التعددية الحقيقية، يتحول المشهد إلى هيمنة طرف واحد على السلطة، وتصبح المعارضة شكلية فقط، موجودة من أجل إضفاء شرعية زائفة على التحكم والانفراد بالسلطة. هذا لن يحل أزمة السلطة، بل سيضعف المعارضة، وسيزيد من فقدان الثقة الشعبية في نوايا السلطة بشأن تطوير أوضاع البلاد. إذا استمر هذا المشهد على هذا النحو، فإنه دعوة لمزيد من التأزم.

نوصي للقراءة:  أحمد دومة عن ديوانه “كيرلي”.. كتبته في السجن فرارًا من الهزيمة أو الانفجار

ترى أن أزمة السلطة الحالية عدم وجود تمثيل سياسي أو خريطة سياسية لها. كيف ذلك في ظل كل هذه الأحزاب الموالية؟

السلطة الحالية ليس لها حزب رسمي يمثلها، ولكن معظم الأحزاب الموجودة في المشهد السياسي هي أحزاب موالية للسلطة. هذه الأحزاب تصطف خلف السلطة وتؤيدها، وتتحرك وفقًا لما يُملى عليها. في المقابل تقوم السلطة عبر أجهزتها الأمنية بإدارة عدد كبير من الأحزاب، وتنفق عليها، وتوفر لها مقرات فخمة، وتختار من يخوض الانتخابات البرلمانية منها. هذه الأحزاب هي أدوات في يد السلطة.

السلطة ليست بحاجة إلى حزب رسمي، لكنها تمتلك كل هذه الأحزاب التي تديرها وفقًا لأهوائها. كما أنها تنشئ أحزابًا جديدة لتزيد من قدرتها على التحكم في المشهد السياسي. ولكن جوهر المشهد هو أن هناك سلطة مركزية تتحكم في السياسة في البلاد برأي واحد وإدارة واحدة. في المقابل، أحزاب المعارضة، مثل الحركة المدنية الديمقراطية، محرومة من الدعم الذي تحصل عليه الأحزاب الموالية، ومحاصرة في مقراتها، وتُلاحق بسبب مواقفها، وهي ممنوعة من التمثيل في البرلمان إلا إذا دخلت “بيت الطاعة”، حيث تقوم السلطة وأجهزتها الأمنية باختيار من يجب أن يدخل البرلمان.

هذا الوضع البائس هو استمرار لمنهج تجفيف الحياة السياسية في مصر، وهو السبب في حالة التصحر التي نشهدها. هذا الوضع يمثل خطرًا كبيرًا على البلد بأكملها، بما في ذلك السلطة نفسها. ما نحتاجه هو انفراجة كبيرة في المجال العام ترفع قبضة الأمن المهيمنة على الحياة السياسية، وأعتقد أن السلطة ستكسب ولن تخسر إذا قامت بذلك.

بداية فكرة الحوار الوطني كانت بحضور إفطار الأسرة المصرية. لماذا حضرت الإفطار وما تقييمك لتجربة الحوار ؟

حضرت إفطار الأسرة المصرية لأنني كنت أعتقد أنه قد يكون هناك فرصة للإفراج عن سجناء الرأي الذين يستحقون الحرية، وربما يُفضي إلى انفراج في المشهد السياسي المصري وتأمين مسار سلمي ديمقراطي للتغيير. بالطبع، لم تكن لدي أي ضمانات، ولكن منذ اللحظة الأولى، وبمجرد مصافحة الرئيس السيسي في ذلك الإفطار، بدأت الاستجابة لطلبات الإفراج عن سجناء الرأي، وتم إطلاق سراحهم تباعًا. وهذه نتيجة إيجابية يجب أن نثني عليها.

في ذلك الإفطار، دعا الرئيس إلى حوار وطني يقوم على مبدأ أن الخلاف في الرأي لا ينزع عن أحد وطنيته. شاركنا في الحوار الوطني عن اقتناع، وبذلنا جهدًا مخلصًا. كان لنا ممثلون في جميع لجانه، وقدمنا أدبياتنا التي تم طباعتها في كتاب.

لكن، الحوار الوطني تعثر بعد الانتخابات الرئاسية، وقررت الحركة المدنية عدم المشاركة في جولته الثانية، التي بدأت بعد الانتخابات بسبب عدم تفعيل مقررات وتوصيات الجولة الأولى من الحوار، وحددنا ثلاث نقاط رئيسية كشرط لعودة الحركة المدنية للحوار:

  1. إطلاق سراح سجناء الرأي، وهو ما لم يتحقق بعد.
  2. إصدار قوانين تنظم الحبس الاحتياطي وتمنع استخدامه كأداة عقاب، وهو أيضًا لم يحدث حتى الآن.
  3. إصدار قوانين جديدة للانتخابات تضمن نزاهتها وحرية المشاركة، بما في ذلك الانتخابات بالقائمة النسبية، وهذا لم يتحقق بعد.

لذلك، تظل الحركة المدنية خارج الحوار الوطني، ولكنها تنتظر تحقيق هذه النقاط الثلاثة. التي إذا تحققت ستكون الحركة المدنية مستعدة لمناقشة العودة إلى الحوار.

 

نوصي للقراءة:  أحمد الطنطاوي: مصر تحتاج بديل للسلطة والمعارضة (حوار)

 

هل ترى أن قائمة موحدة للحركة المدنية يمكنها المنافسة في ظل الحشد والمال السياسي؟

بالطبع، إذا نجحت الحركة المدنية في تمثيل التيار المدني الديمقراطي في مصر، وليس فقط أعضاءها، فأعتقد أنها ستكون منافسًا حقيقيًا ورقمًا صعبًا في الانتخابات، وستحظى بثقة شعبية. ولكن لتحقيق ذلك، يجب توافر ثلاثة شروط أساسية: الأول، الإفراج عن سجناء الرأي. لا يمكن الحديث عن إدارة انتخابات ديمقراطية حقيقية في ظل استمرار حبس أصحاب الرأي لمجرد تعبيرهم عن آرائهم. أما الشرط الثاني، يتعلق بقوانين الانتخابات التي يجب أن تضمن تنافسية حقيقية. هنا نطالب بجزء معتبر من الانتخابات يتم بنظام القائمة النسبية، وليس بنظام القائمة المطلقة.

والشرط الثالث، ضرورة وجود مناخ انتخابي يضمن حدًا معقولًا، حتى وإن لم يكن مكتملًا، من القدرة على إجراء الانتخابات بعيدًا عن سطوة الأجهزة الأمنية والإدارة والسلطة الحكومية. في هذه الحالة، يمكن مواجهة المال السياسي، ليس من قِبل الحركة المدنية وحدها، بل من قِبل الجماهير. المصريون أذكى من أن يُشتروا بالمال السياسي، فهم قد يقبلون تلك الأموال أو المساعدات، لكنهم سيصوتون في النهاية لصالح من يثقون به، ومن يعبر عنهم ويدافع عن مصالحهم بصدق، وليس لمن يشتريهم.

الحركة المدنية قادرة، إذا توفرت هذه الشروط بدرجة معقولة، أن تصبح الرقم الأهم في هذه الانتخابات. ولكن إذا ما استمر الوضع كما هو متوقع، حيث أن السلطة قد تنكث بوعودها في الحوار الوطني بعدم إدراج نظام القائمة النسبية في قانون الانتخابات الجديد، يبدو أن السلطة ترغب في الحفاظ على نظام الانتخابات بالقائمة المطلقة أو بنظام الانتخابات الفردية.

في هذه الحالة، قد تفكر الحركة المدنية جديًا في مقاطعة الانتخابات، وهذا أمر مطروح للنقاش. كما يمكنها النظر في تجميد نشاط أحزابها احتجاجًا على هذا التعنت والتصلب، وعدم فتح الأفق أمام التغيير السلمي والآمن من خلال الانتخابات. ربما تختار أيضًا المنافسة على عدد محدود من المقاعد الفردية، أو دعم مرشحين بعينهم في هذه المقاعد.

في كل الأحوال، الحركة المدنية لا تنظر إلى الانتخابات القادمة في مصر فقط من زاوية الحصول على عدد من المقاعد، وإنما ترى فيها فرصة لبث الأمل في إمكانية تحقيق تغيير سلمي يمهد لمستقبل أفضل. إذا ضاعت هذه الفرصة، ستزداد أزمة مصر سوءًا، ولكن إذا تم استغلالها بشكل صحيح، فإن مصر قد تبدأ في السير على الطريق السليم نحو تمكين الشعب من اختيار ممثليه الحقيقيين في البرلمان.

نوصي للقراءة: عايدة سيف الدولة: شهادات من قلب النضال ضد التعذيب

اعترفت بالخطأ بعدم إعلان موقفاً ضد التفويض وضد فض اعتصام رابعة، ما الذي منعك حينها من إعلان الموقف؟

أنا أعلنت موقف من فض رابعة، ولكني اخطأت لأنني لم أفصح بما فيه الكفاية عن شعوري بالألم من الدم المصري الذي جرى على هذا النحو، رابعة كانت وستبقى نقطة  تثقل الضمير المصري، لأنها كانت الحدث الأكثر إيلامًا والأوسع تأثيرًا،  بالتأكيد أنا لم أعبر عن ذلك حينها كما الآن، لأن مصر كانت مهددة بانفجار أوسع، كان ممكن ما نأسف عليه مما شاهدناه من فض رابعة يكون أكثر إيلامًا، لهذا كنت أرى أهمية لاستقرار الوضع في تلك اللحظة الحرجة. لذلك قررت حينها أن التعبير بالمستوى الأدنى كان كافيًا ليعفيني من جريمة الصمت، وأن الامتناع عن استخدام أقصى درجات التعبير قد يعفيني من التورط في إشعال مزيد من الحرائق الموجودة بالفعل في البلاد. هذا كان تقديري لتلك اللحظة.

أما بالنسبة للتفويض، فلم أشارك فيه ولم أدعُ له. في الواقع، قد يكون هذا التجمع الجماهيري الكبير الوحيد في مصر الذي لم أشارك فيه منذ أن كنت طالبًا في السبعينيات. لكنني أنتقد نفسي لعدم اتخاذ موقف واضح ضده، لأن مشكلة التفويض تكمن في كونه بداية لمرحلة الردة على 30 يونيو. 

جوهر 30 يونيو كان استمرارًا لـ 25 يناير، لكن التفويض سلب من جماهير الثورتين قدرتهم على تشكيل مستقبل البلاد. فقد تم تحويل القوة الرئيسية في مصر، وهي الشعب، من قيادة مدنية كانت حاضرة في 25 يناير و30 يونيو وقادت هذه الأحداث فعليًا، إلى قيادة عسكرية تحت ضغط الخوف من الحرائق المشتعلة والدماء التي كانت يجب أن تُحقن. رغم أن اللحظة كانت أكبر من أن يؤدي رفض التفويض إلى تغيير حقيقي في الأحداث، كان من الواجب ما آل إليه الوضع بالفعل نتيجة التفويض وأدت في النهاية إلى إقصاء المكون المدني بعد 3 يوليو لصالح المكون العسكري الذي انفرد بالسلطة والقرار.

نوصي للقراءة: مها عبد الناصر: يجب وقف المشاريع غير الضرورية لصالح تلبية احتياجات المواطنين

 

في ظل تردد الحديث عن المصالحة مع الإخوان…هل ترى أن هذا ممكن؟

في اللحظة الراهنة، لا أرى أن المصالحة مع الإخوان ممكنة. الحقيقة أن الحديث عن المصالحة يجب أن يكون أوسع بكثير من مجرد مصالحة مع جماعة مثل الإخوان. مصر بحاجة إلى مصالحة شاملة تشمل كل أبنائها، بدءًا من السجناء السياسيين الذين ليسوا بالضرورة من الإخوان، بل هناك كثيرون في السجون لمجرد التعبير عن آرائهم. كذلك، مصر بحاجة إلى مصالحة مع فقرائها، الذين يمثلون الأغلبية ويعانون من الارتفاع المستمر في الأسعار وصعوبة العيش.

مصر أيضًا بحاجة إلى مصالحة مع مكوناتها الاجتماعية التي لا تجد فرصتها في الحصول على نصيب عادل من الثروة أو المشاركة في السلطة من خلال انتخابات حقيقية. في هذا السياق، يأتي الحديث عن الإخوان، وأنا لست ضد المصالحة مع أي طرف، بما في ذلك الإخوان. بل أعتقد أن الرشد يتطلب التفكير الجاد في أوسع إطار ممكن من المصالحات، بما في ذلك مع الإخوان وغيرهم من المعارضين في الخارج.

لا أرى ضرورة للإبقاء على هذا القدر من التنابذ والخصومة المتبادلة، إذ أن هذا الوضع مكلف على مصر. المصالحة هي الاختيار الصحيح، ولكن يجب أن تأتي في إطار شامل بأولويات واضحة. لا ينبغي أن تُقدَّم المصالحة مع الإخوان على مصالحات أخرى أكثر أهمية وأولوية، ولكن بشكل عام، النهج الصحيح هو المصالحة، وأنا أدعم هذا الاتجاه تمامًا.

نوصي للقراءة: هشام قاسم: طالبت الرئيس بعدم الترشح.. سجنوني (حوار)

– شاركت في الانتخابات الرئاسية مرتين. ورأيت أن القوى السياسية أخطأت بعدم توحيد صفوفها حول مرشح واحد هل تعتقد أن التوصل إلى هذا الاتفاق كان ممكنًا؟

نعم، كان من الممكن الاتفاق على مرشح واحد للثورة. الجهود التي بذلت في هذا الاتجاه كانت جادة لكنها لم تنجح. والشيء الذي يجب أن أقف عنده الآن هو أنني، لو كنت أعرف ما أعلمه اليوم، كنت سأجمع المرشحين وأخبرهم بأنني على استعداد للتنازل لصالح أي شخص يتفقون عليه، وهذا كان سيكون الأفضل لمصر. لقد أضعنا لحظة تاريخية نادرة، لحظة لا تتكرر في حياة أي شعب إلا كل عدة عقود، إن أتت. والدليل على ذلك هو نتائج الصناديق، حيث حصل مرشحي الثورة على أكثر من 50% من الأصوات. لو اتفقت الثورة على مرشح واحد، لكان قد حصل على 60% من الأصوات، وتغير حديثنا اليوم عن الثورة، فلم تتوقف حينها عند حدود الانتفاضة، بل كانت ستصل إلى السلطة، وهذا كان سيغير مصير مصر. 

للأسف، ارتكبنا خطأ فادحًا، وأشعر بالحزن لأنني كنت شريكًا في ذلك. لم أكن أرى أن هذا هو القرار الصحيح في ذلك الوقت، خاصة وأنه كان قرارًا صعبًا، حيث كانت التقديرات تشير إلى أن فرصي كانت الأفضل، وهذا ما أثبتته النتائج. ولكن لو كنت أدركت في حينها أنني الأقوى بين المرشحين، لاتبعت هذا الطريق الصحيح بالفعل، لأن أيًا من مرشحي الثورة كان بإمكانه أن يضمن استمرارها، وكانت ستتحقق حياة كريمة للمصريين.

 

نوصي للقراءة: خالد داوود لزاوية ثالثة: 10 سنوات من غياب الأجهزة الرقابية عن محاسبة السلطة (حوار)

 

لماذا ترى أنك أخطأت في الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2014؟

ترشحي في انتخابات 2014 كان، من وجهة نظري، خطأً، لأن قراءة المزاج الشعبي في مصر آنذاك كانت تقول: المصريون لم يكونوا معي في تلك اللحظة. وقد أدركت ذلك بوضوح وأخبرت الجميع بهذا. فأنا لدي خبرة طويلة في الانتخابات،بدأت في المرحلة الابتدائية بالدراسة، ونادرًا ما خضت انتخابات لمجرد أنني أرغب في الترشح. في كل مرة كنت أشارك لأن المحيط حولي يرى أنني مهيأ ويدعمني بالثقة ويحثني على المشاركة. ولكن في تلك اللحظة، هذا المحيط لم يكن يدفعني للترشح.

الجمهور لا يفهم فقط بالكلمات، بل أيضًا بالصمت، ونظرات العيون، والشد على اليد أثناء السلام. كنت واثقًا أن الناس في 2014 كانوا يحبونني، ولكنهم لم يرغبوا في أن أخوض الإنتخابات. كانت المعركة السياسية حينها بحاجة إلى شخص من الجيش، بإمكاناته، ليضبط الوضع المهدد في مصر. عندما تكون البلاد في حالة تهديد، والشعب خائف، فإن الشعوب، وليس فقط المصريون، تلجأ لمن يحمل السلاح وليس لمن يحمل الفكر. وشعبنا لم يكن استثناءً من هذه التجربة التي تكررت في شعوب وثقافات عديدة. في ذلك الوقت، كان الجمهور ملتفًا حول الفريق السيسي، ويرونه الشخص القادر على تأمين البلد من المسار الخطر الذي كان هناك حملة تخويف شديدة منه. لذلك، رأيت أن هذا التوقيت لم يكن مناسبًا لخوض هذه المعركة، وظل هذا تقييمي حتى الآن.

وبعد رؤية النتيجة، أدركت أن قراري كان خطأً، وأتحمل مسؤوليته وحدي. العديد من الشباب الذين أحبهم وأحترمهم كانوا مصرين على أن أترشح، وكان لديهم وجهة نظر تحترم، متكاملة وقادرة على الإقناع. تجادلنا حول مسألة الترشح أو عدمه، وعندما حان وقت اتخاذ القرار، قررت الدائرة الأكبر، وهي مجلس أمناء التيار الشعبي، بأغلبية واضحة الترشح، واحترمت هذا القرار. لكن بعد النتيجة، اتضح لي أنني ارتكبت خطأً، وكان هذا الترشح خسارة كبيرة.

عندما قررت الترشح، لم يكن ذلك متماشياً مع المزاج الشعبي العام، وهو ما كان واضحًا من خلال موقفي مع أهلي وجمهوري في بلطيم(مدينة بمحافظة كفر الشيخ شمال مصر)، الذين أعرفهم جيدًا، ولم يكونوا يرغبون في أن أترشح. كانوا يمثلون عينة من الشعب، وكان ينبغي علي أن ألتزم بهذه الرغبة، حتى وإن لم يصرحوا بها، لأنني أدركتها، وبعضهم أفصح عنها. لهذا السبب، خسرت المزاج الشعبي عندما قررت الترشح، ثم خسرت دعم الشباب عندما رفضت التنازل عن قرار مد فترة التصويت لليوم الثالث. لذلك، أعتبر ترشحي في انتخابات 2014 خسارة مركبة. ومع ذلك، أعتز بشدة بالذين خاضوا هذه المعركة، لأنهم كانوا الأصلب، والأكثر نقاءً، والأشرف، والأكثر وعيًا. لكن في المجمل، نتعلم أن العامل الحاسم وقت اتخاذ القرار هو المزاج الشعبي للناس وليس رأي النخبة.

 

هل يمكن أن يخوض حمدين صباحي تجربة الانتخابات الرئاسية مرة أخرى؟

لا أعتقد أنني سأخوض الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، يجب على مصر أن تقدم مرشحًا يعبر عن مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ويمثل روح ثورتي 25 يناير و30 يونيو. لا ينبغي أن يحدث تنافس في هذا البلد دون أن تكون فكرة التغيير لصالح الجماهير حاضرة من خلال مرشحيها، وذلك في حال توافر الحد الأدنى من شروط التنافس التي نطمح إلى تحقيقها، والتي لم تتوافر في أي انتخابات رئاسية سابقة. لكن هذا المرشح لن يكون حمدين صباحي. نحن بحاجة إلى مرشح يتبنى هذه الفكرة، وربما يكون أقل أخطاء مني، وأكثر قدرة على التعلم. والأهم من ذلك، يجب أن يكون شابًا يتحمل هذا العبء ويكون قادرًا على النهوض به.

 

نوصي للقراءة: جمال عيد: بعض مؤيدي النظام يؤيدونه خوفًا.. لا يمكن استمرار الحكم بالقمع والإفقار (حوار)

 

كيف ترى أداء السلطة المصرية تجاه حرب غزة؟

أداء السلطة المصرية والنظام العربي الرسمي بشكل عام كان مُهينًا لأنفسهم وأمتهم طوال 15 شهرًا مثّلت واحدة من أمجد جولات الصراع بين الأمة العربية والعدو الصهيوني. النظام العربي الرسمي كان خاذلًا إما بالعجز أو بالتواطؤ، وكان هو نقطة الضعف في الأمة، في حين كان الشعب من المحيط إلى الخليج والمقاومة الفلسطينية يمثلان نقاط القوة.

النظام العربي الرسمي، بما في ذلك مصر، كان أشبه بـ”كعب أخيل” الذي تُستهدف الأمة من خلاله. بالطبع، مصر هي الأكبر والأهم في هذا النظام العربي الرسمي تاريخيًا، رغم أن دورها قد تراجع بدءًا من اتفاقية كامب ديفيد وعلى مدى أربعة عقود. وقد أثقلها عبء الديون المتفاقمة، مما قيد دورها. ومع ذلك، تظل مصر صاحبة الوزن الأكبر في الأمة العربية، ليس فقط بسبب حجمها بل بسبب مكانتها التاريخية والجغرافية والديموغرافية.

ورغم الحكم العام على النظام الرسمي العربي بالخذلان، يُحسب لمصر أنها كانت حاسمة منذ اللحظة الأولى في رفضها للتهجير. هذا الموقف كان واضحًا منذ بداية عملية طوفان الأقصى، ويزداد أهميته الآن مع وقف إطلاق النار في غزة وتصاعد دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإخلاء غزة من أهلها. موقف مصر الرسمي الرافض للتهجير يظهر الآن كعامل مهم في المعادلة، وينبغي الرهان عليه في المرحلة القادمة. هذه اللحظة قد تكون فرصة للنظام العربي الرسمي كله ليكفر عن تصيره بحق الأمة، إذا تمسك بموقف حاسم غير قابل للإخضاع تجاه مشروع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية في مواجهة ترامب الداعم للكيان الصهيوني.

 

كيف ترى دعوات الاصطفاف الوطني؟

أنا تمامًا مع موقف وطني مصري يعبر عن وحدة وطنية جادة. يجب أن يشمل جميع أفراد الشعب المصري، وعلى رأسهم المعارضة، التي من المفترض أن تساند السلطة الرسمية وتقوي موقفها في هذه اللحظة. هذا من أجل الاستمرار في موقفها الذي أعلنت فيه رفضها للتهجير القسري أو الطوعي وتصفية القضية الفلسطينية.

تحت هذه المبادئ، أعتقد أن الوحدة الوطنية المصرية ضرورة، وأنا أدعو إليها. أما مصطلح “الاصطفاف”، فهو كلمة لا أحبها ولا أستخدمها، لأنني أفضّل التعبير بـ”وحدة وطنية” و”موقف وطني جامع” يحمي أمن مصر ويستعيد دورها الوطني. أما الاصطفاف يبدو وكأنه استدعاء رسمي للشعب، في حين أنني أؤمن بأن الشعب هو الذي اتخذ الموقف، والسلطة انضمت إليه وليس العكس. لذا نحتاج إلى تصحيح هذا المفهوم، ويجب القول بأن مصر تحتاج إلى موقف وطني جامع ضد التهديدات التي تطال أمنها وتهدده، وضد ما يُحاك ضد فلسطين، التي هي جزء منا وستظل كذلك. كما أن مصر تحتاج إلى موقف قومي عربي موحد، تتماسك فيه الأنظمة لمواجهة المخطط الصهيوني الأمريكي، ويُتاح للشعب العربي فرصة للتعبير عن تضامنه الذي سبق وأعلنه في هذه القضية.

هذه لحظة فاصلة في تاريخنا العربي، وهي لحظة بالغة الأهمية لمصر. تجاوزها بما يسمح بحماية مصالح مصر واستعادة دورها يستوجب وحدة وطنية حقيقية يجب أن يحرص عليها الجميع، المعارض قبل الموالي.

نصيبي من الخطأ… لماذا قررت الآن الحديث عن أخطاء الثورة؟

الحديث عن أخطاء الثورة جائز في كل وقت. لقد أنجزت هذا النص منذ سنوات، وحينما أُتيحت فرصة مناسبة للنشر بادرت بذلك. في رأيي، نحن لا نحتاج إلى مراجعة فردية لحدث عظيم مثل 25 يناير، بل نحتاج إلى مراجعة جماعية يشارك فيها الكثيرون، لاسيما أولئك الذين أسهموا في هذا الحدث وكانوا جزءًا منه.

 25 يناير أروع ما أنجزه شعبنا كعمل جماعي، وفتح باب حلم عظيم جدًا، لكنه سُرق. تكرر الأمر نفسه في موجة 30 يونيو، وكان ذلك درسًا قاسيًا. هذا الوضع أورث إحباطًا كبيرًا لمن عاشوا تلك اللحظة في الميادين، وسلب من هذا الجيل الكثير من قوته النفسية وقدرته على الأداء، بل وأدى ببساطة إلى صدمة نفسية للكثيرين.

أنا على يقين بأن الثورة قد انكسرت، لكنها لم تُهزم. في الأساس، لم تكتمل الثورة وتوقفت عند حدود الانتفاضة لأنها لم تصل إلى السلطة. وبقدر ما أطلقت من آمال مشرقة وحضور جماهيري واسع، إلا أن الإحباط الناتج عن انكسارها يستحق تأملًا عميقًا. النقد جزء من هذا التأمل. آمل أن يُلهم ما كتبته آخرين للمشاركة وإبداء آرائهم. في رأيي، سيكون هذا زادًا مهمًا لجيل الشباب، لأن الوضع المأزوم في مصر لا ينبغي أن يستمر على هذا النحو.  وأرى أن أحد المسارات الممكنة لتغييره هو تحديد مسار الانتفاضة؛ هل سنسمح بتجدد الانتفاضة لتُسرق مرة أخرى؟ لا ينبغي ذلك، وإلا ستكون تضحياتنا مجانية. وجزء من تفادي تكرار نفس السيناريو المكلف على مصر هو أن ننتبه لأخطائنا. آمل وأتمنى أن ما كتبته، وما سيكتبه آخرون يساهم في تمكين شعبنا من حماية ثورته ومنع سرقتها مرة أخرى.

 

قلت بأن ترك الميدان يوم 11 فبراير كان خطأ؟ لماذا؟

رأيت ذلك لأن السيناريو في تلك اللحظة كان يحمل العديد من البدائل، وكنت أرى أن البديل الصحيح، بما أن الشعب كان في الميادين وفرض إرادته وأجبر مبارك على الرحيل، هو أن يكون للشعب تمثيل حقيقي يخرج من الميدان المليوني(ميدان التحرير). وبالتالي، كان من الطبيعي أن يعلن الميدان تشكيل مجلس رئاسي مؤقت لإدارة البلاد حتى أول انتخابات رئاسية.

لقد ارتكبنا خطأً فادحًا حين انفض الميدان دون اتخاذ هذا القرار، حيث عاد المتظاهرون إلى منازلهم بعد أيام صعبة، وكان ذلك حقًا لهم بالطبع، لكنهم عادوا دون تفويض أحد لتحاسبه، ودون اختيار مجلس رئاسي مدني، مما جعل زمام الأمور في يد طرف وحيد، وهو المجلس العسكري الذي فوضه مبارك. وهذا رئيس عزله الشعب، وبالتالي لم يكن له سلطة اختيار خليفته، وهذا لا يُعتبر مقبولًا من ناحية المنطق.

في تلك اللحظة، كان الجيش في حالة تناغم حقيقي مع إرادة الشعب، وكانت تلك أفضل لحظة مواتية لتشكيل مجلس رئاسي مدني يتعاون مع الجيش في تسيير المرحلة الانتقالية. هذا الخطأ لم يظهر فقط بأثر رجعي، بل كان هناك وعي أثناء وجودنا في الميدان بأهمية تشكيل مجلس رئاسي مدني، وتم عقد العديد من الجلسات والمناقشات للحركة الوطنية بمختلف تياراتها في ميدان التحرير، لكن الأمر لم يتحقق. وهذا يعكس أن الوعي الثوري كان أقل مما ينبغي. وكانت هذه هي حالة التيارات والنخب المصرية في ذلك الوقت.

لذلك، ألوم نفسي والنخبة لأننا لم ننتبه لهذا الأمر، وأعفي الشعب من المسؤولية، لأن النخبة، التي كان يُفترض أن تكون أكثر وعيًا وخبرة، كان عليها أن تطرح هذا البديل. ولو تم طرح هذا في الميدان، لكانت الجماهير قد أقرته من حيث المبدأ بغض النظر عن تفاصيله.

أرى ذلك، كما أسميته في كتاباتي، “الخطيئة الأولى”، مثل خطيئة الخروج من الجنة، بأننا خرجنا من ميدان التحرير دون أن نشكل قيادة مدنية نكلفها ونحاسبها ونكمل بها ما بدأناه.

 

نوصي للقراءة:  مالك عدلي: أزمة الحبس الاحتياطي لا تحتاج إلى حوار وطني (حوار)

 

هناك محاولات لتحميل 25 يناير الوضع الاقتصادي الحالي، ما رأيك؟ وهل تتحمل مصر موجة أخرى من يناير؟

تحميل ثورة 25 يناير، ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في مصر تزييف متعمد للحقائق، كما يعتبر أحد أساليب الثورة المضادة. الهدف من هذه الاتهامات هو تنفير الرأي العام من فكرة الثورة ذاتها. لذا، جزء من حملة التشويه ضد ثورة يناير يتمثل في تحميلها، ظلمًا وبهتانًا، مسؤولية التدهور الاقتصادي.

إن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها مصر اليوم نتجت عن ظروف وأسباب متعددة، أهمها سوء الإدارة الاقتصادية والسياسات التي اتبعت بعد الثورة، فالضرر الحقيقي لم يكن بسبب الثورة بل نتيجة انتكاستها. ولو كان الميدان أفرز قيادة مسؤولة أمام الشعب، تعمل على تنفيذ سياسات اقتصادية تهتم بمصالح الناس وتلبي مطالبهم في العيش والحرية والكرامة، لما وصلت مصر إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها حاليًا.

عيش حرية عدالة إجتماعية … ماذا تبقى من شعار يناير؟

الشعار لا يزال قائمًا كحلم أصيل لدى المصريين، لأنه يعبر عن تطلعاتهم من قبل الثورة التي جاءت كـ فرصة لتجديد هذا الحلم أو صياغته بشكل أكثر وضوحًا. فلا يمكن لشعب عظيم مثل شعب مصر أن يتقدم بدون مشروع نهضة يلبي احتياجاته ويمنحه فرصة العيش الكريم. هذا المشروع حدد أهدافه الكبرى في العدالة الاجتماعية، الكرامة الإنسانية، والاستقلال الوطني. 

في الحقيقة، ثورة يناير لم تعبّر إلا عما كان في قلوب المصريين وناضلوا من أجله لعقود طويلة، فهي امتداد لمسار تاريخي طويل للحركة الوطنية، وكانت أيضًا وليدة لحظتها محليًا وإقليميًا وعالميًا. الشعار باقٍ لأنه يلبي احتياجًا حقيقيًا، وما زال ملهمًا. فأي مصري إذا جلس وتأمل في ما يتمنى لمستقبل مصر، سيجد أن مطالب الميدان في العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية هي ما يريده.

المشكلة تكمن في أن هذا الشعار لم يجد السياسات التي تعبر عنه، ولا سلطة تخلص السعي لتحقيقه. لذ لا يجب أن نتبرأ من الشعار لأنه لم يتحقق بعد، بل علينا أن نتبرأ من الممارسات التي أحبطت تحوله إلى سياسات واقعية تمس المواطنين.

 

هل يمكن تحميل فصيل واحد المسؤولية الأكبر عن انكسار يناير؟

انكسار يناير مسؤولية جماعية، فالثورة عملًا جماعيًا بامتياز، ولم يكن هناك أحد غائبًا عن الميدان. لذلك، لكل فصيل سياسي نصيب من الخطأ، وإن كانت تلك الأنصبة قد تختلف في حجمها. ولكن لا يجب التعامل مع يناير من منطلق “أنا بريء والآخرون مذنبون”، لأن هذا سيعيدنا خطوات كثيرة إلى الخلف.

 

الإصلاح أم الثورة… ماذا تحتاج مصر الآن؟

عندما أتحدث عن الإصلاح أو الثورة، فأنا أرى أن كليهما يعبر عن حاجة المجتمع إلى التغيير. لكنني من المؤمنين بأن التغيير في مصر والوطن العربي يجب أن يتم بطريقة آمنة، تُمكّن الشعب من فرض إرادته دون أن يدفع الثمن من استقراره أو على حساب مؤسسات الدولة.

فمثلًا أن أقف مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السيسي والملك عبدالله ملك الأردن الداعمين لـ كامب ديفيد ووادي عربة، في موقفهم ضد تهجير الفلسطينيين من غزة، بنفس القدر، أنا أقول أن الإصلاح والثورة تعبيرين عن حاجة المجتمع لطريق للتغيير، أنا من المؤمنين بأن التغيير في مصر والوطن العربي يحتاج طريق آمن، يمكن الشعب من أن يفرض إرادته دون أن يدفع كلفة على حساب الشعب أو على حساب مؤسسات الدولة. 

ما ننادي به هو أن مصر بحاجة إلى طريق للتغيير السلمي. وهذا الطريق يمكن أن يتحقق من خلال انتخابات نزيهة توفر للشعب فرصة التعبير عن إرادته. ولكن إذا أُغلقت هذه الأبواب، فإن ما يتبقى هو الانتفاضة الشعبية. ومع ذلك، لا أحد يمكنه التنبؤ بما إذا كانت تلك الانتفاضة ستتحول إلى ثورة أم لا. شخصيًا، لست من المؤيدين لإعادة إنتاج انتفاضات تنجح وثورات تفشل.

أعتقد أن اللحظة الحالية في مصر هي لحظة حرجة للقوى الساعية للتغيير. إذا استطاعت هذه القوى أن تُعبّر الطريق الصعب نحو التغيير من خلال انتخابات نزيهة، ستكون قد اختارت الخيار الآمن. خصوصًا أن مصر تعاني من احتقان اجتماعي بسبب الفقر الذي يدفع المواطنين إلى اليأس. هذا الوضع يهيء الأرض لانفجار اجتماعي، وإذا حدث هذا الانفجار، فلن يكون مجرد انتفاضة سلمية، بل سيكون انفجارًا غاضبًا من الفقراء الذين يشعرون بالإهانة.

أعتقد أن هذا يمثل خطرًا حقيقيًا على مصر وشعبها ودولتها ومؤسساتها. ولتفادي هذا الخطر، يجب على كل عاقل ومسؤول أن يبذل كل ما في وسعه لفتح باب التغيير السلمي عبر انتخابات حرة ونزيهة، لضمان استقرار البلاد وتجنب الانهيار الاجتماعي.

 

نوصي للقراءة: أسماء محفوظ: شعارات يناير لم تتحقق والسلطة تخشى المعارضة

بين دعمك للثورة السورية في 2012 ولقائك بشار الأسد في 2023، ووقوفك ضد أحمد الشرع في 2024، ماذا حدث؟

ما حدث أن الثورة السورية بدأت، مثلها مثل ثورة 25 يناير في مصر أو الثورة التونسية، كـ جزء من الربيع العربي الذي صنعه الناس، وكانت تحمل أحلامًا جميلة. لكن عندما تم تسليح الثورة، فقدت معناها وتحولت إلى حمام دم. هذا ما حدث في سوريا. بدلاً من أن تكون الثورة وعدًا بالتغيير الديمقراطي السلمي، تحولت إلى صراع دموي استنزف الشعب والسلطة، وظهرت مشروعات لتقسيم سوريا وإخضاعها، وكسر موقفها المقاوم، خاصة وأنها كانت من الدول القليلة التي رفضت توقيع اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني.

هذا التحول تم برعاية أمريكية وتمويل خليجي، وشمل استقدام جماعات متطرفة تقاتل على الأرض السورية، مما أدى إلى تحويل الصراع إلى مشروع دولي يستهدف تفتيت سوريا.

سؤالنا كان: هل نحن مع التغيير عبر العنف والاقتتال؟ إجابتي كانت ولا تزال “لا”. أنا لا أؤمن بأن التغيير يمكن أن يتحقق بالسلاح أو عبر الدم، لأنه حينها يصبح من يكسب هو من لديه الدعم الخارجي والتمويل والتسليح، وليس من يكون أكثر حرصًا على الديمقراطية والحريات. هذا ما رأيناه عندما انتهى الأمر بسيطرة قوى متطرفة ذات ارتباطات خارجية.

في عام 2023، زرت دمشق على رأس وفد من الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، الذي أتشرف بكوني أمينًا عامًا منتخبًا له. التقينا بالرئيس الأسد لتوصيل رسالة واضحة: نحن مع سوريا المقاومة والممانعة، مع وحدتها شعبًا وأرضًا وسلطة، ومع عروبتها ودورها كمصدر دعم للمقاومة. لولا الدور السوري، لما كانت المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية بهذا الاستعداد والجاهزية، كما رأينا في طوفان الأقصى.

لكن رسالتنا لم تقتصر على ذلك. شددنا أيضًا على ضرورة المصالحة الداخلية على أسس ديمقراطية، والإفراج عن سجناء الرأي، والبحث عن حلول سياسية للصراع الداخلي. التقينا بالمعارضة السورية التي كانت ضد الأسد لكنها رفضت العنف وحمل السلاح. قدمنا قوائم بأسماء المعتقلين، وطالبنا بالإفراج عنهم، وعلى رأسهم أعضاء في المؤتمر القومي العربي.

وأريد أن أوضح أن الخلط الدائم الذي جزء منه مفتعل، وربما مغرض ما بين حق الأمة في انها تسعى للديمقراطية وحقها في مقاومة الصهيونية أو الهيمنة الأجنبية، وتصوير الأمر بضرورة الاختيار ما بين الأمرين، إذا كنت داعم للمقاومة فأنت ضد الديمقراطية، أو العكس، زائف، وخطر على الوعي السائد.

 الذي دعا ويدعو إليه المؤتمر القومي العربي دائما هو مشروع نهضوي عربي في أوله الاستقلال الوطني والقومي ورأسه تحرير فلسطين، لكن من أعمدته الستة الرئيسية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحكم الشعب. ونحن نعبر عن حالة مستقلة، لا النظام في سوريا كان أو أي نظام أخر يملك القرار في المؤتمر القومي العربي، ولا كان المؤتمر ولا أنا شخصيا في أي لحظة ظهير لأي استبداد في الوطن العربي، لكن عندما أذهب إلى سوريا، أشد على يدها كجزء من المقاومة وممانع لإسرائيل وأدعو لوحدتها،  أعتقد أنني كنت على صواب، وحين أذهب  لسوريا لكي أطلب الإفراج عن سجناء الرأي، والبحث عن حل سياسي للخلاف بدون دم، فأعتقد أنني كنت على صواب

وأخيرا أنا لست مقاطع أي حاكم عربي، أنا مقاطع اسرائيل فقط، ومقابلتي لأي رئيس لا تعني أنني راضي عن كل سياساته. في مصر لم أكن في أي لحظة إلا معارض، والحقيقة لم أرفض يومًا مقابلة أي رئيس مصري. الزيارة في حد ذاتها ليست موضوع لتكون محل هجوم أو تأييد منفصلة عن الرسالة التي حملها المؤتمر القومي،  وهي رسالة كنت ولا زلت اعتقد في أنها رسالة صحيحة، ولو تكرر الأمر سأقوم بنفس الزيارة في أي ظروف مشابهة.

 

بالحديث عن سجناء الرأي، لو طلبنا منك أن توجه رسالة إلى الدكتورة ليلى سويف، ماذا ستقول؟

ليلى سويف نموذج مصري عظيم لإنسانة تحب وطنها وتخدمه بكل إخلاص من خلال دورها الإنساني والسياسي، وأيضًا من خلال عملها كعالمة مرموقة وأستاذة جامعية. الحقيقة أن إضرابها الأخير للمطالبة بحق ابنها علاء عبد الفتاح في الحرية رفع من مكانتها في قلوب كل من يملك ضميرًا حيًا.

أنا مع ليلى سويف تمامًا في حقها وحق ابنها علاء في الخروج من السجن فورًا، كما أنني مع حق كل سجين رأي في أن ينال حريته. مصر بحاجة إلى تبييض سجونها وتبييض وجهها أمام العالم، وإراحة ضميرها.

بدأت حياتك السياسية من الجامعة، كيف ترى وضع الجامعات في مصر اليوم؟ 

الجامعات اليوم محاصرة وبائسة، لا يوجد فيها سياسة ولا حركة طلابية فعالة، وهذا يعكس حالة التصحر السياسي التي تشهدها مصر. مجتمع لا تلعب فيه الجامعات دورًا فعالًا، ولا يمكّن الشباب في مرحلة حيوية من حياتهم من المشاركة في نهضة مجتمعهم، هو مجتمع محكوم عليه بالضمور السياسي،  وهذه الحالة التي فيها مصر الآن.

 

كيف ترى وضع الحريات والإعلام في ضوء حجب الكثير من المواقع الصحفية المستقلة وآخرها زاوية ثالثة؟

طالبنا بوضوح بإنهاء ظاهرة حجب المواقع الصحفية وإطلاق حريات حقيقية للصحافة في مصر. وضع الصحافة الحالي في مصر يثير الشفقة على ما آلت إليه الأمور. قوة مصر الناعمة كانت دائمًا جزءًا أساسيًا من تمكينها للعب دورها الإقليمي والدولي، ولكن بوضع الصحافة الحالي، تفقد مصر واحدة من أهم أدوات قوتها الناعمة.

لن نستطيع استعادة هذا الدور بدون حريات حقيقية للصحافة، ولا يمكن فصل ذلك عن فكرة الحريات العامة في المجتمع ككل. الأمر يتطلب تطويرًا جادًا لأوضاع الصحفيين والمؤسسات الصحفية. الصحافة المصرية بعيدة تمامًا عن دورها الفعلي، وهذا يمثل علامة أخرى من علامات التصحر السياسي في مصر وتدمير الحياة العامة.

 

أنت تنتمي إلى التيار الناصري، كيف ترى وضع هذا التيار سواء حزبيًا أو على مستوى النخبة أو جماهيريًا؟ وكيف تراه في الشارع؟

جمال عبد الناصر رمز عظيم وأيقوني للأمة العربية بأسرها. ربما لا تشعر الأجيال الجديدة بأهمية ناصر بنفس الطريقة التي شعر بها الذين عاصروه أو كانوا قريبين من عصره، ولكن في كل أزمة كبيرة تواجه مصر، نجد أن عبد الناصر حاضر بمنهجه كحل لتلك الأزمة. وهذا هو السبب في أن الهجوم عليه وتشويهه الذي لم يتوقف منذ أكثر من نصف قرن. الهجوم ليس على شخصه فحسب، بل هو هجوم على الفكرة التي يمثلها، وعلى الرمز الذي يجسدها.

هذه ليست معركة في الماضي، بل هي معركة من أجل المستقبل. القوى التي تسعى إلى نزع حقوق المصريين والعرب في الغذاء، الحرية، الاستقلال الوطني، والكرامة، هي نفس القوى التي تعادي عبد الناصر حتى اليوم.

 عبد الناصر يرمز إلى حقنا في أن نعيش بكرامة، أن نحصل على تعليم جيد، وأن نتلقى رعاية صحية جيدة، وأن نواجه إسرائيل وأمريكا دون تردد. هو الذي قال: “لو أردتم قطع المعونة، اقطعوها” ومن يقول كلمة سيئة عن مصر “نقطع لسانه”. فهو رمز لهذه الكرامة، لمشروع تحرير فلسطين، والوحدة العربية، والاستقلال الوطني، والتجدد الحضاري، والديمقراطية. هذا هو ما أضافه الناصريون بعد رحيل عبد الناصر، وهو المكون الذي يشكل مشروعه.

أرى أن الناصرية هي الحل الذي يمكن أن ينقذ هذه الأمة من التردي الذي وصلت إليه. أما فيما يتعلق بالناصريين، فهم يعانون، كغيرهم من القوى السياسية، من ضعف تنظيمي وهشاشة في أحزابهم، بالإضافة إلى الحصار المفروض عليهم من الخارج. الناصرية في الضمير الشعبي بخير وستبقى كذلك، ولكنها في الحركة الحزبية والتنظيمية تمر بأزمة وتحتاج إلى تجديد نفسها.

نادية مبروك
صحفية مصرية متخصصة في التحقيقات والتقارير

Search